شعار الموقع

شرح التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية 13

00:00
00:00
تحميل
4

(المتــن) قولـُه: (إن الله يُحبُ الذين يُقاتلُون في سبيله): أي يُجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفُسهم في إعلاء كلمة الله -سُبحانهُ- وتعالى.

قولُه: (صفًا): أي يصُفُون أنفسهم عند القتال صفًا، ولا يزُولُون عن أماكنهم، كأنـهم بُنيانٌ مرصُوصٌ قد رُص بعضُه ببعض، أي أُلزق بعضُه ببعض وأُحكم، فليس فيه فرجةٌ ولا خللٌ.

(المتــن) يعني: هذا في أحكام الصفوف وسدِها ورصها أثبت لهم وأقوى لهم في قتال العدو واللقاء به، بخلاف ما إذا كانوا متفرقين، أقرب إلى أن يُساعد بعضهم بعضًا ويناول بعضهم بعضاً، وأحرى أن يكون الرمي صائباً مُسدداً، وفيه إثبات المحبة لله -عز وجل-، والرد على من أنكرها من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، وفيه فضل الجهاد في سبيل الله، نعم.

 (الشـرح)      وفيه أثبات المحبة لله عز وجل، والرد على من أنكرها من الجهمة والمعتزلة والأشاعرة، وفيه فضل الجهاد في سبيل الله، وأن أهل الجهاد من أحباب الله، ومن الأيمان بالله وبرسوله ومجاهديه، فهم أحباب الله، يُحبهم ويُحبونه {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[المائدة: 54]، نعم.

(المتــن) قال رسولُ الله -صلى اللهُ عليه وسلم-: ((ثلاثةٌ يضحكُ اللهُ إليهم: الرجُلُ يقُومُ من الليل، والقومُ إذا صفُوا للصلاة، والقومُ إذا صفُوا للقتال)) رواه ابنُ ماجة.

(الشـرح)       الحديث الذي رواه بن ماجة إذا أنفرد فالحديث يكون ضعيف، وهذا رواه الأمام أحمد وبن ماجة فيه إثبات ضحك الله عز وجل، وهذه الثلاثة معروفة، يعني: فضلُها من النصوص، رجل يقوم يُصلي من الليل، والجماعة يقومون يُصلون، والمجاهدون يصطفون للقتال، نعم.

س: أحسن الله إليك بمناسبة الضحك ، هل يأتي بمعنى المحبة أو كذا..؟

ج: لا الضحك غير المحبة، فيه بيان أن الله..، نعم. يستلزم منهُ المحبة، وإن كان هذا فيه صفة الضحك، ولكن يستلزم منه المحبة، محبة الله لهذا الشيء، فبعض الصفات تستلزم بعض الآخر، تستلزم إثبات المحبة، نعم.

(المتــن) قال: أفادت هذه الآيةُ: فضل الجهاد في سبيل الله والحث عليه، وأفادت الندب إلى الصُفوف في القتال، وأفادت إثبات المحبة لله -سُبحانهُ وتعالى- وهو قولُ جميع السلف، وأنكرت الجهميـةُ حقيقة المحبة من الجانبين، زعمًا منهم أن المحبة لا تكونُ إلا لمُناسبة بين المُحب والمحبوب، وأنه لا مُناسبة بين القديم والمُحدث تُوجبُ المحبة، وهذا القولُ باطلٌ ترُدُه أدلةُ الكتاب والسُنة المُتكاثرةُ.

(الشـرح)       وهذا من جهلهم، هذا من جهل الجهمية، يقول: ما في مناسبة بين الخالق والمخلوق، فيه مناسبة، هل هناك شيء أعظم مناسبة بين ربٍ وعبد، الرب يُربي عباده، والعبد يتأله ربه ويعبده خوفاً وطمعاً ورجائا، والله تعالى يُربي عباده بنعمه ربوبية الخاصة بعباده المؤمنين، ويكلئهم ويوفقهم ويُثبتهم، نعم.

(المتــن) قولُه: (الغفُورُ): من أبنية المبالغة، أي كثيرُ المغفرة، وأصلُ الغفر السـترُ، ومنه المِغفرُ.

