الخامس عشر: ذكر الشيخُ تقيُ الدين في كتابه ((التدمُرية)) أصلين عظيمين نافعين في هذا الباب:
الأول: القولُ في الصفات كالقول في الذات، فكما أننا نُثبتُ لله ذاتاً لا تُشبهُ الذوات فيجبُ أن نثبت له صفات لا تشبهُ الصفات، فالصفاتُ فرعُ الذات يُحذى فيها حذوها.
نعم وهذه قاعدة، وأصل عظيم، أن القول في الصفات كالقول في الذات، فكما أن لله ذاتاً لا تشبه الصفات، لهُ صفات لا تشبه الذات، فإذا جاء مؤول أو معطل أو مشبه تحتج عليه بهذا الأصل، تقول له: هل تُثبت لله ذاتاً؟، يقول نعم، تقول: هل تُشبه ذات الله ذات غيره؟، فيقول لا، فكما في الصفات، في السمع، والبصر والعلم والقدرة، صفاتٌ لله لا تُشبه صفات خلقه، فالقول في الصفات كالقول في الذات، نعم.
الثاني: القولُ في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر إذ لا فرق.
هذا أيضاً رد به على الأشاعرة، الذين يُفرقون بين بعض الصفات، يُثبتون سبع صفات يقول: ليس لله فيها شبيه، وبقية الصفات يقول: لا نُثبتها لأنها تُشبه صفات المخلوقين، نقول: هذا القول في بعض الصفات كالقول في البعض الأخر، فكما أنكم أثبتم سبع صفات لا يتشابه بها أحدٌ من خلقه فكذلك تثبت بقية الصفات، وقولوا: أن الله يُشبه خلقه، فالقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، نعم.
فمن أثبت بعض الصفات ونفى البعض الآخر كالأشاعرة، فقد تناقض، إذ الدليلُ الذي ثبتت به الصفاتُ التي أقرُوا بها يوجدُ مثلُه أو أقوى منه يثبتُ البعض الآخر
دائماً الأشاعرة متناقضون في الصفات يثبتون البعض، وفي الرؤية يثبتون الرؤية وينفون الجهة، تناقض، مذبذبين بين المعتزلة وبين أهل السنة، في كثير من المباحث في العقيدة، نعم.
إلى غير ذلك من الأصول العظيمة التي ذكرها الشيخُ تقيُ الدين، وابنُ القيم، وغيرُهما من المحققين في كتبهم، وقد أفردنا تلك الأصول في رسالة مفردة فارجع إليها.
قولهُ: (من غير تحريف): أي تغيير لألفاظ الأسماء والصفات، أو تغيير لمعانيها، وقد ذم الله سبحانه وتعالى الذين يحُرفُون الكلم عن مواضعه، كما قال سبحانه وتعالى عن اليهود: {من الذين هادُوا يُحرفُون الكلم عن مواضعه}[النساء: 46]، أي يُغيرُونهُ ويُفسرُونهُ بغير معناهُ.
تحريف اللفظ مثل قراءة بعضهم (وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى تَكْلِيمًا)، هذا تغيير اللفظ (اللهَ)، وتغيير المعنى مثل (اسْتَوَى) معناه: استولى، أو (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ): جرحه بأظافر الحكمة، هذا تغيير للمعنى، لما قرأ بعض الجهمية وكلم اللهَ موسى تكليما، حتى يكون الله هو المُكلم وموسى هو المُتكلم، حتى لا ينفي كلام الله، قال له بعض أهل السنة: هبني يا عدو الله أنك استطعت أن تقول (وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى تَكْلِيمًا) فكيف تقول في: (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)؟ فقال: جرحه بأظافر الحكمة، لأن الكَلم هو الجرح، قال فلان كلَمه يدمى يعني: الجُرح، هذا من التحريف، تحريف اللفظ وتحريف المعنى، لكن لا يستطيع أن يُحرفه، هذه قرأه هو لكن ما يستطيع أن يحرف هذا النص، فهو محفوظ من التحريف {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: 9] نعم.
فالتحريفُ لغةً: التغييرُ وإمالةُ الشيء عن وجهه، يُقال انحرف عن كذا أي مال وعدل، واصطلاحاً: هو التغييُر لألفاظ الأسماء والصفات أو معانيها، كقول الجهمية في قوله سبحانه: {الرحمنُ على العرش استوى}[طه: 5] أي استولى، وقوله {وَجَاءَ رَبُّكَ}[الفجر: 22]أي أمرُهُ، فالتحريفُ ينقسمُ إلى قسمين:
الأول: تحريفُ اللفظ، كقولهم في {وكلم الله مُوسى تكليمًا}[النساء: 164]. بنصب لفظ الجلالة، وكقولهم في (اسْتَوَى): استولى، (وَجَاءَ رَبُّكَ): أي أمرُهُ. ويُروى أن جهمياً طلب من أبي عمرو بن العلاء أحد القُراء يقرأُ: {وكلم الله مُوسى تكليمًا}[النساء: 164] بنصب لفظ الجلالة، فقال له: هبني فعلتُ ذلك فما تصنعُ بقوله: {وكلم الله مُوسى تكليمًا}[النساء: 164]. (وكلمهُ ربُهُ )، فبُهت الجهميُ.
