بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فغفر الله لك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
وقوله تعالى: {إن تبدوا خيرًا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوًا قديرًا} وقوله تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} وقوله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}.
هذه النصوص يأتي فيها أسم الله العفو والغفور والقدير فيه أثبات العزة لله، وأنها صفة من صفاته، نعم.
الطالب: أحسن الله إليك اقرأ الشرح؟
الشيخ: انتهى من الآيات؟
الطالب: نعم، قال عفا الله عنك
قولُهُ: (إن تُبدُوا خيرًا): أي تُظهرُوه.
قولُهُ: (أو تُخفُوهُ): أي فتعملوا سرًا، وهذا عامٌ شاملٌ لكل خير قولي أو فعلي، ظاهر أو باطن.
قولُهُ: (أو تعفُو عن سُوء): أي تتجاوزوا عمن أساء إليكم في أنفسكم أو أموالكم أو غير ذلك. فالعفوُ هو التجاوزُ عن الذنب والصفحُ عنه، فعفا تأتي في اللغة لمعان:
الأول: عفا عن الذنب، أي صفح عنه، وعفا: أسقط حقـه كما قال تعالى: (إلا أن يعفُون): أي يُسقطون حُقوقهم، وعفا القومُ، أي كثُروا، ومنه حتى عفوا أي كثرُوا وعفا المنزلُ أي انطمس، ومنه قولُ حسان:
عفت ذاتُ الأصابع فالجواءُ … أي زالت وزال أهلُها وانطمست.
قولُهُ: (عفُوًا): معناه ذو العفو، وهو تركُ المؤاخذة على ارتكاب الذنب، وهو أبلغُ من المغفرة، فإنها مُشتقةٌ من الغفر وهو السترُ، والعفوُ إزالةُ الأثر، ومنه عفت الديارُ. قال ابنُ القيم رحمه الله تعالى في ((النُونية)):
وهُو العفوُ فعفوُه وسع الورى لولاهُ غار الأرضُ بالسُكان
قولُهُ: (قديرًا): أي قادرًا على كل شيء.
قال الشيخُ تقيُ الدين بنُ تيمية رحمه اللهُ تعالى: فمن جعل شيئًا من الأعمال خارجًا عن قدرته ومشيئته فقد ألحد في أسمائه وآياته، بخلاف ما عليه القدريةُ. انتهى.
القدرية المتوسطون يقولون أن أفعال العباد خارجة على قدرة الله ومشيئته، فالعباد هم الذين خلقوا أفعالهم وأرادوها أستقلالاً، وقال القائل إنه لا يقدر على (...) للشبهة التي حصلت لهم، وإن قلنا ان الله خلق افعال العباد ويعذبهم صار ظالمًا ففروا من شيء ووقعوا في شر مما يفرون، وقعوا في القول بأنه يقع في ملك الله ما لا يريد، وأن إرداة العبد تغلب إرادة الله – نسأل الله العافية- ، يقول المؤلف رحمه الله: من قال ان هناك شيء فوق قدرة الله فقد ألحد في آيات الله، نعم.
أحسن الله إليك
قولُهُ: (وليعفُوا وليصفحُوا): العفوُ: السترُ و التـجاوزُ، والصفحُ: الإعراضُ، مشتقٌ من صفحة العُنُق، وهو أن يُعرض عن عقاب المُذنب وعتابه، وكأنه ولاه صفحة عُنقه، وهو أبلغُ من العفو؛ لأن الصفح لا لوم فيه ولا تثريب.
هذه الآيةُ نزلت في شأن أبي بكر الصديق حين حلف أن لا يُنفق على مسطح ابن خالته لخوضه في أمر عائشة، وكان مسكينًا بدريًا مهاجرًا، فلما تلاها النبيُ -صلى اللهُ عليه وسلم- على أبي بكر قال: بلى أحبُ أن يغفر اللهُ لي، ورد على مسطح نفقته.
وكان بن خالته، مسطح بن أثاثه، كان بن خالة ابي بكر، كان فقير، وكان مما شهد بدراً، لكنته وقع مع من خاض في مسألة الأفك في عائشة هو وحسان بن ثابت فجلدهم النبيُ صلى الله عليه وسلم في الحد، صار الحد طهارة، فحلف ابي بكر رضي الله عنه ، وكان أبي بكر يُنق على مسطح، لفقره وقرابته، فقير قريب من أهل بدر، فلما خاض في أمر الأفك حلف أبي بكر ان لا ينفق عليه، فقطع عنه نفقته فأنزل الله هذه الآية الكريمة (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة)، لا يأتل أي لا يحلف {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة} وهو أبو بكر، {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا} أي لا يحلف ان يقطع النفقة عن المسكين والقريب، {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} () فلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: بلى والله أُحب أن يغفر الله لي، فرجع النفقة إلى السطح، نعم.
