بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين والسامعين.
(المتن)
قال المؤلف رحمه الله تعالى في "مختصر زاد المعاد":
وكان يَسْجُدُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ دُونَ كَوْرِ الْعِمَامَةِ، ولم يثبت عنه السجود عليه، وكان يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ كَثِيرًا، وَعَلَى الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَعَلَى الْخُمْرَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ، وَعَلَى الْحَصِيرِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ، وَعَلَى الْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ.
(الشرح)
هذا هديه r في السجود, كان يسجد على الجبهة والأنف, ويباشر بهما الأرض, ولا يسجد على كل العمامة, العمامة اللفة التي تكون على الرأس, كانت العرب يلبسون العمامة, الآن صار بدلها العِقال فلا يسجد على العقال, يرفع العقال حتى لا يكون تحت الجبهة, يباشر الجبة والأنف بالأرض, لا يسجد على العقال كما أن النبي r كان لا يسجد على كل العمامة, والسجود كما سبق على الأعضاء السبعة وهما: اليدين, الركبتين, أطراف القدمين, والسابع الجبهة والأنف, وهما عضو واحد, هكذا كان يباشر بهما الأرض.
وكان r يسجد على التراب, وأحيانًا يسجد على الخُمرة وهي سجادة من خوص النخل, وعلى الحصير المتخذ أيضًا, وعلى الفروة, وعلى البساط, لا يتكلف فكان r يسجد على ما تيسر له, وهذا هو الأفضل للإنسان, هل الأفضل للإنسان أن يصلي على التراب أو يصلي على المفروش؟ لا يتكلف ويكون على الحالة التي عنده, إن كان في أرض تراب يصلي على التراب, فإن كانت الأرض تراب لا يأتي بفراش ويصلي عليها, لا يتكلف, وإذا كان هناك بساط مفروش لا يقول: أبعد الفراش وأصلي في مكان على التراب, لا, وإنما صلي عليه, الأفضل للإنسان أن يصلي على ما تيسر, الخُمرة متخذة من خوص النخل أحيانًا تكون صغيرة بقدر الجبهة وأحيانًا تكون بقدر صلاة المصلي, ومن ذلك الحديث أن النبي r قال لعائشة: «ناوليني الخُمرة» من المسجد, فقالت: «إني حائض, فقال: ليست حيضتكِ بيدكِ».
الطالب: -- ((@ كلمة غير مفهومة- 03:33)) –
الشيخ: كذلك لا طاقية ولا عقال يبعدها عن الجبهة ويباشر الجبهة بمكان السجود, بالبساط أو بالأرض أو بالتراب.
الطالب: بعض الناس يضع شماغ تحته؟.
الشيخ: هذا مكروه كونه يسجد على شيء يتحرك بحركته إلا إذا كان هناك حاجة, لو كان هناك حاجة كأن تكون الأرض حارة أو باردة أو شوك, كان الصحابة يبسطون أرديتهم ويصلون عليها لتقيهم الحر, أما بدون حاجة مكروه هذا, لو كانت الأرض فيها شوك أو حصباء تؤذيه لا بأس أن يفرش, أو كان الأرض حارة شديدة أو باردة شديدة ما يتحمل فإنه يبسط شيء يسجد عليه.
الطالب: -- ((@ كلمة غير مفهومة- 05:15)) –
الشيخ: جمهور العلماء على أنه لابد من الاتجاه للقبلة ولابد من الوضوء؛ لأنهم يعتبرونها صلاة, ولابد من السلام, والقول الآخر لأهل العلم أنها خضوع لله وليست صلاة, وعلى هذا يجوز السجود على غير وضوء إذا كان يقرأها عن ظهر قلب ولو لغير القبلة, وهذا اختيار البخاري رحمه الله وهو قول ابن عمر وهو اختيار شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنها ليست صلاة, وعلى هذا لفظًا أن تكون لجهة القبلة, لكن لو سجد إلى غير القبلة فلا حرج لأنها ليست صلاة وإنما خضوع لله بالتسبيح والتهليل.
