بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين. آمين.
أما بعد
فقال الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي رحمه الله تعالى في إملاءاته على عمدة الأحكام.
(باب المذي وغيره.
قوله باب المذي وغيره
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كنت رجلاً مذاءً فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني فأمرت المقداد بن الأسود فسأله. فقال: يغسل ذكره ويتوضأ.
وللبخاري: اغسل ذكرك وتوضأ. ولمسلم: توضأ وانضح فرجك.
قوله في حديث علي رضي الله عنه كنت رجلا مذاء إلى آخره. مذاء للمبالغة والتكثير).
قال الشيخ: للمبالغة والتكثير، صيغة فعال صيغة مبالغة.
(والمذي خارجٌ من الذكر. والخارج من الذكر أربعة أشياء:
البول وهو نجسٌ بالإجماع.
والودي وهو شيءٌ يخرج من بعض الناس عقب البول في زمن الشتاء غالباً، ولونه أبيض كالمني، وخروجه كخروج البول، وهو كالبول في جميع أحكامه وأثره كأثر البول.
والثالث المني وهو يخرج دفقاً بلذة ولونه أبيض غليظ وأثره على الثوب شاسفاً وريحه كريح لقاح النخل وهو طيبٌ طاهر. ولما كان طاهراً اختص أن كان مادة خلق بني آدم.
الرابع المذي وفيه كلامنا وهو يخرج لا يحس به غالباً وسببه الحرارة وانتشار الشهوة وأثره كالبول ويخرج متسبسباً.
وقوله يغسل ذكره ويتوضأ فيه دليل على أنه نجس وأنه ناقض للوضوء وأنه موجب للاستنجاء
وقوله في لفظ مسلم: توضأ وانضح فرجك فيه دليل على أنه أخف نجاسة من البول لأنه يجزئ فيه النضح بخلاف البول، والنضح رش دون الغسل، وهل يغسل الأنثيين مع الذكر أم لا فيه؟ قولان وقد ورد في السنن الأمر بغسلهما مع الذكر).
قال الشيخ: اغسل ذكرك وأنثييك ولعل الحكمة في هذا أنه حتى يتقلص الخارج، هذه الأنواع الأربعة البول يوجب الوضوء والودي الذي يخرج أبيض بعد البول كذلك يوجب الوضوء حكمه حكم البول والنجاسة والمني أبيض غليظ هذا طاهر وهو أصل الولد ورائحته كرائحة لقاح النخل وهو طاهر لكن يستحب غسل رطبه وفرك يابسه ليس بنجس قالت عائشة رضي الله عنها كنت أغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذهب وإني أرى أثر البقع في ثوبه وفي الحديث الآخر كنت أحكه يابساً بظفري من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم دل على أنه طاهر لكن يستحب غسل رطبه وحك يابسه من باب النظافة.
أما البول فيجب غسله وكذلك الودي.
وأما المذي فهو أيضاً الذي يخرج عند الشهوة وعند المداعبة وهو أصفر رقيق يخرج، وقد لا يشعر به الإنسان وهو نجس لكن نجاسته مخففة لذا يكفي فيه النضح كبول الصبي الذي لا يأكل الطعام ويجب غسل أنثييه كما في الحديث الآخر اغسل ذكرك وأنثييك يعني الخصيتين، ولعل الحكمة حتى يتقلص الخارج والواجب في البول غسل طرف الذكر فقط المكان الذي خرج منه الموضع الذي خرج منه البول لا يجب غسل الذكر إلا إذا نزل شيء من البول على ذكره يغسله، وإلا فالواجب غسل طرف الذكر فقط.
(وفيه منفعة طبية لأن سببه الحرارة والشهوة وغسل الأنثيين يزيل الحرارة، وفيه قبول خبر الواحد الثقة خصوصاً مع توافر القرائن على صدقه).
قال الشيخ: لأن علياً أمر المقداد بن الأسود أن يسأله فقبل خبره هو فيه قبول خبر الواحد.
(وفيه الاستحياء من ذكر ما يتعلق بالنساء خصوصاً لمحارمهن وفيه أن الحياء إذا لم يمنع من العلم فليس بمذموم وفيه أنه ينبغي للإنسان أن يبين عذره إذا فعل ما فيه عليه اعتراض.
وعن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه قال شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
وقوله في حديث عبد الله بن زيد شكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة إلى آخره قال النووي رحمه الله هذا الحديث أصل من أصول الدين وقاعدة من قواعد الإسلام وهي أنه لا يلتفت إلى الشك مع اليقين في كل الأحوال، فإذا تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على اليقين، وإذا شك هل أصابه نجاسة أو لا بنى على اليقين، وإذا شك في أي شيء كان وثم يقين فليطرح الشك وليبن على اليقين).
قال الشيخ: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً؛ لأنه قد توضأ والطهارة متيقنة وخروج الحدث مشكوك فيه، فلا يخرج من اليقين إلى الشك لا يخرج من اليقين إلا إلى اليقين الرسول صلى الله عليه وسلم قال إذا سمع صوتاً أو وجد ريحاً فخرج من اليقين إلى اليقين أما إذا خرج من اليقين إلى الشك فلا خرج متطهراً ثم خيل إليه أنه يجد الشيء في بطنه وخيل إليه أنه خرج منه شيء، جاء في الحديث أن الشيطان يأخذ الشارة ويمدها، حتى يخيل للسامع أنه خرج منه الحدث؛ فلا يخرج حتى يجد ريحاً القحطاني قال في قصيدته:
هاتان بينتان صادقتان يعني الصوت والريح
صادقتان دليل على الحدث.
