الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولمشايخه ولوالديه يا رب العالمين
قال ابن رجب -رحمه الله تعالى-:
وأن قول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال برأيه لو وافقه لم يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر فيها
ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوافقه (صوت منقطع حتى 6.40)
أحدهما - ألا يعرف له رواية عن غير مقبول الرواية، من مجهول أو مجروح
ثانيهما - ألا يكون ممن يخالف الحفاظ إذا أسند الحديث فيما أسندوه، فإن كان ممن يخالف الحفاظ عند الإسناد لم يقبل مرسله
ثالثها - أن يكون من كبار التابعين فإنهم لا يروون غالبا إلا عن صحابي، أو تابعي كبير، وأما غيرهم من صغار التابعين ومن بعدهم فيتوسعون في الرواية عمن لا تقبل روايته وأيضا فكبار التابعين كانت الأحاديث في وقتهم الغالب عليها الصحة وأما من بعدهم فانتشرت في أيامهم الأحاديث المستحيلة وهي الباطلة الموضوعة وكثر الكذب حينئذ
الشيخ إذا المرسل الذي يقبل مرسل كبار التابعين لكن بشروط شرط ألا يروي عن مجروح لا يعرف عنه هذا وكذلك أيضا لا يعرف عنه تساهل لأن كبار التابعين في اغالب يعرف أنه يروون عن كبار الصحابة ولأنهم لم تنتشر في وقتهم الأخبار المكذوبة فلهم مزية على غيرهم يكون من كبار التابعين ولا يروي عن مقطوع أو مجهول ولا يعرف عنه أنه يتساهل فإذا وجدت هذه الشروط يقبل مرسل الصحابي أما مرسل صغار الصحابة ومن بعدهم فلا لأنهم فاتتهم هذه المزايا
فهذه شرائط من يقبل إرساله وأما الخبر الذي يرسله:
فيشترط لصحة مخرجه وقبوله أن يعضده ما يدل على صحته، وأن له أصلا والعاضد له أشياء
الشيخ يعني هذا شروط في المرسل وشروط في الخبر في المرسل هذه سبقت يكون من كبار التابعين وألا يروي عن مجروح وأن يكون معروف بالرواية عن الصحابة وعن كبار الصحابة وأما الخبر الذي يرويه أيضا فلا يقبل إلا بشروط أن يوجد مرسل آخر يعضده أو يعضده قول صحابي أو يعضده ظاهر القرآن أو أصل من أصول الدين لابد يكون هناك ما يقويه حتى يعرف أن هناك لله أصل
سؤال مرسلات الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم
الشيخ مرسلات الصحابة حديثهم مقبول ما في شك أحدهما: وهو أقواها، أن يسنده الحفاظ المأمونون من وجه آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى ذلك المرسل
الشيخ يعني يأتي معنى من حديث يعضده حفاظ يروون الحديث بمعنى هذا المرسل يقويه الحديث معناه معنى هذا الحديث المرسل من الحفاظ
فيكون ذلك دليلا على صحة المرسل وأن الذي أرسل عنه كان ثقة وهذا هو ظاهر كلام الشافعي وحينئذ فلا يرد على ذلك ما ذكره المتأخرون أن العمل حينئذ إنما يكون بالمسند دون المرسل وأجاب بعضهم بأنه قد يسنده من لا يقبل بانفراده فينضم إلى المرسل فيصح فيحتج بهما حينئذ
يعني قد يكون وحده ما يقبل لكن إذا انضم إلى المرسل قبل
وهذا ليس بشيء فإن الشافعي اعتبر أن يسنده الحفاظ المأمونون وكلامه إنما هو في صحة المرسل وقبوله لا في الاحتجاج للحكم الذي دل عليه المرسل وبينهما بون
الشيخ يعني الحكم شيء آخر لكن القول هنا في صحة المرسل وقبوله أما الحكم الذي يدل عليه المرسل له تفاصيل أخرى قد يكون شاذ قد يكون معلل المقصود قبول المرسل من حيث هو
