قال ابنُ كثير رحمهُ اللهُ: ولما كان التسبيحُ يتضمنُ التنـزيه والتبرئة من النقص بدلالة المُطابقة، ويستلزمُ إثبات الكمال، كما أن الحمد يدلُ على إثبات صفات الكمال مُطابقةً ويستلزمُ التنـزيه عن النقص، قرن بينهما في هذا الموضع وفي مواضع كثيرة من القرآن؛ ولهذا قال: ((سُبحان ربك رب العزة عما يصفُون) الآية. انتهى.
(الشـرح) يعني: ((سُبحان ربك رب العزة عما يصفُون) تنزيه لله عن النقائص والعيوب، وفي ضمنه أثبات الكمال لله عز وجل، والحمد أثبات الكمال لله عز وجل وفي ضمنه تنزيه عن النقائص، ولهذا جمع بينهما، نعم.
(المتــن) وفي هذه الآية إثباتُ أنواع التوحيد الثلاثة، فإن الحمد يتضمنُ إثبات أنواع التوحيد الثلاثة، فإن الحمد مدحُ المحمُود بصفات كماله ونعوت جلاله، مع محبته والرضا عنه والخضوع له.
(الشـرح) وهذا الفرق بينه وبين المدح، المدح تُذكر صفات الممدوح ولا يلزم من هذا الحب، ولا يلزم الحب والإجلال فأنت تمدح الأسد بأنه قوي ولا تُحبُه، أما المدح ففيه ذكر صفات المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه، ولهذا جاء في حق الرب سبحانه وتعالى الحمد، (الحمد لله رب العالمين) ولم يأتي المدح، نعم أمدح الله، نعم.
(المتــن) فإن الحمد مدحُ المحمُود بصفات كماله ونعوت جلاله، مع محبته والرضا عنه والخضوع له، ومن المعلوم أن فاقد صفات الكمال لا يكونُ إلهًا، ولا مدبرًا، بل هو مذموم، معيب، ليس له الحمدُ، وإنما الحمدُ لمن له صفاتُ الكمال، ونُعوتُ الجلال، التي لأجلها استحق الحمد، واشتملت هذه الآيةُ على وصفه -سُبحانهُ- بالعزة المتضمنة للقوة والقدرة وعدم النظير، والحمد المُتضمن لصفات الكمال والتنـزيه عن أضدادها، وعلى إثبات صفة الكلام، وعلى الرد على جميع المُخالفين، وإثبات أن ما جاء به المرسلون هو الحقُ الذي يتعينُ اعتقادُه لسلامة ما قالُوه في ربهم من النقص والعيب. انتهى. من كلام ابن القيم مُلخصًا.
قولُه: (فسبـح نفسه): أي نزهها عما يصفُه به العبادُ إلا ما وصفهُ به المرسلون وأتباعُهم، فإن هذه الكلمة: أي سبحان ربك، تنـزيه للرب، وتعظيمُه وإجلالُه عما لا يليقُ به من النقائص والعيوب، فالرُسلُ عليهم الصلاةُ والسلامُ وأتباعُهم وصفوه -سُبحانهُ وتعالى- بصفات الكمال ونزهُوه عما لا يليقُ به من الشبيه والمثال، وأما أعداءُ الرُسل فوصفوه بضد ذلك من النقائص والعيوب وألحدُوا في أسماء الله وصفاته وآياته، وحرفُوا الكلم عن مواضعه، فالحقُ هو ما كان عليه الرسولُ -صلى اللهُ عليه وسلم- وأصحابُه، وما جاء به علمًا وعملاً واعتقادًا في باب صفات الرب وأسمائه، وتوحيده وأمره ونهيه ووعده ووعيده، وكلُ ذلك مُسلم إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم دون آراء الرجال وأوضاعهم وأفكارهم واصطلاحاتهم، فكلُ ما خالف ما عليه الرسولُ وأصحابُه فهو باطل مردودُ على صاحبه كائنًا من كان.
قولُه: (لسلامة ما قالُوه): أي أن ما قالُوه في ربهم سالم من النقص والعيب، فإنهم أعلمُ الخلق بالحق وأنصحُ الخلق وأفصحهُم وأقدرُهم على البيان والتبليغ:
(الشـرح) يعني: الرسل عليهم السلام أنصح الخلق وأقدرهم وأفصحهم، لأن الله أختارهم، أختارهم لأنهم أكمل الناس، وأفضل الناس عليهم الصلاة والسلام، نعم.
(المتــن) فما بينُوه من أسماء الله وصفاته وغير ذلك هو الغايةُ في الكمال، وهو الحقُ الذي يجبُ اعتقادُه واتباعُه، ولا تحلُ مخالفتُه.
قال في القاموس: السلامةُ: البراءةُ من العيوب. انتهى.، والعيبُ والنقصانُ مُترادفان.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى: وهُو سُبحانهُ قد جمع فيما وصف به نفسهُ بين النفي والإثبات.
فلا عُدُول لأهل السُنة عما جاءت به المُرسلُون؛ فإنهُ الصراطُ المُستقيمُ، صراطُ الذين أنعم اللهُ عليهم من النبيين والصديقين والشُهداء والصالحين.
وقد دخل في هذه الجُملة: ما وصف اللهُ به نفسهُ في سُورة الإخلاص التي تعدلُ ثُلُث القُرآن؛ حيثُ يقُولُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ÇÊÈ اللَّهُ الصَّمَدُ ÇËÈ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ÇÌÈ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ÇÍÈ }[الإخلاص]
وما وصف به نفسهُ في أعظم آية في كتابه; حيثُ يقُولُ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة: 255]، ولهذا كان من قرأ هذه الآية في ليلة لم يقربُهُ شيطان حتى يُصبح.
(الشـرح) بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي نبي وعلي اله وصحبه اجمعين قال المؤلف رحمه الله قال: وقد جمع سبحانه بما وصف به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما وصف به المرسلين فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
المعنى أن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالنفي والإثبات، وصف نفسه بإثبات المفصل ونفي المجمل، فالنفي في حق الرب سبحانه وتعالى يأتي مجملاً، والإثبات يكون مفصلاً، فالله تعالى، اثبت لنفسه السمع والبصر والعلم والقدرة، ونفى عن نفسه ونزه نفسه عن النقائص والعيوب أجمالاً، بقوله سبحانه: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)، (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ).
وقد يأتي النفي مفصل للرد على المشركين في قوله تعالى: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) هذا نفي مفصل للرد على المشركين الذين نسبوا الولد لله عز وجل، وإلا فإن النفي في النصوص إنما يأتي مجملاً في حق الرب سبحانه وتعالى، والإثبات يكون مفصلاً، وهذا هو الصواب، ولا عدول لأهل الحق عن الصراط المستقيم، فإنهُ الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والشهداء والصالحين. وقد دخل في ذلك ما وصفه به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثُلث القرآن فإن الله تعالى قال: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) هذا إثبات، (اللَّهُ الصَّمَدُ) فإنه سبحانه وتعالى إله واحد، الأحد الذي لا شبيه له ولا مثيل له ولا نظير، في ذاته وصفاته وأفعاله، (اللَّهُ الصَّمَدُ) الصمد في نفسه، الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجهم، وهو صمد في نفسه لا يحتاج إلى أحد، قائم بنفسه، وهو صمد تصمد إليه الخلائق في حوائجهم، (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) هذا نفي، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) هذا نفي، فجمع في هذه السورة بين النفي والإثبات، وكذلك في آية الكرسي التي هي أعظم سورة في القرآن، والتي من قرئها لم يزل من الله عليه حافظ ولا يقربه الشيطان حتى يُصبح، فيها نفي وإثبات، (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ولهذا كلمة التوحيد لا إله إلا هو، جمع الله فيها بين النفي والإثبات، نفى العبادة بجميع أنواعها لغير الله وإثباتُها لله، (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) هذا إثبات، (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) هذا نفي، نفي للسِنة وهي النُعاس والنوم المستغرق، (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) هذا إثبات، (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) يعني: لا أحد، نفي بمعنى الإثبات، لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) إثبات العلم، (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) نفي، (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) أثبات، (وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) نفي، (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) أثبات, جمع بما وصف به نفسه بين النفي والإثبات، نعم.
(المتــن) قال الشيخ رحمه الله تعالي: وهُو سُبحانهُ قد جمع فيما وصف وسمى به نفسهُ بين النفي والإثبات، فلا عُدُول لأهل السُنة والجماعة عما جاء به المُرسلُون.
قول الشارح: (جمع): الجمعُ في اللغة: الضمُ، والاجتماعُ: الانضمامُ، والتفريقُ ضدُه.
