بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والسامعين.
(الشرح)
قال ابن القيم رحمنا الله وإياه:
وأعظم أسباب شرح الصدر التوحيد.
(الشرح)
كلما وحد الإنسان الله انشرح صدره أعظم, والأعمال الصالحة كلها سبب لانشراح الصدر, والصدقات من أسباب انشراح الصدر, ولهذا المحسنون من أكثر الناس صدور منشرحة, يجد لذة في بذل الأموال في سبل الخيرات, وفي الصدقات, يكون عنده لذة وانشراح صدر, ولهذا أهل الإيمان هم أعظم الناس انشراحًا للصدر ونعيم القلب, والكفر والمعاصي سبب في ضيق الصدر وانقباضه, ولهذا تجد أهل الكفر وأهل المعاصي ينتحرون, نسأل الله العافية, وعندهم أنواع الرفاهية, ومع ذلك هم في ضيق وعنت وحرج, يريد أن يتخلص من الهموم, مع أن جميع أنواع الرفاهية مبذوله له, لكن لا تفيده.
أما المؤمن فهو منشرح الصدر حتى وول كان في السجن, أو كان في بيت ضيق أو كان فقير صدره منشرح بالإيمان والعمل الصالح.
(المتن)
وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه، قال الله تعالى: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} [الزمر: 22] . وقال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا} [الأنعام: 125] .
ومنها النور الذي يقذفه الله في القلب، وهو نور الإيمان.
(الشرح)
نور الإيمان والعمل الصالح.
(المتن)
وفي الترمذي مرفوعًا «إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح» الحديث.
ومنها العلم، فإنه يشرح الصدر، ويوسعه، وليس هذا لكل علم، بل للموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
(الشرح)
العلم الشرعي, العلم بالله وأسمائه وصفاته ودينه وشرعه, هذا هو الذي يشرح القلب, أما العلوم الأخرى علم الطب وعلم الصيدلة وعلم الفلك علم الرياضة علم الزراعة علم التجارة, علم الكيمياء علم الفيزياء, علم السباكة, وعلم الهندسة, وعلم الكهرباء, هذه علوم, علوم دنيوية وهي من فروض الكفاية, وإذا أحسن الإنسان النية ونوى بهذه الأعمال أن يحسنها إلى المسلمين وأن يغنيهم عن الكفار فهو مأجور.
لكن ليس كالعلم الشرعي, العلم الشرعي عبادة, طلبه عبادة ومذاكره تسبيح, ولهذا هذا لكل علم.
(المتن)
ومنها الإنابة إلى الله، ومحبته بكل القلب.
(الشرح)
هذه من أسباب انشراح الصدر الرجوع إلى الله, التوبة والمحبة هذه تشرح الصدر.
(المتن)
والمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر، وطيب النفس، وكلما كانت المحبة أقوى، كان الصدر أشرح.
(الشرح)
ولهذا شيخ الإسلام ابن تيمية والأئمة والعلماء صدورهم منشرحة, منبسطة, شيخ الإسلام مسجون ومع ذلك صدره منشرح, منشرح في السجن, ابن القيم رحمه الله: إذا جاءت الهموم والغموم يزوروا شيخ الإسلام وهو في السجن تنشرح صدورنا, وهو مسجون, وهم غير مسجونين, ومع ذلك إذا زاروه وسمعوا منه انشرحت صدورهم, يقول: ما يفعل أعدائي بي؟ أنا في كل حال عابد لله, إن سجنت هذه خلوة لربي, وإن قتلوني فأنا شهيد, وإن نفوني فأنا سائح, أي حالة يفعلوا بها أنا على خير, كل حال على عبادة, إن سجن خلوة بربه, وإن ترك علم ودرس وإن نفي ساح في أرض الله ودعا إلى الله, وإن قتل فهو شهيد, في جميع الحالات هو الكاسب.
(المتن)
ولا يضيق إلا عند روية البطالين.
ومنها دوام الذكر، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر.
ومنها الإحسان إلى الخلق.
(الشرح)
دوام الذكر من أسباب انشراح الصدر, ومنها الإحسان إلى الخلق, إذا أحسن إلى الخلق بالصدقة, والإحسان بالتوجيه والإرشاد, والشافعة في حمل بعض الأمتعة, يجد لذة في هذا وانشراح صدر.
(المتن)
ومنها الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه، والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان.
(الشرح)
بالبدن يحمل ويساعد من يحتاج, والشافعة بالتوجيه والإرشاد, بالمال بالصدقة, بالقرض بالهدية, كل هذا من أسباب انشراح الصدر.
(المتن)
ومنها الشجاعة، فإن الشجاع منشرح الصدر.
(الشرح)
الشجاعة فيما يقتضي الشجاعة, والشجاعة في الجهاد في سبيل الله.
(المتن)
وأما سرور الروح ولذتها، فمحرم على كل جبان.
(الشرح)
الجبان ليس له من السرور؛ الذي يتقاعص عن الواجبات وعن الأمور الفاضلة.
(المتن)
كما هو محرم على كل بخيل.
(الشرح)
البخيل الذي يبخل بأداء الواجبات فلا يؤديها.
(المتن)
وعلى كل معرض عن الله، غافل عن ذكره، جاهل به وبدينه، متعلق القلب بغيره.
(الشرح)
هؤلاء كلهم ليس لهم من سرور القلب ونعيمه شيء.
(المتن)
ولا عبرة بانشراح صدر هذا لعارض، ولا بضيق صدر هذا لعارض، فإن العوارض تزول بزوال أسبابها.
(الشرح)
قد يفرح العاصي بالمعصية؛ لكنه وقت ثم يزول, وقد يحصل للمؤمن أيضًا انقباض؛ لكنه أيضًا مؤقت ثم يزول.
(المتن)
وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه، فهي الميزان.
(الشرح)
توجب انشراحه وحسبه إما أن ينشرح وإما أن يحبس.
(المتن)
ومنها بل من أعظمها إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة.
(الشرح)
دغل القلب من الحقد والحسد والغل والغيبة والنميمة وسوء الظن بالناس كل هذا دغل, إذا أخرها انشرح صده, وإذا بقيت فإنه ضاق صدره, أمراض القلوب وهي من الكبائر, أعمال الكبائر الخبيثة, القلب له كبائر, يعني القلوب لها كبائر, كبائر باطنة وكبائر ظاهرة, الكبائر الظاهرة مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والتعامل بالربا وأخذ الرشوة, والغيبة والنميمة, لكن هناك أيضًا كبائر لأعمال القلوب, منها العجب والكبر والبطر والخيلاء, واحتقار الناس وازدرائهم, والتطاول عليهم, هذه كلها من أعمال القلب الخبيثة, كبائر الذنوب, والمعجب بنفسه ويتكبر على الناس, كونه يزدريهم ويحتقرهم ويتطاول عليهم, كل هذه من أعمال القلب الخبيثة يجب التخلص منها, والحقد والحسد والغل.
(المتن)
ومنها بل من أعظمها إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة ومنه ترك فضول النظر والكلام، والاستماع والخلطة، والأكل والنوم.
(الشرح)
ومنها ترك فضول النظر, يعني ينظر زائد عن الحاجة, ومثل الفضول ما في القنوات وغيرها, كل هذا من الفضول يزيل اللذة عن القلب, فضول النظر, ما زاد عن الحاجة, فضول الكلام, يتكلم بما لابد منه, فإذا زاد الكلام هذا من الفضول الذي يجب أن يتخلص منه, فضول الطعام الزيادة عن الحاجة في الأكل, فضول النوم ينام أكثر من الحاجة, لابد أن تتخلص من هذا, فضول النظر, فضول الطعام, فضول النوم, فضول الكلام, فضول الخلطة أيضًا, يخالط الناس من هب ودب في كل وقت, لا يخالط من يستفيد منهم لا يخالط كل أحد, فإذا زاد عن الحد صار من الفضول الذي يجب عليه أن يتخلص منه, فضول النظر والكلام والطعام والنوم والخلطة, كل هذا ما زاد عن الحاجة فإنه يضر.
والاستماع كذلك, يستمع, الآن الاستماع كثير الآن, الاستماع إلى القنوات الفضائية, ما تسمع كل ما هب ودب, اختار ما تسمع إلا المفيد, والنظر لا تنظر إلا المفيد, وكذلك الأكل ما زاد عن الحاجة والشرب.