الطالب: سجود الشكر؟.
الشيخ: مثله سجود الشكر يعني أقل منه, سجود الشكر ما يحتاج إلى وضوء؛ لأن الإنسان قد يكون سببه وهو على غير وضوء فلا يتمكن, سجود الشكر يكون عند حصول النعمة أو اندفاع النقمة, حصول نعمة عامة أو خاصة, حصول نعمة عامة كأن تبشر بانتصار المسلمين أو بانتصار الجيش المسلم فتسجد لله شكرًا وهذا نعمة عامة, أو نعمة خاصة كأن تُبشر بولد فتسجد, أو اندفاع نقمة مثل هلاك العدو فتسجد لله, قد تُبشر في وقت لست على وضوء فتسجد ولو كنت على غير وضوء, لما بُشر أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقتل مسيلمة سجد لله شكرًا.
(المتن)
وَكَانَ إِذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ، ونحى يديه عن جنبيه، وجافاهما حتى يرى بياض إبطيه.
(الشرح)
وهذا هو السنة المجافاة, كان إذا سجد مكن جبهته, بعض الناس ما يمكن تجد جبهته على طرف, يعني حصولها على الترف ما يمكنها, لا, ينبغي أن يمكن الجبهة والأنف من المصلى, وكذلك السنة المجافاة يجافي يديه بذراعيه عن جنبيه, وبطنه عن فخذيه, وفخذيه عن ساقيه, وكان النبي r من مجافاته لو مرت بهيمة من بين يديه لدخلت, هذا هو السنة وهو منهي كونه يفترش ذراعيه افتراش السبع كما في الحديث: «نهى عن الافتراش كافتراش السبع» وهو أن يجعل ذراعيه على الأرض, يرفع ذراعيه على الأرض.
(المتن)
وكان يضع يديه حذو منكبيه وأذنيه.
(الشرح)
يعني يضع وجهه بين يديه, تكون يديه تحاذي المنكبين أو تحاذي الأذنين في السجود هكذا, تضع رأسك بين يديك وتكون اليدين تحاذي المنكبين, بعض الناس يمد اليدين والرأس متأخر, أو يؤخر يديه والرأس متقدم وهذا خلاف السنة, الرأس يكون بين اليدين, تكون اليدين محاذية لأذنيه ولمنكبيه, وكان يعتدل ويمد صلبه.
(المتن)
ويعتدل فِي سُجُودِهِ، وَيَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ.
(الشرح)
كذلك السنة أن يستقبل بأطراف أصابعه القبلة, يعني يثني أطراف أصابع الرجلين ويكون اتجاههما إلى القبلة, وكذلك اليدين متجهة إلى القبلة, بعض الناس إذا سجد يكون اليمنى جهة الشمال واليسرى جهة الجنوب, لا, السنة هي اتجاههما إلى القبلة, تضع اليدين جهة القبلة هكذا ما تكون هكذا, وكذلك يستقبل بأطراف قدمي الرجلين الكعبة, يعني يثني أطراف القدمين حتى يكون اتجاههما إلى القبلة.
(المتن)
ويبسط كفيه وأصابعه.
(الشرح)
ويبسط كفيه, بعض الناس يكون ساجد وهو رافع أصابعه, لا ولكن ابسطها حتى تكون الأصابع على الأرض ما ترفعها هكذا, وهذا يدل على أنه لابد من الطمأنينة؛ لأن تسوية السجود ما يتمكن منه مع العجلة, العجلة ونقر الصلاة كنقر الغراب ما يتمكن, هذه العناية في السجود تكون مع الطمأنينة, يلزم منها الطمأنينة والركود والسكون حتى يعود كل عضو إلى موضعه.
الطالب: -- ((@ كلمة غير مفهومة- 10:36)) –
الشيخ: الأصابع والراحة كلها مبسوطة.
(المتن)
ويبسط كفيه وأصابعه ولا يفرج بينهما، ولا يقبضهما.
