بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين
أما بعد
قال الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى في كتابه عمدة الأحكام في باب الجنابة
(عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله، أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: «نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد).
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في أماليه على عمدة الأحكام: (وقوله في حديث عبد الله بن عمر: «أن عمر قال: يا رسول الله، أيرقد أحدنا وهو جنب...إلخ. وفي سؤال عمر رضي الله عنه دليل على أنه قد أشكل عليه الحال، ووقع في قلبه من ذلك شيء. ويحرم على الجنب خمسة أشياء: الصلاة والطواف فرضا ونفلا، ومس المصحف، وقراءة القرآن آية فأكثر بقصد القراءة، واللبث في المسجد بغير وضوء، وأما إذا توضأ فله اللبث فيه؛ لأنه ورد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتوضؤون إذا أجنبوا وينامون فيه، وهذا الوضوء لا يبطله مبطلات الوضوء؛ لأن المقصود منه تخفيف الجنابة.
قال العلماء: ويستحب للجنب الوضوء لأكل وشرب ونوم ومعاودة وطء).
قال الشيخ: هذا قول الحنابلة: يسن الوضوء لأكل وشرب ونوم كما في الزاد، لأكل وشرب ونوم ومعاودة وطء.
(والغسل لها أكمل).
قال الشيخ: يعني إذا كان عليه وجنابة وإذا أراد ليأكل فإنه يتوضأ أولاً، ثم يأكل ويشرب وكذلك إذا أراد معاودة الجماع والوطء يتوضأ أيضاً مرة أخرى، يتوضأ ثم يأكل ويشرب، وكذلك إذا أراد أن ينام وهو جنب يتوضأ وضوءه للصلاة. وكذلك إذا أراد أن يمكث في المسجد هذا جاء عن الصحابة، كما قال المؤلف رحمه الله هذا عن الصحابة أنهم يتوضؤون ويمكثون في المسجد، أما قوله تعالى: (ولا جنباً إلا عابري سبيل) يستثنى منه إذا توضأ.
(والغسل لها أكمل وإن لم يتوضأ لها كان تاركا للأولى إلا في النوم فیكره، استدلالا بهذا الحديث، ولأنه ورد: «أن المؤمن إذا نام ذهبت روحه فسجدت بين يدي الله تعالى»، وحالة الجنب تنافي هذا، فإذا نام وهو جنب ولم يخفف جنابته لم يحصل لروحه هذا السجود. وفيه أيضا مصلحة بدنية، فإنه إذا اغتسل قبل أن ينام نام نشيطا، وقام نشيطا، فإن لم يغتسل فلا أقل من أن يتوضأ، فإن لم يتوضأ نام في حال کسل وضعف، وقام كذلك، بل أعظم).
قال الشيخ: وفيه كسل وضعف، وهذا مشاهد وواقع وهذا هو الواقع الإنسان يحس بهذا فإذا توضأ صار عنده نشاط وإذا نام بدون وضوء صار عنده ضعف. وإذا اغتسل يكون نشاطه أقوى وأكبر وأكمل.
(والحديث فيه أنه لا بأس أن ينام الجنب إذا توضأ).
قال الشيخ: قال أحدنا وهو جنب قال: نعم، فإذا توضأ شق نعم، مشروط الوضوء دل على كراهة النوم بدون وضوء، ظاهره ليس بحرام لكنه مكروه كراهة تنزيه، كما جاء في الحديث أن روحه تسجد فإذا توفاه الله فالأولى أن يكون على طهارة، ولهذا يستحب للمسلم قبل النوم أن يتوضأ وضوءه للصلاة ثم ينام على طهارة.
(وعن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي ﷺ قالت: جاءت أم سليم – امرأة أبي طلحة - إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله: «نعم، إذا رأت الماء».
