بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى في إملاءاته على عمدة الأحكام:
(عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه. ولمسلمٍ: لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم. وهو جنب.
قوله: لا يبولن أحدكم في الماء إلى آخره هذا تحريمٌ للبول في الماء الدائم وهو الذي لا يجري إذا كان معداً للاغتسال أو الشرب منه. لأنه وسيلةٌ إلى تنجيسه. والوسائل لها أحكام المقاصد وفيه أيضا أذيةٌ للمسلمين. وإفسادٌ له عليهم. وقوله في الرواية الأخرى: لا يغتسل).
قال الشيخ: النهي للتحريم يحرم على الإنسان أن يبول في الماء الراكد. في بركة مثلاً. وإن كان لا ينجسه لكن كثير قد يكون كثير لا ينجس لكن وسيلة للتنجيس إذا بال في هذا وهذا تنجس وأفسده يفسدها على المسلمين، ولكن الواجب عليه أن يبول في مكان أي في الصحراء ثم يستنجي في الخارج، حتى لا يقذرها على الناس. والحديث معروف إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، والقلتان هما ما بلغ من الماء خمس قرب. الفقهاء على أنه يتنجس إذا كان أقل من خمس قرب يتنجس بمجرد الملاقاة سواءً تغير أو لم يتغير. والصواب المعروف أنه لا ينجس إلا إذا تغير لحديث أبي سعيد إن الماء طهور ولا ينجسه شيء. إلا ما غلب على في رواية ابن ماجة وإن كان فيها ضعف إلا ما غلب على طعمه أو ريحه أو لونه. يتغير أحد أوصافه فهو ينجس وإلا فلا ينجس. وحديث القلتين لا بأس به. لكن وإن كان حديثا صحيحا لكن منطوق حديث أبي سعيد مقدمٌ عليه. لأن مفهومه أنه إذا بلغ قلتين أنه لا ينجس أنه إذا كان أقل من القلتين ينجس هذا المفهومٌ رواه حديث أبي سعيد أن الماء طهور لا ينجسه شيء وهو حديث صحيح هذا ما عليه المحققون. وأما الفقهاء فيرون أنه إذا كان بلغ خمس قرب وهما قلتان قدرت القلتان القلة بمقدار قربتين ونصف إذا كان أقل من هذا فإنه ينجس سواء تغير أو ما تغير. أما إذا بلغ يعني تجاوز الخمس فهذا لا، عند الجميع. لا يتغير أحد الأوصاف. لا ينجس إذا تغير أحد الأوصاف ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم. الماء الدائم، الدائم الماء الراكد الذي لا يجري. أما إذا كان مجاري فهذا لا إشكال لأنها تزول. فالجارية تزول معها البول. لكن النهي إنما خاص في الماء الدائم. الحديث الآخر: لا يغتسلن أحدكم حتى في الماء الدائم. حتى الاغتسال. يعني لا يغسل في وسطه وإنما يغترف منه. أما يغتسل في وسط البركة أيضاً هذا وسيلة إلى يعني إذا كان قليل عند الفقهاء يكون مستعملاً ما يرفع الحدث. إذا كان أقل كذلك من قلتين لكنه وسيلة منهي عنه. ما ينبغي للإنسان أن يغتسل في الماء الدائم في البركة في وسطها. هذا إذا كان عن حدث يغتسل عن جنابة. وإنما يغترف منه. نعم.
(وقوله في الرواية الأخرى: لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب. لأنه أيضاً فيه وسيلةٌ لإفساده. وهذا عام. ولو كان الماء كثيراً جداً إذا كان راكداً ومثله تغسيل الأوساخ ونحوها لأن في ذلك تنجيسه أو تقذيره).
قال الشيخ: وقيل وهو جنب اغتسل للتبرد فلا يضر، لكن إذا اغتسل عن جنابة. وكذلك للتبرد لا ينبغي. أن يكون الأولى أن يكون خارج البركة أو خارج الخزان. ما دام راكداً. أما إذا كان يغير الماء ويذهب ويأتي غيره فلا بأس. أو كان يجري ما في إشكال هذا.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً. ولمسلمٍ: أولاهن بالتراب. وله في حديث عبد الله بن مغفلٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعا وعفروه الثامنة بالتراب.
قوله: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم إلى آخره. الكلب في عرف الشارع هو الكلب المعروف. وما هو في معناه من السباع كالأسد والذئب والنمر ونحوها. ولهذا في حديث عتبة ابن أبي لهبٍ اللهم سلط عليه كلباً من كلابك. فسلط عليه الأسد. والخنزير أولى منه. ولكن هذا حكمٌ خاصٌ في الكلب المعروف. وفيه دليلٌ)
قال الشيخ: ولذلك الفقهاء الحنابلة وغيرهم. أن الخنزير ملحقٌ بالكلب يغسل سبع مرات. والصواب أن هذا خاصٌ بالكلب. الرسول أفصح الناس. ما قال والخنزير قال إذا ولغ الكلب والخنزير. وكذلك بقية السباع ذلك. ولذلك بعض الفقهاء يقولون كأبي حنيفة السباع هذا خاص بالكلب وأما حديث اللهم سلط عليه كلباً من كلابك هذا الكلب بمعناه العام يشمل السباع لأنه له ناب. وكل ما له ناب فهو سبع ومنه الكلب. لكن هذا الحكم خاص بالكلب المعروف، وهو أنه إذا ولغ في الإناء فلابد أن يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، ويعفر الثامنة لأن فيه غسلة فيها تراب والأولى أن تكون هي الأولى وتأتي الغسلات بعدها فالأولى معها تراب فكان غسلتين التراب والماء ثامنة وليس بعدها ست وهذا قاله بوحي من الله واكتشف الطب الآن أن لعاب الكلب مادة أو جرثومة لا يزيلها إلا التراب، سبحان الله حتى الصابون لا يزيلها ما يزيلها إلا التراب يقضي على هذه الجرثومة.