(وعن أم قيس بنت محصن الأسدية رضي الله عنها أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله.
وحدثت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه.
ولمسلم: فأتبعه بوله ولم يغسله).
قال الشيخ: لأنه لم يأكل الطعام فاكتفى بالنضح صبه عليه دون فرك، بخلاف النجاسة الأخرى لابد من الفرك يفرك الثوب أما بول الصبي الذي لم يأكل الطعام يكفيه أن يصب الماء عليه فقط.
(قوله عن أم قيس بنت محصن هي أخت عكاشة بن محصن قوله إنها أتت بابن لها إلى آخره فيه كمال شفقته صلى الله عليه وسلم حيث أنه يأتيه المسلمون بأولادهم فيحنكهم ويبرك عليهم
وقوله فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله فيه دليل على أنه يجزئ في تطهيره نضحه والنضح رشه دون الغسل ومثله حديث عائشة.
وأيضاً فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعنفه ولا أمه بل ربما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح بذلك ليترتب عليه حكم مستمر إلى يوم القيامة.
ويشترط في كفاية النضح أن يكون بولاً لا غيره وأن يكون بول غلام لا جارية)
قال الشيخ: يكون بولاً أما الغائط فلا لابد من غسله، ويكون غلام لا جارية، ويكون لم يأكل الطعام يكتفي باللبن إذا كان غلاماً وبال وهو غلام لم يأكل الطعام يكفيه النضح، أما إذا أكل الطعام فلابد من الفرك وكذلك الجارية الأنثى لابد من الفرك وكذلك الغائط لابد من غسله لا يكفي النضح، عليه إزالة النجاسة ثم غسل الأثر.
(واختلف في الحكمة في التخصيص ولكن أقرب ما قيل في ذلك أن طبيعة الذكر أحر من طبيعة الأنثى فبسبب زيادة الحرارة تخف نجاسة بوله ويشترط أنه لم يأكل الطعام لشهوة).
قال الشيخ: اختلف في السبب في كون الذكر يكفيه نضح والأنثى لا يكفيه. الشيخ رحمه الله قال الذكر أشد حرارة وإذا اشتدت الحرارة خفت النجاسة، والحكمة من ذلك أن بول الصبي ينتشر وبول الجارية يكون في مكان واحد فدفعاً للمشقة اكتفي بالنضح، وقال بعضهم إن الحكمة لكثرة الملامسة للصبي لأن الناس يحبون الصبي ويختارونه كثيراً بخلاف الأنثى أقوال، الشيخ اختار أن الصبي أكثر حرارة وإذا كانت الحرارة خفت النجاسة والله أعلم يحتمل الأشياء هذه كلها.
(وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه.
وقوله في حديث أنس: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد إلى آخره أي في جانبه دليل على أمور:
منها حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وحسن تعليمه).
قال الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم ما زجره وما عنفه ولا شدد عليه ولما زجره الصحابة قال لا تزرموه لا تقطعوا عليه بوله ثم أمر بدلو من ماء فصب على مكان البول هذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام الصحابة هموا أن يقعوا به ويزرموه قال لا تزرموه دعوه، والحكمة ظاهرة أنه لو تركهم يزجروه لقام وإذا قام انتشر البول في أمكنة متعددة في المسجد بدل أن يكون في مكان واحد يكون في أمكنة وأيضاً لانتشر على فخذيه وثيابه، وأيضاً قد يتأثر صحياً في قطع البول، فكل هذه الأمور المفاسد كلها تلافاها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا تزرموه دعوه فتركوه حتى قضى بوله في مكان واحد ثم أمر بدلو من ماء فصب عليه، ثم علمه بلطف وقال يا فلان يا أخا العرب إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والقذى، وإنما هي لذكر الله وللصلاة فهذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام، وفيه أن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح، وفيه دفع المفسدة الكبرى بارتكاب المفسدة الصغرى يتركه ليكمل بوله لدفع المفاسد التي تترتب على ذلك.
(ومنه أن الجاهل معذور ولا يثبت عليه إثم ولا تعزير)
قال الشيخ: لأنه جاهل ما عزره النبي صلى الله عليه وسلم ولا أدبه لأنه معذور.
(ومنها ثبوت حرمة المسجد)
قال الشيخ: المسجد له حرمة فينبغي العناية به وتطهيره.
(ومنها أنه يكفي في غسل النجاسة زوالها ولو بمرة واحدة، والتفريق بين الأرض وغيرها تفريق بلا مفرق)
قال الشيخ: الأرض يصب عليها الماء مرة واحدة، وإذا كانت سوى الأرض يغسلها ثلاثاً.
(ويستثنى من النجاسات نجاسة الكلب والخنزير لأجل النص)
قال الشيخ: فإنه لابد من غسله سبع مرات النص إنما جاء في الكلب هذا خاص بالكلب الرسول صلى الله عليه وسلم قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله بالماء سبع مرات أولاهن بالتراب ولم يذكر الخنزير في هذا لكن الخنزير مقيس بالقياس على الكلب ولكن النص خاص بالكلب.
(ومنها أن إنكار المنكر لا يشرع إذا ترتب على إنكاره منكر أعظم منه).
قال الشيخ: إذا ترتب منكر أكبر فلا ينكر المنكر، فهذا الأعرابي الذي بال هذا منكر لكن يترك حتى يبول ولا ينكر عليه لأنه يترتب عليه منكر أعظم وهو انتقاله في أمكنة متعددة وانتقال النجاسة إلى ثيابه وبدنه وكذلك ما يتعلق بصحته.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الفطرة خمس).