قوله في حديث أم سلمة رضي الله عنها: «جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة...» إلخ. أم سليم هذه من نساء الأنصار، من ذوات العقل والدين، وهي أم أنس بن مالك، ومن فضلها أنها أخدمت ابنها النبي ﷺ وهو ابن عشر سنين، ولما خطبها أبو طلحة وكان كافراً اشترطت عليه أن يسلم، وأن مهرها إسلامه، فأسلم وتزوجها. ومن فضلها وعقلها ما ذكره في هذا الحديث، وهو قولها: «يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق...» إلخ فهذه مقدمة للسؤال؛ لأن سؤالها مما يستحييه منه أكثر الرجال، فضلا عن النساء، ولكن لم يمنعها الحياء من التعلم، كما قالت عائشة رضي الله عنها: (نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين). ولما سألته صلى الله عليه وسلم عن ذلك استحيا من كان حاضرا من أزواج النبي ﷺ فغطت وجهها، وقالت: كيف يكون ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال»).
قال الشيخ: وقالت فبم يكون الولد؟ يكون الشبه شبه الولد منه إلا من ماءه ماء المرأة.
(وفيه أن المرأة إذا احتلمت؛ فإن رأت الماء وجب عليها الغسل، فإن لم تره لم يجب عليها الغسل، وكذلك الرجل إذا رأى الماء وجب عليه الغسل، سواء ذكر أنه احتلم أو لم يذكر احتلاما).
قال الشيخ: يعني مثل الرجل إذا احتلم الرجل أو احتلمت المرأة فإن رأى الماء المراد بالماء المني اغتسل وإن لم ير فلا غسل حتى لو رأى في النوم أنه جامع ولم يأخذه المني فليس عليه غسل، بخلاف اليقظة إذا جامع في اليقظة وجب عليه الغسل سواء خرج منه المني أم لم يخرج الجماع موجب للغسل إذا غيب الحشفة في الفرج وجب الغسل سواء خرج منه المني أم لم يخرج أما في النوم فلا يجب الغسل إنما الماء من الماء، ماء الغسل من الماء ماء المني إذا احتلم ورأى الماء رأى أثر الاحتلام في فخذيه في ثيابه فليغتسل وإن لم ير شيئاً فليس عليه غسل ولو رأى أنه جامع، أما اليقظة فإذا جامع فإنه يجب عليه الوضوء يعني الغسل سواء أنزل أو لم ينزل.
(وإذا ذكر أنه احتلم ولم ير الماء لم يجب عليه الغسل
وفيه أنه ينبغي للإنسان أن يقدم بين يدي كلامه مقدمة تكون موطئة لكلامه ليكون أبلغ، وإن كان فيه مدخل لأحد كان أعذر).
قال الشيخ: أم سليم قالت إن الله لا يستحيي من الحق هذه مقدمة فهل على المرأة المسلمة إذا احتلمت مقدمة كل يعذرها معذورة شرعاً عذرها النبي صلى الله عليه وسلم ودل على فقهها وعقلها رضي الله عنها.
(وفيه فضل الصحابة رجالهم ونسائهم. وفيه حسن تعلمهم ومعرفتهم، ولهذا اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه، وتبليغ دينه، وإيصاله إلى من بعدهم).
قال الشيخ: نعم، لا كان ولا يكون مثلهم، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه لولا أنهم خير الناس لما اختارهم الله لصحبة نبيه ما يختار الله لنبيه إلا الأفضل والأصلح، وفي الحديث: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. خير القرون القرن الذي فيه الصحابة القرن الذي فيه النبي والصحابة خير القرون، فلا يأتي بعدهم من هو أفضل منهم.
(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه. وفي لفظ لمسلم: لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله ﷺ فركا، فيصلي فيه.
قوله في حديث عائشة: «كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله...» إلخ، وفي لفظ لمسلم: «لقد كنت أفركه...» إلخ: فيه دليل على طهارة المني، والقائل بنجاسته ليس معه دليل، لكن يقول: إن مخرجه ومخرج البول واحد، فكيف يفرق بينهما).
