(المتــن) قولُه: (ذلك بأنهُمُ اتبعُوا ما أسخط اللهُ وكرهُوا رضوانهُ): أي ذلك الضربُ والقبضُ لأرواحهم بهذه الشدة بسبب اتباعهم ما يُسخطُ الله من الكفر وعداوة الرسول، وبسبب كراهتهم رضوانه؛ أي ما يُرضيه من الإيمان والعمل الصالح.
فهذه الآيةُ أفادت إثبات صفة السخط والرضا، وأنه -سُبحانهُ وتعالى- يسخط ويرضى.
(الشـرح) {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ}[محمد: 28] في إثبات الصفتان الفعلية وهي السخط والرضا، ذلك القبض والضرب، يعني: الملائكة تضرب {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ 27 ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ 28}[محمد]، فتكون الملائكة عند قبض أرواحهم تضرب وجوههم وأدبارهم، وتنزعها بشدة سببه أتباعهم ما أسخط الله من الكفر والمعاصي والفِسق، فأما في حياتهم الدنيا، فلما ماتوا صارت الملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم بسبب أعمالهم الخبيثة، وتقبض أرواحهم بشدة -نسأل الله السلامة والعافية-، نعم.
(المتــن) وأنه -سُبحانهُ وتعالى- يسخط ويرضى حقيقة، كما يليقُ بجلاله وعظمته، فيجبُ إثباتُ ذلك الوجه اللائق بجلاله وعظمته، هذا قولُ أهل السُنة والجماعة، وكلُ ما ورد في الكتاب والسُنة يجبُ إثباتُهُ على الوجه اللائق بجلاله وعظمته، والبابُ كلُه واحد.
س: أحسن الله إليك. أن العذاب والضرب يكون على الروح دون الجسد؟
ج: نعم هذا في خروج الروح، وهذا الأحكام في البرزخ على الروح، وفي الأحكام تبعه، وفي الدنيا الضرب والآلام تكون للجسد أكثر، والروح، لكن الأحكام أشد أغلبها على الجسد في الدنيا، وعند قبض الروح بدا البرزخ الآن، تكون الأحكام على الروح أشد والجسد تبع، نعم.
(المتــن) وفي هذه الآية إثباتُ العلل والأسباب، وأن الأعمال الصالحة سبب للسعادة، والأعمال السيئة سبب للشقاوة.
(الشـرح) نعم فيه إثبات العلل والأشياء فقط على من انكرها كالأشاعرة والجبرية، الذين يقولون: لا في علل ولا في سبب، (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ) سبب، والباء سببية، نعم.
(المتــن) وفيها الردُ على من زعم: أنه لا ارتباط بين العمل والجزاء. انتهى.
وفيها –أيضا- ذمُ من أحب ما كرهُ اللهُ أو كره ما أحبهُ، فالواجبُ على كل مؤمن: أن يُحب ما أحبهُ اللهُ محبة تُوجبُ الإتيان بما وجب عليه منه، فإن زادت المحبةُ حتى أتى بما نُدب إليه منه كان ذلك فضلا، وأن يكره ما كرههُ اللهُ كراهة تُوجبُ له الكف عما حرم اللهُ عليه منه، فإن زادت الكراهةُ حتى أوجبت الكف عما كرههُ تنزيها كان ذلك فضلا.
(الشـرح) نعم هذا هو الواجب على المسلم، أن يُحب ما أحبه الله ورسوله محبة توجب له فعل الواجبات، فإن زاد على ذلك محبة المستحبات كان من السابقين، والأول يكون من المقتصدين، وأن يكره ما نهى الله عنه ورسوله، كراهة توجب له ترك المحرمات، فإن زاد عليه وترك المحرمات وترك التنزيه فهو أفضل صار من السابقين، نعم.
(المتــن) وقد ثبت في الصحيحين عنه -صلى اللهُ عليه وسلم- أنه قال: (لا يُؤمنُ أحدُكُم حتى أكُون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين). فلا يكونُ العبدُ مؤمنا حتى يُقدم محبة الرسول صلي الله عليه وسلم على محبة جميع الخلق، ومحبةُ الرسول تابعة لمحبة مُرسله.
(الشـرح) نعم. وهو الله -سبحانه وتعالى-، نعم.
(المتــن) والمحبةُ الصحيحةُ تقتضي المتابعة والموافقة في حُب المحبوبات، وبُغض المكروهات.
(الشـرح) نعم. وهذه هي المحبة الصحيحة تقتضي موافقة المحبوب في المحبة والمساخط هذه المحبة، إذا أحب شخصًا فيُحب ما يُحب ويكره ما يكره، نعم.
(المتــن) قال تعالى: (قُل إن كان آباؤُكُم وأبناؤُكُم وإخوانُكُم وعشيرتُكُم وأموال اقترفتُمُوها وتجارة تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحب إليكُم من الله ورسُوله وجهاد في سبيله فتربصُوا حتى يأتي اللهُ بأمره)، انتهى من كلام ابن رجب.
قولُه: (آسفُونا): أي أغضبونا، وأسف لها معنيان: تأتي بمعنى غضب كهذه الآية، وتأتي بمعنى حزن كقوله -سُبحانهُ- عن يعقوب أنه قال: (يا أسفى على يُوسُف) الآية.
(الشـرح) يعني فلما آسفونا انتقمنا منهم، المؤلف ذكر النصوص التي فيها إثبات صفة الغضب والرضا والسخط، {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ }[الزخرف: 55] يعني: أغضبونا، في إثبات صفة الأسف لله عز وجل، بمعنى: غضب، نعم.
(المتــن) وقولُه تعالى: (انتقمنا منهُم): أي عاقبهُم -سُبحانهُ- بالغرق وغيره من العقوبات، والانتقامُ: هو أن يبلغ في العقوبة حدها، ومن أسمائه -سُبحانهُ- المنتقمُ، كما جاء في حديث أبي هُريرة الذي رواه الترمذيُ في جامعه، في عدد الأسماء الحُسنى، ومعناهُ المُبالغُ في العقوبة لمن يشاءُ.
(الشـرح) معروف أن الأسماء التي جاءت في حديث أبي هريرة مدرجة، كما جاءت رواه الحافظ بن حجر، نعم.
(المتــن) وقال الشيخُ تقيُ الدين -رحمه اللهُ-: المُنتقمُ ليس من أسماء الله الحُسنى الثابتة عن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- وإنما جاء في القرآن مقيدا كقوله -سُبحانهُ-: (إنا من المُجرمين مُنتقمُون).
(الشـرح) نعم يعني: مقيد بأنهُ انتقام من المجرمين، وإنما يكون أسم من أسماء الله إذا جاء أطلاقه مثل: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[غافر: 20]، هذا يدل إطلاقة على الرب ومن أسماء الله، + {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}[السجدة: 22] ولم يقل في الآية إن الله هو المنتقم، قال: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}[السجدة: 22] قيده، انتقام من المجرين، يكون من باب الخبر، نعم.
(المتــن) وقوله: (واللهُ عزيز ذُو انتقام) والحديثُ الذي في عدد الأسماء الحُسنى يُذكرُ فيها المنتقمُ ليس هو عند أهل المعرفة بالحديث من كلام النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- بل هذا ذكرهُ الوليدُ بنُ مسلم عن بعض شيوخه، ولهذا لم يوردهُ أحد من أهل الكُتُب المشهورة إلا الترمذيُ. انتهى.
قولـُه: (كره اللهُ انبعاثـهُم): أي أبغض خروجهم معكم إلى الغزو.
(الشـرح) وهم لمنافقون، {كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}[التوبة: 46]، بيّن الله -سبحانه وتعالى- الحكمة أنه قال: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ }[التوبة: 47]، فلهذا فثبطهُم الله، وفيه إثبات الكرهة لله عز وجل، كما يليق بجلاله وعظمته، كره الله ، نعم.
(المتــن) قولُه: (فثبطهُم): أي كسلهم، والتـثبيطُ: ردُ الإنسان عن الشيء الذي يفعلُه، أي أنه -سُبحانهُ وتعالى- كسلهم عن الخروج للغزو قضاء وقدرا، وإن كان قد أمرهم بالغزو وأقدرهُم عليه، ولكن ما أراد إعانتهُم؛ بل خذلهُم وثبطهم لحكمة يعلمُها سُبحانهُ وتعالى: (لا يُسألُ عما يفعلُ وهُم يُسألُون ).
(المتــن) يعني: هم معهم أسبابهم على تخلفهم من الغزو، لكن الله خزلهم، جعلهم لا يريدون الغزو لحكمة بالغة لما يعلم، من ذلك الحكم التي ذكرها الله {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ }[التوبة: 47]، ، نعم.
(المتــن) قوله: (كبُر): أي عظُم.