(الشرح)
يبسط يديه وكفيه, يعني الجميع الأصابع والراحة, ولا يفرج بين أصابعه تفريج كثير ولا يقبضهما, لا يقبض اليدين ولا يفرج بينهما بل يبسطهما وتكون الأصابع متوالية.
(المتن)
وَكَانَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» وَأَمَرَ بِهِ، ويقول: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي» ويقول: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ».
وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتَ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ» وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغفر لي خطاياي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وخطاياي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» وَأَمَرَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ، وَقَالَ: «إنه قمن أن يستجاب لكم».
(الشرح)
يعني حريٌ, كل هذا مشروع في السجود, وهذا يكون في السجود بالليل, صلاة الليل الطويلة كان النبي r يدعو بهذه الأدعية, لكن في الفرائض ما يتمكن منها؛ لأن الفريضة مبنية على التخفيف, والمصلي إذا كان يصلي مع الإمام فهو تابعٌ لإمامه, يبدأ بالتسبيح يقول: سبحان ربي الأعلى, الواجب مرة وما زاد فهو سنة, ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي, سبوح قدوس رب الملائكة والروح, وإذا تمكن من الدعاء سأل الله المغفرة مثلًا, يفعل ما يستطيع وما يتمكن منه.
أما إذا كان يصلي وحده فهو يصلي على ما تيسر له, يطيل السجود إذا كانت القراءة طويلة, وتكون الصلاة متناسبة, إذا كانت القراءة طويلة يكون السجود طويل والركوع طويل, وإن كانت القراءة قصيرة يكون السجود مناسب له, تكون الصلاة متناسبة ما يطيل السجود ويقصر القراءة, أو يطيل القراءة ويخفف السجود, السنة أن تكون الصلاة متناسبة, فهذه الأدعية يأتي منها بما تيسر, والنبي r كان يأتي بهذه الأدعية لأنه كان يطيل السجود, قالت عائشة: «كانت السجدة من صلاة النبي r بقدر ما يقرأ الرجل خمسين آية» يعني تعادل ربع ساعة تقريبًا في صلاة الليل, وأحيانًا يطيل كما في حديث حذيفة لما صلى مع النبي r قرأ البقرة, وآل عمران, والنساء في ركعة واحدة خمسة أجزاء وربع مع الترتيل والتدبر لا يمر بآية فيها رحمة إلا وقف يسيرًا, ولا آية عذاب إلا وقف وتعوذ, ولا تسبيح إلا وقف يسبح, ثم ركع فكان ركوعه قربًا من قيامه, ثم سجد فكان سجوده قريبًا من قيامه وركوعه, من يستطيع هذا؟!
وسائر صلاته r تقول عائشة: «كان إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل قام يصلي» قرب نصف الليل إلى آخر الليل يعني تستغرق صلاته ساعة أو ساعتين أو ثلاث أو أربع ساعات, والسجدة بقدر ما يقرأ الرجل خمسين آية, ربع ساعة, والركوع كذلك, والقراءة كذلك, كان يصلي صلاة طويلة حتى تتشقق قدماه من طول القيام, تقول عائشة: «كان يصلي حتى تتفطر قدماه» التشقق ليس بسهل, إنما تتشقق من طول قيام طويل, مداومة على هذا وكل ليلة حتى تشققت قدماه, فقالت له عائشة: «لمَ تفعل هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة أفلا أكون عبدًا شكورًا» يفعل هذا r شكرًا لله, وتعبدًا لله, ولتتأسى به أمته r, وليكثر أجره وثوابه, وليناجي ربه سبحانه وتعالى.
نحن ضعفاء نأتي بما يسر الله لنا, المسلم يجاهد نفسه ولو وقت قليل يناجي فيه الله حسب ما يتيسر للإنسان, ولو دقائق معدودة, ويأتي أولًا بالتسبيح سبحان ربي الأعلى, سبحان ربي الأعلى, ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك سبوح قدوس رب الملائكة والروح ثم يأتي بما تيسر له من الدعاء, وليس هناك شيء مخصص للدعاء, ولهذا قال النبي r: «وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمنٌ أن يستجاب لكم» يعني: حريٌ أن يستجاب لكم.