بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد. اللهم صل على آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى في إملاءاته على عمدة الأحكام:
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الفطرة خمسٌ الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط.
وقوله في حديث أبي هريرة الفطرة خمس هي النظافة والطهارة. ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في تحفة المودود في أحكام المولود. الفطرة فطرتان. فطرة الباطن وهي تنقيته وتطهيره بالإنابة والتقوى. وفطرة الظاهر وهي تطهيره من الأقذار والأوساخ).
قال الشيخ: تطهير الباطن وتطهير الظاهر تطهير الظاهر بإزالة مثلاً شعر الإبط والعانة وقص الشارب هذا تطهير للظاهر وتطهير الباطن بالإيمان والتقوى.
(وقوله الختان وهو قطع القلفة لأنها قذرة، ومأوى للأوساخ والأنجاس وأول من ختن إبراهيم عليه السلام وله من العمر ثمانون سنة ختن نفسه بالقدوم).
قال الشيخ: القدوم مكان قالوا القدوم آلة والصواب القدوم مكان.
(وقوله والاستحداد وهو حلق العانة بالحديد أي الموسى وقوله وقص الشارب أي بحيث لا يتهدل على الشفتين لأن فيه تشويهاً للخلقة إذا وفر وفيه تقذير للشراب).
قال الشيخ: وهذا واقع ترى بعض الناس يترك فيه تشويه للخلقة وينزل على الشراب بعض الناس يأبى إلا أن يترك شاربه هذا من عادة بعض الناس وهذا من الجهل يتركه طويلاً إذا رأيت صورته ترى أن فيه تشويهاً إذا رأيت وجهه وكذلك إذا الماء وهو يشرب.
(وتقليم الأظفار أي من اليدين والرجلين لأنه مأوى للأقذار والأوساخ ونتف الإبط لأن سبب لجلب الأوساخ والروائح الكريهة وشعور البدن خمسة أقسام قسم يجب إزالته وهو الإبط إذا كثر جداً والعانة إذا كثرت جداً والشارب إذا وفر بحيث يشوه الخلقة بقاؤه وهل يستحب إزالته بالكلية أو حفه بقدر الحاجة الصحيح أنه يحف لأن إزالته بالكلية فيه مثلة).
قال الشيخ: يزال بالمقص يحفه بالمقص لا يضر وإن كان فيه حف ليس مثل الموس، الموس هو الذي يزيله بالكلية.
(القسم الثاني يحرم إزالته وهو اللحية وأهداب العينين والحاجبين.
القسم الثالث يستحب إزالته وهو العانة والإبط إذا لم يكثر شعرهما.
القسم الرابع يستحب إبقاؤه وهو شعر الرأس.
القسم الخامس لا يشرع إزالته ولا إبقاؤه وهو باقي شعور البدن).
قال الشيخ: يعني ما فيه سنة لا يقال إزالته سنة ولا يقال بقاؤه سنة.
(وقد ورد في بعض الأحاديث الفطرة عشر، وعد منها الوضوء وتنقيص الماء وهو الاستنجاء).
قال الشيخ: إذا ظهرت للمرأة لحية أو شارب تزيلها.
(باب الجنابة
قوله باب الجنابة مأخوذ من الإجناب وهو الإبعاد ولهذا سمي البعيد عن الشيء أجنبي عنه والأجانب ضد الأقارب وسبب تسمية الجنب جنباً قيل لأن الماء باعد محله وقيل لأن الجنب بعيد هن ما يفعله في حال طهارته وقيل لأنه بعيد عن الأرواح الطيبة.
وغسل الجنابة واجب بالإجماع وهو ثابت بالكتاب والسنة حتى إن بعض المفسرين قال إن المراد بقوله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض...) الآية هو غسل الجنابة فإنه أمانة بين العبد وبين ربه والصحيح أن الآية عامة وهو داخل فيها).
قال الشيخ: يشمل الغسل وغيره.