قولُهُ: (مقتا): منصوب على التمييز، والمقتُ أشدُ البُغض.
وفي الآية الحثُ على الوفاء بالعهد، والنهيُ الأكيدُ عن الخُلف في الوعد وغيره، وبها استدل بعضُ العُلماء على أنهُ يجبُ الوفاءُ بالوعد مطلقا، سواء ثبت عليه عزم للموعود أم لا، واحتجوا بما ثبت في الصحيحين: أن رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: ((آيةُ المُنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أُؤتُمن خان)) وفيها دليل على إثبات صفة البُغض لله -سُبحانهُ وتعالى- .
(الشـرح) لأن المقت أشد من البغض {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}[الصف: 3]، فيه دليل على أنهُ يجب الوفاء بالوعد، نعم.
(المتــن) وفيها دليل على إثبات صفة البُغض لله -سُبحانهُ وتعالى- كما يليقُ بجلاله وعظمته، وفيه دليل على أن بُغضه -سُبحانهُ وتعالى- يتفاوتُ، فبعضُه أشدُ من بعض، كما جاء في الحديث: ((إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثلـهُ، ولن يغضب بعدهُ مثلـهُ)).
وفيه دليل على أن الشخص قد يكونُ عدوا لله ثم يصيرُ وليا، ويكونُ اللهُ -سُبحانهُ وتعالى- يُبغضُه ثم يُحبُه، وهذا مذهبُ الفقهاء والعامة، وهو قولُ المعتزلة والكرامية والحنفية قاطبة، والمالكية والشافعية والحنابلة، وعلى هذا يدلُ القرآنُ، قال تعالى: (قُل إن كُنتُم تُحبُون الله فاتبعُوني يُحببكُمُ اللهُ)، وقال: (وإن تشكُرُوا يرضهُ لكُم)، وقولُهُ سبحانه وتعالي: (فلما آسفُونا انتقمنا منهُم) وغيرُها من الآيات والأحاديث. انتهى ملخصا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ اللهُ تعالى.
فهذه الآياتُ المتقدمةُ دليل على صفة الغضب والرضا، والولاية والحُب والبغض والسخط والكراهة ونحو ذلك، وهذا مذهبُ السلف الصالح وسائر الأئمة يُثبتون جميع ما في الكتاب والسُنة على المعنى اللائق به، كما يقولون ذلك في السمع والبصر والعلم والكلام وسائر الصفات، وقد تقدم ذلك.
(الشـرح) نعم. يعني: لا يُفرقون بين الصفاتُ الذاتية والصفاتُ غير الذاتية كُلهُا ثابته لله، نعم.
(المتــن) وقولُهُ: ( هل ينظُرُون إلا أن يأتيهُمُ اللهُ في ظُلل من الغمام والملائكةُ وقُضي الأمرُ وإلى الله تُرجعُ الأمورُ) ، وقولُه تعالى ( هل ينظُرُون إلا أن تأتيهُمُ الملائكةُ أو يأتي ربُك أو يأتي بعضُ آيات ربك )،وقوله: ( كلا إذا دُكت الأرضُ دكا دكا. وجاء ربُك والملكُ صفا صفا).
وقولهُ تعالي: ( ويوم تشققُ السماءُ بالغمام ونُزل الملائكةُ تنزيلا )، وقولُهُ تعالي : (كلُ من عليها فان ويبقى وجهُ ربك ذُو الجلال والإكرام ).
(الشـرح) نعم هذه الأمثلة كلُها في إثبات صفة الإتيان وإثبات الوجه لله -تعالى-، وهو إتيان لفظ الجلال وعظمته كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر: 22]، {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ}[البقرة: 210] فيه إثبات أن الله يأتي، الإتيان إتيان الله وعظمته ليس كإتيان المخلوق، نعم.
(المتــن) وقولُهُ تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: 88]
(الشـرح) فهذا فيه إثبات الذات والوجه، وقال بعض الجهمية: كل شيءٌ ثابت لله إلا وجه وذاته، وقصدهم من ذلك إنكار الوجه، وهذا غلط فيه إثبات الذات والوجه جميعا، نعم.
(المتــن) وقولُهُ تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص: 75]
وقولُهُ تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[المائدة: 64]
وهذا فيه إثبات اليدين لله، وأن لله تعالى يديين كريمتين لا تُشابه أيدي المخلوقين، نعم
وقولُهُ تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}[الطور: 48]
وقولُهُ تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ 13 تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ14}[القمر]
(الشـرح) فيه أثبات الرؤية وأن الله تعالى يرى عباده، أما العينين فإنهما لا يؤخذ من هذه الآية، لأنها أتت بصيغة الجمع وأُضيف إلى ضمير الجمع، المراد الكلائة والحفظ، يعني بمرأىً منا وحفظ وكلائة، أما العينان فانهما في حديث الدجال، ((إن الدجال أعور وإن ربكُمُ ليس بأعور)) فيه إثبات العين وأن لله عينان كريمتان، أما هذه الآيات ففيها الجمع فلا يأتي منها الصفة وإنما يأتي منها إثبات الرؤية لله عز وجل وكلائتة، نعم
وقولُهُ تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}[طه: 39]
(الشـرح) يعني على مرأىً مني، نعم.
(المتــن) قال المؤلف -رحمه الله تعالى- قولُهُ: (هل): حرفُ استفهام.
قولُهُ: (َينْظُرُونَ): أي ينتظرُ الكفارُ، يُقالُ نظرتُهُ وانتظر به بمعنى واحد، إلا إذا عُدي بإلى، أو ذُكر الوجهُ، فمعناه النظرُ، أو عُدي بفي فمعناه التفكُرُ والاعتبارُ.
(الشـرح) يعني: تختلف معناه، قوله: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) معناه الانتظار و التمهُل، أما إذا عُدي بـ (إلى) (انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ)فالنظر للإبصار، فإذا عُدي بـ (في) بمعنى التفكر والاعتبار مثل: (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ) يعني: يتفكر ويتأمل، فالنظر إذا عُدي بـ (في) معناه التفكر والانتظار، وإذا عُدي بـ (إلى) معناه النظر والإبصار، وإذا لم يتعدى بمعنى الانتظار، نظرت وانتظرت، نعم.
(المتــن) قولُهُ: (إلا أن يأتيهُمُ اللهُ): أي لفصل القضاء بينهم يوم القيامة، فيجزي كُل عامل بعمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
قولُهُ: (في ظُلل): جمعُ ظُلة، والظُلةُ: ما أظلك وسترك.
قولُهُ: (من الغمام): أي السحاب الأبيض الرقيق، سُمي غماما؛ لأنه يغُمُ، أي يسترُ.
قولُهُ: (والملائكةُ): أي والملائكةُ يجيئون في ظُلل من الغمام، ففيه إثباتُ مجيء الملائكة يوم القيامة؛ لأنهم يُحيطون بالإنس والجن،.
(الشـرح) لأن الخلائق يقفون يوم القيامة والملائكة يحيطون بهم، مثل الشُرطة في الدنيا يُحيطون بالناس من خلفهم، فالملائكة يُحيطون بالناس، مالهم مفر ولا مهرب، نعم.
(المتــن) ثم ينـزلُ اللهُ -سُبحانهُ- لفصل القضاء بينهُم.
(المتــن) قولُهُ: (وقُضي الأمرُ): أي تم أمرُ هلاكهم.
قولُهُ: (وإلى الله تُرجعُ الأُمُورُ): أي تصيرُ أمورُ العباد إلى الله في الآخرة.
قال محمدُ بنُ جرير: حيثُ ذكر إتيان الملائكة فهو محتمل لإتيانهم لقبض الأرواح، ويُحتملُ أن يكون نزولُهم لعذاب الكفار وإهلاكهم.
(الشـرح) يعني: إتيان الملائكة في الدنيا هذا.
(المتــن) وأما إتيانُ الرب فهو يوم القيامة لفصل الخطاب.
وقال ابنُ القيم رحمهُ اللهُ تعالى: نزولُه -سُبحانهُ- إلى الأرض يوم القيامة تواترت به الأحاديثُ والآثارُ، ودل عليه القرآنُ صريحا، كما في هذه الآيات. انتهى.
قولُهُ: (إلا أن تأتيهُمُ الملائكةُ): أي لقبض أرواحهم.
قولُهُ: (أو يأتي ربُك): أي يوم القيامة لفصل القضاء بين العباد.
قولُهُ: (أو يأتي بعضُ آيات ربك): وهو طلوعُ الشمس من مغربها، وطلوعُها من مغربها هو أحدُ أشراط الساعة الكبار، وإذا طلعت من مغربها أُغلق بابُ التوبة، وإذا رآها الناسُ طلعت من مغربها آمنُوا أجمعون، ولكن لا يُقبلُ لأحد توبة ما لم يكن آمن من قبل ذلك، كما في الصحيحين، وغيرهما من حديث أبي هُريرة رضي اللهُ عنهُ، قال: قال رسولُ الله -صلى اللهُ عليه وسلم-: ((لا تقُوُمُ الساعةُ حتى تطلُع الشمسُ من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناسُ آمنُوا أجمعُون فذاك حين لا ينفعُ نفسا إيمانُها لم تكُن آمنت من قبلُ)).
(الشـرح) يعني: كل يبقى على ما كان، ليس هناك إيمانٌ جديد، {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}[الأنعام: 158]، ما ينفعُها الإيمان الجديد، ولا ينفعُها إلا اذا كانت أمنت من قبل، لأنه أُغلت باب التوبة، نعم.
(المتــن) قولُهُ:(كلا): هي حرفُ ردع و زجر.
قولُهُ: (دُكت الأرضُ): أي زُلزلت حتى ينهدم كلُ بناء عليها وينعدم.
قولُهُ: (دكا دكا): أي دكا بعد دك، أي كرر الدك عليها حتى عادت هباء منبثا.
قولُهُ: (وجاء ربُك): أي لفصل القضاء بين عباده.
قولُهُ: (والملكُ): أي جنسُ الملائكة.
قولُهُ: (صفا صفا): أي يُصفُون صفا بعد صف، قد أحدقوا بالجن والإنس، كما رُوي أن الملائكة كلهم يكونون صفا حول الأرض.
قولُهُ: (ويوم تشققُ): المرادُ باليوم يومُ القيامة، وتشقُقُ السماء أي: انفطارُها.
قولُهُ: (بالغمام): أي يخرجُ منها الغمامُ، وهو السحابُ الأبيضُ، وحينئذ تنـزلُ الملائكةُ إلى الأرض فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر، ثم يجيءُ الربُ لفصل القضاء بين عباده، فهذه الآياتُ أفادت إثبات المجيء والنُزول والإتيان لله -سُبحانهُ وتعالى- كما يليقُ بجلاله وعظمته، وهذه من صفاته -سُبحانهُ- الفعلية، فيجبُ إثباتُ جميع الصفات الواردة في الكتاب والسُنة، كما أثبتها اللهُ -سُبحانهُ- لنفسه، وأثبتها له رسولُه -صلى اللهُ عليه وسلم-، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ودلت هذه الآياتُ أيضا على أن نزولهُ -سُبحانهُ وتعالى- وإتيانهُ ومجيئهُ ونحو ذلك من أفعاله أنه حقيقة كما يليقُ بجلاله وعظمته، إذ الأصلُ الحقيقةُ ولا صارف عن ذلك، خلافا لأهل البدع، ودلت على أنه نزوله وإتيانه ومجيءه بذاته -سُبحانهُ وتعالى- كما يليقُ بجلاله وعظمته.
(الشـرح) مجيئه وإتيانه حقيقة، لكن الله أعلم بالكيفية، المجيئ حقيقة لكن الكيفية الله يعلمها لكن ليس مجازًا، كما يقول أهل البدع، نعم.
(المتــن) ودلت على أنه نزول وإتيان ومجيء بذاته -سُبحانهُ وتعالى- كما يليقُ بجلاله وعظمته، خلافا لأهل البدع الذين ينفون ذلك، ويؤولون مجيئه بمجيء أمره، ونزوله بنـزول رحمته، أو بعض ملائكته ونحو ذلك، ويقولون هذا مجازُ حذف، والتقديرُ في: (وجاء ربُك): أي أمرُه، وينـزلُ ربُنا أي: أمرُه
(الشـرح) هذا من أبطل الباطل، أهل البدع يُحرفون، المجيء يقولون: مجيئ الأمر، مجيئ الرحمة، الرحمة في كل أمر، نعم.
(المتــن) خلافا لأهل البدع الذين ينفون ذلك، ويؤولون مجيئه بمجيء أمره، ونزوله بنـزول رحمته، أو بعض ملائكته ونحو ذلك، ويقولون هذا مجازُ حذف، والتقديرُ في: (وجاء ربُك): أي أمرُه، وينـزلُ ربُنا أي: أمرُه أو بعضُ ملائكته أو رحمته ونحوُ ذلك من التأويلات الفاسدة، ولا شك في بُطلان هذه التأويلات ومصادمتها أدلة الكتاب والسُنة الصريحة وما عليه أهلُ السُنة والجماعة.