الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولمشايخه ولوالديه يا رب العالمين
قال ابن رجب -رحمه الله تعالى-:
واعلم أن الترمذي رحمه الله تعالى خرج في كتابه الحديث الصحيح، والحديث الحسن، وهو ما نزل عن درجة الصحيح وكان فيه بعض ضعف والحديث الغريب كما سيأتي
والغرائب التي خرجها فيها بعض المناكير ولا سيما في كتاب الفضائل ولكنه يبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه ولا أعلمه خرج عن متهم بالكذب متفق على اتهامه حديثاً بإسناد منفرد
الشيخ كما قال الحافظ رحمه الله أنه خرج في كتابه الحديث الصحيح والحديث الذي فيه ضعف لكن ما اشتد ضعفه يعني وله متابع وشواهد هو الحسن لغيره وكذلك أيضا حدث ببعض المناكير لكنها ليست نكارة شديدة ولا سيما في كتاب الفضائل لكنه لم يحدث عن متهم بالكذب ما فيه متهم بالكذب هذا لا يقبل حديثه لكن في الحديث الصحيح من فيه ضعف لأجل كونه انقطاع مثلا أو جهالة أو ما أشبه ذلك وكذلك أيضا خرج في حديثه بعض المناكير التي لم تشتد نكارته لم يصل إلى حد يكون فيه متهم بالكذب
إلا أنه قد يخرج حديثاً مروياً من طرق أو مختلفاً في إسناده وفي بعض طرقه متهم وعلى هذا الوجه خرج حديث محمد بن سعيد المصلوب ومحمد بن السائب الكلبي
الشيخ وهما متهمان يعني يكون الحديث له طرق متعددة يخرجه ويكون في بعض طرقه متهم بالكذب في بعضها ولا يكون كل الطرق لكن في هذا الطريق متهم بالكذب لكن الطرق الأخرى ليس فيها المخلوقين بن سعيد المصلوب ومحمد بن السائب الكلبي هذان متهمان بالكذب
سؤال يعني يخرج لهم بالشواهد
الشيخ يخرج لهم بطرقه يعني الحديث له طرق وهذا من أحد طرقه صحيح أنه خرج هذا الطريق الذي فيه متهم بالكذب لكن هناك طرق أخرى ليس فيها متهما بالكذب
نعم قد يخرج عن سيء الحفظ وعمن غلب على حديثه الوهم ويبين ذلك غالباً، ولا يسكت عنه
الشيخ نعم وهذا لم يصل لدرجة يتهم بالكذب
وقد شاركه أبو داود في التخريج عن كثير من هذه الطبقة مع السكوت على حديثهم كإسحاق بن أبي فروة وغيره
الشيخ أبو داود شارك في هذا الأمر ولكن يسكت أيضا أما الترمذي يبين ما يسكت وأبو داود قال أخرجت الحديث وشبهه وما سكت عنه فهو حسن في الغالب ما يسكت عنه يكون فيه ضعف مثل إسحاق بن أبي فروة هذا مروي عن أبي داود
وقد قال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة: ليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث (شيء) سيء الحفظ وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر
ومراده رحمه الله تعالى أنه لم يخرج لمتروك الحديث، عنده، على ما ظهر له، أو لمتروك متفق على تركه فإنه قد خرج لمن قيل: "إنه متروك" ومن قيل "إنه متهم بالكذب"
وقد كان أحمد بن صالح المصري وغيره لا يتركون إلا حديث من اجتمع على ترك حديثه
الشيخ نعم لا يتركون إلا من اجتمع على ترك حديثه وأبو داود قد يكون هذا متهم بالكذب لكن لا يرون عن متهم بالكذب ما يروي إلا ما أجمع عليه فيكون هذا له رأي
وحكي مثله عن النسائي رحمه الله تعالى
والترمذي رحمه الله يخرج حديث الثقة الضابط ومن يهم قليلاً ومن يهم كثيراً ومن يغلب عليه الوهم يخرج حديثه نادراً ويبين ذلك ولا يسكت عنه
الشيخ ضابط ذلك هو الصحيح وإذا خف الضبط هو الحسن وإذا فحش صار هذا إذا كان له طريق أخرى أو شواهد يكون حسن لغيره
وقد خرج حديث كثير بن عبد الله المزني، ولم يجمع على ترك حديثه، بل قد قواه قوم، وقدم بعضهم حديثه على مرسل ابن المسيب وقد ذكرنا ذلك في مواضع وقد حكى الترمذي في العلل عن البخاري أنه قال في حديثه "في تكبيرة صلاة العيدين": هو أصح حديث في هذا الباب، قال: وأنا أذهب إليه.
وأبو داود قريب من الترمذي في هذا، بل هو اشد انتقاداً للرجال منه
وأما النسائي فشرطه أشد من ذلك، ولا يكاد يخرج لمن يغلب عليه الوهم، ولا لمن فحش خطؤه وكثر
الشيخ ولهذا قيل إن للنسائي شرطا لم يشترطه مسلم ولا غيره وبالتتبع لشيوخ النسائي تجد كلهم إما ثقات أو على الأقل صدوق شيوخه ما يخرج عن ضعيف ما يروي عن ضعيف وكذلك من فوقه من شيوخ شيوخه شكن شيوخه كلهم بالتتبع إما ثقة وإما صدوق رحمه الله
وأما مسلم فلا يخرج إلا حديث الثقة الضابط ومن في حفظه بعض شيء وتكلم فيه لحفظه لكنه يتحرى في التخريج عنه ولا يخرج عنه إلا ما لا يقال إنه مما وهم فيه
الشيخ لأن الصحيحان البخاري ومسلم قد يرد في أحاديثهما راو ضعيف في الحفظ أو ضعيف في الإتقان ولكنهم ينتقون الأحاديث صحيح هذا الراوي لكن انتقاه البخاري ومسلم ما يروي إلا ما ضبطه صحيح أنه عنده ضعف يخل بالضبط لكن غير هذا الحديث هذا الحديث فيه ضبط ولذلك انتقاه البخاري ورواه وكذلك مسلم فصاحبا الصحيحين انتقيا من رواية المدلسين والضعفاء ما ثبت عنهم أنهم لم يدلسوا أو لم يضبطوا ولهذا يقول بعض الناس هذا من رجال الشيخين رجال الشيخين ينتقون هذا ضعيف لكن من رجال الشيخين لكن الشيخين ينتقيان من رواية الضعيف ما ثبت تحديثه عنه ما ثبت ضبطه أو ينتقي أنت ما عندك أهلية أن تنتقي مثل البخاري ومسلم بعض الناس يقول على شرط الشيخين الحاكم يقول على شرط الشيخين ولم يخرجاه والحاكم سود ولم يبين فلذلك قال أحيانا يقول على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه وقد خرجه البخاري ومسلم لكنه ما انتبه لم يبين وأحيانا يكون عنده وهم يقول على شرط الشيخين وليس على شرط الشيخين
سؤال عنعنة المدلس في الصحيحين محمول على السماع
الشيخ الصحيحان انتقيا من روايتهم وأحيانا يأتي من طريق أخرى صرح فيها بالسماع
وأما البخاري فشرطه أشد من ذلك وهو أنه لا يخرج إلا للثقة الضابط ولمن ندر وهمه وإن كان قد اعترض عليه في بعض من خرج عنه
الشيخ البخاري شرطه أشد وأمتن يشترط اللقاء ولو مرة ومسلم يشترط المعاصرة وهناك من هو أشد من البخاري يشترط طول الصحبة
ونذكر لذلك مثالاً: وهو أن أصحاب الزهري خمس طبقات: الطبقة الأولى: جمعت الحفظ والاتقان، وطول الصحبة للزهري، والعلم بحديثه، والضبط له، كمالك، وابن عيينة، وعبيد الله بن عمر، ومعمر، ويونس وعقيل، وشعيب، وغيرهم، وهؤلاء متفق على تخريج حديثهم عن الزهري
الطبقة الثانية: أهل حفظ واتقان، لكن لم تطل صحبتهم للزهري، وإنما صحبوه مدة يسيرة، ولم يمارسوا حديثه، وهم في اتقانه دون الطبقة الأولى، كالأوزاعي، والليث، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، والنعمان بن راشد ونحوهم
وهؤلاء يخرج لهم مسلم عن الزهري
الطبقة الثالثة: لازموا الزهري، وصحبوه، ورووا عنه، ولكن تكلم في حفظهم كسفيان بن حسين، ومحمد بن إسحاق، وصالح بن أبي الأخضر، وزمعة بن صالح، ونحوهم وهؤلاء يخرج لهم أبو داود، والترمذي والنسائي، وقد يخرج مسلم لبعضهم متابعة الطبقة
الرابعة: قوم رووا عن الزهري، من غير ملازمة، ولا طول صحبة، ومع ذلك تكلم فيهم، مثل إسحاق بن يحيى الكلبي ومعاوية بن يحيى الصدفي، وإسحاق بن أبي فروة، وإبراهيم بن يزيد المكي، والمثنى بن الصباح، ونحوهم وهؤلاء قد يخرج الترمذي لبعضهم
الطبقة الخامسة: قوم من المتروكين والمجهولين كالحكم الأيلي، وعبد القدوس بن حبيب، ومحمد بن سعيد المصلوب وبحر السقاء، ونحوهم فلم يخرج لهم الترمذي، ولا أبو داود، ولا النسائي، ويخرج ابن ماجه لبعضهم، ومن هنا نزلت درجة كتابه عن بقية الكتب ولم يعده من الكتب المعتبرة سوى طائفة من المتأخرين
وفق الله الجميع لطاعته