(المتن)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرينَ برحمتكَ يا أرحم الراحمين.
يقولُ المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصِّيَامِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الصِّيَامِ حبس النفس عن الشهوات، لتستعد لطلب ما فيه غايةُ سعادتها، وَقَبُولِ مَا تَزْكُو بِهِ مِمَّا فِيهِ حَيَاتُهَا الأبدية.
(الشرح)
يعني ما يكون فيه زكاة إلا وطهرت لله، نعم.
(المتن)
ويكسر الجوع والظمأ من حدتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضييق مَجَارِي الشَّيْطَانِ مِنَ الْعَبْدِ بِتَضْيِيقِ مَجَارِي الطَّعَامِ والشراب.
(الشرح)
هذا فيه بيان شيء من حكم الصيام.
(المتن)
فَهُوَ لِجَامُ الْمُتَّقِينَ، وَجُنَّةُ الْمُحَارِبِينَ، وَرِيَاضَةُ الْأَبْرَارِ المقربين، وهو لرب العالمين من بين الْأَعْمَالِ.
(الشرح)
لقول الله تعالى: «الصومُ لي وأنا أجزي به» اختصه الله إضافة تشريف وتكريم، وإلا فكل الأعمال لله. لكن الإضافة والاختصاص: تشريف وتكريم للصيام لأنه عبادةٌ سرية بخلاف العبادات الأخرى.
(المتن)
فَإِنَّ الصَّائِمَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يترك شهوته، فهو ترك المحبوبات لمحبة الله، وهو سر بين العبد وربه، إذ العباد قد يطلعون عَلَى تَرْكِ الْمُفْطِرَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ تَرَكَ ذلك، لأجل معبوده، فأمر لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَشَرٌ، وَذَلِكَ حَقِيقَةُ الصَّوْمِ.
(الشرح)
اللهُ أكبر، يعني تركه محبةً لله عَزَّ وَجَلَّ وابتغاءً لمرضاته، وإخلاصاً له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هذا لا يعلمه إلا الله. لكن العباد يرون أنه ترك الطعام والشراب، أنه صائم ممسك عن الطعام والشراب، هذا يراه العباد، لكن السر الذي بينه وبين ربه، كونه أخلص عمله لله، كونه صام لأجل الله، كونه تركَ محبوباته ابتغاءً لمرضاة الله ومحبته، هو يترك المحبوبات لمحبوبٍ أعظم. الطعام والشراب محبوب للنفس، ويتركه وهو بين يديه لمحبوبٍ أعظم، إثياراً لمرضاة الله ومحبته.
(المتن)
وله تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ، وَالْقُوَى الباطنة عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة، وَاسْتِفْرَاغِ الْمَوَادِّ الرَّدِيئَةِ الْمَانِعَةِ لَهَا مِنْ صِحَّتِهَا، فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى التَّقْوَى، كَمَا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
(الشرح)
ومعنى: "لعلكم تتقون" يعني لكي تتقوا، ليس لعل للترجي، لأن الله لا يرجوا أحداً من خلقه، ولكن معناها التعليل. المعنى: لكي تتقوا. "كُتب عليكم الصيام" لأجل أن تتقوا، لكي تتقوا، يعني لعل للتعليل وليس الترجي.
(المتن)
وأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اشتدت شهوته للنكاح، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ بِالصِّيَامِ، وَجَعَلَهُ وِجَاءَ هذه الشهوة.
(الشرح)
يشير إلى حديث: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» فإنه له وجاء يخفف الشهوة، والوجاء ربط الخصيتين، والمعنى أنه يخفف الشهوة.
(المتن)
وكان هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه أكمل هدي، وأعظمه تحصيلا لِلْمَقْصُودِ، وَأَسْهَلَهُ عَلَى النُّفُوسِ، وَلَمَّا كَانَ فَطْمُ النفوس عن شهواتها ومألوفاتها من أشق الأمور، تأخر فرضه إلى ما بعد الهجرة، وَفُرِضَ أَوَّلًا عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أن يطعم كل يوم مسكينًا، ثم حتم الصَّوْمِ، وَجُعِلَ الْإِطْعَامُ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ إِذَا لم يطيقا.