الثاني: التحريفُ المعنويُ: كقولهم في قوله سبحانه وتعالى:
وفيها أنه قال: أنهُ أوله، حتى قال: أنه جرحه بظافره الحكمة، نعم.
الثاني: التحريفُ المعنويُ: كقولهم في قوله سبحانه وتعالى: {وكلم الله مُوسى تكليمًا}[النساء: 164].
أي جرحهُ بأظافير الحكمة تجريحاً.
قال ابنُ القيم -رحمه الله-: والتحريفُ نوعان تحريفُ اللفظ، وتحريفُ المعنى، فتحريفُ اللفظ: العُدُولُ عن جهته إلى غيرها، إما بزيادة أو نقصان، وإما بتغيير حركة إعرابية أو غير إعرابية.
مثل وكلم الله، هذا تغيير بالحركة، كلم الله غير الحركة فغير الضمة وجعلها فتحة، نعم.
فهذه أربعةُ أنواع. وأما تحريفُ المعنى: فهو العُدُولُ بالمعنى.
يعني: بالزيادة أو بالنقص، أو بتغيير الحركة إعرابية أو غير إعرابية، من الواو والألف، نعم.
فهذه أربعةُ أنواع. وأما تحريفُ المعنى: فهو العُدُولُ بالمعنى عن وجهه وحقيقته، وإعطاءُ اللفظ معنى لفظ آخر بقدر ما مُشترك بينهُما.
يعني: إذا كان مشتركان في أصل المعنى.
س: نعم. ماذا عندك؟
ج: عندي أن هذه أربعة أنواع، أربعة لأن العدد يخُالف المعدود، النوع إذا كان النوع ذكر فما قبله مؤنث، أربعةُ رجالٍ، يعني: أربعةُ رجالٍ وأربعةُ نسوة، فالعدد يخالف المعدود، أربعة رجالٍ، رجال التمييز مذكر يؤنث هذا العدد بأربعة، وإذا كان مؤنث فالعكس أربعة نسوة أربعة رجال، أربعة أنواع النوع مذكر، نعم.
س: مثال هذا إعطاء اللفظ معنى لفظ آخر بقدرٍ ما مشترك بينهما، مثاله.
ج: مثل الاشتراك قد يكون في اللفظ وقد يكون في المعنى، قد يكون في اللفظ مثل كلمة العين، كلمة العين لها ألفاظ متعددة والمعاني مختلفة، تطلق على العين الباصرة، وتطلق على العين الذهاب، وتطلق على نبيع الماء، وتطلق على الجاسوس، فكلها تسمى عين. وهناك -أيضًا- العكس تكون الألفاظ مختلفة لكن هناك قدر مشترك بينها، مثل الصفات، الصفات مثلاً صفات الخالق وصفات المخلوق هناك قدر مشترك بينها، كلمة مثلاً العلم، العلم هذا لفظ مشترك لكن علم الخالق يختلف من علم المخلوق، العلم ضد الجهل، لكن علم الخالق كامل وعلم المخلوق ناقص، وعلم المخلوق سبقه العدم.. يعني: اشتراك الناس في مسألة العلم، اشتراك الناس في العقل هذا قدر مشترك، الناس العقلاء كلهم مشتركون، لكن هل كلهم متساوون في العقل أم مختلفون؟ مختلفون، ومبصرون مشتركون في قدرٍ من المعاني، وكل واحد من المبصرون كلهم مشتركون، وهو أن كل واحد مبصر ضد العمى، لكن هل قوة البصر واحد أم مختلف؟ مختلفون، تفاوتوا في عقولهم وكلهم عقلاء، لكن يختلفون في عقوله، كلهم بُصراء، كلهم يعلمون مثلاً: العلماء يتشاركون في العلم لكن هل هم متساوون في العلم؟ لا هناك قدر مشترك، نعم.
س: أحسن الله إليكم، ما يقول -أيضًا- مثاله: الكلم، الذي فسره في: (وكلّم اللّه مُوسى تكليمًا) فسره بالكلم والجرح؟ يكون هناك قدر مشترك بين اللفظين؟
ج: لا هذه كلم وذاك كلّم، نعم.
س: (....)
ج: لا هذا هو مثل ما ذكرنا اليد تطلق على القدرة والنعمة لكن بالقرينة، لابد من قرينة، هذه من الأشياء التي قد يُقال: ألفاظُها مختلفة لكن المعاني مختلفة هنا، المعاني مختلفة، هذه أشبه مثل العين أشتراك لفظي، العين لها ألفاظ مختلفة والمعاني مختلفة، اليد كذلك، تطلق على اليد الجارحة وتطلق على النعمة، هذا العكس عكس المراد، اللفظ متفق والمعنى مختلف، هذا بالعكس، وهناك بقدرٍ مشترك في المعنى، مثل الناس كلهم مشتركون في العمل هذا قدر مشترك لكن متفاوتون فيه، يعطيه قدر مشترك، فإذا قال: فلان عقله مثل فلان، الآن شبه هذا بهذا من أجل القدر المشترك و هو العقل، لكن ما يلزم أن يكون متفقون في العقل، كذلك البصراء، يقول فلان مثل فلان في البصر، صحيح هناك قدر مشترك، كيف تشبه هذا بهذا؟!، يختلف البصر هذا أقوى من هذا، كذلك الآن صفات الخالق وصفات المخلوق، هناك قدر مشترك في أصل المعنى، علم وضده الجهل، هذا قدر مشترك لكن ما في تساوي، بصر وضده العمى لكن ما هناك تساوي.. وهكذا، نعم.