أحسن الله إليك
وقولُهُ: (واللهُ غفُورٌ رحيمٌ): غفورٌ، أي كثيرُ المغفرة، وقد تقدم الكلامُ على ذلك، وفي هذه الآيات وصفُه -سُبحانهُ وتعالى- بالعفو والغفُور، وفيها الحثُ على الصفح والعفو ومكارم الأخلاق ومعالي الأمور، وفيها أن ما ذُكر سببٌ للمغفرة، وفيها دليلٌ على أن الجزاء من جنس العمل، والأدلـةُ على ذلك في الكتاب والسُنة كثيرةٌ.
نعم في هذه الآيات إثبات، العفو، الغفور، وهذامن أسمءاء الله، صفة العفو، صفة القدرة، وفي الآيات أيضًا الحث على الصفح والعفو والمغفرة، وفيه أن هذه الصفات من أسباب المغفرة، من اتصف العفو والصفح فإن هذا من أسباب المغفرة، وفيها أن من عفى عفى الله عنه، ومن صفح صفح الله عنه، فالجزاء من جنس العمل، نعم.
أحسن الله إليك
وفيها حلمُ الله -سُبحانهُ- وكرمُه ولطفُه بعباده مع ظُلمهم لأنفسهم، وفيها إثباتُ فعل العبد وأنه فاعلٌ حقيقةً، والردُ على المجبرة الذين يزعمون أن العبد لا فعل له، وإنما يُنسبُ إليه الفعلُ على جهة المجاز.
هذا باطل من أبطل الباطل، الجبرية الذين يقولون: أن العبد لا فعل له، الأفعال هي أفعال الله، ولكنها تمُر عليك مروراً لأنه وعاء، والله هو المصلي وهو الصائم -تعالى الله عما يقولون- والعبد مجبور على أفعاله، الآيات فيها رد عليهم قال: {وليعفوا وليصفحوا} دل على أنهم فاعلون حقيقة، نعم.
أحسن الله إليك
ولو كان الأمرُ كما يزعمون لم يُؤمر بما ذُكر.
نعم. أي من العفو والصفح، لو كان (...) من الأفعال ++ كيف يؤمر بالعفو والصفح وهو لا فعل له، نعم.
ولم يُنسب إليه الفعلُ، ولم يعاقب على سوء.
يعني: لو كان الإنسان ما له فعل ما له شيء من عقاب، ولا يُعاقب على شيء ليس فعلًا له، هذا باطل قول الجبرية، من أبطل الباطل، نعم.
عفا الله عنك
وقولُهُم باطلٌ تردُه أدلةُ الكتاب والسُـنة، بل الفطرةُ والعقلُ وطردُه يختلُ به النظامُ، ولا يمكنُ أن تعيش عليه أمةٌ أبدًا.
نعم طرده. لو قيل هذا في كل الامور معناه أختل النظام، ولا يستطيعون ان يطردوا هذا، لأن الواحد من الجبرية لو اعتدي عليه ما سكت، لو جاء إنسان ضربه وأخذ ماله هل يسكت او يُطالب بحقه، لأن الذي يضربه ويأخذ ماله يقول أنا مجبور، هذه الافعال هي أفعال الله، كيف تُطالبني هو ما يرضى بهذا، فلماذا إذا أُمر بأداء الواجبات وترك المحرمات قال: إنه مجبور، وفي أموره الخاصة وما يتعلق به، لا ما يقول هذا، بل يُطالب بحقه ويقتص ممن أعتدى عليه، ويُطالب بحقه ويأخذ المال ممن اخذ منه المال، ولا يسكت نعم.
أحسن الله إليك
قال ابنُ القيم رحمهُ اللهُ تعالى: ثم ختم الآية بصفتين من صفاته -سُبحانهُ- مُناسبتين لما تضمنته، فقال: (واللهُ غفُورٌ رحيمٌ) ففيه إشارةٌ إلى أن كُل اسم يناسبُ ما ذُكر معه واقترن به من فعله وأمره سُبحانهُ، وفيها أن أسماء الرب مشتقةٌ من أوصاف ومعان قامت به سُبحانهُ.