قولُه: (وصف): الوصفُ لغةً: نعتُه بما فيه. وصف الشيء نعتهُ بما فيه وحلاه, والصفةُ النعتُ، والصفةُ ما يقُومُ بالموصوف كالعلم والجمال، وأسماؤه -سُبحانهُ- تنقسمُ إلى قسمين: أعلام وأوصاف، والوصفيةُ فيها لا تُنافي العلمية، بخلاف أوصاف العباد.
(الشـرح) نعم. فهي علم على الذات المقدسة، وهي أوصاف، فالرحمان علم على الله عز وجل، مشتمل على صفة الرحمة، والعليم علم على الرب مشتمل على صفة العلم، والقدير علم على الرب مشتمل على صفة القدرة وهكذا، هي أعلام وأوصاف، بخلاف المخلوق فإن أسمائه أعلام وقد لا تكون أوصاف، مثل: الرجل يُسمى صالح وقد يكون فاسد وليس صالح، لكن هذه علم على أسم صالح، لكن منحرف وليس صالح، فهو علم وليس بوصف، فهو علم يُعرف فلان صالح، لكن في الواقع تجده منحرفاً فاسد، أما أسماء الرب فهي أعلام وأوصاف.
(المتــن) وصفاتُه -سُبحانهُ وتعالى- دالة على معان قائمة بذاته، فيجبُ الإيمانُ بها، والتصديقُ، وإثباتُها لله حقيقةً على ما يليقُ بجلال الله وعظمته، وهي بالنظر إلى الذات من قبيل المُترادف، و بالنظر إلى الصفات من قبيل المُتباين.
(الشـرح) يعني: النظر لذات الصفات صفة العلم والقدرة والسمع والبصر، العليم والسميع والبصير، كلها دالة على الصفات، دلالتها على الصفات من قبيل المترادف، كلها مترادفة تدل على ذات الرب سبحانه وتعالى في إثبات ذات الرب، وأما بالنظر إلى الصفات فهي متباينة، صفات العلم غير صفة القدرة، العليم تدل على العليم، القدير، الحليم يدل على الحلم.. وهكذا، هي أوصاف متباينة، أما بالنسبة للرب فهي مترادفة، كُلها تدل على الذات المقدسة، نعم.
(المتــن) وهي تنقسمُ كما مضى إلى قسمين: صفات ذات وصفات فعل.
قولُه: (بين النفي والإثبات): فالنفيُ كقوله: (ليس كمثله شيء) وقوله: (ولم يكُن لهُ كُفُوًا أحد) وقوله: (لا تأخُذُهُ سنة ولا نوم) وقوله: (ولا يؤُودُهُ حفظُهُما).
والإثباتُ كقوله: (وهُو السميعُ البصيرُ) وقوله: (وهُو الحكيمُ الخبيرُ) وقوله: (قُل هُو اللهُ أحد * اللهُ الصمدُ).
قال الشيخُ تقيُ الدين بنُ تيمية رحمه اللهُ: ومعاني التنـزيه ترجعُ إلى هذين الأصلين: إثبات الكمال، ونفي التشبيه والمثال.
(الشـرح) لابد من هذا لا يكون هناك كمال إلا بهذا، نفي المشابهة والمماثلة وإثبات الكمال، تخليه وتحليه، تنفي عن الله النقائص والعيوب ثم تُثبت له الكمال، نعم.
(المتــن) وقد دل عليهما سورةُ الإخلاص، فاسمُه الصمدُ: يجمعُ معاني صفات الكمال، والأحدُ: يتضمنُ أنه لا مثل له ولا نظير. من المنهاج بتصرُف.
(الشـرح) من الكتاب والمنهاج منهاج السُنة ، قال: مثل قوله، نعم.
والصمد هو القائم بنفسه الذي لا يحتاج إلى أحد، وتصمد إليه الخلائق في حوائجها، نعم.
(المتــن) والنفيُ ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو مقصود لغيره، إذ النفيُ المحضُ ليس بمدح ولا ثناء، بل هو عدم محض ولا مدح في ذلك.
قال الشيخُ تقيُ الدين بنُ تيمية رحمه اللهُ في كتابه ((التدمُرية)): وينبغي أن يُعلم أن النفي ليس فيه كمال ولا مدح، إلا إذا تضمن إثباتًا، وكلُ ما نفى اللهُ عن نفسه من النقائص ومُشاركة أحد له في خصائصه فإنها تدلُ على إثبات ضدها من أنواع الكمالات. انتهى.