(الشرح)
يعني الصيام على مراتب:
المرتبة الأولى: أن الله فرض الصوم يوم عاشوراء في السنة الأولى التي قدم فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهاجراً، رأى اليهود يصومون اليوم العاشر فسألهم، فقالوا: هذا يوم صالح نجى فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه.
فأمر بالصيام عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فصامه وأمر بالصيام. ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر منادي ينادي أن اليوم يوم عاشوراء، فمن كان صائم فليتم صومه، ومن كان مفطراً فليصم.
ثم لما فُرض رمضان في السنةِ الثانية من الهجرة، نُسخ فرضية صوم يوم عاشوراء وبقي الاستحباب، وبقي الإنسان مخير، يُستحب صوم يوم العاشر وليس بالواجب، وأوجب الله صوم شهر رمضان.
ثم المرتبةَ الثانية: لما فُرض صوم شهر رمضان كان الناس مخيرين بين أن يصوموا وبين أن يفطروا ويطعموا عن كل يوم مسكين، لقولهِ تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: 184]، يعني يُخير الإنسان بين أن يصوم وبين أن يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكين، ولكن الصوم أفضل.
ثم المرتبة الثالثة: فرض اللهُ الصوم حتماً على المسلم البالغ العاقل القادر المقيم غير المسافر، لقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، هذا أمر حتم.
ثم المرتبة التي بعدها: كان الناس إذا غربت الشمس أفطروا، أباح لهم الله الأكل والشرب ما لم ينم أو يُصلي العشاء. فإذا نام أو صلى العشاء حرم عليه الأكل إلى لليلةِ القادمة، فحصل بذلك مشقة، فتخونَ بعض الصحابة.
قيس بن الصرمة حصل له قصة وهو أنه كان يعملُ في مزرعة طول النهار، فلما جاء المغرب جاء لزوجته للإفطار. قال: هل عندكم شيء؟ قالت: لا. فذهبت تبحث له، فلما جاءت وجدته قد نام. فقالت: خيبةً لك. إِذًاْ لا يحل له الأكل. فصام اليوم الذي بعده، فلما انتصف النهار أُغشي عليه وسقط.
وكان هناك بعض الصحابة خون نفسه وحصل بينه وبين أهله شيء، فأنزل اللهُ تعالى الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة: 187]، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، وأباح اللهُ الفطر في أيام الصيام من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وهذا من فضل الله ورحمته وتيسيراً للصيام.
نعم، هذه مراتب الصوم.
(المتن)
ورخص للمريض والمسافر أن يفطرا، ويقضيا، والحامل والمرضع إذا خافتا على
أنفسهما كذلك.
(الشرح)
وهذا جاء في سُنن أبي داود، قال: «المرضع والحامل إذا خافت على أنفسهما قضتا وأطعمت عن كل يوم مسكين»، فإذا خافت الحامل أو المرضع إذا خافت على نفسها فقط، فهي بمثابة المريض، تُفطر وتقضي وليس عليها طعام، وإن خافت على الولد أو على نفسها وعلى الولد فإنها تُفطر وتقضي وتطعم عن كل يوم مسكين.
(المتن)
وإن خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا زَادَتَا مَعَ الْقَضَاءِ إِطْعَامَ مِسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ، فَإِنَّ فِطْرَهُمَا لَمْ يَكُنْ لِخَوْفِ مَرَضٍ، وَإِنَّمَا كَانَ مَعَ الصِّحَّةِ، فَجُبِرَ بإطعام مسكين، كفطر الصحيح في أول الإسلام.
(الشرح)
لأن الفطر من أجل الولد.
(المتن)
وكان مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادة، وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان، وكان يُكْثِرُ فِيهِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، والصلاة، والذكر، والاعتكاف. وكان يخصه من العبادات بما لا يخصُ به غيره، حتى أنه لَيُوَاصِلُ فِيهِ أَحْيَانًا لِيُوَفِّرَ سَاعَاتِ لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ.