نعم أسماء الرب مشتقة من أوصافه، فالعفو اسم العفو فيه صفة العفو، والغفور مشتمل على صفة المغفرة، والقدير مشتمل على صفة القدرة، نعم. قال ابنُ القيم
عفا الله عنك
قال ابن القيم رحمهُ اللهُ تعالى: ثم ختم الآية بصفتين من صفاته -سُبحانهُ- مُناسبتين لما تضمنته، فقال: (واللهُ غفُورٌ رحيمٌ) ففيه إشارةٌ إلى أن كُل اسم يناسبُ ما ذُكر معه واقترن به من فعله وأمره سُبحانهُ، وفيها أن أسماء الرب مشتقةٌ من أوصاف ومعان قامت به سُبحانهُ، فهي أسماءٌ وهي أوصافٌ وبذلك كانت حُسنى، إذ لو كانت ألفاظًا لا معاني لها لم تكن حُسنى، ولا كانت دالـةً على المدح ولا الكمال، ولساغ وقوعُ أسماء الانتقام والغضب في مقام أسماء الرحمة والإحسان، فيُقالُ اللهم إني ظلمتُ نفسي فاغفر لي إنك أنت المنتقمُ، ونحوُ ذلك، ونفيُ معاني أسمائه -سُبحانهُ وتعالى- من أعظم الإلحاد فيها.انتهى.
قولُهُ: (ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين): يعني الغلبة والقدرة، فمن يريد العزة فليطلُبها بطاعة الله وطاعة رسوله، فالعزةُ والعلوُ إنما هما لأهل الإيمان، قال تعالى: (وأنتُمُ الأعلون إن كُنتُم مؤمنين) فللعبد من العلُو بحسب ما معه من الإيمان، قال تعالى: (ولله العزةُ ولرسُوله وللمُؤمنين) فلهُ من العزة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظُه من العُلو والعزة ففي مقابلة ما فاته من حقائق الإيمان علمًا وعملاً، ظاهرًا وباطنًا.
هذه لعلها فبما فاته، يعني: بسبب ما فاته، نعم
أحسن الله إليك
فبما فاته من حقائق الإيمان علمًا وعملاً، ظاهرًا وباطنًا.
يعني: إذا فات الإنسان شيءٌ من العلو والعزة سببه ما فاته من حقائق الإنسان، كونه ضيع حقائق الإيمان ضاعت عليه العزة، ضعُف إيمانه فضاعت عليه العزة والعلو، نعم.
عفا الله عنك
فالمؤمنُ عزيزٌ عال مُؤيدٌ منصورٌ مُكفىٌ مدفوعٌ عنه بالذات أين كان، ولو اجتمع عليه من أقطارها إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته، فمن نقص إيمانُه نقص نصيبُهُ من النصر والتأييد بحسب ما نقص من إيمانه، انتهى. من كلام شيخ الإسلام بتصرُف.
وفي هذه الآية إثباتُ العزة لله -سُبحانهُ وتعالى- الكاملة من جميع الوجوه، قال تعالى: (وهُو العزيزُ الحكيمُ) والعزةُ في الأصل؛ القوةُ والغلبةُ والشدةُ، تقول: عز يعزُ بكسر العين إذا صار عزيزًا، وعز يعزُ بالفتح إذا اشتد وقوي، ومنه أرضٌ عزازٌ، أي صلبةٌ، وعز يعُزُ بالضم إذا غلب وقهر، فلاسمه العزيز -سُبحانهُ- ثلاثةُ معان:
الأولُ: بمعنى المُمتنع الجناب عن أن يصل إليه ضررٌ أو يلحقهُ نقصٌ أو عيبٌ، كقوله: (وما ذلك على الله بعزيز).
الثاني: بمعنى القوة كقولهم: ((من عزيز)).
الثالثُ: بمعنى غلبة الغير وقهره، ومنه: (وعزني في الخطاب ): أي غلبني.
وكلُ هذه المعاني ثابتةٌ لله -سُبحانهُ وتعالى- بمُقتضى اسمه العزيز، كما قال: (وهُو العزيزُ الحكيمُ) فأل تفيدُ الاستغراق والشُمول لجميع معاني العز، قال ابنُ القيم في ((النُونية)):
وهو العزيزُ فلـن يُرام جنابُه أنى يُرامُ جنابُ ذي سُلطـان
وهو العزيزُ القاهرُ الغلابُ لم يغلبهُ شيءٌ، هذه صفتــان
وهو العزيزُ بقوة هي وصفهُ فالعزُ حينئذ ثلاثُ معـــان
وهي التي كمُلت له -سُبحانهُ- من كل وجه عادم النُقصــان
قال ابنُ القيم رحمه اللهُ في كتابه ((المدارج)): فاسمُه العزيزُ
الشيخ: طويل كلام ابن القيم هنا؟
الطالب: لا قصير
قال ابنُ القيم رحمه اللهُ في كتابه ((المدارج)): فاسمُه العزيزُ يتضمنُ كمال قدرته وقوته وقهره، وهذه العزةُ مستلزمةٌ للوحدانية، إذ الشركةُ تُنقصُ كمال العزة. انتهى.
