بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والسامعين.
(المتن)
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مختصر زاد المعاد:
فصل في هديه في الجنائز.
وكان هديه في الجنائز أكمل هدي مخالفًا لهدي سائر الأمم مشتملاً على الإحسان إلى الميت وإلى أهله وأقاربه، وعلى إقامة عبودية الحي فيما يعامل به الميت.
(الشرح)
الحي متعبد, عبودية يعامل بها الميت, الميت انقطع عمله, ماذا يُعامله؟ يُعامله بأن يغسله ويحفر قبره, ويكفنه, ويطيبه, ثم يقدمه إلى القبلة ويصلي عليه ثم يحفر له القبر ثم يدفن ثم يدعى له, هذه كلها عبوديات, متعلقة بالحي, يعامل بها الميت, هذه عبودية, هذا أكمل الهدي, أكمل هدي يعامل به الحي يتعبد به عبودية الحي فيما يعامل به الميت.
(المتن)
فكان من هديه عبودية الرب تعالى على أكمل الأحوال، وتجهيز الميت إلى الله تعالى على أحسن الأحوال، ووقوفه وأصحابه صفوفًا يحمدون الله، ويستغفرون له.
(الشرح)
يصلون عليه هذه من العبوديات أيضًا, العبوديات تغسيل, ثم تكفين, ثم الصلاة عليه, ثم دفنه, ثم الوقوف للدعاء بعد دفنه, كل هذه عبوديات, يقفون صفوفًا يحمدون الله ويستغفرون للميت, ولهذا جاء في الحديث «ما من رجل يصلى عليه أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه».
(المتن)
ثم يمشي بين يديه إلى أن يودعوه حفرته.
(الشرح)
وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه على بني آدم: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَه}[عبس/21].
هذا من النعم العظيمة, ما يرمى مثل الحيوانات يرمى وتأكله الطيور والسباع, بل يكرم, يغسل ينظف يجهز إلى الله ثم يكفن أيضًا ما يكون عاري, ومن عبودية الحي للميت أنه ما ينظر إلى عورته, لا يباشر عورته, وأن يكون على يديه قفازين عندما يغسله, ولا ينظر إلى عروته, ولا يكون عند الغاسل من لا يحتاج إليه, كل هذه من العبوديات ومن إكرام الله للميت, ثم تكفينه وتطيبه, يطيب ويكفن, ثم يوجه إلى القبلة ويصلي عليه مكرم, ثم يحمل على النعش وعلى الأكتاف, ثم يذهب به إلى المقبرة ويحفر له في القبر, ثم يوضع في اللحد يوضع عليه اللبن ويهال عليه التراب, كل هذا من تكريم الله لبني آدم, ويجعل له بيت مستقل, هذا بيته, كما له بيت وهو حي هذا بيته, يجعل له بيت وتجعل عليه اللبن ولا يصل إليه شيء من التراب, وكذلك الخلل الذي بين اللبنات كذلك يلاحظ, ثم يدهن, ويهال عليه التراب ثم يدعا له, بسم الله حينما يوضع وعلى ملة رسول الله, ويدعا له بالثبات ويهال عليه التراب, ويجعل عليه أيضًا علامة على القبر, ويزار بعد كل فترة, ويدعا له, هذا كلها أنواع من تكريم الله تعالى للميت{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَه}[عبس/21].
بخلاف الكافر فليس له حرمة, الكافر ليس له هذا التكريم, لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين بل ترمى جيفته, بل يحفر ويرمى حتى لا يتأذى الناس برائحته, نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
ووقفه وأصحابه صفوفًا يحمدون الله ويستغفرون له.
(الشرح)
يعني في وقت الصلاة عليه.
(المتن)
ثم يمشي بين يديه إلى أن يودعوه حفرته, ثم يقوم هو وأصحابه على قبره سائلين له الثبات.
(الشرح)
نعم بعد الدفن.
(المتن)
ثم يتعاهده بالزيارة إلى قبره، والسلام عليه، والدعاء له.
(الشرح)
نعم بعد كل فترة, ويدعى له ويتصدق عنه ويحج عنه هذا من العمل الذي لا ينقطع ويعتمر عنه.
(المتن)
فأول ذلك تعاهده في موضعه، وتذكيره الآخرة.
(الشرح)
يسن زيارة المريض فيها أجر عظيم, «من زار مؤمنًا لم يزل في خرفة الجنة», من زار مسلمًا في الصباح صلى عليه كذا وكذا من الملائكة, عدد كثير, ومن زار في المساء فكذلك, هذا فيه الحث على الترغيب في زيارة المريض, فالزيارة فيها تقوية لمعنويات المريض, تقوية وتضامن مع أهله وذويه, وهذا فيه تقوية الصلة والرابطة بين المسلمين, فيه صلة وتقوية للرابطة بينك وبين أهل الميت, وكذلك فيه تقوية تشجيع لمعنوية الميت إذا رأى أصحابه يزورونه ويدعون له, يتقوى وقد يسيطر على المرض ويزول المرض بسبب زيارتهم له, ودعائهم له, وتنفسيهم له, وعنايتهم به, قد يزول المرض بسبب ذلك, هذا من العبوديات التي تتعلق بالميت, من أول مرضة, في عبوديات, كيفية الزيارة, ثم إذا جاءه أمر الله تعالى يذكره بالشهادة قل لا إله إلا الله؛ حتى تكون آخر كلامه «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة».
والأفضل أن يذكر عنده ولا يقول له: قل لا إله إلا الله؛ لأنه في شدة وكرب, وإنما يقول: لا إله إلا الله, ولا يقول له: قل لا إله إلا الله؛ لأن هذا قد يضجره, فلا يقول له: قل, وإنما يذكر يقول: لا إله إلا الله أمامه؛ حتى يسمعها ويقولوها, فإذا قالها سكت, فإن تكلم بكلام من الدنيا أعاد التذكير قال: لا إله إلا الله, فإذا قالها سكت, وهكذا, هذا كله من العبوديات التي تتعلق بالمريض قبل موته, فإذا مات كذلك يسن إغماض عينيه وتليين مفاصله, وكذلك بل شفتيه وما أشبه ذلك مما ورد.
(المتن)
فأول ذلك تعاهده في موضعه، وتذكيره الآخرة وأمره بالوصية والتوبة، وأمر من حضره بتلقينه شهادة أن لا إله إلا الله.
(الشرح)
كل هذه عبوديات متعلقة بالميت, أمره بتقوى الله, وأمره بالتوبة وأمره بالوصية, لأنه في آخر حياته محتاج إلى هذا.