(الشـرح)       المغفرُ الذي يضعه الفارس على رأسه، يلتقي به(...) ، سُمي مغفرُ لأنهُ يستُر رأسه، ويُخمرُها في الحرب، نعم.

(المتــن) فهو -سُبحانهُ وتعالى- يغفرُ لمن تاب إليه، أي يسترُ ذنوبه ويتجاوزُ عن خطاياه.

قال ابنُ رجب رحمهُ اللهُ تعالى: المغفرةُ محوُ الذنب وإزالةُ أثره ووقايةُ شره.

(الشـرح)       ومنه ثبت في الدنيا  في الآخرة، فيشتمل على العقوبات في الدنيا ويشتمل على العقوبات في الآخرة، يقيه شر الذنب، فالذنوب هي أسباب الشرور في الدنيا والآخرة، العقوبات والنكبات والمصائب التي تُصيب الناس بسبب الذنوب، وما يُصيبها في البرزخ وفي الآخرة من عذاب القبر وعذاب النار كلها من أسباب الذنوب، فالمغفرة إذا غفر الله للإنسان الذنب يعني: وقاه شرها في الدنيا والآخرة، نعم.

(المتــن) قال: ومنه المغفرُ لما يقي الرأس من الأذى، لا كما ظنه بعضُهُم السترُ، فالعمامةُ لا تُسمى مغفرًا مع سترها، فلا بُد في لفظ المغفر من الوقاية. انتهى.

(الشـرح)       يعني مجرد الستر، مجرد الستر لكن ما معه وقاية، العمامة تستر الرأس لكن ما تقي، ما تقي وقع النبال، ما تمنع، بخلاف المغفرُ فهو صلب قوي، إذا جاء الرصاص تمنعه، أما العمامة ما تمنع وإن كانت تستُر الرأس، نعم. المغفر ساترٌ مع منع، ساترٌ قوي، نعم.

(المتــن) قال: والغفُورُ أبلغُ من الغافر، لأن فعول موضوعٌ للمبالغة، والغفارُ، أي السـتارُ لذنوب عباده أبلغُ من الغفور، لأنه للتكثير من غير حصر، وقد جاء في التـنزيل: الغفورُ والغفارُ والغافرُ.

قولُه: (الودُودُ): من الوُد: وهو خالصُ الحب وألطفُه وأرقـُه، والودودُ من صفات الله -سُبحانهُ وتعالى- أصلُه من المودة، أي المُتوددُ إلى عباده بنعمه، الذي يودُ من تاب إليه وأقبل عليه، وهو أيضًا الودودُ، أي المحبوبُ. قال البخاريُ في صحيحه: الودودُ الحبيبُ، والتحقيقُ: أن اللفظ يدلُ على الأمرين، على كونه وادًا لأوليائه، ومودودًا لهم. انتهى. من كلام ابن القيم باختصار.

قولُه: (بسم الله الرحمن الرحيم): الباءُ في بسم الله للاستعانة، وهي متعلقةٌ بمحذوف، والتقديرُ أبتدئُ

(الشـرح)       المتعلقة بصفة الرحمة؟.. أقرأ المتن قبل.

(المتــن) قَوْلُهُ: ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيْمِ ). ( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً )، وقوله تعالي : (وَكَانَ بِالمُؤمِنينَ رَحِيماً )، وقوله تعالي :( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ). قوله تعالي : ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ ).

قولُه: (بسم الله الرحمن الرحيم): الباءُ في بسم الله للاستعانة، وهي متعلقةٌ بمحذوف، والتقديرُ أبتدئُ أو أُؤلفُ على حسب ما يُضمرُه المُتكلمُ، والاسمُ مشتقٌ من السُمُو وهو العُلوُ أو من السمة وهي العلامةُ.

(الشـرح)       نعم. الباء للاستعانة تختلف، إذا كان الإنسان يؤلف يقول: بسم الله يؤلف، وإذا كان يقرأ يقول بسم الله يقرأ، وإذا كان يأكل يقول: بسم الله يأكُل.. وهكذا، نعم.

(المتــن) ولفظُ الجلالة مشتقٌ من أله، ومعنى كونه مُشتقـًا أنه دالٌ على صفة هي الألوهيةُ كسائر أسمائه الحُسنى، كالعليم والسميع والبصير ونحو ذلك.