(المتــن) قولُه: (ولا تعطيلٍ): وهو لغةً: الإخلاءُ، يقالُ جيد عُطل، أي خالٍ من الزّينة، قال الشّاعرُ:
وجيدٍ كجيد الرّيم ليس بفاحشٍ |
|
إذا هي نصّتهُ ولا بمُعطّل |
(الشـرح) هذا يمدحه، تغزل هذه، كجيد الريم: الغزال، ليس بفاحش: إذا + إذا رفعت رقبتها، ولا معطل: عليها حُلي متجمل، ليس بفاحش إذا رفعت رأسها، وليس بمعطل عليها حُلي متجمل، وهو تزينُه، معطل معنى الخُلق، وليس بخالي من الزينة الذهب، نعم.
(المتــن) وأمّا معناهُ هنا فهو جحدُ الصّفات وإنكارُ قيامها بذاته سبحانه وتعالي.
(الشـرح) وهذا تعطيل، عطل الخالق من صفة هذه، ويكون بينه قدرٍ مشترك بينه وبين اللغة والمعنى، التعطيل والخُلق، ومنهم رأت العقل إذا خلقت من الزينة والجمال، وشرعاً: جحد صفات الله، ومعناه التعطيل لله وصفاته، نعم.
(المتــن) ونفيُ ما دلّت عليه من صفات الكمال، وأوّلُ من قال بالتّعطيل في الإسلام: الجعدُ بنُ درهمٍ، فقتلهُ خالدُ بنُ عبد الله القسريُّ بعد استشارة علماء زمانه.
(الشـرح) أول معطل في الأسلام، كان أول من عطل في الأسلام هو الجعد بن درهم، وهو المائة الثانية، وكان تعطيله في كلمتين، نفى عن الخلة والتكليم، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يُكلم موسى تكليماً، الصفتين فقط، نفى عن الخُلة ونفى الكلام، لكن بقية الصفة ترجع إلى هذين الصفتين، نفي الكلام هذا معناه كل الرسالات والنبوة والكتب المنزلة، ونفي الخُلة -أيضًا-، معناه يقول ما هناك خُلة، الله تعالى نفى عن المحبة بين الله وبين عبادة وهذا معناه أنهُ قطع الصلة بين العباد وبين ربهم، فقتله خالد بن عبد الله أمير العراق والمشرق ومصر، بعد استفتاء علماء زمانه وكانوا من التابعين، فقتله وذبحه ذبح الشاة في يوم عيد الأضحى، جاء به مكتوفاً، ووضع في أصل المنبر، كان الأمراء هم الذين يخطبون ويُصلون بالناس العيد، فخطب الناس فصلى العيد وخطب الناس وقال في أخر الخطبة: ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحيٍ بالجعد بن جرهم، فإنهُ زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يُكلم موسى تكليماً ، ثم أخذ السكين وذبحه في أصل المنبر، فشكره العلماء.
قال ابنُ القيم رحمهُ الله في (( النُّونيّة )):
ولذا ضحّى بجعدٍ خالدُ الـ |
|
قسريُّ يوم ذبائح القُربان
|
شكر الضّحيّة كُلُّ صاحب سُنّةٍ |
|
لله درُّك من أخي قُربان
|
ولا شك أن هذه الأضحية أُضحية أجرُها عظيم، ثوابُها يزيد على ثواب الأُضحية لأنه فيه قطع دابر الفتنة والفساد، والأضحية سُنة إبراهيم الخليل ومحمد عليه الصلاة والسلام، لكن هذه اضُحية فيها قطع للبدع ودئباً للفساد، لكن مع الأسف أن هذا الرجل قبل أن يُقتل أتصل به شخص يُقال له الجهم بن صفوان، وأخذ عنه عقيدة نفس الصفات، وزاد عليه، أتصل باليهود والنصارى والمجوس، وأخذ منهم ونشر المذهب على نطاقٍ أوسع فأُسند المذهب إليه، وسُمي الجهمية فقال الجهمية، ولم يقل الجعدية، الجعد هو المؤسس لعقيدة نفي الصفات، ولم يُسند المذهب إليه لماذا؟ لأنهُ أبتدع ولكنهُ قُتل قبل أن ينتشر والجهم هو الذي نشر فنُسب إليه مثل مذهب الجهمية، ولم يقُل مذهب الجعدية، نعم.
(المتــن) قال ابنُ القيم رحمهُ الله في (( النُّونيّة )):
ولذا ضحّى بجعدٍ خالدُ الـ |
|
قسريُّ يوم ذبائح القُربان
|
شكر الضّحيّة كُلُّ صاحب سُنّةٍ |
|
لله درُّك من أخي قُربان
|
وتلقّى عن الجعد مقالة التّعطيل: الجهمُ بنُ صفوان التّرمذيُّ، فنشرها وناضل عنها، فلذا نُسب المذهبُ إليه، فيقالُ: جهميّة بفتح الجيم، والجهمُ قتله سلمُ بنُ أحوز أميرُ خُراسان والتّعطيلُ ينقسمُ إلى ثلاثة أقسامٍ، كما ذكره ابنُ القيّم رحمه اللهُ:
الأوّل: تعطيلُ المصنوع من صانعه، كتعطيل الفلاسفة الّذين زعموا قدم هذه المخلوقات، وأنّها تتصرّفُ بطبيعتها.
(الشـرح) نعم. وقالوا: إنها قديمة كقدم الله، هؤلاء أبطلوا المصنوع عن الصانع، يعني: عطلوا المخلوقات عن الخالق، قالوا: ما له خالق، قديمة كقدم الله، مقارنة بالله -نعوذ بالله-، ولم يثبتوا وجود الله إلا من جهة مبدأ هذا الكثرة، وعلة غائية لحركة الفلك، هذا أرسطو وبن سينا والفارابي فلاسفة متأخرون، أما الفلاسفة القُدامى، فإنهم يُعظمون الشرائع في جملة والإلهيات، ولا يتدخلون، يقول: علومنا في الرياضيات والطبيعيات، أما هذه فهي من خصائص الرسل، لكن لما جاء أرسطو كان مشرك يعبد الأصنام، وهو أول من أبتدع القول بقدم العالم، وهذا العالم قديم، فالقول بقدم العالم مناه إنكار لوجود الله، وما له أول هذا العالم، ما له خالق هذا معناه إنكار لوجود الله -نعوذ بالله-، هذا تعطيل المصنوعات من صانعها، فالمخلوقات عطلها من الخالق، ما أثبت لها خالقاً، نعم.
(المتــن) الثّاني: تعطيلُ الصّانع من كماله المُقدّس بتعطيل أسمائه وصفاته.
(الشـرح) نعم. هذا الثاني. الأول: عطل المخلوقات من خالقهم، قالوا: ما لها خالق، والثاني: عطل الخالق من صفاته وأسمائه، نعم.
(المتــن) كتعطيل الجهميّة وأشباههم من المعتزلة وغيرهم.
الثّالث: تعطيلُ حقّ معاملته، بترك عبادته، أو عبادة غيره معه.
(الشـرح) نعم. تعطيل حق معاملته، حق عبادة الله، كالمشركين الذين أشركوا أو عبدوا معه غيره، هؤلاء عطلوا حقه سبحانه وتعالى. إذاً التعطيل: تعطيل المخلوقات من خالقها، وتعطيل الخالق من صفة الكمال، وتعطيل الخالق من حقه، بترك عبادته أو الأشراك معه، نعم.
(المتــن) الثّالث: تعطيلُ حقّ معاملته، بترك عبادته، أو عبادة غيره معه.
قال ابنُ القيّم رحمه اللهُ: والتّعطيلُ شرّ من الشّرك، فإنّ المُعطّل جاحد للذّات أو لكمالها.
(الشـرح) الأسماء والصفات ما أنكر الذات، لا توجد ذات لا في الأسماء ولا في الصفات، إذا كان لا يوجد ذات لا في الأسماء ولا في الصفات لا وجود له، نعم.
(المتــن) قال ابنُ القيّم رحمه اللهُ: والتّعطيلُ شرّ من الشّرك، فإنّ المُعطّل جاحد للذّات أو لكمالها، وهو جحد لحقيقة الألوهيّة، فإنّ ذاتًا لا تسمعُ ولا تبصرُ ولا تغضبُ ولا ترضى ولا تفعلُ شيئًا وليست داخل العالم ولا خارجه ولا متّصلةً بالعالم ولا منفصلةً ولا فوق ولا تحت.
(الشـرح) هكذا يقول النُفاةُ والعياذ بالله.
(المتــن) ولا تحت ولا يمين ولا شمال، هو والعدمُ سواء، والمُشركُ.
(الشـرح) هم يقولون والعياذ بالله، الغلاة المعطلة ينفون النفي، لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته ولا أمامُهُ ولا خلفه، ولا يمينه ولا شماله، وليس له سمع ولا بصر ولا علم ولا قدرة ولا متصل بالعالم ولا منفصل عن العالم، ماذا يكون؟ عدم؟ بل ممتنع أشد من العدم، هذا هو الممتنع -نعوذ بالله-، نعم. ولهذا الجهمية يعبدون عدماً ما لهم أله، حجر -أعوذ بالله-، المعطل يعبُدُ عدماً، هذا رب الجهمية، رب الجهمية معدوم -نعوذ بالله-، ولهذا قال بعض السلف كعبد الله بن المبارك: إنا لنحكي أقوال اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي أقوال الجهمية، من خُبص أقوالها، -والعياذُ بالله- نعم.
(المتــن) والمُشركُ مُقرّ بالله، لكن عبد معه غيره.
(الشـرح) يعني المشرك كفر، لكن أخف من المعطل، المعطل ما مُقِر بوجد الله، والمشرك مُقِر بوجود الله لكن بزعمه يعبد معه غيره حتى يُقربهُ إلى الله، ففرقٌ بين الذي أثبت والذي نفى، فالمعطل ما أثبت وجود الله والمشرك أثبت وجود الله لكن عبد معه غيره، فيكون المُشرك أخف من المعطل، نعم.
(المتــن) فهو خير من المعطّل للذّات والصّفات.
قولـُه: (ولا تكييفٍ): وهو تعيينُ كُنه الصّفة، يُقالُ كيّف الشّيء: أي جعل له كيفيّةً معلومةً.
(الشـرح) يعني يقول: أن الصفات كيفيتُها كذا ومكنونها كذا وحقيقتُها كذا وعلى كيفية كذا، هذا لا يعلمه الا الله لكن الصفات معلومة معناها نعرف السمع والبصر هذه معاني معروفة اما الكيفية فلا يعلمها الا الله كما قال الامام (...) الاستواء معلوم (....)
(المتــن) وكيفية الشئ: صفته وحاله والتكييف:تعيين كنهة الصفة وكيفيتها وهذا مما استأثر الله به فلا سبيل للوصول اليه اذ الصفة تابعة للموصوف فكما لا يعلم كيف هو الا هو فكذلك صفاته والصفات يخلي فيها حدو الذات وقد سئل مالك رحمه الله تعالي فقيل له الرحمن علي العرش استوي فكيف استوي؟ وقوله الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وكذلك روي عن ربيعة نحو من هذه الاجابة وكذلك روي عن ام سلمة زوج النبي صلي الله عليه وسلم فقوله والاستواء معلوم اي في لغة العرب وقولُه: والكيفُ مجهول، أي كيفيّةُ استوائه سبحانه وتعالى لا يعلمُ كُنهها وكيفيّتـها إلا هو سبحانه، وقولُهُ:و الإيمانُ به واجب، لتكاثر الأدلّة من الكتاب والسّنـّة في إثبات ذلك، والسّؤالُ عنهُ، أي عن الكيفيّة بدعة، ففرّق مالك رحمه اللهُ بين المعنى المعلُوم من هذه اللفظة، وبين الكيف الذي لا يعقلُهُ البشرُ.
وإجابةُ مالكٍ رحمه الله تعالى وغيره جواب كافٍ شافٍ في جميع مسائل الصّفات، فإذا سئل إنسان عن المجيء أو النّزول أو السّمع أو البصر أو غير ذلك، أجاب بجواب مالكٍ رحمه اللهُ، فيُقالُ مثلاً: المجيءُ معلوم والكيفُ مجهول، وكذلك من سُئل عن الغضب والرّضى والضّحك وغير ذلك فمعانيها كلُّها مفهومة، وأمّا كيفيّتُها فغيرُ معقولةٍ، إذ تعقُّلُ الكيفيّة فرعُ العلم بكيفيّة الذّات وكُنهها.
(الشـرح) نعم. يعني: إذا عُقلت الذات وعرفت عُقلت الصفات، والذات لا يمكن أن تعقل ولا يمكن أن تُنفى حقيقة، وكذلك الصفات، فالكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وكما أن لله ذات لا تشبه الذوات فلهُ صفات لا تشبه الصفات -سبحانه وتعالى-، نعم.
(المتــن) فإذا كان ذلك غير معقولٍ للبشر فكيف يُعقلُ لهم كيفيّةُ الصّفات؟!
قولـُهُ: (ولا تمثيل): التـّمثيلُ هو التـّشبيهُ، يقال مثّل الشّيء بالشّيء سوّاهُ وشبّههُ به، وجعله مثلهُ وعلى مثاله، فالشّبيهُ والمثيلُ والنّظيرُ ألفاظ مُتقاربة، فلا تُمثـّلُ صفاتُهُ بصفات خلقه، فإنّه لا مثل له ولا شبه له ولا نظير، لا في ذاته وأسمائه، ولا في صفاته وأفعاله، كما قال سبحانه وتعالى: (ليس كمثله شيء وهُو السّميعُ البصيرُ ) والتّشبيهُ ينقسمُ إلى قسمين:
الأوّل: تشبيهُ المخلوق بالخالق، كتشبيه النّصارى عيسى بالله، وكتشبيههم.
(الشـرح) نعم. فإن النصارى رفعوا عيسى من مقام العبودية إلى مقام الألوهية، فقاول: ابن الله - والعياذ بالله-، فشبهوا عيسى بالله. والثاني التشبيه المُشَّبهة بالعكس تشبيه الخالق بالمخلوق، قالوا: إن صفات الله تشببه صفات المخلوق، العكس، النسبة بين تشبيه المشبهة وتشبيه النصارى عكسية، تشبيه المشبهة عكس تشبيه النصارى، النصارى شبهوا المخلوق بالخالق، فرفعوا عيسى إلى مقام الألوهية، والمشبهة تنقصوا الله وجعلوا صفاته كصفة المخلوقين، نعم. وكل النوعية كلها حرام ولا يجوز، قالوا: لسنا نشبه وصفاً بوصفنا إن المشبه عابد الأوثان، وقالوا: من شبه الله العظيم بخلقه فهو النسيبُ المشرك النصراني، مشابه النصارى، في تشبيههم عيسى وجعلهم بن الله - نعوذ بالله-، نعم.
(المتــن) الأوّل: تشبيهُ المخلوق بالخالق، كتشبيه النّصارى عيسى بالله، وكتشبيههما العزير وتشبيه المشركين أصنامهم بالله، وهذا النّوعُ هو الّذي أُرسلت الرُّسلُ وأُنزلت الكتبُ في النّهي عنه، وهو أعظمُ الذّنوب على الإطلاق، ومُحبط لجميع الأعمال.
(الشـرح) نعم. لأن هذا من أتخاذهم أله مع الله، جعلوا عيسى أله مع الله، وجعلوا العُزير اليهود أله جعلوه ابن الله، وكذلك المشركون شبهوا أصنامهم بالله وصرفوا لها العبادة، نعم.
(المتــن) الثّاني: تشبيهُ الخالق بالمخلوق، كقول المُشّبهة: لله يد كأيدينا، وسمع كأسماعنا، وهذا هو الـّذي صُنّفت كتبُ التّوحيد للرّدّ على قائله، وكلا النّوعين كفر، وكلُّ مشبّه معطّل وبالعكس.
(الشـرح) المشبه معطل لأنهُ عطل الله من صفاته ثم شبهه بالمخلوق، والمعطل كذلك -أيضًا- عطل الله من صفاته ثم شبهه بالمعدومات أو بالمخلوقات، نعم. كل مشبه معطل وكل معطل مشبه. نعم.
(المتــن) وكلُّ مشبّه معطّل وبالعكس، فإنّ المعطّل لم يفهم من صفات الله إلا ما يليقُ بالمخلوق، فأراد بزعمه الفاسد تنـزيههُ عن ذلك فوقع في التّعطيل، فشبّه أوّلاً وعطّل ثانياً.
ما فهما من صفات الله إلا كما يفهم من صفة المخلوق، ظن أنهُ إذا نفي السمع لله صار مشابه للمخلوق، وإذا أُثبت العلم صار مشابه للمخلوق، وإذا أُثبت الاستواء -أيضًا- صار مشابه لاستواء المخلوق، فلما فهم هذا الفهم الفاسد نفى عطل الصفة، نفى هذا الفهم الذي فهمه فعطل، فشبه أولاً، ثم عطل ثانياً، يعني: ما عطل إلا لأنه قام في ذهنه التشبيه، ظن أنهُ إذا أثبتت الصفات صار كالمخلوق، فلما ظن هذا الظن التشبيه شبه في نفسه، إذاً هنا شبه ثم نفى فعطل، فوقع في التشبيه أولاً ثم عطل ثانياً، نعم. وهذا باطل نقول، صفات الله لا تشبه صفات المخلوقين، الحمد لله الصفات ثابتة لله، من غير مشابه، {ليس كمثله شيء وهُو السميعُ البصيرُ}[الشورى: 11] نعم.
(المتــن) فشبّه أوّلاً وعطّل ثانياً وشبّههُ ثالثاً بالمعدومات والنّاقصات، تعالى اللهُ عن قولهم.
(الشـرح) هذا بعد التعطيل، فأولاً: شبه أنهُ فهم من صفات الخالق كما يفهم من صفات المخلوق، ثم عطل فنفى الصفة، فلما عطل فنفى الصفة لزمهُ التشبيه بالمعدومات، فشبه أولاً ثم عطل ثانياً ثم شبه ثالثًا، نعم.
(المتــن) وكذلك المشبّهُ عطّل الصّفة الّتي تليقُ بالله ووصفه بصفات المخلوق، فعطّل أوّلاً، وشبّههُ ثانياً، فكلُّ مُعطّلٍ مُشبّه وبالعكس.
(الشـرح) يعني: كل معطل مشبه، وكل مشبه معطل، لأن الذي شبه الله بخلقه عطله من صفة كماله، الذي يقول لله يد كيدي هذا شبه الله بالمخلوقات ومع ذلك عطل الله من صفة كماله، لأنه صفاته لا تُشبه صفات المخلوقين، فهو لم يُنزه عندما شبه، ثم نفى الصفة عن الله، نعم.
(المتــن) قال الشّيخُ تقيُّ الدّين في (( الحمويّة )): وكلُّ واحدٍ من فريقي التّعطيل والتّمثيل فهو جامع بين التّعطيل والتّمثيل، أمّا المُعطّلُون فإنّهم لم يفهمُوا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائقُ بالمخلوق، ثمّ شرعُوا في نفي تلك المفهُومات، فقد جمعوا بين التّمثيل والتّعطيل، مثّلوا أولاً، وعطّلوا آخراً، وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، وتعطيل لما يستحقُّه هو من الصّفات اللائقة بالله سبحانه، ومذهبُ السّلف بين التّعطيل والتّمثيل فلا يُمثلّون صفات الله بصفات خلقه، كما لا يُمثّلون ذاته بذوات خلقه، فلا ينفُون عنه ما وصف به نفسه، أو وصفهُ به رسولُه صلّى اللهُ عليه وسلّم، فيُعطّلُون أسماءه الحسنى وصفاته العليا، ويُحرّفُون الكلم عن مواضعه، ويُلحدُون في أسماء الله وآياته. انتهى.
قولـُه (بل يؤمنون بأنّ الله ليس كمثله شيء وهو السميعُ البصيُر): كما قال سبحانه: (ليس كمثله شيء وهُو السّميعُ البصيرُ) أي إنّه سبحانه لا مثل له في ذاته، ولا في أسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، فقولُه: (ليس كمثله شيء) ردّ على المُشبّهة المُمثّلة، وقوله: (وهُو السّميعُ البصيرُ) ردّ على المُعطّلة النُّفاة.
والكافُ في قوله: (ليس كمثله شيء)، أصحُّ الأقوال أنّها زائدة، وهذا معروف في لغة العرب كقول الشّاعر:
ليس كمثل الفتى زُهيرٍ |
|
خلق يُوازيه في الفضائل |
(الشـرح) وهذا كما جاء في أصول الفقه، مثل ما جاء في الحقيقة والمجاز، أن هذا المجاز بالزيادة، (ليس كمثله شيء)، قالوا الكاف زائدة، وبعضهم قال إنها بمعنى: مثل، ليس مثل مثله شيء، وهذا من باب المبالغة، قال بعضهم يلزم هذا إثبات المثيل لله، لكن المراد المبالغة، لكن الصواب ألا يُقال في القرآن ، وإنما أُوتي للتأكيد، فهي مؤكدة لنفي المثل، وأن الله ليس لهُ مثيل، نعم.
س: (....)
ج: نعم صلة، لكن تكون مؤكدة الآن لها فائدة، نعم.
(المتــن) في هذه الآية المُتقدّمة فوائدُ:
الأُول: إثباتُ السّمع والبصر والردُّ على من زعم أنّ السّمع والبصر بمعنى العلم، وفيها الردُّ على الُمعطّلة الّذين ينفُون الصّفات بالكُليّة، كالجهميّة.
(الشـرح) هذه يؤولها بمعنى العلم من هم؟ الأشاعرة، لأن الأشاعرة يثبتون سبعة صفات، وبقية الصفات يردون إليها، إذا جاء الرضا رده إليه أراد أن يرضى، الغضب أراد أن يغضب، أو يفسرونها بالرضا بالثواب،والرضا بالاعتقاد ، والسمع والبصر ما هم من الصفات، ولكن السمع والبصر هم من الصفات+++، هذا يرجع إلى المعتزلة أو غيرهم، لأن الأشاعرة يثبتون سبع صفات، والسمع والبصر من الصفات التي يثبتونها، فلا يؤولونها بالعلم، إنما الصفات السبع كلها تدخل على ظاهرها إلا الكلام، الكلام قالوا: بمعنى قائم بالنفس، وعلى هذا السمع والبصر يؤوله من لا يُثبت السمع والبصر من المعتزلة وغيرهم، نعم.
(المتــن) إثباتُ السّمع والبصر والردُّ على من زعم أنّ السّمع والبصر بمعنى العلم، وفيها الردُّ على الُمعطّلة الّذين ينفُون الصّفات بالكُليّة، كالجهميّة.
والّذين يُثبتون الأسماء دون المعاني، كالمعتزلة الّذين يقولون سميع بلا سمعٍ، بصير بلا بصرٍ، وتصوُّرُ هذا القول يكفي في ردّه واستهجانه.
وفيها الردُّ على الأشاعرة الّذين يُثبتون بعض الصّفات، ويُؤوّلُون البعض الآخر، وهم مُتناقضُون أعظم تناقُضٍ، وفيها النّفيُ المُجملُ والإثباتُ المفصّلُ.
(الشـرح) النفي المجمل قوله: (ليس كمثله شيء)، والأثبات المفصل (وهُو السّميعُ البصيرُ)، النقائص القاعدة عند أهل السُنة الجماعة في باب الأسماء والصفات أن الله تعالى يُنزه تنزيه يكون مجمل، تُنفى عنهُ النقائص والعيوب عنهُ إجمالاً، كقوله: (ليس كمثله شيء) {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}[مريم: 65]، {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ}[النحل: 74]، {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا}[البقرة: 22]، ،نفي مجمل، وأما الصفات فهي تثبُت مفصلة، صفات السمع (وَهُوَ السَّمِيعُ البصير) ( وَهُوَالعليم الحكيم )، وما جاء من النفي المفصل فهي للرد على من أثبت ذلك لله، كقوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص: 3]، هذا نفي مفصل ولكن للرد على من نسب ولد لله، المشركين الذين نسبوا لله الولد له، نعم.
(المتــن) وفيها النّفيُ المُجملُ والإثباتُ المفصّلُ وفيها الجمعُ بين النّفي والإثبات، وفيها تقديمُ النّفي على الإثبات، لأنّ الأوّل من باب التّخلية، والثّاني من باب التّحلية.
(الشـرح) يعني: التخلية من العيوب، تنزيه الله عن العيوب، التخلية ثم تأتي التحلية، أول شيء إذا صار المكان محل فيه أشياء ماذا تفعل لهُ، وتريد أن تُزين هذا الشيء؟، هل تُزينها وتجعلها على الأشياء، أو تُنظفها أولاً؟، تنظفها أولاً، تُصفيها ثم تُزينُها، مثل الذهب الآن يُصفى. وكلمة التوحيد هي تخلية وتحلية، (لا إله): تخلية، نفي الألوهية عما سوى الله، (إلا الله): تحلية، إثبات الألوهية لله، تخلية الأول ثم التحلية، نعم. (ليس كمثله شيء) تخلية، (وهُو السّميعُ البصيرُ) تحلية، نعم.
(المتــن) وفيها الجمعُ بين السّمع والبصر، فكثيراً ما يُقرن بينهما لعموم مُتعلّقهما، فسمعُه سبحانه مُحيط بجميع المسمُوعات، وبصرُه مُحيط بجميع المُبصرات، وسمعُه سبحانه ينقسمُ إلى قسمين:
الأوّل: سمع عامّ، وهو سمعُه سبحانه لكلّ مسمُوعٍ، كقوله سبحانه: (قد سمع اللّهُ قول الّتي تُجادلُك في زوجها).
الثّاني: سمع خاصّ، وهو سمعُ الإجابة والإثابة، كما قال سبحانه: (إنّ ربّي لسميعُ الدُّعاء) الآية.
(الشـرح) مثل قول القائل: سمع الله لمن حمده، السمع قبول واستجابة يعني: أستجاب الله، هذا السمع الخاص (سمع الله لمن حمده)، نعم.
(المتــن) الثّاني: سمع خاصّ، وهو سمعُ الإجابة والإثابة، كما قال سبحانه: (إنّ ربّي لسميعُ الدُّعاء ) الآية، ومنه قولُ العبد: ( سمع اللهُ لمن حمدهُ ) أي استجاب سبحانهُ لمن حمدهُ وأثنى عليه، وفيها إثباتُ الصّفات لله على ما يليقُ بجلاله وعظمته، وفيها أنّ صفاته ليست كصفات خلقه، والمخلوقُ وإن كان يُوصفُ بأنّه سميع بصير فليس سمعُه وبصرُه كسمع الرّبّ وبصره، فصفاتُ الخالق كما يليقُ به، وصفاتُ المخلوق كما يليقُ به، إذ لا مُناسبة بين الخالق والمخلُوق، فصفاتُ كلّ موصوفٍ تناسبُ ذاته وحقيقتـه، فلا يعلمُ كيف هُو إلا هُو.
قال بعضُ السّلف: إذا قال الجهميُّ: كيف استوى؟ كيف ينزلُ إلى السّماء الدّنيا؟ ونحو ذلك، فقل لهُ: كيف هُو بنفسه؟ فإذا قال: لا يعلمُ كيف هُو إلاّ هُو، وكُنهُ الباري غيرُ معلُومٍ للبشر، فقل له: فالعلمُ بكيفيّة الصّفة مستلزم للعلم بكيفيّة الموصُوف فكيف يمكنُ أن يُعلم كيفيّةُ صفةٍ لموصوفٍ لم تُعلم كيفيّتُه، وإنّما تُعلمُ الذّاتُ والصّفاتُ من حيث الجُملةُ، فلا سبيل إلى العلم بالكُنه والكيفيّة، فإذا كان في المخلوقات ما لا يُعلمُ كُنهُهُ فكيف بالباري سبحانه.
(الشـرح) مثل الروح لا تعلم كيفيته وهي بين جنبيك وهي مخلوق، فكيف تعلم كُنه الباري؟ نعم.
(المتــن) قال الشارح رحمه الله تعالي: قال بعضُ السّلف: إذا قال الجهميُّ: كيف استوى؟ كيف ينزلُ إلى السّماء الدّنيا؟ ونحو ذلك، فقل لهُ: كيف هُو بنفسه؟ فإذا قال: لا يعلمُ كيف هُو إلاّ هُو، وكُنهُ الباري غيرُ معلُومٍ للبشر، فقل له: فالعلمُ بكيفيّة الصّفة مستلزم للعلم بكيفيّة الموصُوف فكيف يمكنُ أن يُعلم كيفيّةُ صفةٍ لموصوفٍ لم تُعلم كيفيّتُه.
نعم وهذه قاعدة فالقول في الصفات كالقول في الذات، كما أن لله ذات لا يعلمها إلا هو فلهُ صفات لا يعلمها إلا هو -سبحانه وتعالى-، كيفية الصفات فرع عن العلم في الذات، فالقول في الصفات فرع عن القول في الذات، نعم.
(المتــن) وإنّما تُعلمُ الذّاتُ والصّفاتُ من حيث الجُملةُ، فلا سبيل إلى العلم بالكُنه والكيفيّة، فإذا كان في المخلوقات ما لا يُعلمُ كُنهُهُ فكيف بالباري سبحانه.
(الشـرح) فهذه الروح التي بين يدي جنب الأنسان موجودة ولا يعلم الأنسان كيفيتها، لا يعلم كيفية الروح، أختلف الناس في كيفية الروح، ذكر بن القيم -رحمه الله- في كتابه ((الروح)) أقوال متعددة، ما هي الروح؟ بعضهم يقول هي الدم، وبعضهم يقول هي الحرارة، إلى كذا..، وجعلوها شيء من الصفات، اختلفوا فيها أقوال طويلاً، واختاروا أنها جسم لطيف نوراني يسري في البدن سريان النار في الفحم، والماء في الغُصن، ولكن لا يعلم كيفيتها إلا هو، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: 85]، فإذا كان في المخلوقات شيء لا تُعلم حقيقته فكيف يتطلع الأنسان إلى معرفة كُنه الباري -سبحانه- وكيفيته، نعم.