بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والسامعين.
(المتن)
وكان هديه في الجنائز أكمل هدي مخالفا لهدي سائر الأمم مشتملاً على الإحسان إلى الميت وإلى أهله وأقاربه، وعلى إقامة عبودية الحي فيما يعامل به الميت، فكان من هديه عبودية الرب تعالى على أكمل الأحوال، وتجهيز الميت إلى الله تعالى على أحسن الأحوال، ووقوفه وأصحابه صفوفًا يحمدون الله، ويستغفرون له، ثم يمشي بين يديه إلى أن يودعوه حفرته ثم يقوم هو وأصحابه على قبره سائلين له الثبات، ثم يتعاهده بالزيارة إلى قبره، والسلام عليه، والدعاء له.
فأول ذلك تعاهده في موضعه، وتذكيره الآخرة، وأمره بالوصية والتوبة، وأمر من حضره بتلقينه شهادة أن لا إله إلا الله، لتكون آخر كلامه، ثم نهى عن عادة الأمم التي لا تؤمن بالبعث من لطم الخدود، ورفع الصوت بالندب والنياحة، وتوابع ذلك, وسن الخشوع للموت.
(الشرح)
الخشوع يعني رحمة الميت, كونه رحم الميت ويبكي بكاءً بدمع العين بدون صوت هذا لا بأس به, هذا رحمة جعلها الله في قلوب العباد, كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه, ولما جاء نعي الأمراء الثلاثة في غزوة مؤته جلس على ا لمنبر يعرف في وجهه الحزن, ولما دمع في موت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم, دمعت عيناه وأتبع بأخرى, قيل: ما هذا؟ قال: «هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده الرحماء»,وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا يعذب بحزن القلب ولا بدمع العين, وإنما يعذب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه», الصياح والصراخ والعويل.
(المتن)
وسن الخشوع للموت والبكاء الذي لا صوت معه، وحزن القلب، وكان يفعله ويقول: «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب» وسن لأمته الحمد والاسترجاع والرضا عن الله.
وكان من هديه الإسراع بتجهيز الميت إلى الله، وتطهيره وتنظيفه وتطييبه، وتكفينه في ثياب البياض، ثم يؤتى به إليه.
(الشرح)
يعني بالميت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته يصلي عليه.
(المتن)
ثم يؤتى به إليه فيصلي عليه بعد أن كان يدعي له عند احتضاره، فيقيم عنده حتى يقضي، ثم يحضر تجهيزه، ويصلي عليه، ويشيعه إلى قبره، ثم رأى أصحابه أن ذلك يشق عليه، فكانوا يجهزون ميتهم، ثم يحملونه إليه، فيصلي عليه خارج المسجد، وربما كان يصلي أحيانًا عليه في المسجد، كما صلى على سهيل بن بيضاء وأخيه فيه.
(الشرح)
لما أنكر بعض الناس صلاة الميت على الجنازة قالت عائشة: ما أسرع ما نسي الناس, ما صُلى على ابن بيضاء وأخيه إلا في المسجد, فلا بأس أن يصلى, وكان هناك مكان للجنائز يصلى فيه خارج المسجد, لكن لا بأس بالصلاة في المسجد, فيصلى عليه في المسجد أو في خارج المسجد في كل مكان.
(المتن)
وكان من هديه تغطية وجه الميت إذا مات وبدنه، وتغميض عينيه وكان ربما يقبل الميت، كما قبل عثمان بن مظعون وبكى.
(الشرح)
وأبو بكر t كشف عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي وقبله, قال: بنفسي طبت حيًا وميتًا, أما الميتة التي كتبها الله فقد متها.
(المتن)
وكان يأمر بغسل الميت ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر بحسب ما يراه الغاسل، ويأمر بالكافور في الغسلة الأخيرة.
(الشرح)
الكافور نوع من الطيب يغسل به جسده تمنعه من الهوام, الكافور تكون في الغسلة الأخيرة, نوع من الطيب يصلب الجسد وهو قوي يمنعه من الهوام.
(المتن)
وكان لا يغسل الشهيد قتيل المعركة، وكان ينزع عنهم الجلود والحديد، ويدفنهم في ثيابهم، ولم يصل عليهم، وأمر أن يغسل المحرم بماء وسدر.
(الشرح)
قتيل المعركة ما يغسل ولا يصلى عليه كما فعل النبي بشهداء أحد, أمر بدفنهم بدمائهم وثيابهم, ولم يغسلوا ولم يصل عليهم, الشهيد لا يغسل ولا يصل عليه, شهيد المعركة, وأما من مات وهو محرم فإنه يغسل ويكفن بثوبيه الإزار والرداء ويجنب الطيب, كما أمر النبي بالرجل الذي سقط عن راحلته في عرفة ومات, قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كفنوه في ثوبيه وجنبوه الطيب, لا تحنطوه ولا تخمروا رأسه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا».
وجه ورأسه مكشوف ما دام محرم, اللي مات وهو محرم فإنه يكفن في ثوبيه ويغسل ولا يغطى رأسه, في رواية مسلم: «لا تخمر رأسه ولا وجهه».
(المتن)
وكان ينزع عنهم الجلود والحديد، ويدفنهم في ثيابهم، ولم يصل عليهم، وأمر أن يغسل المحرم بماء وسدر ويكفن في ثوبي إحرامه.
(الشرح)
وهما الإزار والرداء ثوبي الإحرام.
(المتن)
ونهى عن تطييبه، وتغطية رأسه.
(الشرح)
لأنه محرم, لا يزال محرم, كما أن الحي المحرم لا يغطى رأسه ويجنب الطيب فكذلك الميت المحرم.
(المتن)
وكان يأمر من ولي الميت أن يحسن كفنه، ويكفنه في البياض، وينهى عن المغالاة في الكفن، وإذا قصر الكفن عن ستر جميع البدن غطى رأسه، وجعل على رجليه شيئًا من العشب.
(الشرح)
كما فعل ببعض الصحابة, مات وليس هناك كفن يغطيه, ليس هناك إلا بردة إن غطي بها رأسه بانت رجلاه, وإن غطي رجلاه بدا رأسه, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطى الرأس؛ لأنه أشرف ويجعل على رجليه شيء من الحشائش, ما وجدوا لقلة ذات اليد, ما وجدوا ما يكفنون به الميت, أصاب الصحابة شدة في أول الأمر.
(المتن)
وكان إذا قدم إليه ميت سأل: هل عليه دين؟ فإن لم يكن عليه دين صلى عليه، وإن كان عليه دين، لم يصل عليه، وأمر أصحابه أن يصلوا عليه فإن صلاته شفاعة، وشفاعته موجبة، والعبد مرتهن بدينه لا يدخل الجنة حتى يقضى عنه، فلما فتح الله عليه كان يصلي على المدين، ويتحمل دينه، ويدع ماله لورثته.
(الشرح)
هذا في أول الأمر, كان النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي قتادة لا يصلي على من عليه دين, فإذا أراد أن يصلي قال: «هل عليه دين؟», مثل ما أراد أن يصلي على رجل قال: «هل عليه دين؟ قالوا: نعم عليه ديناران, فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: صلوا على صاحبكم, فقال أبو قتادة: يا رسول الله عليه ديناران أتحملهما, فصلى عليه ثم لقي أبا قتادة من الغد فقال: ما فعلت الديناران؟ قال: يا رسول الله ما مات إلا بالأمس», يعني ما مضى مدة فأتمكن من القضاء, فسكت النبي صلى الله عليه وسلم, ولقيه من الغد فقال: «ما فعلت الديناران؟, قال: قضيتهما يا رسول الله, فقال عليه الصلاة والسلام: الآن بردت عليه جلدته».
هذا في أول الأمر, فلما وسع الله عليه صار في بيت للمال, صار يصلي على من عليه دين ويقضي الدين من بيت المال, ولهذا قال العلماء: إذا كان في بيت المال سعة فإنه يقضي دين الميت من بيت المال, يقضيه ولي الأمر من بيت المال.
(المتن)
فإذا أخذ في الصلاة عليه، كبر، وحمد الله، وأثنى عليه. وصلى ابن عباس على جنازة، فقرأ بعد التكبيرة الأولى بالفاتحة، وجهر بها، وقال: لتعلموا أنها سنة.
(الشرح)
جهر بها ليعلم الناس السنة, إلا السنة الإسرار, قد جهر ليتعلم الناس.
(المتن)
قال شيخنا.
(الشرح)
يعني ابن القيم كأنه يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية.
(المتن)
قال شيخنا: لا تجب قراءتها، بل هي سنة. وذكر أبو أمامة بن سهل عن جماعة من الصحابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
(الشرح)
طالب: -- ((@ كلمة غير مفهومة- 11:14)) --؟
الشيخ: الجهر غير, قال: لا تجب قراءتها, ما قال الجهر بها.
طالب: قول ابن عباس جهر بها وقال: لتعلموا أنها سنة؟
الشيخ: السنة تشمل الواجب والمستحب, لتعلموا أنها سنة, أن قراءتها سنة, لكن هل هي واجبة؟ ظاهر الأدلة أنها واجبة أنها لابد منها.