قال الشيخ: هذه حجة من قال بنجاسة المني أن مخرجه ومخرج البول واحد والصواب أنه طاهر لكن غسله من باب النظافة فيستحب غسل رطبه وفرك يابسه. قالت عائشة رضي الله عنها لقد كنت أغسل الجنابة من النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وأثر بقع الماء في ثوبه وقالت كنت أفركه من ثوبه فركاً فيصلي فيه، فالفرك لليابس والغسل للرطب وهذا من باب النظافة مثلما يغسل الإنسان الثوب ويكون طاهراً نظيفاً من باب النظافة ليس لأنه نجس لا، لأن المني أصل الإنسان فهو طاهر فليس نجساً مثلما يغسل المخاط من باب النظافة.
(ويقول: كيف يوجب غسل جميع البدن، ولا يجب غسله).
قال الشيخ: هذه حجة ولكن ليست وجيهة.
(أما الاعتراض الأول فليس بمسلم؛ لأنهم اختلفوا هل مخرجهما واحد، أو أن لكل مخرجا، ويلتقيان في رأس الذكر، ومع التنزل لا مانع من طهارته ومخرجهما واحد.
وأما الاعتراض الثاني فلا مانع؛ لأن الريح طاهرة ويجب الوضوء لها، والموت يوجب غسل جميع البدن وهو طاهر، إلى غير ذلك).
قال الشيخ: الميت يجب تغسيله والموت يوجب الغسل، يعني موجبات الغسل: الجنابة والحيض والموت، والميت يغسله الأحياء وجوباً فرض كفاية والميت في حال حياته يغتسل من الجنابة هو يجب وإذا مات يجب على الأحياء أن يغسلوه.
(ولو قيل بنجاسته لشق مشقة عظيمة، ومحال أن يجعل الله مادة رسله وأوليائه مادة نجسة. ولا تناقض بين قولها: «أغسل» و«أفرك» فإنه يستحب غسل رطبه، وفرك يابسه، وهو كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إنما هو كالمخاط، فأمطه عنك بإذخرة).
قال الشيخ: كالمخاط كما أن المخاط تغسله من باب النظافة فكذلك المني من باب النظافة.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها فقد وجب الغسل».. وفي لفظ: «وإن لم ينزل».
(وقوله في حديث أبي هريرة: «إذا جلس بين شعبها الأربع ... إلخ فيه وجوب الغسل بالإيلاج ولو لم ينزل، ولهذا أجمعت الأمة على وجوب الغسل بالجماع ولو لم ينزل، وبالإنزال ولو لم يجامع، وبالحيض وبالنفاس وبالموت).
قال الشيخ: هذه موجبات الغسل يعني الإيلاج وهو تغييب الحشفة في الفرج موجب الغسل سواء أنزل أو لم ينزل، والإنزال موجب للغسل سواء جامع أو لم يجامع حتى في اليقظة لو فكر فأنزل دفقاً بلذة أو أنزل في النوم وجب الغسل، إذن الإيلاج موجب للغسل، الإيلاج تغييب الحشفة في الفرج، تغيب طرف الذكر في فرج المرأة وجب الغسل، ثانياً الإنزال، ثالثاً الحيض للمرأة رابعاً النفاس خامساً الموت هذه موجبات الغسل.
(واختلف في وجوبه بالإسلام، والصحيح أنه مستحب استحبابا متأكدا، كما تقدم).
قال الشيخ: إذا أسلم الكافر هل يجب عليه الغسل؟ قال بعض العلماء يجب والقول الثاني أنه مستحب لأنه أسلم يوم الفتح جمع غفير ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل فدل على استحبابه لا على وجوبه.
(وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان هو وأبوه عند جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وعنده قوم، فسألوه عن الغسل فقال: يكفيك صاع. فقال رجل: ما يكفيني. فقال جابر: كان يكفي من هو أوفي منك شعرا وخيراً منك).