(الشـرح)       نعم. فالله دال على صفة الألوهية، والرحمان دال على صفة الرحمة، العليم دال على صفة العلم، القدير دال على صفة القُدرة، كأن أسم الله مشتق يشتمل على الصفة، الله لفظ الجلالة دال على صفة الألوهية، الرحمان دال على صفة الرحمة.. وهكذا، نعم.

 (المتــن)        وهو جامعٌ لمعاني الأسماء الحُسنى والصفات العُليا وراجعةٌ إليه.

(الشـرح)       يعني الله، جامع لجميع المعاني، كُلُها ترجع إليه، ولهذا تأتي الأسماء بعده أوصافٌ له، (بسم الله الرحمان الرحيم).

(وهو جامع لمعاني الأسماء الحُسنى والصفات العليا) يعني: لفظ الله، أسُم الله جامعٌ للأسماء الحُسنى والصفاتُ العليا، نعم.

(المتــن) قولُه: (الرحمن الرحيم): هما صفتان لله -سُبحانهُ وتعالى- مُشتقتان من الرحمة وهما من أبنية المُبالغة: والرحمنُ أبلغُ من الرحيم؛ لأن زيادة البناء تدلُ على زيادة المعنى، والرحمنُ خاصة بالله -سُبحانهُ وتعالى- لا يُسمى به غيرُه ولا يُوصفُ، بخلاف الرحيم، فيوصفُ به غيرُه -سُبحانهُ وتعالى- فيقالُ رجلٌ رحيمٌ.

(الشـرح)       لأنهُ مشترك، الرحيم من الأسماء المشتركة، مثل ما وصف الله به نبيه: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة: 128] بخلاف الرحمان فهو خاصٌ بالله، لا يُسمى به غيره، نعم.

(المتــن) والرحمةُ صفةٌ من صفات الله -سُبحانهُ وتعالى- اللائقة بجلاله وعظمته، فيجبُ أن يُوصف بها كما وصف بها نفسه ووصفهُ بها رسولُه -صلى اللهُ عليه وسلم- بخلاف ما عليه أهلُ البدع، الذين نفوا هذه الصفة وأولُوها، كمن يُؤولُها بالإنعام، أو بإرادة الإنعام، إلى غير ذلك من التأويلات.

(الشـرح)       وهم الأشاعرة، الأشاعرة يُفسرون الرحمة بالإنعام، ولهذا تجد في ((الروض المُربع)) الرحمة يقولون: الإنعام على طريقة الأشاعرة، نعم. نعم هذه الأسماء مشتركة، يُسمى السميع ويُسمى البصير { فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[الإنسان: 2] أسماء مشتركة، أسماء الله مثل: العزيز، الملك، أسماء الله وهو يُسمى ملك من ملوك الدُنيا ملك، لأنها أسماءٌ مشتركة خاص بالله، وقل جاء الله الرحمان، خالق الخلق ، مالك الملك، رب العالمين، النافع الضار، المعطي المانع، هذه خاصٌ بالله، لا يُسمى بها غيره، هناك أسماء مشتركة مثل: عزيز والملك والرحيم والسميع والبصير والحي، نعم. الرحمة صفة من صفات الله وهناك رحمة مخلوقة، كما في الحدث ((خلق الله مائة رحمة وأنزل إلى الأرض رحمةٌ واحدة))، نعم.

(المتــن) فالرحمةُ ثابتةٌ لله -سُبحانهُ وتعالى- كغيرها من الصفات، سواءٌ كانت ذاتيةً كالعلم والحياة، أو فعليةً كالرحمة التي رحم بها عبادهُ، فكلُها صفاتٌ قائمةٌ به -سُبحانهُ- ليست قائمةً بغيره، فيُوصفُ بها -سُبحانهُ وتعالى- حقيقةً كما يليقُ بجلاله.

(الشـرح)       فالرحمة نوعان: ذاتية وفعلية، ذاتيةٌ: قائمة بذات الرب كالعلم والحياة، وفعلية: وهي المتعدية المخلوقين، نعم.