(وفيه دليل على أنه لا يكفي في غسل نجاسة الكلب إلا سبع إحداهن بتراب، فلو غسل أقل من سبع لم يجز)
قال الشيخ: لم يجز لأن الرسول نص على ذلك، ولذلك الفقهاء النجاسات تغسل بعضهم قال تغسل ثلاثاً وبعضهم قال تغسل سبعاً يستدلون بحديث اغسلوهن سبعاً لكن الحديث ضعيف في ابن ماجه والصواب أنه ما في حد، إنما إذا غسلها وزال أثر النجاسة إذا كان النجاسة لها جرم كأن تكون عذرة أو قطع دم تزال، الجرم ينقل إلى مكان آخر ثم تغسل ثم يغسل المحل فإذا غلب على ظنه إنقاؤه غسلة أو غسلتين أو ثلاث زال كفى ما فيه تحديد أما التحديد بالسبع هذا خاص بالكلب أما حديث أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً فهو حديث ضعيف عند أهل العلم لا يصح، أمرنا بغسل الأنجاس سبعا.
(ولو غسلها مائة مرة بلا تراب لم يجز أيضاً)
قال الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم نص على التراب.
(ويقوم مقام التراب الأشنان ونحوه).
قال الشيخ: إذا عدم يقوم مقامه أما إذا وجد التراب فيجب أن يكون بالتراب.
(وقوله: «أولاهن» هذا للاستحباب، وفي الروايات الأخر: «إحداهن أو أخراهن» بيان للجواز).
قال الشيخ: والأفضل أن تكون الأولى حتى تأتي الغسلات وتزيل التراب.
(وقوله في حديث عبد الله بن مغفل: «وعفروه الثامنة بالتراب» هذا شاذ، فلا يؤخذ به ويترك المتواتر؛ ويحتمل أنه عد التراب المثرى في إحدى الغسلات غسلة).
قال الشيخ: إن هذا هو الأقرب. أن المراد سماها ثامنة لأنه يعتبر التراب مع الماء. سبق الثلاث واحدة فيها تراب. والأفضل أن تكون هي الأولى.
(وأما سائر النجاسات - غير نجاسة الكلب ونحوه - فيكفي في ذلك إزالة عين النجاسة ولو بمرة واحدة؛ لأنه لم يرد لها تحديد بالسبع، ولأنه ثبت في غسل نجاسة الأرض أنه يكفي مرة واحدة، وكذلك ورد في غسل دم الحيض أنه يكفي قرصه وغسله، ولم يشترط عدداً).
قال الشيخ: في الأعرابي الذي بال في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكاثر بالماء. قال أهريقوا على بوله سجلاً من ماء. يكاثر. وكذلك إذا كان في الجلسة في الأرض يصب عليها الماء وإذا كانت في فراش فإنه يغسل وإذا احتاج إلى التقليب يقلب يصب عليه فإذا زاد على النجاسة قال بعضهم بواحدة كفى، وإن غلب أنه لا تكفي الواحدة زاد. حتى يرى البعض أنه زال.
(وأما حديث ابن عمر: (أمرنا بغسل الأنجاس سبعا) فهو موضوع).
قال الشيخ: موضوع يعني حكى عنه الوضع، المعروف أنه ضعيفٌ جداً. يحتمل أنه موضوع أنه يراجع.
الطالب: في الحاشية انظر في الحديث رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة لابن عبد الهادي. وقال عنه الألباني لم أجده بهذا اللفظ، ولا أعلم حديثاً مرفوعاً صحيحاً في الأمر بغسل النجاسة سبعاً. اللهم إلا الإناء الذي ولغ الكلب فيه.
قال الشيخ: التعليق لمن هذا؟
الطالب: حفيد الشيخ. الشيخ ابن عقيل. أحسن الله إليك.
قال الشيخ: ماذا يقول؟
الطالب: انظر الحديث في رسالةٍ لطيفة في أحاديث متفرقةٍ ضعيفة. لابن عبد الهادي.
قال الشيخ: موجود هذه الرسالة؟
الطالب صفحة خمسة وخمسون.
قال الشيخ: رأيتم الرسالة هذي مطبوعة ابن عبد الهادي.
الطالب: وقال عنه الألباني لم أجده بهذا اللفظ ولا أعلم حديثاً مرفوعاً صحيحاً في الأمر بغسل النجاسة سبعاً اللهم إلا الإناء الذي ولغ الكلب فيه.
قال الشيخ: يعني ما هو صحيح. لكن يكون يصل إلى درجة الوضع كما قال المصنف يعني. يراجع الرسالة هذي التي ذكرها.
(وأما أثر الكلب في الصيد فلم يؤمر بغسله، بل هو طاهر؛ لأجل الحاجة).
قال الشيخ: الكلب المعلم. المعلم هو الذي أرسل يسترسل وإذا ينزجر انزجر. ولا يأكل من الصيد هذا مستثنى. العضة. ولأن النار قد تزيل في أثر العضة هذه. لا تجد أثرها.
(وأما أثر الكلب في الصيد فلم يؤمر بغسله، بل هو طاهر؛ لأجل الحاجة).
قال الشيخ: والحاجة داعية ولا يقطعها ويزيلها لأن هذا إفساد لماليتها. الأمر في هذا واسع قطعها أو طبخها أو شواها بالنار حتى يزول الأثر الأمر واسع.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (عن حمران مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه)
قال الشيخ: نقف عند حديث حمران صلى الله عليه وسلم. نعم إذا ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم كل ما ذكر صلى الله عليه وسلم، في الحديث: البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي. اللهم صل وسلم عليه.