شعار الموقع

شرح التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية 11

00:00
00:00
تحميل
45

قولُه: (إن الله يحكُمُ): فيها إثباتُ صفة الحكم لله -سُبحانهُ- وتعالى، وقد تقدم أن حُكمهُ ينقسمُ إلى قسمين. كوني، كما في قوله: (أو يحكُم اللهُ لي)، وشرعي: كما في هذه الآية.

(الشـرح)       (إن الله يحكُمُ)، حكمٌ كوني وحُكمٌ شرعي، كما في هذه الآية، لما ذكر المحرمات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}[المائدة: 1]، هذا الحكم الشرعي التحليل والتحريم، وما الحكم الكوني  {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}[يوسف: 80] هذا الحكم القدري، نعم. فالحكم يكون كوني ويكون قدري، يكون كوني قدري ويكون شرعي فيه، نعم.

(المتــن) قولُه: (ما يُريدُ): فيه إثباتُ الإرادة لله -سُبحانهُ وتعالى- كما يليقُ بجلاله، وأنه لم يزل مُريدًا بإرادات متعاقبة، فنوعُ الإرادة قديمٌ، وأما إرادةُ الشيء المعين إنما يريدُه في وقته، فالإرادةُ من صفات الفاعل، وهي تنقسمُ إلى قسمين: إرادة كونية قدرية، وهذه مُرادفةٌ للمشيئة، وما أراده -سُبحانهُ- كونًا وقدرًا فلابُد من وقوعه، فهذه الإرادةُ هي المتعلقةُ بالخلق وهو أنه يريدُ -سُبحانهُ- أن يفعل هو. الثاني: إرادةٌ شرعيةٌ دينيةٌ، وهذه الإرادةُ المتعلقةُ بالأمر، وهي أن يُريد من عبده أن يفعل، وهذه مرادفةٌ للمحبة والرضا، فتجتمعُ الإرادتان في حق المُخلص المُطيع، وتنفردُ الإرادةُ الكونيةُ في حق العاصي.

(الشـرح)       نعم فالإرادة الكونية تجتمع في حق المطيع، تجتمع في حق أبو بكر رضي الله عنه، الله أراد منه الأيمان كوناً وقدراً، وأراد منه ديناً وشرعاً، وتنفرد الإرادة الكونية في حق الكافر كأبي لهب، الله أراد منه الأيمان ديناً وشرعاً لكنه ما أراد الأيمان كوناً وقدراً فوقعت الإرادة الكونية.

(المتــن) وهي تنقسمُ إلى قسمين: إرادة كونية قدرية، وهذه مُرادفةٌ للمشيئة، وما أراده -سُبحانهُ- كونًا وقدرًا فلابُد من وقوعه، فهذه الإرادةُ هي المتعلقةُ بالخلق وهو أنه يريدُ -سُبحانهُ- أن يفعل هو. الثاني: إرادةٌ شرعيةٌ دينيةٌ، وهذه الإرادةُ المتعلقةُ بالأمر، وهي أن يُريد من عبده أن يفعل، وهذه مرادفةٌ للمحبة والرضا، فتجتمعُ الإرادتان في حق المُخلص المُطيع، وتنفردُ الإرادةُ الكونيةُ في حق العاصي. ومن لم يُفرق بين النوعين فقد ضل كالجهمية والقدرية.

(الشـرح)       نعم الجهمية والقدرية ضلوا في هذا، الجهمية ما عندهم إلا إرادة واحدة وهي الإرادة الكونية وأنكروا الإرادة الدينية، والقدرية ما عندهم إلا الإرادة الدينية وأنكروا الإرادة الكونية، وأهل السنة عملوا بالنصوص جميعاً، وقالوا: إن أرادة النصوص نوعان: كونيةٌ قدرية مرادفة للخلق، ومرادفة للمشيئة تتعلق بالخلق، وإرادةٌ دينية شرعية تتضمن المحبة والرضا تتعلق بالأمر، فهدا الله أهل السُنة إلى الحق، نعم.