(المتــن) وقد اجتمع في (بسم الله الرحمن الرحيم) أنواعُ التوحيد الثلاثةُ: توحيدُ الرُبوبية، وتوحيدُ الألوهية، وتوحيدُ الأسماء والصفات، وكذلك قد اجتمع فيها أنواعُ الخفض الثلاثةُ فبسم مخفُوضٌ بالحرف، ولفظُ الجلالة مخفُوضٌ بالإضافة، والرحمن الرحيم مخفُوضان بالتبعية.

قال ابنُ القيم رحمه اللهُ تعالي: وتضمنت (بسم الله الرحمن الرحيم ) إثبات النُبُوات من جهات عديدة: (الأول): من اسم الله وهو المألُوهُ المعبُودُ، ولا سبيل إلى معرفة عبوديته إلا من طريق رُسُله. (الثاني): من اسمه الرحمن، فرحمتـه تمنعُ إهمال عباده وعدم تعريفهم ما ينالُهم به غاية السعادة، فمن أعطى هذا الاسم حقهُ عرف أنه مُتضمنٌ لإرسال الرُسل، وإنزال الكتب، أعظم من تضمُنه علم إنزال الغيث، وإنبات الكلاء وإخراج الحب، فاقتضاءُ الرحمة لما يحصُلُ به حياةُ القلوب والأرواح أعظمُ من اقتضائها ما يحصلُ به حياةُ الأبدان والأشباح. انتهى.

وقال في البدائع: (الرحمن): دالٌ على الصفة القائمة به سُبحانهُ وتعالي ، و (الرحيم) دالٌ على تعلُقها بالمرحوم، كما قال تعالى: (وكان بالمُؤمنين رحيمًا) ولم يجئ قطُ رحمانٌ بهم، فكان الأولُ للوصف، والثاني للفعل.

(الشـرح)       يعني: إذا جاء رحيم ولم يجيء رحمان بالمؤمنين، نعم. الرحمان فيه إثبات صفة الرحمة وقائم بصفة الرب، والرحيم فيه إثبات صفة الرحمة المتعلقة بالمرحوم، نعم.

(المتــن) فالأولُ: دالٌ على أن الرحمة وصفُهُ، والثاني دالٌ على أنه يرحمُ خلقه برحمته. انتهى.

قال تعالى : (ربنا وسعت كُل شيء رحمةً وعلمًا) أي وسعت رحمتُك وعلمُك كل شيء، فما من مُسلم ولا كافر إلا وهو متقلبٌ في نعمته، فهذه الآيةُ فيها دليلٌ على إثبات رحمته -سُبحانهُ وتعالى- ودليلٌ على سعتها وشُمُولها، روى الإمامُ أحمدُ عن أبي عثمان، عن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: ((إن لله مائة رحمة، فمنها رحمةٌ يتراحمُ بها الخلقُ، وبها تعطفُ الوُحُوشُ على أولادها، وأخر تسعةً وتسعين إلى يوم القيامة)). انفرد بإخراجه مسلمٌ.

(الشـرح)       وهذه الرحمة المخلوقة، الرحمة رحمتان: الرحمةُ المخلوقة، خلق الله مائة رحمة، وأنزل رحمة إلى  أهل الأرض يتراحمون بها، وأمسك تسعة وتسعين، واما الرحمة صفة من الصفات -سبحانه وتعالى-، وفي هذا سعت رحمة الله، وأنها وسعت كُل شيء المؤمن والكافر، الكافر يتقلب في نعمة الله، فيرزقه الله ويعافيه ، ويعطيه المال والولد، وهو على كفره {رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الأعراف: 89]، نعم.

(المتــن) وقولُه -سُبحانهُ- وتعالى: (وكان بالمُؤمنين رحيمًا) وقولُه (ورحمتي وسعت كُل شيء): أي: أن رحمتهُ -سُبحانهُ- عمت وشملت كل شيء. قال الحسنُ وقتادةُ: وسعت رحمتُه -سُبحانهُ- في الدُنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للمُتـقين خاصةً. فهذه الآيةُ فيها إثباتُ الرحمة وشمولها، ودلت هذه الآيةُ وما قبلها على أن الرحمة تنقسمُ إلى قسمين: الأول: رحمةٌ عامةٌ وهي الرحمةُ المُشتركةُ بين المسلم والكافر، فما يصلُ إليه من رزق وصحة ونحو ذلك فكلُه من رحمة الله، كما قال في هذه الآية. الثاني: رحمةٌ خاصةٌ بالمؤمنين، كما في الآية التي قبلها (وكان بالمُؤمنين رحيمًا).

(الشـرح)       نعم. الرحمة نوعان: عامة تشمل المؤمن والكافر، من ذلك الرزق والصحة والعافية تشمل المؤمن والكافر، ورحمة خاصة بالمؤمنين وأن الله رحمهم، وفقهم للتوحيد والأيمان،كما في هذه الآية: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب: 43]، نعم.

نعم الرحمة المخلوقة أثر، أثر من صفات الله، الرحمة التي هي صفة من صفاته من أثرها الرحمة المخلوقة التي بالمؤمنين وبالناس جميعاً، نعم.

(المتــن) قولـُه سُبحانهُ: (كتب ربـُكم على نفسه الرحمة): أي أوجبها على نفسه الكريمة، تفضُلاً منه وإحسانًا، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسولُ الله -صلى اللهُ عليه وسلم-: ((إن الله لما خلق الخلق كتب كتابًا عندهُ فوق العرش إن رحمتي تغلبُ غضبي))، الحديث، فالكتابُ المذكورُ في الآية هو الإيجابُ على نفسه -سُبحانهُ وتعالى- وكذلك ما ورد في الحديث: ((وحقُ العباد على الله)) تفضُلٌ منه -سُبحانهُ وتعالى- وإحسانٌ، وإلا فليس للعبد حقٌ واجبٌ كحق المخلوق على المخلوق، كما تزعمُهُ المعتزلةُ، فإن المعتزلة تزعُمُ: أنه واجبٌ عليه بالقياس على المخلوق.

(الشـرح)       نعم، والله عز وجل كتب  على نفسه الرحمة، والاحسان ، كتبه على نفسه وليس فوقه أحد -سبحانه وتعالى- بل هو الذي كتب على نفسه الرحمة ، كما  أنهُ حرم على نفسه الظلم، حرم على نفسه من نفسه، فيه إثبات الكتابة لله عز وجل، كما ذُكر في ذلك {إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ}[الحج: 70]، كتب الله مقادر للخلائق، فيه إثبات الكتابة لله، فيه إثبات الرحمة والغضب، وأن رحمتي سبقت غضبي، نعم.

المعتزلة يقولون يجب على الله أن يُثيب المُطيع، وأنه يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجره، لأنه الذي خلق نفسه، كما أنه يجب على الله أن يُعاقب العاصي ويُخلده  في النار، هذا باطل، أوجبوا على الله أن يُعذب العاصي ويخلده في النار، وأوجبوا على الله أن يُثيب المطيع، وقالوا: أنهُ هو الذي خلق فعله خيراً أو شراً، إذاً هو إذا فعل الخير يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجره، والعاصي يستحق العقوبة والتخليد في النار، وهذا باطل، والصواب أنهُ تفضُلٌ من الله، ليس فيه (...)، والعاصي وفق مشيئة الله، قد يُعذب وقد يُعفى عنه، نعم.

(المتــن) والأدلةُ ترُدُ قولهم عليهم، وتُبطلُ قولهم، وتدلُ على ما عليه أهلُ السُنة والجماعة، وهو أن العبد لا يستوجبُ على الله بسعيه نجاةً، ولا فلاحًا، ولا يدخُلُ أحدٌ الجنة بعمله ويقولون: إن الله –سُبحانهُ وتعالي- هو الذي كتب على نفسه الرحمة، وأوجب الحق، لم يوجبه عليه مخلوقٌ، خلافًا للمعتزلة قال بعضُهم:

ما للعبد حقٌ عليه واجبٌ
        

 

كلا ولا سعىٌ لديه ضائعٌ
 

إن عُذبُوا فبعدله أو نُعمُوا  
     

 

فبفضله وهُو الكريمُ الواسعُ
 

 

 

قال الشيخُ تقيُ الدين رحمه اللهُ تعالى: كونُ المُطيع يستحقُ الجزاء هو استحقاقُ إنعام وفضل، وليس هو استحقاقُ مُقابلة كما يستحقُ المخلوقُ على المخلوق. انتهى.

