بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والسامعين.
(المتن)
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في مختصر زاد المعاد لابن القيم:
[فصل في كيفية سجوده]
فصل ثم كان يكبر ويخر ساجدًا، ولا يرفع يديه. وكان يضع ركبتيه ثم يديه بعدهما، ثم جبهته وأنفه. هذا هو الصحيح, فكان أول ما يقع منه على الأرض الأقرب إليها فالأقرب، وأول ما يرتفع الأعلى فالأعلى، فإذا رفع رأسه أول، ثم يديه، ثم ركبتيه، وهكذا عكس فعل البعير. وهو نهي عن التشبه بالحيوانات في الصلاة، فنهى عن بروك كبروك البعير، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب، ورفع الأيدي وقت السلام كأذناب الخيل الشمس.
(الشرح)
هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السجود, كان هديه صلى الله عليه وسلم أنه يكبر ويخر ساجدًا ولا يرفع يديه عند السجود ولا عند الرفع, إنما يرفع يديه في أربعة مواضع:
الموضع الأول: عند تكبيرة الإحرام.
الموضع الثاني: عند الركوع.
الموضع الثالث: عند الرفع من الركوع, يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه, أو حتى يحاذي فروع أذنيه, هذه هي الثلاثة ثبتت في الصحيحين.
الموضع الرابع: ثبت في صحيح البخاري عند القيام إلى التشهد الأول.
وما عدا ذلك فليس فيه رفع, عند السجود لا يرفع يديه, عند القيام من السجود لا يرفع يديه, جاء في السنن في أحاديث ضعيفة, ثم كيف يسجد؟ كيفية السجود فيه حالتان:
الأولى: على ما جاء في حديث وائل بن حجر «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع ركبتيه قبل يديه». هذا اعتمده جمع من أهل العلم, اعتمده ابن القيم وجمهور العلماء على حديث وائل بن حجر, «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع ركبتيه قبل يديه». وعلى هذا فإذا سجد يبدأ بالأقرب فالأقرب, أولًا: يضع ركبتيه ثم يديه؛ لأن الأقرب إلى الأرض ركبتيه ثم يديه.
وعند القيام من السجود كذلك يرفع الأقرب فالأقرب, يرفع جبهته ثم يديه ثم ركبتيه, وإذا قام يعتمد على صدور قدميه, هذا هو الذي اعتمده المؤلف على ما جاء في حديث وائل بن حجر, «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع ركبتيه قبل يديه». وهذا اعتمده جمع من أهل العلم, وجمع من مشايخنا كسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله, وسماحة الشيخ محمد بن عثيمين وغيرهم من أهل العلم.
وقال آخرون من أهل العلم: إنه يضع يديه قبل ركبتيه, واستدلوا بحديث أبي هريرة «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه», قالوا: إن البعير ركبتيه في يديه, فلهذا يضع يديه أولًا, البعير يديه في ركبتيه فهو ينزل ركبتيه, واستدلوا بحديث أبي هريرة: «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه», اعتمد هذا المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني وجمع.
والأولون قالوا: هذا انقلاب, انقلب على الراوي, الراوي أراد أن يقول: وليضع ركبتيه قبل يديه فانقلب عليه فقال: وليضع يديه قبل ركبتيه.
تنبه بعض المشايخ على أصل الحديث وهو الشيخ محمد -- ((@ كلمة غير مفهومة- 04:17)) – قال: الحديث يقول: «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير», ولم يقل: على ما يبرك البعير, قال: «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير», ولم يقل على ما يبرك البعير, البعير يبرك على يديه, لكن كما فرق بين قول كما أو على, لا يبرك أحدكم قبل أن يبرك البعير ولم يقل على ما يبرك البعير, وعلى كل حال فالأمر في هذا واسع, المسألة سنة سواء وضعت يديك قبل ركبتيك أو ركبتيك قبل يديك صلاتك صحيحة, ولكن الأفضل على حديث وائل بن حجر إذا كان الإنسان صحيح يضع ركبتيه ثم يديه, وعند القيام يرفع يديه من ركبتيه, أما إذا كان مريض أو كبير السن؛ فإنه يناسبه أن يضع يديه أولا لا بأس ما في إشكال, لكن إذا كان صحيح ومستطيع فما الأفضل وما الأولى؟ هذا محل خلاف, يضع يديه قبل ركبتيه أو ركبتيه قبل يديه فالصلاة صحيحة والسجود صحيح على أي حال, سواء قدم اليدين أو قدم الركبتين, وكذلك عند الرفع, لكن الأفضل كما اعتمده المؤلف ابن القيم رحمه الله واعتمده الإمام محمد بن عبد الوهاب واعتمده جمع من أهل العلم على حديث وائل «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع ركبيته قبل يديه», ومنهم من اعتمد على حديث أبي هريرة قال: «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه», وهناك من قال: هذا انقلاب انقلب على الراوي, مثل ما انقلب على بعض الرواة «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه», انقلب بعض الرواة قال: «حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله», الشمال ما تنفق, الذي تنفق اليمين, انقلب على بعض الرواة قال: «حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله», كذلك هنا انقلب على بعض الرواة أراد أن يقول: «وليضع ركبيته قبل يديه», قال: «وليضع يديه قبل ركبتيه», والأمر في هذا واسع ولا ينبغي التشديد في هذا أو الخلاف أو النزاع أو الشقاق.
(المتن)
وقد نهى عن التشبه بالحيوانات في الصلاة.
(الشرح)
نعم ست حيوانات منهي عن التشبه بهن.
(المتن)
فنهى عن بروك كبروك البعير.
(الشرح)
بروك كبروك البعير حينما يبرك, يبرك البعير على يديه وأنت تبرك على ركبتيك لا على يديك؛ حتى لا تتشبه بالبعير.
(المتن)
والتفات كالتفات الثعلب.
(الشرح)
جاء في حديث عائشة: «إذا صلى أحدكم فلا يلتفت, فإن الالتفات اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد», فلا ينبغي للإنسان أن يلتفت, والإلتفات هذا إذا التفت برأسه هذه مخالفة للسنة, لكن لا يبطل الصلاة, لو التفت لغير حاجة, أما إذا كان هناك حاجة, كأن هناك حاجة يحتاج إلى أن ينظر إلى شيء مهم فلا بأس, مثل ما حصل للصديق رضي الله عنه لما صلى تقدم وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس يصفقون فالتفت فرأى النبي صلى الله عليه وسلم, أو سمع جلبة فأراد أن يتلفت ينظر لحاجة لا بأس, لكن إذا كان لغير حاجة فهذا اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد, هذا إذا التفت برأسه, أما إذا التفت بجسمه واستدار عن الكعبة فهذا يبطل الصلاة, إذا التفت بجسمه استدار بجسمه متعمد تبطل الصلاة؛ لأنه يجب عليه أن يتجه إلى القبلة, لكن إذا التفت بعنقه برأسه دون جسمه, فهذا اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد, وإن كان لحاجة فلا بأس.
(المتن)
وافتراش كافتراش السبع.
(الشرح)
حينما يسجد يضع مرفقيه على الأرض, ينبغي له أن يجافي, يجافي مرفقيه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه, وفخذه عن ساقيه, فلا يجعل ذراعيه على الأرض؛ لأن هذا يشبه افتراش السبع.
(المتن)
وإقعاء كإقعاء الكلب.
(الشرح)
إقعاء كإقعاء الكلب في الصلاة بين السجدتين أو التشهد, والإقعاء كإقعاء الكلب هو أن ينسب ساقيه ويجلس على إليته ويضع يديه هكذا, وهناك إقعاء آخر جاء في الصلاة وهو أنه يجلس على ركبتيه ويضع إليته على قدمه هذا إقعاء فعله النبي صلى الله عليه وسلم بين السجدتين, كما جاء عن ابن عباس في صحيح مسلم, لما سئل عنه قال: «فهو فعل نبيك», فالإقعاء إقعائين إقعاء مشروع فعله النبي بعض الأحيان, والأكثر من فعله عليه الصلاة والسلام أنه يفترش بين السجدتين, يعني ينصب رجله اليمنى ويفترش اليسرى ويجلس عليها, وأحيانًا يقعي بأن يضع ركبتيه على الأرض وينصب قديمه ويجعل إليته عليهما أحيانًا, أما إقعاء كإقعاء الكلب هو الذي يجلس على إليته وينصب ساقيه ويضع يديه هكذا, هذا المنهي عنه إقعاء الكلب.
وكذلك وورد إقعاء كإقعاء الكلب هو أن يعتمد على يديه من الخلف, هذا في غير الصلاة.
(المتن)
ونقر كنقر الغراب.
(الشرح)
نقر كنقر الغرب؛ يعني عدم الطمأنينة في الصلاة, بمجرد أن يضع جبهته على الأرض يرفعها للطمأنينة؛ لابد أن يطمئن حتى يعود كل مفصل إلى موضعه, يعود كل فقهار إلى موضعه ويسبح , سبحان ربي العظيم في الركوع, سبحان ربي الأعلى في السجود, فلابد من الطمأنينة, أما أن ينقرها كنقر الغراب هذا سرقة من الصلاة, في الحديث «أسوأ الناس سرقة الذين يسرقون من صلاتهم, قالوا يا رسول الله كيف يسرقن من صلاتهم؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها», مر معنا الحديث هذا لا بأس به, فينبغي للإنسان أن يطمئن في صلاته؛ حتى يعود كل مفصل إلى موضعه, أما أن ينقر كنقر الغراب هذا تشبه بالحيوان, بعض الناس إذا سجد مجرد ما تصل جبهته إلى الأرض يرفعها, هذا نقر الغراب, لابد أن تطمئن, تلبث, تمكث في السجود أو في الركوع حتى يعود كل مفصل إلى موضعه, وكذلك بين السجدتين, وكذلك بعد الرفع من الركوع.
(المتن)
ورفع الأيدي وقت السلام كأذناب الخيل الشمس.
(الشرح)
ورفع الأيدي عند السلام, هذا في الأول كانوا إذا سلموا, قالوا: السلام عليكم ورحمة الله بيده, فقال النبي: «اسكنوا عند التحية, ما لكم ترفعون أيديكم كأذناب الخيل», عند السلام يقول بيده: السلام عليكم ورحمة الله, السلام عليكم ورحمة الله, لا, لابد أن تكون يداك ساكنتان يلتفت بعنقه واليدان ثابتتان.
(المتن)
وكان يسجد على جبهته وأنفه دون كور العمامة، ولم يثبت عن السجود عليه، وكان يسجد على الأرض كثيرًا.
(الشرح)
نعم كان يسجد على جبهته وأنفه؛ لأن الجبهة والأنف عضوٌ واحد, يسجد على الأعضاء السبعة, يديه وركبتيه وأطراف القدمين, هذه ستة والسابع الجبهة والأنف عضو واحد, ولا يسجد على كل العمامة, إذا كان عليه عمامة أو عليه عقال ما يسجد على العقال أو على العمامة يرفعه, تكون جبهته على الأرض, جبهته وأنفه يضعهما على الأرض يباشر الأرض, ولا يكون بينهما حائل من كور العمامة أو العقال أو ما أشبه ذلك.
قف على هذا.