وبعد أن كتبت هذا وجدت أبا عمرو بن الصلاح قد سبق إليه، وفي كلام أحمد إيماء إليه فإنه ذكر حديثا رواه خالد عن أبي قلابة عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما فقيل له سمع أبو قلابة من ابن عباس أو رآه؟ قال لا ولكن الحديث صحيح عنه يعني عن ابن عباس وأشار إلى أنه روي عن ابن عباس من وجوه أخر
ثم وجدت في كلام أبي العباس بن سريج في رده على أبي بكر بن داود ما اعترض به على الشافعي أن مراد الشافعي أن المرسل للحديث يعتبر أن توجد مراسيله توافق ما أسنده الحفاظ المأمونون فيستدل بذلك على أن لمراسيله أصلا فإذا وجدنا له مرسلا بعد ذلك قبل وإن لم يسنده الحفاظ
وكأنه يعتبر أن يوجد الغالب على مراسيله ذلك إذ لو كان معتبرا في جميعها لم يقبل له مرسل حتى يسنده الثقات "فيعود الإشكال"
وهذا الذي قاله ابن سريج مخالف لما فهم الناس من كلام الشافعي مع مخالفته لظاهر كلامه والله أعلم
الشيخ مقصوده أنه لابد يوافقه الحفاظ معنى المرسل وهذ لا دليل عليه لو كان يوافقه الحفاظ كان ما يقبل له مرسل
والثاني: أن يوجد مرسل آخر موافق له عن عالم يروي عن غير من يروي عنه المرسل الأول فيكون ذلك دليلا على تعدد مخرجه وأن له أصلا بخلاف ما إذا كان المرسل الثاني لا يروي إلا عمن يروي عنه الأول فإن الظاهر أن مخرجها واحد لا تعدد فيه وهذا الثاني أضعف من الأول
الشيخ الأول أن يروي الحفاظ حديث معناه يوافق هذا المرسل والثاني أن يكون مرسل صحيح
والثاني: أن يوجد مرسل آخر موافق له عن عالم يروي عن غير من يروي عنه المرسل الأول
الشيخ يعني يصير مخرج آخر
فيكون ذلك دليلا على تعدد مخرجه وأن له أصلا بخلاف ما إذا كان المرسل الثاني لا يروي إلا عمن يروي عنه الأول فإن الظاهر أن مخرجهما واحد لا تعدد فيه وهذا الثاني أضعف من الأول
والثالث ألا يوجد شيء مرفوع يوافقه لا مسند ولا مرسل لكن يوجد ما يوافقه من كلام بعض الصحابة فيستدل به على أن للمرسل أصلا صحيحا أيضا لأن الظاهر أن الصحابي إنما أخذ قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم
والرابع: ألا يوجد للمرسل ما يوافقه ولا مسند ولا مرسل ولا قول صحابي لكنه يوجد عامة أهل العلم على القول به
الشيخ يعني يعضده أهل العلم وجمهور العلماء
فإنه يدل على أن له أصلا وأنهم مستندون في قولهم إلى ذلك الأصل
فإذا وجدت هذه الشرائط دلت على صحة المرسل وأن له أصلا، وقبل واحتج به ومع هذا فهو دون المتصل في الحجة فإن المرسل وإن اجتمعت فيه هذه الشرائط فإنه يحتمل أن يكون في الأصل مأخوذا عن غير من يحتج به ولو عضده حديث متصل صحيح لأنه يحتمل ألا يكون أصل المرسل صحيحا وإن عضده مرسل فيحتمل أن يكون أصلهما واحدا وأن يكون متلقى عن غير مقبول الرواية وإن عضده قول الصحابي فيحتمل أن الصحابي قال برأيه من غير سماع من النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون في ذلك ما يقوي المرسل ويحتمل أن المرسل لما سمع قول الصحابي ظنه مرفوعا فغلط ورفعه، ثم أرسله ولم يسم الصحابي فما أكثر ما يغلط في رفع الموقوفات وإن عضده موافقة قول عامة الفقهاء فهو كما لو عضده قول الصحابي وأضعف فإنه يحتمل أن يكون مستند الفقهاء اجتهادا منهم وأن يكون المرسل غلط ورفع كلام الفقهاء لكن هذا في حق كبار التابعين بعيد جدا
الشيخ قف على هذا