وهذا كما في حديث: ((لو عذب اللهُ أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهُم وهُو غيرُ ظالم لهُم، ولو رحمهُم لكانت رحمتُهُ خيرًا لهُم))، والحديث المتقدم: ((ليس أحدٌ منكُم يدخُلُ الجنة)) الحديث.

(الشـرح)       والمعنى: أن الله لو وضع عدله بين عباده لحاسبهم حينئذٍ بنعمه عليهم وأعماله، وحينئذٍ يكونون مدينين، فلو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالمٍ، لأن العمل ما يُقابل النعم، لكنه سبحانه لا يضع عدله، لو عذبهم، يعني: و وضع عدله فيهم لعذبهم وهو غيرُ ظالمٌ لهم، لكنه -سبحانه وتعالى- تفضل عليهم،.

 (المتــن)        وهذا الحديثُ لا يُنافي قوله: (جزاءً بما كانُوا يعملُون) فإن الرسول -صلى اللهُ عليه وسلم- نفى باء المُقابلة والمُعادلة، والقرآنُ أثبت باء التسبُب، فالمنفيُ: استحقاقُها بمُجرد الأعمال وكون الأعمال ثمنًا وعوضًا لها كما تزعُمُهُ المعتزلةُ، والمُثبتُ كونُه سببًا لدخول الجنة بتوفيقه وهُداهُ.

(الشـرح)       يعني المعنى لا مُنافاة بين الحديث وبين الآيات، حديث: (لا يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة من عنده))، والآية في الجزاء {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل: 32]، فالباء التي في الحديث باء العوض والمقابلة، نفي النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون الأعمال ثمناً وعوضًا بالجنة، وإنما دخول الجنة برحمة الله، أما الباء التي في الآية: فهي باء السببية، والمعنى: أن الأعمال سبب في دخول الجنة، فدخول الجنة برحمة الله والأعمال السبب، فمن جاء بالسبب نالتهُ الرحمة، ومن لم يأتي بالسبب لم تنله الرحمة، هذا هو الذي جاءت به النصوص، خلاف المعتزلة، المعتزلة يقولون:  {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل: 32] هذه باء العوض والمقابلة، أدخلوا الجنة عوضاً وثمناً لأعمالكم، هذا باطل ونفاهُ النبي، نعم.

(المتــن) وقولـُه: (وهُو الغفُورُ الرحيمُ)، وقولُه: (فاللهُ خيرٌ حافظًا وهُو أرحمُ الراحمين): أي أن حفظه -سُبحانهُ وتعالى- خيرٌ من حفظكُم، فمن توكل عليه -سُبحانهُ وتعالى- وفوض أمره إليه كفاهُ، ووقاه، وحفظه وحماهُ، فلا سبيل لأحد عليه ولا قدرة لأحد أن يصل إليه بما يُؤذيه.

ومن أسمائه -سُبحانهُ وتعالى- الحفيظُ وهو نوعان: أحدُهما: حفظُه على عباده جميع ما عملُوا من خير وشر وطاعة ومعصية. والثاني: أنه الحافظُ لعباده من جميع ما يكرهون، وهذا نوعان: أحدُهما: عامٌ. والثاني: خاصٌ.

فالأولُ: حفظُه لجميع المخلوقات بتيسير ما يقيتُها ونحو ذلك.

الثاني: حفظٌ خاصٌ، وهو حفظُه لأوليائه سوى ما تقدم عما يُزلزلُ إيمانهم، ويُضعفُ يقينهُم, وحفظُهم عما يضُرُهم في دينهم ودُنياهم. انتهى. من كلام ابن رجب.

(الشـرح)       نعم. الحفيظ هذا نوعان: حفيظ بمعنى أنهُ يحفظ أعمل عباده من خير أو شر، ويعلمُها، وكتبها في اللوح المحفوظ، ووكل الملائكة الكرام بالكتابة، والثاني: حفيظ بمعنى حافظ، يحفظهم سبحانه وتعالى، وهو نوعان:

حفظٌ عام: بمعنى أنهُ يحفظهم سبحانه وتعالى، بما يقيم أجسادهم، تيسير رزقهم وطعامهم وشرابهم وهذا عام للمؤمن والكافر.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد