بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين والسامعين.
(المتن)
قال المؤلف رحمه الله تعالى في "مختصر زاد المعاد":
وَأَمَّا صِيَامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، فَقَدِ اخْتُلِفَ عنه فيه.
(الشرح)
صوم تسع من ذي الحجة والعاشر يوم العيد لا يصام, وجاء في حديث في صحيح مسلم وفيه كلام في صوم تسع من ذي الحجة.
(المتن)
وَأَمَّا صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «صِيَامُهَا مَعَ رَمَضَانَ يَعْدِلُ صيام الدهر».
(الشرح)
والسنة تثبت بالفعل وبالقول وبالتقرير, فتثبت السنة بقوله وتقريره r, كون يصوم ستة أيام من شوال أو ذو الحجة هذا فيه نظر, لكن ثبت أنه يصوم ثلاثة أيام من كل شهر, وصوم الاثنين والخميس فيه كلام, أما صيام ستة من شوال وذي الحجة فليس هناك دليل واضح, ولكن السنة ثابتة بقوله r.
(المتن)
وأما يَوْمِ عَاشُورَاءَ، «فَإِنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ تَصُومُهُ وَتُعَظِّمُهُ، فَقَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ».
(الشرح)
العاشر صامه من ذي الحجة وصام ثلاثة أيام من كل شهر, وكذلك الاثنين والخميس, وأما صيام ستة من شوال وصيام تسع من ذي الحجة فهذا ثابت بقوله r.
(المتن)
«فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ ومن شاء تركه».
(الشرح)
نُسخ الوجوب والفرضية وبقي الاستحباب, السنة الأولى من هجرته r وجب صيام يوم العاشر أوجبه وأمر المنادي ينادي: «أن اليوم عاشوراء من كان صائم فليتم صومه ون كان مفطرًا فليصم» يعني فيلزم, ثم في السنة الثانية فُرض صوم رمضان فنُسخ فرضية صوم يوم عاشوراء وبقي الاستحباب.
(المتن)
وكان من هديه إفطار يوم عرفة بعرفة ثبت عَنْهُ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
(الشرح)
ثبت عنه r أنه أُرسل إليه قدح من لبن فرفعه وشرب والناس ينظرون فعلموا أنه مفطر r يوم عرفة.
(المتن)
وَرُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ» رَوَاهُ أَهْلُ " السُّنَنِ " وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ صِيَامَهُ يُكَفِّرُ السنة الماضية والباقية ذكره مسلم.
(الشرح)
لمن تقبل الله منه وهذا لمن اجتنب الكبائر, أما الكبائر فلابد لها من توبة.
(المتن)
ولم يكن من هديه صيام الدَّهْرِ، بَلْ قَدْ قَالَ: «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ لا صام ولا أفطر».
(الشرح)
صوم الدهر يعني من يسرد الأيام كلها يصوم نهى عن صوم الدهر وقال: «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ لا صام ولا أفطر» هذا يدل على أن صيامه غير صحيح, لا صام صومًا شرعيًا ولا أفطر لأنه لزم الصوم, وما أفطر مع الناس ولا صام صومًا شرعيًا.
الطالب: -- ((@ كلمة غير مفهومة- 04:05)) –
الشيخ: هذا هو الظاهر وقد يكون النفي أبلغ من النهي, وسيأتي ذكر المؤلف في حديث وإن كان فيه ضعف: «أن من صام الدهر ضُيقت عليه جهنم».
(المتن)
«وكان يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَإِنْ قَالُوا: لَا قَالَ: إِنِّي إِذًا صَائِمٌ».
(الشرح)
يعني أفضل الصيام هو صوم داود وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا يعني نصف الدهر, هذا لمن قدر وكان عنده فراغ, أما من لم يستطيع وكان صوم يوم وإفطار يوم يؤثر على طلبه للرزق والسعي في نفقات أهله فلا ينبغي له, لكن من كان عنده فراغ وعنده قدرة فهذا أفضل الصيام, ولما قال عبد الله بن عمرو بن العاص: «إني أطيق أكثر من ذلك, قال: لا أفضل من ذلك» ما في أفضل منه, وأفضل الصيام صيام داود, قال شيخ الإسلام ابن باز رحمه الله: لقيت رجلًا من الهند يصوم يومًا ويفطر يومًا, ويقول: إنه تعود على هذا ويقول: حتى اليوم الذي أفطر فيه ما أشتهي الأكل إلا في الليل, ويوجد الآن بعض الإخوان يصوم يوم ويفطر يوم وأصبح هذا عادة عنده, ومنهم عدد من المشايخ.
وكذلك حدثني بعض التلاميذ للشيخ عبد الرحمن بن عجلان المدرس بالحرم المكي أنه يصوم يوم ويفطر يوم, وهناك عدد في المسجد يقولون: أنهم يصومون يوم ويفطرون يوم.
(المتن)
«وكان يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَإِنْ قَالُوا: لَا قَالَ: إِنِّي إِذًا صَائِمٌ».
(الشرح)
وهذا في صوم النفل, فيه دليل على أنه يجوز للإنسان أن يصوم في النفل بنية من النهار بشرط ألا يفعل مفطرًا, فكان النبي r يدخل على أهله في الضحى ولم يكن أكل ولا شرب من الفجر وما فعل مفطرًا «فَيَقُولُ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَإِنْ قَالُوا: لَا قَالَ: إِنِّي إِذًا صَائِمٌ» فيكمل اليوم صائم, وأحيانًا يأتي إلى أهله وهو صائم فيقدم له الطعام, فقدم إليه مرة حيس وهو التمر والأقط والسمن فقال: «أرنيه فلقد أصبحت صائمًا ثم أكل» دل هذا على أن صوم التطوع يجوز بنية من النهار إذا لم يفعل شيء من المفطرات, لكن لا يُكتب له الأجر إلا من نيته.
ودل هذا على جواز إفطار الصائم صوم تطوع وأنه لا حرج عليه, الأفضل أن يُتمه لكن لو أحب أن يفطر فلا حرج عليه, وقد يكون الفطر أفضل كما لو دُعي إلى وليمة أو دعاه أخ مسلم وكان يشق عليه ألا يطعم فإنه يفطر, أو جاءه ضيف وكان يشق عليه أن لا يفطر فيفطر, ولهذا قال النبي r: «من دُعي إلى طعام وإن كان صائمًا فليصلِ, وإن كان مفطرًا فليطعم» فإذا دعي وهو صائم يذهب ثم يستأذن منهم ويدعو لهم, فإن شق عليه ولزم عليه صاحب الدعوة فالأفضل أن يفطر.
الطالب: من صام السبت والاثنين والأربع والخميس هل هذا مثل صوم داود؟.
الشيخ: لا, داود يصوم يوم ويفطر يوم, يصوم السبت ويفطر الأحد, يصوم الاثنين ويفطر الثلاثاء, يصوم الأربعاء ويفطر الخميس وهكذا دوران مستمر يوم بعد يوم مدى الدهر إلا يوم العيد هذا معروف أيام العيد وأيام التشريق.
(المتن)
وَكَانَ أَحْيَانًا يَنْوِي صَوْمَ التَّطَوُّعِ، ثُمَّ يُفْطِرُ, وأما حديث عائشة أنه قال لها ولحفصة: «اقضيا يومًا مكانه» فهو حديث معلول.
(الشرح)
اليوم الذي أفطرا فيه وهو التطوع حديث معلول يعني لا يصح.
الشيخ: تكلم عن العلة التي فيه؟.
الطالب: قال: جاء من حديث كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة, وجاء من حديث ابن شهاب الزهري مرسلًا.
(المتن)
وكان إذا نزل على قوم وهو صائم أتم صيامه، كما فعل لما دخل على أم سليم ولكن أم سليم عنده بمنزلة أهل بيته.
(الشرح)
بينه وبينها محرمية, دخل على أم سليم وجاءت له بسمن وأقط وتمر فقال: «ضعوا سمنكم في السقاية وتمركم فيها فإني صائم» لأنها بينه وبينها محرمية, وفي الحديث الآخر أنه نام عندها القيلولة وعرق فسلت أم سليم العرق وجعلته في قارورة وقالت: إنه لأطيب الطيب, وهذا من التبرك بآثار النبي r, هذا من خصائص النبي r لا يقاس عليه غيره.
(المتن)
وفي الصحيح عنه أنه قال: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فليقل: إني صائم وكان من هديه كراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم».
(الشرح)
وفي الحديث الآخر: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان مفطرًا فليطعم ، وإن كان صائمًا فليصلِ».
وجاء في أحاديث النهي قال: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ولا ليلتها بقيام من بين الليالي» فلا يخصص يوم الجمعة والأصل في النهي التحريم, لكن إذا صام قبله يوم أو بعده يوم زالت الكراهة وزال المحظور, صام معه الخميس أو صام السبت, قد دخل على جويرية بت الحارث في الحديث الآخر ورآها صائمة يوم الجمعة فقال: «أصمتِ أمس؟ قالت: لا, قال: أتريدين أن تصومي غدًا؟ قالت: لا, قال: فأفطري» هذا يدل على أنه لا يجوز صومه وأنه يحرم صوم يوم الجمعة.