(الشرح)
وهذا الإيصال من خواصه، من خصائصه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، والوصال هو أن يصل الليل مع النهار بالصيام ولا يفطر بينهما باليومين أو ثلاثة أو أربعة. النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يواصل يومين أو ثلاثة ولا يأكل بينها ليتخلى لعبادة ربه، ولأن الله يفتح عليه من مواد أُنسهِ ونفحات أُنسهِ ما يُغني عن الطعام والشراب.
فأراد بعض الصحابة أن يقتدوا به، قالوا نواصل، فنهاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لا تواصلوا. قالوا: إنك تواصل.
قال: «إني لست على هيئتكم، إني أبيتُ يُطعمني ربي ويسقيني». وفي لفظٍ: «إني أبيتُ لي مطعمٌ يُطعمني وساقٍ يسقيني»، ولذلك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر».
فالوصال في حق الأُمة منهياً عنه، مكروه ومحرم لأنه بدعة. والوصال في حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خصائصه، فأراد بعض الصحابة أن يواصلوا محبةً للخير، قالوا يا رسول الله إنك تواصل فنواصل معك. فلما أبوا واصل بهم اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين يومين، ثم رأوا الهلال، فقال لهم: «لو بقي لزدتكم الثالث»، ينكل لهم، بين لهم أنهم لا يستطيعون، من باب التعزير، التنكيل لهم.واصلَ بهم يومين ثم رأوا الهلال، ما تم الشهر. قال لهم: لو بقي يوم ثلاثين، وتم الشهر لصمت بكم اليوم الثالث، يُبين لهم أنهم لا يستطيعون ولا يقدرون.
وأما قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني»، فاختلف العلماء في معناها، قال بعضهم: إنه يؤتى بطعامٍ وشراب من الجنة. هذا ضعيف، لأنه لو كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤتى له بطعام ما كان مواصلاً كان مفطراً.
والقول الثاني: أن المعنى: أن الله يفتح عليه من مواد أُنسه ونفحات قُدسهِ واتصالهِ بربه عَزَّ وَجَلَّ ما يُغنيه عن الطعام والشراب.
كما قال لها أحد من ذكراك تشغلها عن الطعام وتليهيها عن الزاد
فإذا انشغل الإنسان فإن المنشغل لا يُحس بالجوع ولا بالعطش، فهو مشغول بمحبة ربه والأُنس به، ويفتح الله من نفحات قُدسه ومواد أُنسه ما يُغنيه عن الطعام والشراب. وهذا هو الصواب.
والأُمة لا تستطيع هذا. وقد أجاز النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوصال إلى السحر، قال: «أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر». يعني يواصل إلى السحر يعني يؤخر الفطر إلى السحر، يجعله عشاءه سحور، وسحوره عشاء مرة واحدة، يأكل مرة واحدة في آخر الليل. هذا لا بأس به، ولكن الأفضل منه: أن يُبادر بالفطر.
حالات ثلاث:
الحالة الأولى: أن يُبادرَ بالفطر من حين تحقق غروب الشمس، وهذا هو الأفضل، قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الحديث قال الله تعالى في الحديث القدسي: «أحبُ عبادي إليّ أعجلهم فطرا».
ولما سُئِلت عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا عن رجلين من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدهما يُعجل الفطرَ ويُعجل الصلاة، والآخر يؤخر الفطر ويؤخر الصلاة. قالت: أيُهم يُعجل الفطر ويعجل الصلاة؟ قالوا: فلان. قالت: هذا هو السُنة، هذا هو الأفضل.
وفي الحديث الآخر، يقول: «لا يزال المسلمين بخيرٍ ما عجلوا الفطر». فالسُنة المبادرة لكن بعد التحقق من غروب الشمس، كما أن الأفضل تأخير السحور ما لم يخاف طلوع الفجر. هذه حالة الفاضلة.
الحالة الثانية: أن يؤخر الفطر إلى السحر فيواصل، يصوم الليل إلى السحر ويأكل أكلة واحدة في آخر الليل، يجعل عشاءه سحوراً وسحوره عشاءًا هذا جائز، قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر».
