(المتــن) وأما دلالتها على التوحيد فإنها دلت على أنواع التوحيد الثلاثة، فدلت على إثبات العبادة لله ونفيها عمن سواه،.
(الشـرح) دلت على صفات العبادة (لله) و(إلا الله)، ونفيها عما سواه (بلا إله)، كلمة التوحيد مشتملة على النفي وعلى الأثبات، النفي يقول: (لا إله)، نفت العبادة بجميع أنواعها عن ما غير الله، (إلا الله) هذه تثبت العبادة لله، نعم، فدلت على توحيد العباد، نعم.
(المتــن) كما دلت أيضا على توحيد الربوبية، فإن العاجز لا يصلح إلها.
(الشـرح) كذلك: لا إله إلا الله، الله تعالى هو الاله. في إثبات توحيد الربوبية، لأن العاجز لا يكون إله، فلما أثبت هذه الكلمات الأولى لله دل على كماله، وأنه قادر وهذا فيه إثبات توحيد الربوبية، نعم.
(المتــن) ودلت على توحيد الأسماء والصفات، فإن مسلوب الأسماء والصفات ليس بشيء، بل هو عدم محض، كما قال بعض العلماء.
(الشـرح) يعني: الذي تسلب عنه الأسماء والصفات لا وجود له، هذا التعطيل الذي ينفون الأسماء والصفات، قال أهل العلم ما عبدوا إلا عدما، عبدوا عدما، الشيء الذي ليس له أسماء ولا صفات لا وجود له، كل شيء موجود، حتى الجمادات لها صفات ولها أسماء، فإذا قلت هناك شيء موجود فاسلب عنه جميع الأسماء والصفات لا وجود له، لو تقول: هناك جماد، هناك حجر، جماد ، وتنفي عنه جميع الصفات تقول: ليس فوق، ولا تحت، وليس له حجم، ولا طول، ولا عرض، ولا سمك، ولا لون، ولا في السماء، ولا في الأرض، فماذا يكون؟، هذا غير موجود، هذا التعطيل هكذا -والعياذ بالله-، وصفوا الله قالوا: ليس داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، ولا مباين له، ولا محايد له، ولا متصل به، ولا منفصل به، هذه الملاحدة زنادقة، ما فعلوا شيء، وليس له أسماء ولا صفات، هذا إلحاد وزندقة، فالشيء الذي تنفى عنه الأسماء والصفات لا وجود له مطلقا، حتى الجمادات ولهذا كفر اهل العلم المعاقلة و الجهمية وغيرهم، كفرهم العلماء، نعم.
(المتــن) كما قال بعض العلماء، المشبه يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما، والموحد يعبد إله الأرض والسماء.
(الشـرح) المشبه الذي يشبه الله بخلقه يعبد صنم، ما عبد الله بحق، وإنما عبد وثنا صوره له خياله، ونحته له فكره، ولهذا قال بن القيم:
لسنا نشبه وصفه بصفات ان المشبه عابد الاوثان، فالذي يشبه الله بخلقه يعبد صنم، ولا يعبد الله في الحقيقة، والمعطل الذي ينفي الأسماء والصفات يعبد عدم، لا وجود له، والموحد يعبد إله الأرض والسماء، إلها واحدا فردا صمدا، نعم.
(المتــن) قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله: وشهادة أن لا إله إلا الله فيها الإلهيات، وهي الأصول الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. وهذه الأصول الثلاثة تدور عليها أديان الرسل وما أنزل إليهم، وهي الأصول الكبار التي دلت عليها وشهدت بها العقول والفطر.
(الشـرح) وهذا واضح، كل هذه الرسالات تدور على هذه الأنواع الثلاثة، علي إثبات أفعال الرب، وإثبات أسمائه وصفاته، وإثبات العبادة له، وأنه مستحق للعبادة وأنه معبود بحق وما سواه معبود بالباطل، هذا الذي التي تدور عليه الأديان كلها الأديان السماوية، يدور عليها الشرائع كلها، كل الشرائع التي بعث الله بها رسوله وأنزل بها كتبه تدور على هذه الأصول الثلاثة، على إثبات أفعال الرب، وإثبات أسمائه وصفاته، وإثبات الاستحقاق للعبادة، وأنه المعبود بحق، وأن ما سواه معبود بالباطل، هذه الأصول الثلاثة التي دور عليها الشرائع كلها، ما تخرج عنها نعم.
(المتــن) قوله: (وحده): فيه تأكيد للإثبات. وقوله: (لا شريك له): تأكيد للنفي.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: تأكيد بعد تأكيد؛ اهتماما بمقام التوحيد.
وقوله: ( إقرارا به ): أي اعترافا. وقوله: ( وتوحيدا ): مصدر وحد يوحد توحيدا، أي: جعله واحدا، أي فردا. فهو افراد الله بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتا وصفاتا وافعالا
(الشـرح) نعم هذا مع التوحيد، وحد يوحد توحيدا، أي: جعله واحدا فردا.
(المتــن) فهو بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتا وصفات وأفعالا، وسمي دين الإسلام توحيدا؛ لأن مبناه على أن الله واحد في ملكه وأفعاله، وواحد في ذاته وصفاته لا نظير له، وواحد في ألوهيته وعبادته لا ند له،.
(الشـرح) كل أقسام التوحيد الثلاثة (توحيد الربوبية، توحيد الألوهية، توحيد الأسماء والصفات) واحد في أفعاله، وواحد في صفاته وذاته، وواحد في عبادته وألوهيته.
(المتــن) وإلى هذه الأنواع الثلاثة ينقسم توحيد الأنبياء والمرسلين، وهذه الثلاثة متلازمة, كل نوع منها لا ينفك عن الآخر.
(الشـرح) توحيد الألوهية متضمن توحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، فهي متلازمة ولا ينفك أحد عن الآخر، من عبد الله في ظل ذلك أنه أثبت ربوبيته، ومن أقر بربوبية الله فإنه يلزمه أن يعبده، انه اقر أنه هو الرب الخالق، الرازق، المدبر، المحي، المميت، يلزمه أن يعبده بهذه الاوصاف، لكن ليس كل احد يلتزم بما لزم، نعم.
وتوحيد الأسماء والصفات؟ مثل توحيد الربوبية، كلاهما مستلزم توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، أصل توحيد الأسماء والصفات واحد، وفصل عنه من أجل أن أهل البدع ابتدعوا في الأسماء والصفات، نعم.
(المتــن) فتوحيد الربوبية: هو الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر لجميع الأمور، وهذا النوع من التوحيد أقر به المشركون ولم يدخلهم إقرارهم به في الإسلام.
النوع الثاني: توحيد الألوهية: وهو إفراد الله بالعبادة، وهذا النوع هو الذي فيه الخصومة بين الأنبياء وأممهم.
النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات: وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وإن شئت قلت: التوحيد ينقسم إلى قسمين كما ذكره ابن القيم في (( النونية )).
(الشـرح) وكما ذكر شيخ الإسلام: توحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيد في الإرادة والقصد؛ التوحيد في المعرفة والإثبات هذا لتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، يقال التوحيد العلمي، يقال التوحيد الخبري، والثاني: توحيد الإرادة والقصد وهو توحيد العبادة، وقال التوحيد الإرادي والتوحيد الطلبي.
نعم. سمي التوحيد الفعلي، وسمي التوحيد الإرادي، والطلبي، والأول يسمى التوحيد القولي للعلم، والتوحيد الخبري وتوحيد المعرفة والأثبات، كلها من الأسماء، توحيد الربوبية والصفات هذه من الأسماء.
(المتــن) أحدهم التوحيد الفعلي، وهو المسمى بتوحيد الألوهية، سمي فعليا: لأنه متضمن لأفعال القلوب والجوارح، فأفعال القلوب كالرجاء، والخوف، والمحبة، والجوارح: كالصلاة، والزكاة، والحج، ونحو ذلك، فهو إفراد الله بأفعال العبيد.
النوع الثاني: التوحيد القولي الاعتقادي، سمي بذلك لاشتماله على أقوال القلوب، وهو اعترافها واعتقادها، وعلى أقوال اللسان، وهذا النوع هو المسمى توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الربوبية.
والتوحيد القولي ينقسم إلى قسمين: الأول: النفي. والثاني: الإثبات.
فالنفي ينقسم إلى قسمين: ( الأول ): نفى النقائص والعيوب عن الله.
( والثاني ): نفي التشبيه والتعطيل عن أسمائه وصفاته.
والثاني: الإثبات: وهو إثبات صفات الكمال لله،
(الشـرح) يعني: من جهة أخرى، كتقسيم آخر، النفي قسم تقسيم: نفي النقائص والعلو، ونفيه التشبيه. ثانيا تقسيم آخر إلى النفي: نفي متصل، ونفي منفصل، فصار النفي ينقسم تقسيمين، نعم. هذا كله مما ذكره بن القيم في (( النونية ))، نعم.
(المتــن) ثم السلب أيضا ينقسم إلى قسمين: الأول: سلب متصل، والثاني: سلب منفصل، فالأول نفي ما يناقض ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله من كل ما يضاد الصفات الكاملة من النقائص والعيوب؛ كالموت والإعياء والنوم والنعاس والجهل والعجز، ونحو ذلك. والثاني سلب منفصل, وهو تنزيهه سبحانه عن أن يشاركه في خصائصه التي لا تكون لغيره، كالشريك، والظهير، والشفيع بغير إذنه، ونفي الزوجة والولد ونحو ذلك.
وأما ضد التوحيد: فتوحيد الربوبية ضده اعتقاد مدبر أو خالق مع الله سبحانه وتعالى، وضد توحيد الألوهية هو الإعراض عن عبادته، أو عبادة غيره معه، وضد توحيد الأسماء والصفات شيئان: التشبيه، والتعطيل.
(الشـرح) التمثيل أحسن لأن التشبيه هو للذي ورد في النصوص، كلمة ( تشبيه ) فيها كلام لأهل العلم، لأنه لابد من أتفاق بين الوجودين في الذهن، وهو نوع من التشبيه، أما التمثيل فلا، الذي ورد في النصوص نحو التمثيل..
(المتــن) أما بعد؛ فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة
وهو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله والبعث بعد الموت، بالقدر خيره وشره.
(الشـرح) بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- بعد أن أفتتح هذه الرسالة العظيمة بالحمد لله، والصلاة والسلام على نبيه، قال بعدها (أما بعد)، أما بعد هذه كلمة يؤتى بها للانتقال من شيء إلى شيء،
(فهذا اعتقاد الفرقة الناجية): هذا تصوره في ذهنه، مما سيذكره في هذه العقيدة، في هذه الرسالة هو اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة، (اعتقاد) يعني: ما يعتقدونه، ويؤمنون به ويصدقونه، وأصل الاعتقاد هو ما يعتقده الإنسان في ذهنه ويلزم به، وأصل الاعتقاد من العبد والرب، وهو ما يدين به الإنسان ويعتقده في ربه، واعتقاد الذهن الجازم إن كان عقيدة صحيحة فهو عقيدة صحيحة، وإن كان عقيدة باطلة فهو عقيدة باطلة، قد تعتقد أهل الفرق الباطلة عقيدة جازمة وإن كانت باطلة، هذا اعتقاد الفرق، (الفرقة) يعني: الجماعة.
(الناجية) يعني: التي نجاها الله، وسلمها من الشرور، والفتن في الدنيا والعذاب في الآخرة، هذا اعتقاد الفرق الناجية المنصورة، التي نصرها الله على غيرها بالحجة والبيان والسيف والسنان، فلها الحجة، وهي ظاهرةٌ على أعدائها و خصومها، في البيان والحجة، وأيضًا هي منصورة بالسنان والحجة عند الجهاد في بعض الاحيان.
(هذا اعتقاد الفرق الناجية المنصورة إلى قيام الساعة) يعني: ساعة المراد بها ساعة موتهم، لأنه في أخر الزمان تأتي ريح طيبة وتقتل أرواح المؤمنين والمؤمنات، فتنتهي هذه الفرقة الكفرة إلى أن تقوم الساعة.
( أهل السنة والجماعة ): سُموا أهل السنة للزومهم لها، ومحبتهم لها ومدافعتهم عنها، وعضهم عليها بالنواجز. (والجماعة) الذين أتبعوا هذه السنة وهم الصحابة والتابعين لهم بإحسان، إلى قيام الساعة.
ما هو هذا الاعتقاد؟ لخصه في هذه الجمل. قال : (هو الأيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والقدر خيره وشره) هذه أركان الأيمان الستة، وهي التي ذكرت في حديث جبريل: لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأيمان قال: ((الأيمان أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه، ورُسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) هذه أركان الأيمان وأركانه الستة التي هي أصل هذه العقائد، وما سيذكر في هذه الرسالة وما سيذكره غيره كلها تدور حول هذه الأركان الستة، والرسالة كلها أولها وأخرها شرح لهذه الأركان الستة، وكذلك أيضًا ما يذكره العلماء في كتب العقائد، كل ترجع الي هذه الأركان الستة، وهي الأيمان بالله، التصديق الجازمة بالله، رباً وألها ومعبودا بالحق، والأيمان بربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته، وأنه مستحق بالعبادة، والأيمان بالملائكة، وأنهم أشخاص وذوات محسوسة، تنزل وتصعد وترى وتجيء وتخاطب الرسول، ولهم وظائف وأعمال، والأيمان بالكتب المنزلة وأن الله أنزل كتبًا كثيرة على أنبيائه ورسوله لا يعلم أسمائه إلا هو، ولكن أغلبها الكتب الأربعة: التوراه، والإنجيل، والزابور، والقرآن وهو أخرها وأعظمها، وصحف إبراهيم وصحف موسى، وما عدا ذلك نؤمن به أجمالاً، وكذلك الرسل الذين أرسلهم الله لهداية الناس ذكر منهم في القران خمس وعشرون، ونؤمن أن لله رسلا كثيرين أرسلهم إلى أمم لا يعلمهم أسمائهم وعددهم إلا الله، والبعث بعد الموت، وفي الحديث: (واليوم الآخر) وما يكون في بعد قيام الساعة، الإيمان بالبعث، وإعادة والأرواح إلى أجسادها، وما قبل ذلك في البرزخ بسؤال (منكر ونكير)، وعذاب القبر ونعيمه، وتضييق القبر وتوسيعه، وما يكون من القيام والوقوف لرب العالمين، ومن الحشر والنشر، ومن تطاير الصحف، ووزن الأعمال، ووزن الأشخاص، والورود على الحوض، ثم ايضا المرور على الصراط، ثم الدخول في الجنة أو في النار، والأيمان بالقدر خيره وشره، والأيمان بأن الله علم الأشياء وكتبها كلها في اللوح المحفوظ، وأن كل شيء في هذا الوجود الله أراد وجوده، وكل شيء في هذا الوجود الله خلقه، هذه مراتب القدر والشرح سوف يأتي إن شاء الله بالتفصيل هذا، نعم.
(المتــن) قوله: ( محمد ): هذا أحد أسمائه صلى الله عليه وسلم، قيل: سمي به؛ لكثرة خصاله الحميدة، وهو اسمه الذي في التوراة، وأما اسمه أحمد فهو الذي بشر به المسيح عليه السلام كما قال سبحانه وتعالى: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) الآية.
قوله: ( عبده ): أضافه إليه إضافة تشريف وتعظيم، ووصفه بالعبودية بأشرف أحواله، مقام الإرسال والإسراء والتحدي.
(الشـرح) مقام الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ)، ومقام التحدي: (وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) ومقام الدعوة: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ) هذه (...) المقامات، أرسل بها النبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية والرسالات، نعم.
(المتــن) ومعنى العبد هنا: المملوك العابد، والعبودية الخاصة وصفه - صلى الله عليه وسلم - كما قال سبحانه وتعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) وأعلى مراتب العبد العبودية الخاصة والرسالة، والنبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في هاتين الصفتين الشريفتين، وأما الربوبية والألوهية فهما حق لله لا يشركه فيهما أحد، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فضلا عن غيرهما.
وفي قوله: ( عبده ورسوله ): إشارة للرد على أهل الإفراط والتفريط، أهل الإفراط الذين غلوا فيه ورفعوه عن منزلته، وارتكبوا ما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو. وأهل التفريط الذين يشهدون أنه رسول الله حقا وهم مع ذلك قد نبذوا ما جاء به وراء ظهورهم، واعتمدوا على الآراء المخالفة لما جاء به، فإن شهادة أن محمدا رسول الله تقتضي الإيمان به، وطاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر، فما أثبته وجب إثباته، وما نفاه وجب نفيه، فشهادة أن محمدا رسول الله كما تقتضي الإيمان به تقتضي الإيمان بجميع الرسل؛ لما بينهما من التلازم، وكذلك الكتب التي جاءت بها الرسل.
قوله: ( وصلى الله على نبينا ): صلاة الله على عبده: هو ثناؤه في الملأ الأعلى، كما ذكره البخاري في صحيحه عن أبي العالية، وقيل: الرحمة، والصواب الأول لوجوه عديدة ذكرها ابن القيم في (( بدائع الفوائد ))، و(( جلاء الأفهام )).
قوله: ( وعلى آله ): أي أتباعه على دينه، كما هو رواية عن أحمد، وعليه أكثر الأصحاب، وعلى هذا فيشمل الصحابة وغيرهم من المؤمنين.
(الشـرح) وعلى آله وأصحابه، (آله): أتباعه على دينه، وأصحابه زيادة مرة أو مرتين، مرة في الخصوص ومرة بالعموم، نعم.
(المتــن) قوله: ( وسلم ): السلام بمعنى التحية أو السلامة من النقائص والرذائل، ومن أسمائه سبحانه: السلام لسلامته من النقائص والعيوب، كما قال ابن القيم في (( النونية )):
وهو السلام على الحقيقة سالم |
|
من كل ما عيب ومن نقصان
|
وجمع المصنف بين الصلاة والسلام امتثالا لقوله سبحانه وتعالى: (صلوا عليه وسلموا تسليما ).
قوله: ( مزيدا ): أي زائدا من الزيادة وهي النمو.
قوله: ( أما بعد ): هذه الكلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر، ويندب الإتيان بها: في الخطب، والمكاتبات، كما كان صلى الله عليه وسلم يأتي بها في خطبه ومكاتباته، رواه عبد القاهر الرهاوي في الأربعين له عن أربعين صحابيا.
(الشـرح) كان (...) إذا خطب يقول: أما بعد، وإذا كتب كذلك، كتب لهرقل قال: من محمد رسول الله إلى عظيم الروم اما بعد أسلم تسلم يأتك الله أجرك مرتين، نعم
(المتــن) قوله: ( اعتقاد ): الاعتقاد لغة الربط والجزم، اعتقدت كذا عقدت عليه القلب والضمير. انتهى مصباح. وعرفه بعضهم اصطلاحا بقوله: هو حكم الذهن الجازم، فإن طابق فصحيح وإلا ففاسد.
(الشـرح) حكم الذهن الجازم، لكن ان كان موافق للواقع فهو اعتقاد صحيح، وإن كان مخالف للواقع فهو اعتقاد فاسد، أهل العقائد الباطلة مثل الرافضة وغيرهم يجزمون بعقائدهم وهي باطلة،هذا عقيدة لهم ، هذا اعتقاد الذهن الجازم، لكن إن كان هذا مطابق للواقع فهو اعتقاد صحيح، وإن كان مخالف فهو اعتقاد فاسد، وكل يسمى اعتقاد يسمى عقيدة، نعم. أهل السنة والجماعة لهم عقيدة وأهل الباطل لهم عقائد، نعم.
(المتــن) قوله: ( الفرقة ): أي الطائفة والجماعة، وأما الفرقة بالضم فمعناه الافتراق.
(الشـرح) وهذا اعتقاد الفِرِقة بالكسر، الفُرقة يعني: اختلاف، والفِرِقة يعني: الجماعة، نعم.
(المتــن) قوله: ( الناجية ): أي التي سلمت من الهلاك والشرور في الدنيا والآخرة.
وحصلت على السعادة بسبب استقامتها على الحق، وتمسكها بما كان عليه - صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة )) رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وحديث ابن ماجه مختصر، وقال الترمذي: حسن صحيح.
س: صحة حديث الافتراق؟
ج: له طرق لا بأس بها، نعم. معروف أنه من آراء البدع، ولهذا قال العلماء: إن الجهمية خارجة من الثلاثة وسبعون فرقة، هذا هو الظاهر بعضهم قال: أنه يدخل فيهم الكافر والمؤمن، لكن ظاهر كلام العلماء أن هذه الفرق مبتدعة، وهذا من باب الوعيد، توعدوا بالنار من باب الوعيد، من جهة أهل الكبائر، ولهذا قال العلماء إن الجهمية خارجة من الثلاثة والسبعون فرقة، لأنهم كفار، نعم.
(المتــن) وعن معاوية رضي الله عنه أنه قال: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال: (( إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين: اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة )) رواه أبو داود، وفي رواية الترمذي (( كلهم في النار إلا واحدة )) قالوا: و من هي يا رسول الله؟ فقال: (( من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) وقال: هذا حديث غريب مفسر لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقد أخطأ بعضهم في تعريف الفرقة الناجية أنها: أهل الحديث، والأشعرية، والماتريدية.
(الشـرح) هذه قالها السفاريني، أنه يقول: الفرقة الناجية ثلاث طوائف: أهل السنة، والأشعرية، والماتريدية، هذا خطأ، الأشعرية والماتريدية ليسوا..، نعم.
(المتــن) وقد أخطأ بعضهم في تعريف الفرقة الناجية أنها: أهل الحديث، والأشعرية، والماتريدية، فإن لفظ الحديث يرد ذلك، فإن قوله: ( واحدة ) ينافي التعدد، فتعين أن تكون الفرقة الناجية هم أهل الحديث فقط، وهم أهل السنة والجماعة.