(المتــن) فالإرادةُ الكونيةُ كقوله: (فمن يُرد اللهُ أن يهديهُ يشرح صدرهُ للإسلام)، والدينيةُ كقوله: (ما يُريدُ اللهُ ليجعل عليكُم من حرج) الآية، فالمحبةُ والرضا أخصُ من الإرادة.

(الشـرح)       أخص من الإرادة لأن الإرادة أعم تشمل النوعين، تشمل الإرادة الدينية وتشمل الإرادة الكونية، أما المحبة والرضا فهي تضمن ما يحبه الله  ويرضاه شرعاً وديناً، نعم.

(المتــن) فالمحبةُ والرضا أخصُ من الإرادة، خلافًا للمعتزلة، وأكثر الأشاعرة القائلين: إن المحبة والرضا والإرادة سواءٌ.

(الشـرح)       لأن ما عندهم إلا الإرادة الكونية، جعلوا الإرادة تفوق المحبة والرضا، فما عندهم إلا إرادة دينية شرعية، نعم.

س: المعتزلة أنكروا الإرادة الكونية؟

ج: نعم، عملوا بالإرادة الدينية، والأشاعرة والجبرية وهم الجهمية أنكروا الإرادة الكونية، الأشاعرة والجبرية، القدرية هم المعتزلة الذين هم الإرادة الدينية، نعم.

(المتــن) فأهلُ السُنة يقولون: إن الله لا يُحبُ الكفر والفسوق ولا يرضاه، وإن كان قد أرادهُ كونًا وقدرًا.

(الشـرح)       لا يُحب الكفر والفسوق وإن كان إرادة كوناً لما له من الحكمة البالغة، ومراده الكوناً لما يترتب عليه من الحكمة، فأراد من العبد أن يحصل علي الكفر والعصيان لما يترتب على هذا من الحكمة من ذلك، الحكمة التي تترتب على وجوب الكفر والفسوق، التوبة قد يوفق إلى التوبة، والتوبة من أجَّل القربات ومن أعظم الطاعات، يترتب على هذا عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبودية الإنابة والخضوع، عبودية الصبر على الهوى، عبودية الولاء والبراء، عبودية الجهاد في سبيل الله.. إلى غير ذلك من الحكم التي تترتب على إرادة الله لوجود المعاصي والكفر، نعم.

(المتــن) فأهلُ السُنة يقولون: إن الله لا يُحبُ الكفر والفسوق ولا يرضاه، وإن كان قد أرادهُ كونًا وقدرًا، كما دخلت سائر المخلوقات لما في ذلك من الحكمة كما دخلت سائر المخلوقات

(الشـرح)       (كما دخلت سائر المخلوقات) لأن فيه إرادتين كونيه سبحانه وتعالى-، كل المخلوقات داخلة في الإرادة الكونية، السماوات والأراضين كلهم أراد الله وجودهم، كوناً وقدراً فوقع، لا يتخلف مراد الله كوناً وقدراً، نعم.

(المتــن) وهو وإن كان شرًا بالنسبة إلى الفاعل ، فليس كلُ ما كان شرًا بالنسبة إلى شخص يكونُ عديم الحكمة

(الشـرح)       هو شر الفسوق والعصيان شرٌ بالنسبة للفاعل الذي باشرها وكسبها، تضُرهُ، وشرٌ عليه، لكنه ليس شراً بالنسبة إل الله ، لأن الله (...) علي الخلق، والخلق مبني على الحكمة، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (( والشرُ ليس إليك)) يعني شر البحت الذي لا حكمة في إيجاده لا يوجد، فكل الشرور الموجودة مبنية على الحكمة، وكل الشرور نسبية بالنسبة إلى الشخص الذي فعلها، نعم.

(المتــن) فليس كلُ ما كان شرًا بالنسبة إلى شخص يكونُ عديم الحكمة، بل لله في بعض المخلوقات حكمٌ قد يعلمُها بعضُ الناس وقد لا يعلمُها. انتهى. من كلام الشـيخ تقي الدين بن تيمية، بتصرُف.