الحالة الثالثة: أن يصل يومين لا يأكل بينهما أو ثلاثة أو أربعة، وهذا مكروه وإما حرام. قولان لأهل العلم. قيل إنه حرام لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عنه في حق الأُمة، ولكنه جائز في حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خصائصه. هذا من خصائص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: «لست كَهَيْئَتِكُمْ» بين أنه خاص به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما الأُمة إما حرام وإما مكروه، والأقرب أنه مكروه لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلَ بهم، واصل بهم يوم بعد يوم في آخر الشهر، ولو كان حراماً ما فعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدل على أنه مكروه.
ورويَ عن بعض السلف أنه واصل، حتى روي عن بعضهم أنه واصل سبعة أيام، يُقال إن الزبير واصل سبعة أيام، سبعة أيام وسبع ليالي، ولما أراد أن يأكل، أخذ السمن ووضع الثمن حتى يُلين أمعاءه. هذا إن صح، إن صحَ فهو اجتهاد، والاجتهاد يُخطئ ويصيب. والسُنة حاكمة على كل أحد، سُنة الرسول مقدمة، سُنة الرسول المبادرة بالفطر.
(المتن)
وَكَانَ يَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنِ الْوِصَالِ، فَيَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ فَيَقُولُ: «لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» نهى عنه رحمة للأمة، وأذن فيه إلى السحر.
فصل وكان من هديه أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إِلَّا برؤية محققة، أو بشهادة شاهد.
(الشرح)
يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة»، وصام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشهادة أعرابي، وشهادة ابن عمر.
(المتن)
وكان من هديه أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إِلَّا برؤية محققة، أو بشهادة شاهد.
(الشرح)
محققة يعني برؤية عدل، إنسان عدل، والتحقق يكون برؤية عدل، إنسان عدل ثقة. أما إذا لم يكن عدلاً اتهمه فلا تقبل شهادته، أو كان ضعيف البصر لا تقبل شهادته.
(المتن)
فإن لم يكن رُؤْيَةٌ وَلَا شَهَادَةٌ، أَكْمَلَ عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ.
(الشرح)
ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إننا أُمة أُمية لا نكتب لا نحسب، الشهرُ هكذا وهكذا، وخنس بأصبعه» يعني أن الحساب لا مدخل له في العبادات، العبادات مبنية على أمرٍ واضح يدركه كلُ أحد، لو كان يُعمل بالحساب لصار الحساب، انظر ليس كل أحد يعرف الحساب. الصلوات مربوطة بالشمس، انظروا الآن، أرفعوا رأسكم، طلوع الفجر تنظر إلى الفجر، الظهر إلى الزوال، والعصر إلى أن يصير الظل مثله، المغرب غروب الشمس، العشاء مغيب الشفق.
رمضان كذلكَ رؤية الهلال، أو إكمال الشهر السابق ثلاثين يوماً، الحج كذلك.
فالعبادات مربوطة بأمورٍ واضحة لا لبسَ فيها، بعلامات واضحة يعرفها الذكي والغبي. ولو كان لا يُعرف الشهر إلا بالحساب لكان فيه مشقة على الناس، ومن يدرك الحساب، من يعرف الحساب.
ولهذا بعض الناس الآن يريدونَ العمل بالحساب والفلك، وهذا خطأ، الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُم عليكم فأكملوا الشهر ثلاثين يوما»، وقال: «إننا أُمة أُمية لا نكتب ولا نحسب، الشهرُ هكذا وهكذا وهكذا، ثلاثين، ثم قال: الشهرُ هكذا وهكذا ثم خنس بأصبعه تسعة وعشرين».
يكون مرة ثلاثين ويكون مرة تسعة وعشرين.
الطالب: ....
الشيخ: كذا لا بأس الاستعانة به، لا بأس، كذلك الرؤية بالعين المجردة لا بأس.
(المتن)
وَكَانَ إِذَا حَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ دُونَ مَنْظَرِهِ سحاب أكمل شعبان ثلاثين، وَلَمْ يَكُنْ يَصُومُ يَوْمَ الْإِغْمَامِ، وَلَا أَمَرَ به.