(والظاهر أن من قال إنه غسل الجنابة ذكره على وجه التمثيل لا على وجه الحصر.
وموجبات الغسل خمسة بالإجماع والسادس فيه خلاف
وهي خروج المني دفقاً بلذة.
الثاني إيلاج الحشفة في الفرج وإن لم ينزل.
الثالث الحيض.
الرابع النفاس.
الخامس الموت.
السادس الإسلام أي أنه إذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل. والصحيح أنه لا يجب).
قال الشيخ: مستحب وليس بواجب لأنه يوم الفتح أسلم جم غفير ولم يأمرهم بالغسل. دلالة على أنه مستحب.
(ويذكر كل واحد من هذه في بابه ويذكر في هذا الباب غسل الجنابة من النوعين الأولين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب قال فانخنست منه فذهبت فاغتسلت ثم جئت فقال أين كنت يا أبا هريرة قال كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال سبحان الله إن المؤمن لا ينجس.
قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب إلى آخره. فيه أن المؤمن طاهر حياً وميتاً كما في بعض الروايات وفيه حسن أدب أبي هريرة مع النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله له حيث كره أن يجالسه في هذه الحالة وفيه فضل توقير الأفاضل والصالحين خصوصاً من قام مقام النبي صلى الله عليه وسلم من العلماء العاملين الذين هم ورثة الأنبياء.
وفيه أنه ينبغي للإنسان تفقد أصحابه ومن يتصل به والنظر في أحوالهم والسؤال عمن غاب منهم وكان أبو هريرة رضي الله عنه ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم ولهذا حصل علماً كثيراً مع أنه لم يسلم إلا سنة سبع وهو أكثر الصحابة حديثاً.
وقوله فانخنست الانخناس الذهاب بخفية.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم اغتسل ثم يخلل بيديه شعره حتى ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده.
وقالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ نغترف منه جميعاً.
قوله في حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة إلى آخره أي إذا أراد الاغتسال من الجنابة. وهذا صفة الغسل الكامل. وفيه وجوب الإسباغ وتخليل الشعر ليصل الماء إلى البشرة. سواءٌ كان خفيفاً أو كثيفاً).
قال الشيخ: الشعر لابد من إرسال الماء إلى البشرة في غسل الجنابة. أما الوضوء فلا يشترط إيصال الماء إلى باطن اللحية مثلاً. إنما يغسل ظاهر الشعر هذا الغسل الكامل أما الغسل المجزئ هو أن يعمم جسده بالماء مرةً واحدة. بعد النية ينوي يسمي ثم يعمم جسده بالماء مرةً واحدة.
(بخلاف الوضوء فإنه لا يجب تخليل الكثيف في الوضوء. وفيه أنه كما قال الفقهاء الظن في الإسباغ يقوم مقام اليقين).
قال الشيخ: إذا غلب الظن أنه أسبغ ووصل إلى البشرة. أما الوضوء فإنه يغسل وجهه وظاهر الشعر. ولا يلزمه إيصال الماء إلى الباطن الجلد في الوضوء. والتخليل للحية الكثيفة مستحب. سنة.
(وقوله أفاض الماء عليه ثلاث مرات أي أفاضه على رأسه.
وقولها توضأ وضوءه للصلاة الظاهر أنه يكمل الوضوء.
وفيه أنه لا بأس أن يشترك الرجل والمرأة في إناءٍ واحد. وأن ذلك لا يفسد الماء ولا يضره بشيء. وأما ما خلت فيه المرأة ففيه خلافٌ، المشهور من المذهب أنه إذا خلت فيه المرأة لطهارةٍ كاملةٍ عن حدث كان طاهراً غير مطهر والصحيح أنه طاهرٌ لا بأس به. ولهذا لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل من فضل طهور ميمونة بنت الحارث قالت يا رسول الله إني كنت جنباً فقال إن الماء لا يجنب ولا دليل على فساد بوجه صحيح.
وفيه أنه لا يضر الاغتراف من الماء إذا نظف يده.
(وعن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة فأكفأ بيمينه على يساره مرتين أو ثلاثاً. ثم غسل فرجه ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثاً ثم مضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض على رأسه الماء ثم غسل سائر جسده ثم تنحى فغسل رجليه فأتيته بخرقةٍ فلم يردها فجعل ينفض الماء بيديه.
وقوله في حديث ميمونة بنت الحارث. وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة بالفتح أي الماء. وأما الوضوء بالضم فهو نفس الفعل).
قال الشيخ: هذا هو المشهور. الوضوء الفعل والوضوء. هو الماء. وقد يطلق أحدهما على الآخر.
(وقولها فأكفأ بيمينه ... إلى آخره. أي غسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلهما في الإناء لكمال النظافة. ثم غسل فرجه أي استنجى وغسل ما أصابه من أثر المني.
وقولها ثم ضرب يده بالأرض... إلى آخره. فيه أنه إذا احتاج إلى التراب مع الماء لإزالة ما لزج فيه من زهومة المني فلا بأس باستعماله عند الحاجة. وأما استعماله في كل حالٍ كما يفعل بعض النساء فإنه من الوسواس ولهذا لم يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في كل حالٍ كما تقدم).
قال الشيخ: يعني مثل يكون كذلك مثل أثر الغائب يستعمله. الآن له علاج التراب لكن الصابون يقوم.
(وفيه أنه يستحب الوضوء كما في حديث عائشة قبل غسل جسده.
وهل يستحب تكميله أو تأخير غسل الرجلين إلى الفراغ من الغسل؟ الظّاهر أنّه يكمل الغسل. فإن كان في محلٍ يركد فيه الماء استحب أن يغسل رجليه في موضعٍ آخر. وأما إذا كان في موضعٍ مصهرجٍ ونحوه. بحيث لا يركد فيه الماء. فلا بأس بترك غسلهما بعد الفراغ.
وفي هذا الحديث وحديث عائشة صفة الغسل).
قال الشيخ: في حديث عائشة أنه أكمل الوضوء. وفي حديث ميمونة أخر غسل الرجلين.
(في هذا الحديث وحديث عائشة صفة الغسل. ولهذا جمع المؤلف بينهما في هذا الموضع كما جمع في الوضوء بين حديث حمران وحديث عبد الله بن زيد. وفي هذين الحديثين دليلٌ على أنه لا يستحب التثليث في غسل سائر البدن. وفيه خلاف. المشهور من المذهب أنه يستحب غسله ثلاثاً. قياساً على الوضوء. والرواية الثانية أنه لا يستحب التثليث في ذلك. لأنه لم يرد في حديثٍ صحيح ولو كان مستحباً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قياسه على الوضوء فليس بقياسٍ تامٍ من كل وجه. لأنهما لا يستويان في كل وجه وهذا هو الصحيح فإنه لا يستحب التثليث إلا في الضوء وغسل الرأس وفي ذلك فوائد لأنه لا يحصل إيصال الماء إلى بشرته إلا بذلك فاستحب ولأنه أشرف الأعضاء وهو مجمع الحواس وفي ذلك إعادة لما ذهب منه بسبب الجنابة.
واستدل من كره التنشيف بهذا الحديث لأنه لم يقبل الخرقة وليس في ذلك دليل على ذلك لأن هذه قضية عين ويحتمل أنه رد الخرقة لأن الوقت حار ويستحب بقاء أثر الماء لبرودته)
قال الشيخ: أثره أو أثر الماء سقطت الهاء.
(وفيه أنه ينبغي للمرأة خدمة زوجها خصوصاً في أحوال الطهارة ونحوها مما جرت به العادة ويؤخذ من هذين الحديثين صفة الغسل الكامل وأما المجزئ فهو أن ينوي ثم يسمي ويعمم بدنه بالغسل مرة واحدة بحيث يصل الماء إلى جميع البدن والله أعلم).