قولُه: (فمن يُرد اللهُ أن يهديهُ): أي من شاء -سُبحانهُ- أن يدُلهُ ويرشدهُ ويوفـقهُ ويجعل قلبهُ قابلاً للخير هداهُ -سُبحانهُ وتعالى- ووفقه، فهدايةُ القلوب إليه -سُبحانهُ- يهدي من يشاءُ بفضله، ويُضلُ من يشاءُ بعدله، فلا تُطلبُ الهدايةُ إلا منه -سُبحانهُ- فهو الهادي كما قال سبحانه: (من يهده اللهُ فلا مُضل لهُ ومن يُضلل فلا هادي لهُ).

(الشـرح)       نعم.(...) ((واللهم أهدنا فيمن هديت)) فالهداية لا تُطلب إلا من الله، نعم. ولعل المقصود المعنى أو كما أخبر -سبحانه- وفي حديث في هذا اللفظ: ((من يهده اللهُ فلا مُضل لهُ ومن يُضلل فلا هادي لهُ)) حديث لكن لعله المراد المعنى، نعم.

(المتــن) وفي الحديث: ((كلُكُم ضالٌ إلا من هديتُهُ فاستهدُوني أهدكُم)) وليست هذه الآيةُ معارضةً لحديث عياض بن حمار، عن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- يقولُ اللهُ: ((خلقتُ عبادي حُنفاء _ وفي رواية – مُسلمين، فاجتالتهُمُ الشياطينُ)) – فإن الله خلق بني آدم وفطرهُم على قبول الإسلام والميل إليه دون غيره، والتهيُؤ لذلك والاستعداد له بالقوة، لكن لا بُد للعبد من تعليُم الإسلام بالفعل، فإنهُ قبل التعليم جاهلا لا يعرفُ شيئًا.

(الشـرح)       (فإنهُ قبل التعليم جاهلٌ)، ((جاهلٌ)) المقصود بها يكون جاهل،+ خبر إن يكون جاهلٌ، الشرح هذا يحتاج إلى تحقيق فيه أخطاء كثيرة مطبعية، نعم.

(المتــن) كما قال سُبحانهُ: (واللهُ أخرجكُم من بُطُون أُمهاتكُم لا تعلمُون شيئًا) الآية، فإن هداهُ اللهُ سبب له من يعلمُهُ الإسلام فصار مهديًا بالفعل، بعد أن كان مهديًا بالقوة، وإن خذلهُ قيض له ما يغيرُ له فطرته، كما قال -صلى اللهُ عليه وسلم-: ((كُلُ مولُود يُولدُ على الفطرة فأبواهُ يُهودانه أو يُنصرانه أو يُمجسانه)) الحديث.

قولـُه: (يشرح صدرهُ للإسلام): أي يُوسع قلبهُ للإيمان، بأن يقذف في قلبه نورًا فينفسح له، ويقبله.

قوله: (ومن يُرد أن يُضلهُ يجعل صدرهُ ضيقًا حرجًا): أي ومن شاء -سُبحانهُ- أن يُضلهُ عن الهُدى يجعل صدرهُ ضيقا، أي عن قبول الإيمان، وحرجًا، أي شديد الضيق، فلا يبقى فيه منفذٌ للخير، ومكانٌ حرجٌ، أي ضيقٌ، كثيرُ الشجر، لا تصلُ إليه الراعيةُ، والحرجُ أيضا: الإثمُ.

قولُه: (كأنما يصعدُ في السماء): أي إذا كُلف الإيمان كأنما يصعدُ في السماء لشدته عليه.

قولُه: (كذلك يجعلُ اللهُ الرجس على الذين لا يُؤمنُون) يقولُ اللهُ سُبحانهُ: كما يجعلُ صدر من أراد إضلالهُ ضيقًا كذلك يُسلطُ عليه الشيطان وعلى أمثاله ممن أبى الإيمان بالله ورسوله، فيغُويه ويُصدُه عن سبيل الله، قال ابنُ عباس: الرجسُ: الشيطانُ، وقال مجاهدٌ: الرجسُ كلُ ما لا خير فيه، وقيل: العذابُ، ففي هذه الآية أن الهداية والإضلال بيد الله، وفيها أن العبد مُفتقرٌ إلى ربه في كل شيء، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، وأن من تفرد بخلق العبد ورزقه هو المستحقُ أن يُفرد بالألوهية والعبادة والسُؤال، وأنه ليس عند أحد من هداية القلوب وتفريج الكروب شيءٌ من ذلك، لا الأنبياءُ ولا الملائكةُ ولا غيرُهم، ففيه الردُ على من زعم ذلك للنبي -صلى اللهُ عليه وسلم- فضلا عن غيره. انتهى.

(الشـرح)       لا شك أن هداية القلوب وتفريج الكروب هذه بيد الله وليست بيد أحد من خلقه، ولذلك الله قال: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص: 56]، جبراً له، وتزكيةً له عليه الصلاة والسلام، النبي لما عجز عن هداية عمه أبي طالب ومات على الشرك، نعم.

(المتــن) وفي هذه الآية كغيرها دليلٌ على إثبات العلة والحكمة في أفعال الله، إذ لا يعقلُ مريدٌ إلا إذا كان المُريدُ قد فعل لحكمة يقصدُها بالفعل، وإثباتُ الحكمة في أفعاله -سُبحانهُ- هو قولُ السلف، وجمهور المُسلمين، وجمهور العُقلاء، وقالت طائفةٌ كجهم وأتباعه: إنه لم يخلق شيئًا لشيء.

 (الشـرح)      نعم، الجهمية والجبرية أنكروا الحكم، قالوا: ما في حكم، ولا طبائع ولا غرائز ولا أسباب، كُلها أنكروها، وقالوا: ما يخلقُ شيئاً لشيء ولكن المشيئة الإلاهية تخلُق خلق (...)، تجمع بين المتفرقات والمتناقضات وتفرق بين المتماثلات، ولا مجال، لا شيء سبباً لشيء، بل يكون هذا مرتبط ارتباطا عادياً، وقالوا: أن القطع ليس بالسكين السكين ما تقطع، لكن القطع عند السكين لا بالسكين، فإذا وجد السكين أوجد الله القطع، والنار لا تُحرق فالإحراق عند النار لا بالنار، فأنت إذا أشعلت النار أوجد الله الإحراق، لكن اضطرارًا لوجود الأسباب، حتى  لا يكون مؤثر إلا الله -بزعمهم-، نعم هذا من أبطل الباطل فالإنكار محسوسات، وقالوا: لا يشبع الإنسان بالأكل لكن الله يوجد الشبع عند الأكل، والشُرب ليس سبباً في الريء لكن الله يوجد الريء عند الشرب، والانكسار +، لكن الله يوجد الكسر عند حركة الكسر، هذا من أبطل الباطل، هذا مخالف للفطرة والحس، نعم.

(المتــن) وقالت طائفةٌ كجهم وأتباعه: إنه لم يخلق شيئًا لشيء، ووافقهُ أبو الحسن الأشعريُ ومن اتبعه، وهم يُثبتُون أنه مُريدٌ، ويُنكرون أن له حكمةً يريدُها، وهذا تناقضٌ، انتهى. من كلام الشيخ تقي الدين بن تيمية بتصرُف.

وفي هذه الآية –كسوابقها- إثباتُ الإرادة لله، كما يليقُ بجلاله، وعُلم مما تقدم أن الإرادة تنقسمُ إلى قسمين، وأن المشيئة لا تنقسمُ، وأنها مرادفةٌ للإرادة الكونية، كما عُلم أن المحبة والرضا أخصُ من مطلق الإرادة، وأن الأدلة دلت على الفرق بين المشيئة والمحبة والرضا، وأن من جمع بينهما فقد ضل ضلالاً مُبينًا، وصادم أدلة الكتاب والسُنة، وجمع بين ما فرق اللهُ.

 

(الشـرح)       نعم. المشيئة تُرادف الإرادة الكونية، والإرادة الدينية ترادف المحبة والرضا، نعم، فلا يُقال أن المشيئة مرادفة المحبة والرضا، قد يشاءُ اللهُ شيئاً ولا يُحبُه ديناً وشرعاً، وقد يُحب الله شيئاً ديناً وشرعاً ولا يشاءوه كوناً، نعم.

(المتــن) قال الشيخُ تقيُ الدين بنُ تيمية رحمه اللهُ: فالإرادةُ الكونيةُ: هي المشيئةُ لما خلقهُ، وجميعُ المخلوقات داخلةٌ في مشيئته وإرادته الكونية، والإرادةُ الدينيةُ الشرعيةُ: هي المتضمنةُ للمحبة والرضا، المتناولةُ لجميع ما أمرالله به، وجعلهُ شرعًا ودينًا، وهذه مختصةٌ بالإيمان والعمل الصالح، قال: ومنشأُ ضلال من ضل: هو من التسوية بين المشيئة والإرادة، وبين المحبة والرضا، فسوى بينهما الجبريةُ والقدريةُ، فقالت الجبريةُ: الكونُ كلُه بقضائه وقدره، فيكونُ محبوبًا مرضيًا، وقالت القدريةُ النُفاةُ: ليست المعاصي محبوبةً له ولا مرضيةً، فليست مُقدرةً ولا مقضيةً، فهي خارجةٌ عن مشيئته وخلقه.

وقد دل على الفرق بين المشيئة والمحبة: الكتابُ والسُنةُ والفطرةُ الصحيحةُ، أما نصوصُ المشيئة والإرادة ف كقوله سُبحانهُ: (ولو شئنا لآتينا كُل نفس هُداها …)، (ولو شاء ربُك لآمن من في الأرض) وأما نصوصُ المحبة والرضا فكقوله: (واللهُ لا يُحبُ الفساد)، وقوله: (ولا يرضى لعباده الكُفر) الآية. انتهى.

(الشـرح)       نعم كما سبق الإرادة تنقسم إلى قسمين، والمشيئة قسمٌ واحد، نعم.

(المتــن) قال ابنُ القيم رحمه اللهُ في ((المدارج)): ومرادُهُ -سُبحانهُ- نوعان: مُرادٌ يُحبُه ويرضاه ويمدحُ فاعله ويواليه، فموافقتُه في هذا المُراد هي عينُ محبته، وإرادةُ خلافه رعونةٌ ومعارضةٌ واعتراض، ومُرادٌ يبغضُه ويكرهُه ويمقتُ فاعلهُ.

ومرادٌ خلافه رعونة، بد إرادةٌ ومراده، تستقيم، ومرادٌ خلافه رعونة، نعم. راجع الأصل مدارج السالكين كان خطا مطبعي، نعم.

ومُرادٌ يبغضُه ويكرهُه ويمقتُ فاعلهُ، فموافقتُه في هذا المُراد عينُ مُشاقته ومعاداته، فهذا الموضعُ موضعُ فُرقان، فالموافقةُ كلُ الموافقة في معارضة هذا المُراد، واعتراضه بالدفع والرد. انتهى.

(الشـرح)       نعم. (هذا الموضعُ فُرقان) بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان، نعم.

موافقة الله يعني: أن تُعارض هذا، أن تُعارض المعاصي والكفر، لأن الله تعالى أرادها كوناً وقدراً، لكن موافقة الله ديناً وشرعاً كل الموافقة أن تُعارض، يعني: تُدافع الكفر والمعاصي ولا تقبلها، إذا كرهتها وبغضتها وفقك الله، موافقة الله كل الموافقة في أن تُدافع الكفر والمعاصي وتأباها وتكرهُها، وتدفع قدر بقدر، المعصية تُدافع فتتوب إلى الله، تدفع قدر بقدر، تدفع قدر المعصية بقدر التوبة، لا تستسلم، فموافقة الله كل الموافقة أن تُدافع، أن تكره المعاصي والكفر، أما إذا أحب الإنسان الكفر والمعاصي خالف الله، خالف الله فيما أراده ديناً وشرعاً، وإذا دافعها وكرهها..