ثم قال عفا الله عنك فبعزتك لأغوينهم أجمعين
بارك الله فيك
أحسن الله إليك
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد، فغفر الله لك، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
وقوله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} وقوله تعالى: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين} وقوله: {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} وقوله تعالى: {فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميًا} وقوله: {ولم يكن له كفوًا أحد}، وقوله: {فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون}
نعم، وهذه الآيات فيها إثبات العزة لله، الموصوفة بصفاته {هل تعلم له سميًا} اي: ليس له مشابه ولا مماثل وتنفي النقائص عن الله {فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون} {لا تضربوا لله الأمثال ليس كمثله شيء} كل هذا فيه تنزيه الرب -سبحانه وتعالى- عن مماثلة المخلوقات، نعم.
الطالب: اقرأ شرح الآيات؟
الشيخ: نعم
قال عفا الله عنك على قولُهُ تعالى: (فبعزتك لأُغوينهُم أجمعين): فيه دليلٌ على الحلف بعزة الله سُبحانهُ. وكذا غيرُها من صفاته، وفيه دليلٌ على أن صفات الله غيرُ مخلوقة، إذ الحلفُ بالمخلوق شركٌ
قول الله تعالى عن إبليس {فبعزتك لأغوينهم أجمعين} قسم قسم، جاء في الحديث في آخر أهل النار خروجا وأخر أهل الجنة دخولاً، أنه قال: لا وعزتك لا أسألك غيرها، لما أخذا الله عليه المواثيق ألا يسأل، قال: وعزتك لا اسألك غيرها، هذا الحديث فيه صفة العزة، نعم، فالحلف بصفة من صفات الله لا بأس به كلام الله، علم الله، قدرته، نعم.
أحسن الله إليك
فيه دليلٌ على الحلف بعزة الله سُبحانهُ. وكذا غيرُها من صفاته، وفيه دليلٌ على أن صفات الله غيرُ مخلوقة، إذ الحلفُ بالمخلوق شركٌ، وفيه إثباتُ العزة لله -سُبحانهُ- ردًا على من قال: عزيزٌ بلا عزة، كما قالُوا: إنه عليمٌ بلا علم.
وهم المعتزلة، أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات، قالوا: عليمٌ بلا علم، عزيز بلا عزة، سميعٌ بلا سمع، بصير بلا بصر، وهذا تناقض في اللغة، الصفات معناها جامده، الصفات أسماء جامدة لكن الأسماء مشتقة، العليم مشتمل على صفة العلم، الرحيم مشتمل على صفة الرحمة الله مشتمل على صفة الألوهية، القدير مشتمل على صفة القدرة، أما هؤلاء المعتزلة فإنهم نفوا الصفات أثبتوا لله أسماء جامدة، ليس لها معاني، -نسأل الله العافية- وهذا من أبطل الباطل، نعم.
أحسن الله إليك
والعزةُ المضافةُ إليه -سُبحانهُ- تنقسمُ إلى قسمين: قسم يضافُ إليه -سُبحانهُ- من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، وهي العزةُ المخلوقةُ التي يعزُ بها أنبياءه وعباده الصالحين.
والثاني: يُضافُ إليه من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، كما في هذه الآية، وكما في الحديث: ((أعُوذُ بعزة الله وقُدرته من شر ما أجدُ وأُحاذرُ)).
نعم، العزة مخلوقه، وهي التي يخلقها الله لعبده فيكون عزيزاً، والثانية العزة صفة من صفات الله يكون لله العزة، كذلك الرحمة، الرحمة رحمتان:
رحمة مخلوقة: كما جاء في الحديث (( عن الله خلق مائة رحمه، ونزل رحمة واحدة)) خلق الرحمة، الرحمة صفة من صفات الله، تقول الرحمان الرحيم، نعم.
أحسن الله إليك
قولُهُ: (تبارك): أي تعاظم، وهو فعلٌ ماض لا يتصرفُ، وهو خاصٌ بالله -سُبحانهُ- وتعالى.
تبارك خاصٌ بالله، ما يُقال في (....) تبارك، ويغلط بعض العامة إذا زاره إنسان يقول: تباركت علينا، هذا غلط، ما يُقال له، ولكن يقال: تحصل البركة، مجيئك مبارك، اما يُقال: تباركت علينا، لا هذا خاصٌ بالله، صفة لله {تبارك الذي بيده الملك}، {تبارك الذي جعل في السماء بروجًا}، نعم.
عفا الله عنك
والبركةُ لغةً: النماءُ والزيادةُ، والتبريكُ: الدُعاءُ بذلك، قال ابنُ القيم رحمه اللهُ تعالى: البركةُ نوعان:
أحدُهما: بركةٌ هي فعلُه، والفعلُ منها بارك، والمفعولُ منها مُباركٌ، وهو ما جعل فيها ذلك، فكان مُباركًا بجعله سُبحانهُ.
والثاني: بركةٌ تُضافُ إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعلُ منها تبارك، ولهذا لا يُقالُ لغيره ذلك ولا يصلحُ إلا له سُبحانهُ، فهو المتباركُ ورسولُه مُباركٌ. كما قال المسيحُ: (وجعلني مُباركًا أينما كُنتُ) وأمـا صفتهُ -سُبحانهُ وتعالى- تبارك فمختصـةٌ به -سُبحانهُ-، كما أطلقها على نفسه. انتهى، مُلخصًا من ((البدائع)).
قولُهُ: (فاعبُدهُ): أي أفردهُ بالعبادة ولا تعبد معه غيره، وهذا أمرٌ بإفراده -سُبحانهُ- بالعبادة، ويتضمنُ النهي عن عبادة ما سواه، وعبادتُه -سُبحانهُ وتعالى- هي أعظمُ واجب، والإشراكُ به هو أعظمُ محرم على الإطلاق، والعبادةُ لغةً: الذُلُ، يُقالُ طريقٌ معبدٌ إذا كان مذللاً قد وطئتهُ الأقدامُ كما قال الشاعرُ:
تباري عتاقًا ناجيات وأتبعت وضيفًا وضيفًا فوق مور معبد
والعبادةُ شرعًا: "ما أُمر به شرعًا من غير اطراد عُرفي ولا اقتضاء عقلي"، وعرفها الشيخُ تقيُ الدين بنُ تيمية رحمهُ اللهُ تعالى بقوله: "العبادةُ اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبُه اللهُ ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، كالصلاة، والصوم، والحج، ونحو ذلك،" وفيها دليلٌ على أن العبادة تجبُ على كل مكلف، وأنه مهما بلغ فلن يصل إلى حد تسقطُ عنه التكاليفُ الشرعيةُ، ومن زعم ذلك فهو كافرٌ بالله العظيم.
كما يزعم بعض الصوفية، لأن الخاصة تسقط عنهم التكليف، والتكليف يكون على العامة، فيقسمون الناس إلى عامة وخاصة، هذا من أبطل الباطل، هذا كُفرٌ وضلال، ما في أحد يسقط التكاليف إلا إذا زال العقل، إذا زال العقل ما في تكليف، أما إذا وجد العقل ففي التكليف، ما في أحد يسقط عنه التكليف، من قال إن في أحد يسقط عنه التكليف ومعه عقله يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً، - نسـأل الله السلامة، نعم.
أحسن الله إليك
فإن قولهُ: (فاعبُدهُ) خطابٌ لنبيه، وأمتُهُ تبعٌ له، فإذا كان هذا في حقه -صلى اللهُ عليه وسلم- فغيرُه من باب أولى وأحرى، وللعبادة شروطٌ لا تصحُ إلا بها:
الأولُ: الإخلاصُ، وهو أن يكون العملُ لله سُبحانهُ وتعالى. الثاني: المُتابعةُ، وهو أن يكون العملُ على سُنة رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- كما قال تعالى: (بلى من أسلم وجههُ لله وهُو مُحسنٌ) فقولُهُ: (من) إشارةٌ إلى الإخلاص، وقولُهُ: (وهُو مُحسنٌ) إشارةٌ إلى المُتابعة، وقال الفُضيلُ بنُ عياض في قوله سُبحانهُ وتعالى: (ليبلُوكُم أيُكُم أحسنُ عملاً) قال: أخلصُه وأصوبُه، قيل: يا أبا علي، ما أخلصُه وأصوبُه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالصُ أن يكون لله، والصوابُ أن يكون على سُنة رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم-، وللعبادة ثلاثةُ أركان وهي: المحبةُ والخوفُ والرجاءُ.
قوله تعالى: {هل تعلم له سميًا}
بارك الله فيك
أحسن الله إليك