(الشـرح) نعم وهذا واضح فيما ورد النصوص بالنفي، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) لكماله ولأنه لا نظير له، (وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) لكمال قوته واقتداره، (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ) لكمال حياته وقيومته، (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) لكمال عظمته وأنهُ أكبر من كل شيء، (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ) لكمال علمه، وهكذا فالإثبات يتضمن إثبات ضده من الكمال، أما إذا لم يتضمن كمال يكون نفياً صرف، وهذا يسوي بالمعدوم، الجدار يوصف بأنه ليس بسميع ولا بصير، صرف ما فيه مدح، ما يتضمن كمالاً، النفي الصرف الذي لا يتضمن إثبات ضده من الكمال لا قيمة له، يوصف بالمعدوم، وإنما المدح في نفي الذي يتضمن إثبات ضده من الكمال، نعم.
(المتــن) وطريقةُ أهل السُنة والجماعة في النفي الإجمالُ، وفي الإثبات التفصيلُ، كما جاء في الكتاب والسُنة: فأثبتوا له -سُبحانهُ- الأسماء والصفات ونفوا عنه مماثلة المخلوقات، ومن خالفهم من المُعطلة والمُتفلسفة وغيرهم عكسُوا القضية فجاءوا بنفي مُفصل وإثبات مُجمل، فيقولون: ليس كذا ليس كذا. ذكر معناه في ((التدمُرية)) وغيرها.
(الشـرح) نعم. أهل البدع ينفون نفي مجمل، ليس بكذا ولا فوق ولا تحت ولا أمام ولا خلف وليس بذي جُسه ولا أعضاء ولا لون ولا دم، وهذا من أبطل الباطل، وإنما الكمال أن تُنفى النقص إجمالاً، كما قال تعالى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) ، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ). هذا هو الكمال، حتى في المخلوقين، لو جاء إنسان ووصف الملك أو الرئيس أو الأمير نفى عنهُ النقائص أجمالاً، ويقول: أنت لست بكذا، أنت لست بكناس ولا زبال ولا حجام.. ولا كذا، يعتبرونه مسيئا للادب فيأدبونه ، وإن كان صادق، هو صادق يقول: أنت أيها الأمير لست بحجام ولست بجزار ولست بكذا ولست بحمال ولا كذا ولا كذا، هذه أوصاف نفاها عنه هي صحيحة لكنه لما فصل صار مسيئاً للأدب فيؤدب، وإنما الكمال أن يقول: أنت لست مثل أحد من رعيتك، أنت أعلى منهم وأكمل، هذا الكمال، أن يثبت النفي، نعم.
(المتــن) قولُه: (فلا عُدول): أي فلا ميل ولا انحراف لأهل السُنة والجماعة عما جاء به المُرسلون، بل هم مقتفون آثارهُم، مستضيئون بأنوارهم، مؤمنون بجميعهم، مُصدقُون لهم في كل ما أخبروا به من الغيب، إذ هو الحقُ والصدقُ الذي يجبُ اعتقادُه واتباعهُ، ولا تجوزُ مخالفتُهُ، وأعظمُ ما جاء به المرسلون: هو الدعوةُ إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، ومعرفته بأسمائه وصفاته وأفعاله، وأنه لا شبيه له، ولا نظير، فهذا دينُهم من أولهم إلى آخرهم قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلامُ) أي إن الدين الذي جاء به محمد -صلى اللهُ عليه وسلم- هو دينُ الأنبياء من أولهم إلى آخرهم، ليس لله دين سواه، فالإسلامُ دينُ أهل السماوات، ودينُ أهل التوحيد من اهل الأرض، لا يقبلُ اللهُ من أحد دينًا سواه.
قال الشيخُ تقيُ الدين رحمهُ اللهُ: فأهلُ السُنة والجماعة المتبعُون لمحمد وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من رسل الله، يُثبتُون ما أثبتُوه من تكليم الله ومحبته ورحمته وسائر ما له من الأسماء والصفات، ويُنزهُونهُ عن مُشابهة الأجساد التي لا حياة فيها، وأما أهلُ البدع من الجهمية ونحوهم فإنهم سلكُوا سبيل أعداء الرُسل إبراهيم وموسى ومحمد الذين أنكروا أن الله كلم موسى تكليمًا، واتخذ إبراهيم خليلاً، وقد كلم اللهُ محمدًا واتخذهُ خليلاً ورفعهُ فوق ذلك درجات، وتابعُوا فرعون الذي قال: (يا هامانُ ابن لي صرحًا لعـلي أبلُغُ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إلـه مُوسى وإني لأظُنُهُ كاذبًا).
(الشـرح) يعني فرعون فهم من موسى أن الله في العلو، ولذلك طلب من وزيره هامان أن يبني لهُ صرحاً، ففرعون منكر للعلو، بعض أهل البدعة عكسوا القضية، قالوا: أن فرعون مُثبت للعلو، وأن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون، لأن فرعون طلب من وزيره هامان أن يطلع إلى إله موسى، هذا هو –العياذ بالله- من المغالطة، فرعون منكر للعلو، وطلب من وزيره هامان أن يبني لهُ صرحاً لأن موسى أفهمه أن الله في العلو، ولهذا قال بعض أهل البدع: من أثبت العلو فهو على منهج فرعون، وهذا أشاع كثير من أهل البدع حتى من المعاصرين هذا الذي يُسمى السقاء، له قول في تحقيق رسالة بن الجوزي وقال: أن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون -نسأل الله العافية-، على طريقة الإسلام من أهل البدع، نعم. ولذلك أخبره أن الله في العلو فلذلك طلب فرعون من وزيره هامان أن يبني لهُ صرحاً لعله يطلع إلى إله موسى، الذي يزعم أن إلههُ فوق، (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا) ، كذب فرعون موسى بأن الله في العلو، نعم.
س: (...)
ج:لا لا، قال تعالى: (فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا) يعني: فيما أخبرني به، نعم. لكن أهل البدع حرفوا، أهل البدع هذا دليل من فرعون على أن الله في العلو ليُثبتوا العلو فدل على أن من يُثبت العلو فهو على مذهب فرعون، نعم. يُنكر العلو وينكر الرب العظيم، قال: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ) ليس هُناك رب، تجاهل العارف هذا في الظاهر، وفي الباطن مُقر، هو لا يُثبت وجود الله من الأساس، نعم.
س: (....)
ج: لا لا، ما هو صحيح، والصواب أن فرعون أراد أن يُكذب موسى للناس، يا همان أبني لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى الذي يزعُم أن إلههُ فوق، وإني لأظُنهُ كاذباً، يعني يقول للناس وما ربُ العلمين، وأنا ربُكم الأعلى، مُنكر لوجود الله، فكيف يُثبت العلو وهو مُنكر لوجود الله، نعم.
(المتــن) وتابعُوا المُشركين الذين (وإذا قيل لهُمُ اسجُدُوا للرحمـن قالُوا وما الرحمـنُ) الآية. واتبعُوا الذين ألحدُوا في أسماء الله, فهم يجحدون حقيقة الرحمن، أو أنه يرحمُ، أو يُكلمُ، وزعموا أن من أثبت له هذه الصفات فقد شبههُ بالأجسام الميتة، وأن هذا تشبيه لله بخلقه، تعالى اللهُ عن قولهم عُلُوًا كبيرًا.
قال الشيخ بن تيمية رحمه الله تعالى: فأنه الصراط المستقيم فلا عُدُول لأهل السُنة والجماعة عما جاء به المُرسلُون؛ فإنهُ الصراطُ المُستقيمُ.
قال الشارح: أي أن ما جاء به المرسلون هو الصراطُ المستقيمُ، المُوصلُ إلى السعادة الأبدية، وهو الذي لا طريق إلى الله ولا إلى جنته سواه، والصراطُ في اللغة: الطريقُ الواضحُ. قال الشاعرُ:
أميرُ المُؤمنين على صراط |
|
إذا اعوج المواردُ مُستقيم
|
والمستقيمُ: الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف، قال تعالى: (وأن هـذا صراطي مُستقيمًا فاتبعُوهُ ولا تتبعُوا السُبُل فتفرق بكُم عن سبيله) وعن ابن مسعود رضي اللهُ عنهُ قال: خط رسولُ الله خطًا بيده ثم قال: ((هذا سبيلُ الله مُستقيمًا) ثم خط خُطُوطًا عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثُم قال: ((وهذه السُبُلُ ليس من سبيل إلا وعليه شيطان يدعُو إليه)) ثُم قرأ (وأن هـذا صراطي مُستقيمًا فاتبعُوهُ ولا تتبعُوا السُبُل) الآية. رواه الإمامُ أحمدُ، والنسائيُ، وابنُ أبي حاتم، والحاكمُ. وصححه، والمرادُ بالصراط: قيل: الإسلامُ، وقيل: القرآنُ، وقيل: طريقُ السُنة والجماعة.
(الشـرح) وكلها حق، فالإسلام هو القرآن هو الصراط المستقيم وهو الإسلام، وهو ما جاء في القرآن، وهو ما جاء عن طريق السنة كلها حق، كلها متلازمة ومتوافقة لا يخالف بعضها بعض، نعم.
(المتــن) قال ابنُ القيم رحمهُ اللهُ تعالى: ولا ريب أن ما كان عليه رسولُ الله صلي الله عليه وسلم وأصحابُه علمًا وعملاً وهو معرفةُ الحق وتقديمُه وإيثارُه على غيره، هو الصراطُ المستقيمُ، وكلُ هذه الأقوال المتقدمة دالة عليه جامعة له. انتهى.
والصراطُ المذكورُ في الكتاب والسُنة ينقسمُ إلى قسمين: معنوي وحسي، فالمعنويُ: هو ما تقدمت الإشارةُ إليه.
(الشـرح) نعم، وهو الحق الصراط المستقيم، تقديمه وإيثاره والعمل به، وهو الإسلام، وهو ما جاء في القرآن وما جاء في الكتاب والسنة هذا الصراط المعنوي، والصراط الحسي: هو الصراط الذي يُنصب على متن جهنم يوم القيامة، هذا الصراط الحسي، ومن استقام على الصراط المعنوي في الدنيا فإنه يمر بسلامة على الصراط الحسي، ومن أنحرف عن الصراط المستقيم في الدنيا فإنهُ يسقط في جهنم –نعوذ بالله- ولا يسلم، لا يعبر الصراط الحسي، نعم.
(المتــن) والحسيُ: هو الجسرُ الذي يُنصبُ على متن جهنم يوم القيامة، يمرُ الناسُ عليه على قدر أعمالهم، فبحسب استقامة الإنسان على الصراط المعنوي الذي نصبهُ اللهُ لعباده في هذه الدار تكونُ استقامتُه على ذلك الصراط الحسي.
(الشـرح) من استقام على الصراط المعنوي في الدنيا، تبع الكتاب والسنة ووحد الله وأفر له العبادة، استقام على الصراط الحسي وجاوزه ومر عليه إلى الجنة، و من تنكر الصراط المستقيم في الدنيا فإنهُ لا يجاوز الصراط الحسي في الآخرة، بل يسقط في جهنم، نعم.
(المتــن) فبحسب استقامة الإنسان على الصراط المعنوي الذي نصبهُ اللهُ لعباده في هذه الدار تكونُ استقامتُه على ذلك الصراط الحسي حذو القُذة بالقُذة (جزاءً وفاقًا)، (وما ربُك بظلام للعبيد).
قال ابنُ القيم رحمهُ اللهُ تعالى: أفرد الصراط لأن الحق واحد، وهو صراطُ الله المستقيمُ الذي لا صراط يوصلُ إليه سواه، وهو عبادةُ الله بما شرع على لسان رسوله -صلى اللهُ عليه وسلم-، وهذا بخلاف طرق الباطل فإنها متعددة مُتشعبة، ولهذا يجمعُها، كقوله -سُبحانهُ- وتعالى: (وأن هـذا صراطي مُستقيمًا فاتبعُوهُ ولا تتبعُوا السُبُل) الآية.
(الشـرح) نعم وحّد الصراط لأن طريق الحق واحد، وجمع السُبل لأن طرق الباطل كثيرة ومتشعبة لا حصر لها، طرق الباطل متعددة وطرق الحق واحدة وليس متعددة، كما قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ}[الأنعام: 153] طُرق كثيرة، ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، خط خطاً مستقيما وخط حوله خطوط عن يمينه وعن شماله، وقال عن الخط المستقيم هذا الإسلام أو هذا صراط الله وقال التي عن الخطوط عن اليمين هذه سبل على كل سبيل شيطان يدعوا إليه، ثم قرأ الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }[الأنعام: 153]، نعم. النور وحد النور لأنهُ واحد طريق الحق، والظلمات طريق الباطل، نعم.
(المتــن) ولا يناقضُ هذا قوله سُبحانهُ: (يهدي به اللهُ من اتبع رضوانهُ سُبُل السلام) فإن تلك هي طُرُقُ مرضاته التي يجمعُها سبيلُه الواحدُ.
قولُه: (صراطُ): بدل من الصـراط الأول، أي طريقُ المُنعم عليهم، قال تعالى في سورة الفاتحة: (اهدنا الصراط المُستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم) وهؤلاء هم المذكورون في قوله -سُبحانهُ وتعالى: (ومن يُطع الله والرسُول فأُولـئك مع الذين أنعم اللهُ عليهم من النبيين والصديقين والشُهداء والصالحين وحسُن أُولـئك رفيقًا) والنعمةُ: بكسر النون الإحسانُ وبالضم المسرةُ وبالفتح المتعةُ من العيش اللين.
(الشـرح) النعمَةَ {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا}[المزمل: 11] أهل متعة والعيش والثراء، والعيش الرغيد أولوا النعمَةَ، أما النِعمةِ بالكسر فهي الإحسان والنُعمة المسرة، وبالفتح المتعةُ من العيش اللين.
(المتــن) قوله: (أنعم اللهُ عليهم): أي أنعم عليهم الإنعام المطلق التام، وهي النعمةُ المتصلةُ بسعادة الأبد.
من عليهم بالإسلام، من عليهم بالعلم والعمل، من عليهم بالقرآن والسنة، وفقهم للإخلاص لدين الله، نعم.
وهي نعمةُ الإسلام والسُنة، وهي التي أمرنا اللهُ أن نسألهُ أن يهدينا صراط أهلها، ومن خصهُم بها، وجعلهُم أهل الرفيق الأعلى، كما قال تعالى: (ومن يُطع الله والرسُول فأُولـئك مع الذين أنعم اللهُ عليهم من النبيين) الآية، فهؤلاء الأصنافُ الأربعةُ هم أهلُ هذه النعمة المُطلقة.
(الشـرح) وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، نعم.
(المتــن) وأصحابُها هم المعنيون بقوله: (اليوم أكملتُ لكُم دينكُم وأتممتُ عليكُم نعمتي ورضيتُ لكُمُ الإسلام دينًا) فأضاف إليهم الدين، إذ هم المُختصُون بهذا الدين القيم دون سائر الأُمم، وأما مُطلقُ النعمة فعلى المؤمن والكافر، فكلُ الخلق في نعمته، فالنعمةُ المطلقةُ لأهل الإيمان، ومطلقُ النعمة يكونُ للمؤمن والكافر. انتهى، ذكره ابنُ القيم.
وفي قوله: (صراط الذين أنعم اللهُ عليهم) تنبيه على الرفيق في هذا الطريق.
(الشـرح) يعني: رفيقُك الموفق في هذا الطريق هم الذين أنعم الله عليهم، رُفقائُك هم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحون، من منَّ اللهُ عليهم بالعلم والعمل، منَّ الله عليهم بالإسلام والعلم والعمل والتوحيد والإخلاص، رفيقُهُ في هذا الطريق هم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحون، نعم.
(المتــن) تنبيه على الرفيق في هذا الطريق، وأنهم هم الذين أنعم اللهُ عليهم من النبيين والصديقين والشُهداء والصالحين، ليزول عن سالك هذا الطريق وحشةُ التفرُد عن أهل زمانه، وبني جنسه، إذا استشعر أن رفيقهُ في هذا الصراط هم الأنبياءُ والشُهداءُ والصالحون.
(الشـرح) -الله أكبر-، لماذا يستوحش؟ ولا يظُن أنهُ منفرد، ولو خالف أهل زمانه، فسد أهل الزمان فاستقم على طاعة الله ولا تستوحش فإن معك في هذا الطريق الأخيار الأنبياء والصديقين والشهداء، نعم.
(المتــن) قال: ليزول عن سالك هذا الطريق وحشةُ التفرُد عن أهل زمانه، وبني جنسه، إذا استشعر أن رفيقهُ في هذا الصراط هم الأنبياءُ والشُهداءُ والصالحون.
قال بعضُ السلف: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين. ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.
(الشـرح) لا تستوحش لقلة السالكين، فلا تستوحش من الحق فأنت على الحق، فأنت الجماعة ولو كنت وحدك، ولا تغتر بالباطل، ولو كثر أهله فإنـهم هالكون، نعم.
(المتــن) وقال تعالى: (ولقد صدق عليهم إبليسُ ظنهُ فاتبعُوهُ إلا فريقًا من المُؤمنين)، وقال: (وما أكثرُ الناس ولو حرصت بمُؤمنين).
(الشـرح) لأن إبليس قال: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: 62]، وقال: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 84 إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ83}[ص:] قال هذا بظنه، ظناً منه، {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[سبأ: 20]، صدق ظنه فيهم ، فاتبع أكثر الناس إبليس إلا قليل وهم المؤمنون عباده المخلصون، قال هذا بظنه، فصدَّق عليهم إبليس ظنه بإتباعه له بإتباع الأكثرين له، نعم.
(المتــن) قال الشيخُ محمدُ بنُ عبد الوهاب في كتابه ((في مسائل التوحيد)): وفيه عمقُ علم السلف وهو عدمُ الاغترار بالكثرة وعدمُ الزُهد في القلة. انتهى.
(الشـرح) -الله أكبر- فلا تزهد في الحق وإن قل السالكون، ولا تغتر بالكثرة وإن كثر أهل الباطل، نعم.
(المتــن) والصراطُ تارةً يُضافُ إلى الله -سُبحانهُ وتعالى، إذ هو الذي شرعهُ ونصبهُ، كقوله: (وأن هـذا صراطي مُستقيمًا) وتارةً يُضافُ إلى العباد لكونهم أهل سلوكه، أفاده ابنُ القيم.
(الشـرح) يُضاف للمؤمنين لأنهم هم أهله والسالكون فيه، والسالكون له، نعم.
(المتــن) وفي قوله: (صراط الذين أنعم اللهُ عليهم) إشارة إلى أنهم إنما استحقُوا هذا الإنعام المطلق بسبب سلوكهم هذا الصراط، وفيه إشارة إلى وجوب توحيد هذا الصراط بالسُلوك، وأن لا صراط موصل للسعادة سوى هذا الصراط.
(الشـرح) الله تعالى أنعم عليهم بسلوك، لما سلكوا هذا الصراط أنعم الله عليهم، فيجب أن نوحد الصراط فلا يُسلك الناس إلا الصراط المستقيم، نعم.
(المتــن) قال ابنُ القيم في ((الكافية الشافية)):
فلواحد كن واحدًا في واحد |
|
أعني سبيل الحق والإيمان
|
(الشـرح) فلواحد: هو الله، كن واحدًا: يعني: يجتمع الهمة، في واحد: في طريق واحد وهو الصراط المستقيم، نعم. سبيل الحق والإيمان فلواحد هو الله، وكل واحد يجتمع الهمة، لا تتبع غير صراط الله، ولا تعبد غيره، ولا ترجوا إلا إياه، أجمع همتك عليه، أرجوه وحده واخشوه وحده، واعبُدهُ وحده، نعم.
(المتــن) قال ابنُ القيم رحمه اللهُ تعالى في كتابه ((مدارج السالكين)): والهدى التامُ يتضمنُ توحيد المطلوب وتوحيد الطلب وتوحيد الطريق الموصلة.
(الشـرح) توحيد المطلوب: وهو الله، توحيد الطلب: طلبك يكون موحد، موجه لله فقط، وتوحيد الطريق يكون: طريق الإسلام، نعم.
(المتــن) والانقطاعُ وتخلفُ الوصول يقعُ من الشركة في هذه الأمور أو في بعضها، فالشركةُ في المطلوب تُنافي التوحيد والإخلاص، والشركةُ في الطلب تُنافي الصدق والعزيمة، والشركةُ في الطريق تنافي اتباع الأمر، فالأولُ يوقعُ في الشرك والرياء، والثاني يُوقعُ في المعصية والبطالة، والثالثُ يُوقعُ في اتباع البدعة ومفارقة السُنة. فتأمل، فتوحيدُ المطلوب يعصمُ من الشرك والرياء، وتوحيدُ الطلب يعصمُ من المعصية، وتوحيدُ الطريق يعصمُ من البدعة، والشيطانُ إنما ينصبُ فخه بهذه الطُرق الثلاثة.
وفي هذا دليل على أن القرآن كلامُ الله، إذ لو كان كلام النبي أو غيره لم يقل (قُل) ففيه الردُ على المعتزلة القائلين إن القرآن كلامُ محمد أو جبريل.