فالموافقة ثم الموافقة لله في معارضة هذا المراد بالدفع والرد، فموافقة الله كل الموافقة ديناً وشرعاً أن تُعارض ما أراده كوناً وقدراً، يعني: أن تكره، تكره الكفر والمعاصي التي أراد الله إيجادها، نعم.

(المتــن) وفي الآية إثباتُ الهداية لله -سُبحانهُ وتعالى- وأنه الهادي لا سواه، ومن أسمائه -سُبحانهُ- الهادي، وهو الذي بصر عبادهُ وعرفهم طريق معرفته، وهدى كل مخلوق إلى ما لابُد له منه.

وتنقسمُ الهدايةُ إلى قسمين:

الأول: هدايةٌ خاصةٌ بالله -سُبحانهُ وتعالى- لا هادي غيرُه ولاتُطلبُ إلا منه.

(الشـرح)       وأخذها من الأدلة التي فيها إطلاق الهادي أسم الهادي، الله الهادي إلى سواء السبيل، في النصوص جاء أطلاق أسم الهادي على الله، نعم.

(المتــن) وتنقسمُ الهدايةُ إلى قسمين:

الأول: هدايةٌ خاصةٌ بالله -سُبحانهُ وتعالى- لا هادي غيرُه ولاتُطلبُ إلا منه، وهي هدايةُ التوفيق والقبول والإلهام، وهي المُستلزمةُ للاهتداء، وهي المذكورةُ في قوله -سُبحانهُ- وتعالى: (إنك لا تهدي من أحببت).

الثاني: الهدايةُ العامةُ، وهي هدايةُ الدلالة والإرشاد والبيان، وهي المذكورةُ في قوله: (وإنك لتهدي إلى صراط مُستقيم) فالنـبيُ -صلى اللهُ عليه وسلم- هو المُبينُ عن الله، والدالُ على دينه وشرعه، وكذلك الأنبياءُ، وأتباعُهم، وهذه الهدايةُ لا تستلزمُ الاهتداء، ولهذا ينتفي معها الهُدى، كما في قوله تعالى: (وأما ثمُودُ فهديناهُم فاستحبُوا العمى على الهُدى) أي بينا لثمود وأرشدناهم فلم يهتدُوا.

(الشـرح)       هديناهم يعني: دللناهم وبينا لهم طريق الخير وطريق الشر، لكنهم لم يحصل لهم الهدى، استحبوا العمى على الهدى، نعم.

(المتــن) فالهدايةُ المنفيةُ عن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- وغيره هي: هدايةُ التوفيق والقبول. (الشـرح)    هدايةُ القبول والإلهام والتسديد، وجعله يقبل الحق ويرضى به ويختاره، هذا هدي من الله، ليس+ {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص: 56]، نعم.

(المتــن) وأما المثبتةُ له كغيره من الأنبياء والمُرسلين وأتباعهم فهي هدايةُ الدلالة والإرشاد.

وفي الآية المتقدمة إثباتُ الصفات الفعلية، وأنها تنقسمُ إلى قسمين: مُتعدية، ولازمة. فالمتعديةُ: ما تعدى إلى مفعول، مثل خلق ورزق وهدى وأضل. واللازمةُ كقوله: (ثُم استوى إلى السماء) (ثُم استوى على العرش) (وجاء ربُك والملكُ صفًا صفًا).

(الشـرح)       خلق الخلق، ورزق، يُـحي، أحي، وأمات، هذه متعدية، يقول: جاء لازم، مجيء هذه من الصفات اللازمة، استوي يقصد به اللازمة، ما تتعلق بمفعول، لا تتعدى إلى مفعول، الاستواء فعلٌ خاصٌ به سبحانه، المجيء فعلٌ خاصُ به سبحانه، نعم.

(المتــن) إلى غير ذلك مما لا يُحصى من النوعين، ذكر ذلك الشيخُ تقيُ الدين، وابنُ القيم رحمهما اللهُ.

(الشـرح)       نعم ذكر هذا بن القيم في تفصيل ((النُونِيةِ))، نعم.