(الشرح)
وهذا هو الصواب، أنه إذا كان يوم الثلاثين من شعبان إغمام ولم يُرى أنه لا يصوم.
والقول الثاني لأهل العلم، أنه إن كان ليلة الهلال ليلة الثلاثين صحو ولم يُرى فإنه يُفطر، وإن حال دونه غيمٌ أو قطر فإنه يصوم. وهذا هو مذهب الحنابلة، وهو مذهب ابن عمر، وكان يأمرُ مولاه أن ينظر ليلة الثلاثين من شعبان فإن كان صحواً ولم يُرى أصبح مفطراً، وإن كان غيماً أصبح صائما.
وهذا هو مذهب الحنابلة، ومعلوم ولله الحمد.
والقول الثاني: أنه يجب عليه أن يفطر سواء كانت ليلة ثلاثين من شعبان صحواً أو غيماً إذا لم يرى الهلال، وهذا هو الصواب.
والأول يحتج بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فإن غم عليكم فاقدروا له»، قالوا: معنى اقدروا أي ضيقوا الشهر تسعة وعشرين وصوموا اليوم الثلاثين. مثل قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أي ضيق عليه رزقه.
والأولون يفسرون: «فاقدروا له» يعني احسبوا له، بدليل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً» أحسبوا الشهر وأتموا. وهذا هو الصواب من القولين.
أما القول بأنه يصوم ليلة الثلاثين إذا كان فيه غيم فقولٌ مرجوح، قول ضعيف، وهو مذهب الحنيفة وهو ما عليه الإمام أحمد وبعض الصحابة.
لكن الخلاف يُردُ إلى كلام الله وكلام رسوله، قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } [النساء: 59]، ونحن إذا رددناه إلى السُنة وجدنا أن السُنة واضحة في أنه إذا لم يُرى الهلال يُكمل الشهر ثلاثين يوماً سواء كان يوم الثلاثين صحواً أو غيماً.
(المتن)
بل أمر بإكمال عدة شعبان وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا قَوْلَهُ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فاقدروا له» فإن القدر: هو الحسابُ المقدور، والمراد به الإكمال.
(الشرح)
يقول: أحسبوا له وأكملوه. والأول قالوا: «فاقدروا له» يعني ضيقوا الشهر واجعلوه تسعاً وعشرين وصوموا الثلاثين. قالوا: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أي ضيق عليه رزقه.
(المتن)
وكان من هديه الخروج منه بشهادة اثنين.
(الشرح)
يعني الخروج من رمضان بشهادة اثنين. دخوله بشهادة واحد، وأما الخروج فلابد من شهادة اثنين.
(المتن)
وإذا شهد شاهدان برؤيته بعد خروج وقت العيد، أفطر، وأمرهم بالفطر.
(الشرح)
يعني لو جاء، شهد شاهدان قبل الظهر أنهم رأوا الهلال البارحة لكن ما أمكنهم يبلغونه إلا بعد الظهر، فهم يفطرون هذا اليوم ويصلون صلاة العيد من الغد قبل الزوال.
وهذا يحصل قبل وجود المواصلات، المواصلات الآن السريعة الآن، يُرى ولكن ما في مواصلات توصل إلا، لأن المواصلات على الدوام، ولا في مواصلات سريعة مثل الهاتف ولا الجوالات ولا شيء، فكان الخبر يأتي متأخر، هذا ممكن.
أما الآن فالاتصالات السريعة الآن صار في وقت وجيز يعلمُ الناس.
الطالب: ...
الشيخ: إي نعم، يصوموا بقية اليوم ويقضون ذلك اليوم.
الطالب:...
الشيخ: اللهُ أعلم لأن الأصل بقاء رمضان، فلابد من اليقين.
(المتن)
وكان من هديه الخروج منه بشهادة اثنين، وإذا شهد شاهدان برؤيته بعد خروج وقت العيد، أفطر، وأمرهم بالفطر، وصلى الْعِيدَ مِنَ الْغَدِ فِي وَقْتِهَا.
(الشرح)
يعني في وقت الضحى، مبكر.
في أسئلة؟ نقف على هذا.