قال الشيخ: كان كثير الشعر شعر رأسه يكون جمة أو وفرة يعني إلى الكتف أو إلى الأذن وشعر لحيته كثيف ومع ذلك بالصاع، والصاع أربع حفنات كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط، متوسط اليدين ليس بالكبيرتين ولا بالصغيرتين.
(يريد النبي، ثم أمنا في ثوب).
قال الشيخ: قول جابر يعني تقدم وصلى بنا إماماً في ثوب، والمراد بالثوب القطعة الواحدة تسمى ثوباً؛ لأن فيه إزاراً لغة العرب القميص يسمى ثوب والغترة ثوب والسروال ثوب كل غطاء يسمى ثوباً هذا في اللغة العربية، وقول جابر أمنا في ثوب يعني في إزار، وفي اللفظ الآخر ورداؤه على المشجب، وكانت عادة العرب عادة النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يلبسون القمص، القميص مثل هذا وأحياناً يلبسون الأزر والأردية إزار وهو قطعة يشد بها النصف الأسفل ورداء يضعه على كتفيه غير هذا حتى في وقت غير الإحرام ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس قام يجر رداءه يخشى أن تكون الساعة عليه إزار ورداء وكان إذا لبس إزار ورداء في البيت يضع الرداء يتخفف فإذا أراد الخروج أخذ الرداء جعل الرداء على كتفيه.
عن جابر رضي الله عنه: أمنا في ثوب قطعة واحدة إزار شد به نصف جسمه وعنده رداء ولكن وضع فقال له رجل من التابعين: تصلي ورداؤك على المشجب قال أردت أن يسألني أحمق مثلك يعني جاهل إن الرسول قال: أو لكلكم ثوبان؟ الرسول يقول هل لكل واحد ثوبان ليس لكل واحد عنده ثوبان، يعني ما كل أحد يكون له ثوبان هذا عن جابر رضي الله عنه يجوز الصلاة في الثوب الواحد ليس فيه شيء وهو قول الجمهور والقول الثاني لأهل العلم أنه يجب عليه أن يستر الكتفين إذا وجب لقوله صلى الله عليه وسلم لا يصلي أحدكم في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء.
(وفي لفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرغ الماء على رأسه ثلاثا).
قال الشيخ: ثلاث حفنات من الماء.
(وقوله في حديث أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين: «يكفيك صاع ... إلخ: فيه النهي عن الإسراف، ولو كان على نهر جار. وفيه جواز الصلاة في الثوب الواحد إذا ستر العورة).
قال الشيخ: وفي الحديث الآخر إن كان ضيقاً فاتزر به، وإن كان واسعاً يضع طرفها على كتفه وإن كانت قطعة القماش ضيقة يشد بها الإزار فليجعل طرفها على كتفه مثل الفوطة الآن في المحرم النصف الأسفل والفوطة يجعلها على الكتفين هذه عادة العرب أحياناً هذا وهذا أحياناً القمص وأحياناً يلبس إزار ورداء والرأس تشد بالعمامة ما كان عندهم الغترة هذه التي نعرفها ما كانت معروفة، الرأس تكون شد بالعمامة.
طالب: الصاع إن لم يجزئ؟
قال الشيخ: كيف إن لم يجزئ، لا بأس يزيد لكن لا يسرف.
(وفيه المبالغة بالغسل).
قال الشيخ: المبالغة في إيصال الماء إلى الجسد، هذا الغسل ثلاث حفنات للمبالغة في تنقية الجسم والتبريد، ويسمى الإسباغ أسبغ الوضوء يعمم العضو أو الجسد يبلغه يسمى إسباغ وليس هو من الإسراف. لأنه يبلغ لهذا ثلاث حفنات على رأسه، كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل وهو وأزواجه وعائشة من إناء واحد فدل على لا بأس للرجل أن يغتسل مع أهله، ولو رأى عورتها حل له وحل لها، وأما حديث عائشة ما رأيت منه ولم ير مني فهو ضعيف، كان يغتسل من إناء يعني يغترف وتغترف، حتى تقول دع لي ويقول دعي لي، أبقي لي شيء من الماء.