(المتــن) ذكر المصنفُ - رحمهُ اللهُ تعالى - الآيات في إثبات المشيئة والإرادة، ثم ذكر الآيات في إثبات المحبة والرضا، إشارةً إلى الرد على من زعم التسوية بين ما ذُكر، وأن المحبة والرضا والمشيئة متلازمان، ولا شك في بطلان هذا القول وفسادِهِ.

اقرأ الآيات المحبة والرضا، كم آية؟

قولُهُ -سبحانه-: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة: 195]، وقولُهُ: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الحجرات: 9]، وقولُهُ -سبحانه- {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}[التوبة: 7] وقولُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: 222] وقولُهُ تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[آل عمران: 31] وقولُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: 54] وقولُهُ –سبحانه وتعالي-: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف: 4] وقولُهُ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج: 14] وقولُهُ: {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ}[الفاتحة: 1].

(الشـرح)       نعم هذا تقريباً سبع آيات أو ثمان آيات كلها الكلام عليها واحد.

(المتــن) ذكر المصنفُ - رحمهُ اللهُ تعالى - الآيات في إثبات المشيئة والإرادة، ثم ذكر الآيات في إثبات المحبة والرضا، إشارةً إلى الرد على من زعم التسوية بين ما ذُكر.

(الشـرح)       يعني المعتزلة والجهمية كل منهم سووا بين المشيئة والمحبة، الإرادة قالوا: الإرادة والمحبة واحدة، ما أراده فقد أحبه وما أحبه فقد أراده، هكذا عندهم، لأنهم ما قسموا الإرادة، الإرادة قسمٌ واحد، إرادة عند الجبرية قسمٌ واحد وهي الكونية، وهي مرادفة للمحبة، والإرادة عند القدرية والمعتزلة قسمٌ واحد وهي الدينية وهي مرادفة للمحبة، نعم سووا بينها، وأهل السُنة قسموها إلى قسمين على حسب النصوص، أكمل.

(المتــن) إشارةً إلى الرد على من زعم التسوية بين ما ذُكر، وأن المحبة والرضا والمشيئة متلازمان، ولا شك في بطلان هذا القول وفسادِهِ، فالأدلةُ الكثير دلت على الفرق بين محبته ورضاه وإرادته.

 قال الشيخُ تقيُ الدين رحمه اللهُ في ((المنهاج)): فأهلُ السُنة والجماعة يقولون: إن الله يُحبُ ويرضى، كما دل على ذلك الكتابُ والسُنةُ، ويقولون: إن المحبة والرضا أخصُ من الإرادة، فيقولون: إن الله لا يحبُ الكفر والفسوق والعصيان، ولا يرضاه، وإن كان داخلاً في مُراده، كما دخلت سائرُ المخلوقات، لما في ذلك من الحكمة. انتهى.

قولـُه: (وأحسنُوا إن الله يُحبُ المُحسنين): لمـا حث على الصـدقة والإنفاق في وجوه الخير.

(الشـرح)       نعم أقرأ كلام الشيخ هذه، نعم.

(المتــن)قال: ومن الأصول الثابته في الكتاب والسنة المتفق عليها بين السلف، التفريق بين مشيئة الله وإرادته وبين محبته، فمشيئة اله وإرادته الكونية تتعلق بكل موجودٍ محبوبٍ لله، وغير محبوب كما ذُكر في هذه الآيات {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[الحج: 14]، {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس: 82]

واما محبته فإنها تتعلق بما يُحبهُ خاصة من الأشخاص والأعمال كما ذُكر في هذه الآيات تقييدُها بأنها ((يُحب الصابرين والمُتقين والمُحسنين والمُقسطين)) ونحوها، فمشيئته عامة للكائنات، ومحبته خاصة ومتعلقة بالمحبوبات، ويتفرع عن هذا أصل آخر هو التفريقُ بين الإرادةُ الكونتية فإنها تُطابق المشيئة وبين الإرادة الدينية فإنها تُطابقُ المحبة، فالأولى مثل: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[الحج: 14]، وقولُهُ هو: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[البروج: 16] ونحوها. والثانية: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: 185] {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}[النساء: 27] ونحوها. انهتى.

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد