شعار الموقع

شرح التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية 12

00:00
00:00
تحميل
16

(المتــن) ذكر المصنفُ - رحمهُ اللهُ تعالى - الآيات في إثبات المشيئة والإرادة، ثم ذكر الآيات في إثبات المحبة والرضا، إشارةً إلى الرد على من زعم التسوية بين ما ذُكر، وأن المحبة والرضا والمشيئة متلازمان، ولا شك في بُطلان هذا القول وفساده، فالأدلةُ الكثيرةُ دلت على الفرق بين محبته ورضاه وإرادته.

وقد سوى بينهما القدرية والجبرية، قالوا: كل شيء شاءه الله فقد أحبه، وكل شيء أحبه فقد أراده، وهذا باطل، الإرادة تنقسم إلى نوعين: إرادة كونية وإرادة المشيئة، وإرادة دينية تُرادف المحبة، نعم.

قال الشيخُ تقيُ الدين رحمه اللهُ في ((المنهاج)): فأهلُ السُنة والجماعة يقولون: إن الله يُحبُ ويرضى، كما دل على ذلك الكتابُ والسُنةُ، ويقولون: إن المحبة والرضا أخصُ من الإرادة، فيقولون: إن الله لا يحبُ الكفر والفسوق والعصيان، ولا يرضاه، وإن كان داخلاً في مُراده، كما دخلت سائرُ المخلوقات، لما في ذلك من الحكمة. انتهى.

وإن كان داخل في مراد يعني: كوناً وقدراً، لا يُحبُه ديناً وشرعاً وإن كان داخل في مراده كوناً وقدراً، لا يُحبُ الفساد ولا الكُفر، ديناً وشرعاً وإن كان قد أراد وجوده كوناً وقدراً، نعم.

قولـُه: (وأحسنُوا إن الله يُحبُ المُحسنين): لمـا حث على الصـدقة والإنفاق في وجوه الخير أمر بالإحسان، وهو أعلى مقامات الطاعة، وهو الإتيانُ بالعمل على أحسن أحواله وأكملها، وهذا أمرٌ عامٌ بالإحسان في معاملة الله، وفي معاملة خلقه، إذ حذفُ المعمول يُؤذنُ بالعموم.

(الشـرح)       أحسنوا في كُل شيء، إن الله يُحبُ المحسنين في الأقوال وفي الأفعال في كل شيء، نعم.

(المتــن) وعن شداد بن أوس أن رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: ((إن الله كتب الإحسان على كُل شيء فإذا قتلتُم فأحسنُوا القتلة، وإذا ذبحتُم فأحسنُوا الذبحة، وليُحد أحدُكُم شفرتهُ وليُرح ذبيحتهُ)) رواه مُسلمٌ. فهذا الحديثُ كالآية فيهما دليلٌ على وجوب الإحسان في كل شيء من الأعمال، لكن إحسان كل شيء بحسبه، وفي هذه الآية وأمثالها دليلٌ على أن الله موصوفٌ بالمحبة، وأنه يحبُ حقيقةً, ومحبتـُه -سُبحانهُ- كما يليقُ بجلاله، وفيها دليلٌ على أنه يُحبُ مقتضى أسمائه وصفاته وما يوافقُها، فهو مُحسنٌ يُحبُ المحسنين، ومُؤمنٌ يُحبُ المؤمنين، وفي هذه الآية وأمثالها دليلٌ على أن محبتـه -سُبحانهُ وتعالى- تتفاضلُ، فيحبُ بعض المؤمنين أكثر من بعض، وفيها إشارةٌ إلى أن الجزاء من جنس العمل، وأن الإحسان أعظمُ سبب لمحبة الله -سُبحانهُ وتعالى- للعبد، وفيها أدلةٌ واضحةٌ على إثبات فعل العبد وكسبه، وأنه يُثابُ على حسنه ويُعاقبُ على سيئه.

(الشـرح)       الإنسان لهُ عمل يثُاب على حسنه ويُعاقب على سيئه، نعم.

(المتــن) فتضمنت هذه الآيةُ الرد على القدرية والجبرية، وفيها إثباتُ العلة والحكمة.

(الشـرح)       الجبرية يقول:  الإنسان مجبور ليس لهُ فعل، والقدرية يقول: خالق الفعل، نعم.

(المتــن) قولُه: (وأقسطُوا إن الله يُحبُ المُقسطين): أي اعدلُوا في معاملاتكم، وأحكامكم مع القريب والبعيد، يقالُ: أقسط بمعنى عدل، وقسط بمعنى جار، قال تعالى: (وأما القاسطُون فكانُوا لجهنم حطبًا) ومن أسمائه سُبحانهُ: المُقسطُ أي العادلُ، ففي هذه الآية الحثُ على العدل وفضله، وأنه سببٌ لمحبة الله، وأن العدل في الرعية من أفضل القُرب، سواءٌ كانت رعيةً عامةً كالحاكم، أو خاصةً كعدل آحاد الناس في بيته وولده، كما في الحديث: ((كُلُكُم راع ومسؤُولٌ عن رعيته)) وفي صحيح مُسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- أنه قال: ((إن المُقسطين على منابر من نُور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمينٌ، الذين يعدلُون في حُكمهم وأهليهم وما وُلُوا)) وفي الترمذي عن أبي سعيد الخُدري رضي اللهُ عنهُ عن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: ((إن أحب العباد إلى الله يوم القيامة وأدناهُم إليه مجلسًا إمامٌ عادلٌ)).

قولـُه: (فما استقامُوا): ((ما)) شرطيـةٌ، أي ما استقام لكم المُشركون على العهد ولم ينقضُوه فاستقيموا لهم على الوفاء به.

وقولُه: (إن الله يُحبُ المُتقين): أي المتـقين للذنوب والمعاصي، والتقوى: هي التحرُزُ بطاعة الله عن معصيته، فهي كلمةٌ جامعةٌ لفعل المأمورات، وترك المنهيات. قال طلقُ بنُ حبيب: التقوى: أن تعبُد الله، على نور من الله، ترجُو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخافُ عقاب الله. في هذه الآية الحثُ على الوفاء بالعهد وتحريمُ الغدر، وفيها فضلُ التقوى والحثُ عليها، وفيها إثباتُ محبة الله.

و قولُه: ((إن الله يُحبُ التوابين): أي من الذُنوب والمعاصي، والتوابُ: هو الذي كُلما أذنب تاب، يُقالُ: تاب يتوبُ أي: رجع، وتوابٌ كثيرُ التوبة، وتوابٌ من أسماء الله -سُبحانهُ- وتعالى، أي كثيرُ التوبة على عباده، وتاب على العبد ألهمه التوبة وقبل توبتهُ.

(الشـرح)       التواب صيغة مبالغة، ومن أسماء الله، نعم.

(المتــن) قال ابنُ القيم رحمه اللهُ: والعبدُ توابٌ واللهُ توابٌ، فتوبةُ العبد رجوعُه إلى سيده بعد إباق، وتوبةُ الله نوعان: إذنٌ وتوفيقٌ، وقبولٌ واعتدادٌ. انتهى.

(الشـرح)       إذنٌ وتوفيق، يعني: يأذن الله له ويوفقه للتوبة ثم يقبضُها منه، كما قال -سبحانه وتعالى- في الثلاثة الذين خُلفوا قال: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}[التوبة: 118] يعني: أذِن لهم ووفقهم للتوبة وقبِل التوبة منهم، نعم.

(المتــن) فالتوبةُ لغةً: الرُجوعُ. يُقالُ: تاب وآب وأناب وثاب، كلُها بمعنى رجع.

وشرعًا: الرُجوعُ عن الذنب، وهي واجبةٌ من جميع الذُنوب على الفور، قال اللهُ تعالى: (وتُوبُوا إلى الله جميعًا أيُها المُؤمنُون) والآياتُ والأحاديثُ في الأمر بالتوبة والحث عليها كثيرةٌ جدًا، وتصحُ التوبةُ من بعض الذُنوب دون بعض، وللتوبة ثلاثةُ شروط:

الأول: الندمُ على ما فات، والثاني: العزمُ على أن لا يعود، والثالث: الإقلاعُ عن الذنب، فإن كانت التوبةُ من حقوق الآدميين اشتُرط شرطٌ رابعٌ: وهو الخروجُ عن تلك المظلمة واستحلالُه إن كانت غيبةً، وللتوبة أيضًا شرطٌ خامسٌ: وهو أن يتوب قبل الغرغرة، كما في الحديث الصحيح: ((إن الله يقبلُ توبة العبد ما لم يُغرغر)). وأما في حالة الغرغرة وهي حالةُ النزع فلا يقبلُ توبتهُ، وأما التوبةُ النصوحُ فهي الخالصةُ التي لا يختصُ بها ذنبٌ دون ذنب، وقيل إن التوبة النصوح هي أن يترك الذنب ثم لا يعودُ إليه، كما لا يعودُ اللبنُ في الضرع.

و قولُه: (ويُحبُ المُتطهرين) أي عن الذُنوب والمعاصي، وعن الأحداث والنجاسات.

فالطهارةُ لغةً: النزاهةُ والنظافةُ عن الأقذار حسيـةً كانت أو معنويةً، فالحسيةُ كالطهارة عن الأحداث والنجاسات، والمعنويةُ كالطهارة عن الذُنوب والمعاصي، والآيةُ شاملةٌ عامةٌ حاثةٌ على الطهارتين.

(الشـرح)       يعني: طهارة الظاهر والباطن، طهارة من المعاصي والأنجاس، وفيه إثبات المحبة لله عز وجل والرد على من أنكرها من الأشاعرة و المعتزلة والجهمية، نعم.

(المتــن) وفي حديث أبي مالك الأشعري الذي رواه مسلمٌ: ((الطُهورُ شطرُ الإيمان)) الحديث. وتقديمُ التوابين على المتطهرين من باب تقديم السبب على المسبب؛ لأن التوبة سببُ الطهارة. أفاده ابنُ القيم في ((بدائع الفوائد)).

(الشـرح)       نعم إذا تاب تطهر، والطهارة ناتجة عن التوبة، نعم.

(المتــن) ففي هذه الآيات المتقدمة إثباتُ محبته -سُبحانهُ وتعالى- كما يليقُ بجلاله وعظمته، خلافًا للمبتدعة من جهمية ومعتزلة, الذين أنكروا محبـته سُبحانهُ، وهم في الحقيقة مُنكرون للإلهية.

(الشـرح)       والأشاعرة فإن الأشاعرة يُنكرون المحبة -أيضاً-(.....) ، نعم.

(المتــن) الذين أنكروا محبـته سُبحانهُ، وهم في الحقيقة مُنكرون للإلهية، فإن الإله هو المألوهُ الذي تألهُهُ القلوبُ محبةً وإجلالاً وخوفًا وتعظيمًا.

قال الشيخُ تقيُ الدين بنُ تيمية - رحمه الله - : في هذه الآيات إثباتُ محبة الله، وهي على حقيقتها عند سلف الأمة ومشائخها. وأولُ من أنكر حقيقتها شيخُ الجهمية الجعدُ بنُ درهم، فهو أولُ من ابتدع هذا في الإسلام، في أوائل المائة الثانية، فضحى به خالدُ بنُ عبد الله القسريُ أميرُ العراق والمشرق بواسط. خطب الناس يوم الأضحى فقال: يا أيُها الناسُ ضحُوا تقبل اللهُ ضحاياكم، فإني مُضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أنه لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولا كلم موسى تكليمًا، ثم نزل وذبحه.

لأنه أنكر صفتين، أنكر صفة القدرة وصفة التكليم،(...) المحبة، نعم.

وكان ذلك بفتوى أهل زمانه من عُلماء التابعين رضي اللهُ عنهُم، وأخذ هذا المذهب عن الجعد بن درهم: الجهمُ بنُ صفوان، فأظهره وناظر عليه، وإليه أُضيف قولُ الجهمية.

(الشـرح)       هذا المذهب يعني: هو نفي الصفات، نعم.

(المتــن) فقتلهُ سلمُ بنُ أجوز أميرُ خُراسان بها، ثم انتقل ذلك إلى المعتزلة أتباع عمرو بن عبيد، وظهر قولُهم في أثناء خلافة المأمون، حتى امتحن أئمة الإسلام ودعوهم إلى الموافقة على ذلك؛ وأصلُ ذلك مأخوذٌ عن المشركين والصابئة وهم يُنكرون أن يكون إبراهيمُ خليلاً، لأن الخُلة هي: كمالُ المحبة المستغرقة للمحب كما قيل:

قد تخللت مسلك الروح
 مني       

 

وبذا سُمي الخليلُ خليلاً
 

 

 

ولكن محبته وخُلتـه كما يليقُ به كسائر صفاته. انتهى.

والذي يُوصفُ به -سُبحانهُ وتعالى- من أنواع المحبة: الإرادةُ والودُ والمحبةُ والخُلةُ كما ورد النصُ. من ((شرح الطحاوية)).

(الشـرح)       نعم وهذه الأنواع الأُخرى ما يوصف بها الرب، في العلاقة والصداقة والعشق كل هذه من أنواع ما يوصف بها، ما ورد الإرادة والود والمحبة والخُلة، الصوفية يصف الله بالعشق -قبحهم الله-، نعم.

س: أحسن الله إليكم. في ((معارج القبول)) ذُكَر أثر مكذوب يروي عن عائشة قال: (حبيبة الله التي برئها) بهذا الوصف، قال الذهبي إسنادهُ جيد.

ج: ما عندي علم بهذا الوصف، منقطع يعني؟ يُنظر، المحبة هو أن الله يُحب المؤمنين جميعاً، وهي من المؤمنين لاشك.

س: ما هو المشهور، قال: الصدّيِقةُ بينت الصدّيِق حبيبةُ الله، المبرأة من فوق سبعة سماوات.

ج: نعم وهي حبيبة الله المبرأة من فوق سبعة سماوات، كل المؤمنين يحبون الله يحبهم يحبونه، نعم.

(المتــن) قولـُه -سُبحانهُ- وتعالى: (قُل إن كُنتُم تُحبُون الله فاتبعُوني يُحببكُمُ اللهُ ويغفر لكُم ذُنُوبكُم). قال الحسنُ: ادعى قومٌ أنهم يُحبون الله فأنزل اللهُ هذه الآية محنةً لهم، فهذه الآيةُ فيها دليلٌ على أن من ادعى ولاية الله ومحبته وهو لم يتبع ما جاء به رسولُه -صلى اللهُ عليه وسلم- فليس من أولياء الله.

(الشـرح)       وهذه الآية تُسمى آية المحنة، امتحن الله بها قوم ادعوا محبة الله، فجعل دليل على محبة الله بإتباعه للرسول عليه الصلاةُ والسلام، فمن كان مُتبع للرسول فهذا دليلٌ على أن يُحبهُ الله، ومن كان مُخالف للنبي صلى الله عليه وسلم فهو كاذب في دعواه، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران: 31]

 نعم.

(المتــن) قال: فليس من أولياء الله بل من أولياء الشـيطان، وفيها أن علامة ودليل محبة الله هو اتباعُ رسوله، وأن من اتبع الرسول صلي الله عليه وسلم حصلت له محبةُ الله، قال بعضُ السلف: ليس الشأنُ أن تُحِب، إنما الشأنُ أن تُحَب.

(الشـرح)       (ليس الشأن أن تُحِب وإنما الشأنُ أن تُحَب) يعني: يُحبك الله ورسوله، نعم. وأن الله يُحب المؤمنين ويُحبونه، فيه الرد على الجهمية الخوارج سواء المعتزلة أو الأشاعرة الذين يُنكرون المحبة، كل الطوائف الذين يُنكرون المحبة، الجهمية، ويقول: أن المحب لا تكون إلا للمناسبة بين المحب والمحبوب، وليس هُناك مناسبة بين الخالق والمخلوق توجب هذه المحبة، هذا من أبطل الباطل، هذا ليس لك أعظم من رب وعبد،  فالله تعالى يُربي عباده وعبيدُه، وعبيدُه يعبدونه سبحانه وتعالى، والمعتزلة كذلك، والأشاعرة فسروا المحبة بالإرادة، نعم.

(المتــن) قال: وفيها إثباتُ المحبة من الجانبين، فمحبةُ الله لأنبيائه ورسله وعباده الصالحين صفةٌ زائدةٌ على رحمته وإحسانه وإعطائه، فإن ذلك أثرُ المحبة وموجبُها.

(المتــن) يعني: الرحمة والإحسان والعطاء أثر المحبة، أثر محبة وموجبها، نعم. الموجب يعني: ثمرة من الأثار، لأن الموجِب المقتضي بكسر الجيم، نعم.

(المتــن) فإن الله لما أحبهم كان نصيبُهم من رحمته وإحسانه أتم نصيب.

هذا قولُ أهل السُنـة والجماعة، وأما الجهميةُ والمعتزلةُ فعكسُ هؤلاء، فإنه عندهم لا يُحبُ ولا يُحبُ، ولم يمكنهم تكذيبُ النُصوص المتكاثرة في إثبات المحبة من الجانبين، فأولُوا نصوص محبة العباد له على محبة طاعته وعبادته.

(الشـرح)       قالوا: محبة الله محبة الطاعة، نعم. وأولوا حبة الله بعبادة بالرحمة والإحسان، نعم.

(المتــن) وأولوا نصوص محبته لهم بإحسانه إليهم، وإعطائهم الثواب. ذلك من التأويلات الفاسدة، المصادمة لأدلة الكتاب والسُنـة الكثيرة في إثبات المحبة من الجانبين.

قال ابنُ القيم رحمه اللهُ: وجميعُ طرق الأدلة عقلاً ونقلا وفطرةً وقياسًا وذوقًا واعتبارًا ووجدانًا تدلُ على إثبات محبة العبد لربه، والرب لعبده، وقد ذكرنا لذلك قريبًا من مائة دليل في كتابنا الكبير في المحبة. انتهى.

قولُه: (من يرتد منكُم عن دينه): أي يرجعُ، والردُ لغةً: الرُجوعُ.

وشرعًا: هو الذي يكفرُ بعد إسلامه نُطقًا أو اعتقادًا أو شكًا أو فعلاً.

(الشـرح)       نعم. نُطقاً: كالاستهزاء بالله، والسخرية بالله اوبكتابه وبرسوله، أو اعتقادًا: كان يعتقد لله صاحبةٍ أو ولدا، أو شكًا في دخول الجنة أو النار، أو فعلاً: كالسجود لصنهم  والدعاء لغير الله، والذبح لغير الله، نعم نطقاً أو شكاً أو اعتقاداً  أو فعلاً، أو -كذلك- تركًا، تركاً أو إعراضاً كأن يُعرض عن دين الله، لا يتعلم ولا يعبد الله، قال تعالى(...) ، كل هذه من أنواع الردة، نطقًا أو اعتقادًا أو شكًا أو ترك، نعم.

(المتــن) قولُه: (فسوف يأتي اللهُ بقوم يُحبُهُم ويُحبُونهُ): أي من تولى عن نُصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدلُ به من هو خيرٌ منه وأقومُ سبيلاً، كما قال تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركُم ثُم لا يكُونُوا أمثالكُم) الآية، والقومُ: الجماعةُ من الناس.

قولُه: (أذلة على المُؤمنين): أي: أهل رقة وتواضع للمؤمنين، قال عطاءٌ: للمؤمنين كالولد لوالده، والعبد لسيده، وعلى الكافرين كالأسد على فريسته.

(الشـرح)       هذا معنى {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، كما قال الله تعالى في وصف الصحابة {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بينهم }[الفتح: 29]، أشداء على الكفار ووصفهم بالرحمة فيما بينهم، نعم.

(المتــن) قولُهُ: (أعزة على الكافرين): أي أهل غلظة وشدة على الكافرين، وهذه من صفات المؤمنين، كما قال سُبحانهُ: (محمدٌ رسُولُ الله والذين معهُ أشداءُ على الكُفار رُحماءُ بينهُم) وفي صفة رسول الله صلي الله عليه وسلم: أنه الضحوكُ القتالُ، فهو ضحوكٌ لأوليائه، قتالٌ لأعدائه.

(الشـرح)       هذا الحديث يحتاج إلى مراجعة في صفة الرسول الضحُكُ القتالٌ، نعم.

(المتــن) قولُه: (يُجاهدُون في سبيل الله): أي بأموالهم، وأنفسهم، وألسنتهم، وذلك تحقيقُ دعوى المحبة.

(الشـرح)       هذا يُحقق معنى المحبة، الجهاد جهاد بالمال والنفس، المحبة تحتاج إلى تحقيق، تتحقق بالعمل، المحبة تتحقق بالعمل بالجهاد والنُصرة والمال والنفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه تتحقق بهذا، أما من يدعي محبة الله وما يعمل فلا، ما تتحقق، فإن دعواه لا بد أن يُثبت هذه الدعوى، نعم.

(المتــن) قال: والجهادُ لغةً: بذلُ الطاقة والوُسع. وشرعًا: قتالُ الكفار، وقد تكاثرت الأدلةُ على فضل الجهاد والحث عليه.

قوله: (ولا يخافُون لومة لائم): أي لا تأخُذهم في الله لومةُ لائم، وهذا علامةُ صحة المحبة، أي لا يرُدُهم عن ما هُم فيه من طاعة الله ورسوله رادٌ، ولا يصُدُهم عنهم صادٌ، ولا يخافون في ذلك لومة لائم، ولا عذل عاذل، كما روى الإمامُ أحمدُ من حديث أبي ذر قال: أمرني خليلي -صلى اللهُ عليه وسلم- بسبع: أمرني بحُب المساكين والدُنُو منهُم، وأمرني أن أنظُر إلى من هُو دُوني ولا أنظُر إلى من هُو فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني أن لا أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أقُول الحق وإن كان مُرًا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أُكثر من قول لاحول ولا قُوة إلا بالله فإنهُن من كنز تحت العرش.

(الشـرح)       وهذا الحديث ثبت في الصحيح، النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى: ((لا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنة))، وهذا حديث يشتمل على هذه المعاني العظيمة، نعم.

(المتــن) قولُه: (ذلك فضلُ الله يُؤتيه من يشاءُ): أي من اتصف بهذه الصفات فإنما هو من فضل الله عليه وتوفيقه له.

قولُه: (واللهُ واسعٌ عليمٌ): أي واسعُ الفضل، عليمٌ بمن يستحقُ ذلك ممن يحرمُهُ إياه، أفادت هذه الآيةُ: إثبات المحبة حقيقةً من الجانبين.

(الشـرح)       من جانبين من جانب الرب، الله تعالى يوصف بالمحبة كما يليق بجلاله وعظمته، ومن جانب المؤمن يُحب ربه - سبحانه وتعالى-، والجهمية أبطلوا المحبة من الجانبين، قالوا: أن الرب لا يُحبُ ولا يُحبَ، -نعوذ بالله-، نعم.

(المتــن) أفادت هذه الآيةُ: إثبات المحبة حقيقةً من الجانبين، خلافًا للمبتدعة من الجهمية والمعتزلة، ومن سلك سبيلهم، وأفادت هذه الآيةُ التحذير عن معصية الله -سُبحانهُ وتعالى-، وأن الكافر والعاصي لم يضر إلا نفسه.

(الشـرح)       نعم. وقولُهُ {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة: 54]، هذا وعيدٌ لهم، من تخلى عن طاعة الله، وعن دينه فالله تعالى يأتي بقومٍ يُحبهم ويُحبونه، ويلتزمون بشرعه ودينه، نعم. في تحدد وعيد الكفرة والفُساق، نعم.

(المتــن) وأفادت عظيم قُدرته -سُبحانهُ وتعالى- في أن من تولى عن دينه وأعرض عنه فإنه يستبدلُ به غيره.

(الشـرح)       كما في الآية: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[محمد: 38]، {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة: 54]، فدينُ الله منصور، لكن الشاهد هل تكون من أنصار دين الله أو لا تكون، أما دينُ الله فهو منصور، الله تكفل بحفظه، برُسل جديده وشرعه ، نعم.

(المتــن) وأفادت عظيم قُدرته -سُبحانهُ وتعالى- في أن من تولى عن دينه وأعرض عنه فإنه يستبدلُ به غيره، وأفادت أن هذه الأربع من صفات المؤمنين، وهي: الحبُ في الله، والبغضُ في الله, والجهادُ في سبيل الله، والقيامُ بأمره على الكبير والصغير، والقريب والبعيد.

(الشـرح)       يعني: إلزام، إلزام الناس بالشرع على الصغير والكبير، إلزام الواجبات يُلزم بها كل أحد صغيراً كان أو كبيراً، شريفاً أو وضيعاً، نعم.

(المتــن) قال: وأفادت أيضًا إثبات فعل العبد حقيقةً، كما أفادت أن الأعمال الصالحة سببٌ للسعادة، كما قال تعالى (جزاءً بما كانُوا يعملُون).

(الشـرح)       فيه الرد على من أنكر الأسباب كالأشاعرة وغيرهم، يقولون: (...) ما له سبب ولكنه أمارة، فهذا يُسمونه أمارة أو علامة، الله -تعالى- سماه سبب قال: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الواقعة: 24] {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل: 32]، أثبت السببية في الرد على من أنكروا السببية كالأشاعرة والجهمية وغيرهم، نعم.

(المتــن) قال: كما أفادت أن الأعمال الصالحة سببٌ للسعادة، كما قال تعالى (جزاءً بما كانُوا يعملُون). وأن ذلك من فضله -سُبحانهُ- وتوفيقه، كما في الصحيح: ((ليس أحدٌ منكُم يدخُلُ الجنة بعمله)) قالُوا: ولا أنت يا رسُول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني اللهُ برحمته)).

 (الشـرح)      لا تدخلوا الجنية إلا برحمة الله، ولكن الأعمال السبب، فمن جاء بالسبب حصلت لهُ الرحمة ومن لم يأتي بالسبب لم تحصل له الرحمة، نعم، دخول الجنة بفضل الله ورحمته ولكن لهُ سبب وهو الأعمال، وهذا هو الجمع بين النصوص {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الواقعة: 24] {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل: 32]، وحديث (لن يدخُل أحدُكُم الجنة برحمته) فهذه الباء باء العظم، يعني: عظم العمل كما تقوله المعتزلة، المعتزلة يقولون: أن العبد يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجيرُ أجره، والجنة عظم عن العمل، مُعاظمه، وهذا من أبطل الباطل، وأما الباء في الإثبات{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل: 32]، فهي باء السببية، نعم. والمعتزلة عكسوا، نعم.

(المتــن) وفيها أيضًا وجوبُ إفراده -سُبحانهُ- بالمحبة، فإن محبـته -سُبحانهُ وتعالى- هي أصلُ دين الإسلام، فبكمالها يكملُ دينُ العبد وبنقصها ينقصُ.

(الشـرح)       يعني: المحبة محبة خاصة، محبة العبادة، نعم. محبة العبادة هذه خاصة بالله، محبة تقتضي الذُل والخضوع والتعظيم والطاعة والخوف والرجاء، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو لهُ محبة، لأن محبة النبي ثابتة بمحبة الله -عز وجل-، وطاعة النبي تابعة لطاعة الله، بل طاعة الرسول من طاعة الله، ومحبة الرسول محبةٌ لأجل الله، محبة الرسول ومحبة أوليائُه الصالحين هذه المحبة لأجل الله، أما المحبة الطبيعية مثل محبة المال والصديق والزوجة وما أشبه فهذه محبة طبيعية،  نعم

(المتــن) قال ابنُ رجب رحمه اللهُ تعالى: وقد عُلم أن العبادة إنما تنبني على ثلاثة أصول: الخوف والرجاء والمحبة.

(الشـرح)       وهذه أركان العبادة، نعم.

(المتــن) وكلُ منها فرضٌ لازمٌ، والجمعُ بين الثلاثة حتمٌ واجبٌ، ولهذا كان السلفُ يذُمُون من تعبد بواحد منها دون الآخر. انتهى.

(الشـرح)       من تعبد بالمحبة وحدها فهذه طريقة الزنادقة والصوفية، ومن تبعد بالخوف وحده هذه طريقة الخوارج، ومن تعبد بالرجاء طريقة المُرجئة، ولهذا قال العلماء من تبعد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري ، ومن عبد الله بالرجاء فهو مرُجي، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمنٌ موحد، نعم.

س: أحسن الله إليكم. في الحديث الذي مر معنا قبل، حديث أبي ذر رضي الله عنه، حديث: ((أمرني خليلي -صلى اللهُ عليه وسلم- بسبع: أمرني بحُب المساكين والدُنُو منهُم، وأمرني أن أنظُر إلى من هُو دُوني ولا أنظُر إلى من هُو فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني أن لا أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أقُول الحق وإن كان مُرًا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أُكثر من قول لاحول ولا قُوة إلا بالله فإنهُن من كنز تحت العرش)) الحديث رواه الأمام أحمد - رحمه الله - ، وأسند إلى أبو ذر، قال: حدثنا حسان، قال: حدثنا سَلاّم بن المنذر، عن محمد بن واسع، عن عبد الله بن الصامد، عن أبي ذر، وكُلُهم ثقة إلا سَلاّم بن المنذر فيه كلام، قال عنهُ -أحسن الله إليك-، قال في التقريب: صدُقاً يهدي، قال: يحيا بن مُعين لا بأس به وقال: + صدُق وأبو داود ليس به بأس أُنكر عليه حديث، وقال: يحيا بن مُعين قال: ثقتُهُ قال: لا.

ج: يعني الحديث حسن، لا بأس، وفيه أمورٌ عظيمة، نعم لهُ شواهد، نعم .

نعم. لا بأس بالحديث، حسن، ولهُ شواهد، قد يرتفع من الحُسن إلى الصحة، بشواهده، قد يكون هو صحيح لغيره، قد يرتقي من مرتبة الحسن إلى درجة الصحيحُ لغيره، لأن كل هذه الأمور التي ذُكرت الثمانية أو التسعة لها شواهد من الكتاب والسُنة، نعم.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد