شعار الموقع

شرح التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية 21

00:00
00:00
تحميل
6

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد، فيقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

قولُهُ: (ومن الناس من يتخذُ من دُون الله أندادًا يحبونهم كحب الله والذين ءامنوا أشد حبًا لله): قال الشيخ عبد العزيز الرشيد رحمه الله: أي نظراء وأمثالاً يُساويهم في الله بالعبادة والمحبة والتعظيم.

يعني: الأنداد، الأنداد معناه: نُظراء وأمثال وشركاء، يُحبونهم كحب الله، يعني: يُساونهم بالله في المحبة والتعظيم، لا في الخلق والرزق والتدبير والتعظيم، نعم.

أحسن الله إليك

وهؤلاء لا يُساوونهم بالله في الرزق والتدبير، وإنما يسوُونهم بالله في المحبة، فيعبُدونهم ليقربوهم إلى الله زُلفى، فأخبر -سُبحانهُ- أن من أحب من دون الله شيئًا كما يُحبُ الله فهو ممن اتخذ من دون الله أندادًا، ففيها دليلٌ على أنه -سُبحانهُ- لا ند له، وإنما المُشركون جعلوا بعض المخلوقات أندادًا له تسميةً مجردةً ولفظًا فارغًا من المعنى، كما قال تعالى: (وجعلُوا لله شُركاء) الآية، والمذكورُ في الآية هو المحبةُ الشركيةُ المستلزمةُ للخوف والتعظيم والإجلال والإيثار على مُراد النفس، فمحبةُ الله -سُبحانهُ- هي أصلُ دين الإسلام وبكمالها يكملُ، فهي أعظمُ الفروض، فصرفُها لغير الله شركٌ أكبرُ، كما قال سُبحانهُ: (وما هُم بخارجين من النار).

فالغالب على محبتهم العبادة، وهي المحبة تستلزم الخوف، والتعظيم، والطاعة، والإيثار، إيثار مرضاة المحبوب على غيره، هذه المحبة في العبادة، إذا صرفت لغير الله صارت شرك، اما المحبة الطبيعية كمحبة الطعام، كمحبة الجائع للطعام ومحبة الظمآن للماء، ومحبة الشفقة محبة الوالد لولده، هذه محبة طبيعية ليست من هذا الباب، نعم.

عفا الله عنك

قال ابنُ القيم رحمهُ اللهُ: فتوحيدُ المحبوب أن لا يتعدد محبوبُه، أي مع الله بعبادته له، وتوحيدُ الحب أن لا يبقى في القلب بقيةُ حُب حتى يبذلها له.

وقولُهُ: (والذين آمنوا أشدُ حُبًا لله): أي من أصحاب الأنداد لأندادهم، فمحبةُ المؤمنين لربهم لا تُساويها محبةٌ، والمعنى والذين آمنوا أشدُ حُبًا لله من محبة أهل الأنداد لله؛ لأن محبة المؤمنين لله خالصةٌ ومحبة المُشركين لله مُشتركةٌ، قد أخذت أندادُهُم قسطًا من محبتهم، والمحبةُ الخالصةُ أشدُ من المُشتركة، ففي هذه الآيات أن من أشرك مع الله غيره في المحبة فقد جعلهُ شريكًا لله، واتخذ ندًا لله،

الشيخ: واتخذ ما في هاء عندك؟

الطالب: لا

الشيخ: لا واتخذه بالهاء، نعم

أحسن الله إليك

 واتخذ ندًا لله، وأن ذلك هو الشركُ الأكبر، فالمحبةُ تنقسمُ إلى أقسام، كما ذكره ابنُ القيم رحمه اللهُ وغيرُه.

الأول: محبةُ الله سُبحانهُ، ولا تكفي وحدها بالنجاة من النار والفوز بالجنة، فإن المُشركين يُحبُون الله سُبحانهُ. الثاني: محبةُ ما يُحبُه اللهُ، وهذه المحبةُ هي التي تُدخلُ في الإسلام.

إذًا ليس المراد مجرد المحبة، محبة الله، لأن المشركين يُحبون الله، إنما المراد المحبة التي تقتضي الخوف والإجلال والتعظيم وإيثار محاب الله على غيره، من ياتي بها فلا يقع الشرك من العبد، المحبة التي تقتضي الخوف والرجاء، فإذا خاف غير الله، خوف عباده خرج إلى الشرك، او أحب غير الله وقع في الشرك، أما مجرد المحبة وحدها مجرد محبة الله ما تكفي، لأن المشركين يُحبون الله، لكن محبة المؤمنين أعظم من محبتهم لله، نعم.

أحسن الله إليك

الثاني: محبةُ ما يُحبُه اللهُ، وهذه المحبةُ هي التي تُدخلُ في الإسلام وتُخرجُ من الكُفر، وأحبُ الناس إلى الله أقومُهم بهذه المحبة. الثالث: المحبةُ في الله ولله، وهي فرضٌ كمحبة أولياء الله وبغض أعداء الله، وهي من مُكملات محبة الله ومن لوازمها، فالمحبةُ التامةُ مستلزمةٌ لموافقة المحبوب في محبوبه ومكروهه وولايته وعداوته.

ومن المعلوم أن من أحب الله المحبة الواجبة فلا بُد أن يبغض أعداء الله ويُحب أولياءه. الرابع: المحبةُ مع الله المحبة الشركية، وهي المستلزمةُ للخوف والتعظيم والإجلال فهذه لا تصلحُ إلا لله سُبحانهُ، ومتى أحب العبدُ بها غير الله فقد أشرك الشرك الأكبر. الخامس: المحبةُ الطبيعيةُ وهي ميلُ الإنسان إلى ما يُلائمُ طبعه، كمحبة المال والولد ونحو ذلك، فهذه المحبةُ لا تُذمُ إلا إن أشغلت وألهت عن طاعة الله كما قال سُبحانهُ: (يأيُها الذين آمنوا لا تُلهكُم أموالُكُم ولا أولادُكُم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأُولـئك هُمُ الخاسرُون ).

++++++++++++++

قولُهُ: (وقُل الحمدُ لله): أل للاستغراق والشـُمول،

بارك الله فيك

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد؛

فرفع الله قدرك، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

وقوله تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرًا} قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر رحمه الله:

 قولُهُ: (وقُل الحمدُ لله): أل للاستغراق والشـُمول، أي الحمدُ كلُه لله، فهو المُستحقُ للحمد لما اتصف به من صفات الكمال، والحمدُ هو الثناءُ عليه -سُبحانهُ- بما هو أهلُه، والثناءُ هو ذكرُ الصفات الجميلة مرةً بعد أُخرى، وأما الثناءُ بتقديم النُون فيكونُ في الخير والشر، وأما المجدُ فهو ذكرُ صفات الجلال والعظمة، وأما الشُكرُ فهو فعلٌ يُنبئُ عن تعظيم المُنعم، بسبب كونه مُنعمًا، وشرعًا هو صرفُ العبد جميع ما أنعم اللهُ لما خُلق لأجله.

والفرقُ بين الحمد والشُكر: أن الشُكر يكونُ باللسان والجنان والأركان، أما الحمدُ فلا يكونُ إلا باللسان والجنان، وأيضًا فإن الشُكر لا يكونُ إلا في مُقابلة نعمة، وأما الحمدُ فهو يكونُ في مقابلة نعمة. وفي غير مقابلة نعمة.

فبينهما عموم وخصوص وجهي، نعم، تجتمعان في الثناء باللسان، يُسمى حمدًا ويُسمى شُكر، نعم.

قال الشيخُ تقيُ الدين بنُ تيمية رحمه الله: والحمدُ نوعان: حمدٌ على إحسانه إلى عباده وهو من الشُكر، وحمدٌ لما يستحقُه من نعوت كماله، وإنما يستحقُ ذلك من هو متصفٌ بصفات الكمال، وهي أمورٌ وجوديةٌ، فإن الأمور العدمية لا حمد فيها ولا خير ولا كمال، ومعلومٌ أن كل ما يحمدُ فإنما يُحمدُ على ما له من صفات الكمال، فكلُ ما يُحمدُ به الخلقُ فهو من الخالق، فثبت أنه المستحقُ للمحامد كُلها، وهو أحقُ بالحمد من كل محمود، وبالكمال من كل كامل. انتهى.

 قولُهُ: (الذي لم يتخذ ولدًا): هذا ردٌ على اليهود والنصارى والمُشركين، فإن النصارى يقولون المسيحُ ابنُ الله، واليهودُ يقولون العُزيرُ ابنُ الله، والمُشركون يقولون الملائكةُ بناتُ الله.

قولُهُ: (ولم يكُن لهُ شريكٌ في المُلك): هذا ردٌ على المجوس والمُشركين والقدرية.

المجوس يقولون بخالقين، والقدرية يقولون: الإنسان يخلق فعل نفسه، والمشركين الذين يجعلون لله شريكاً في الشفاعة، ويعبدون غير الله، ويقولون إنها تشفع لهم عند الله، نعم.

أحسن الله إليك

قولُهُ: (ولم يكُن لهُ وليٌ من الذُل): أي ليس بذليل فيحتاجُ إلى أن يكون له وليٌ أو وزيرٌ أو مشيرٌ؛ لأنه -سُبحانهُ- عزيزٌ لا يفتقرُ إلى ولي يحميه ويمنعُه من الذُل، فنفى الولاية على هذا المعنى، لأنه غنيٌ عنها، ولم ينف الولاية على وجه المحبة والكرامة لمن شاء من عباده، فلم ينف الولي نفيًا عامًا مطلقًا، بل نفى أن يكون له وليٌ من الذُل، وأثبت في موضع آخر أن يكون له أولياءٌ بقوله: (ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنُون ) فهذه موالاةُ رحمة وإحسان، والموالاةُ المنفيةُ موالاةُ حاجة وذُل، كما أشار إلى هذا المعنى ابنُ القيم رحمه اللهُ.

وقولُهُ: (وكبرهُ تكبيرًا): أي عظمه عما يقولُهُ الظالمون المُخالفون للرُسل.

ففي هذه الآية أمر نبيه بحمده؛ لأنه المُستحقُ أن يُحمد لما اتصف به من صفات الكمال , وفيها تنـزيهُهُ -سُبحانهُ- عن الولد، وذلك لكمال صمديته -سُبحانهُ- وغناه وتعبُد كُل شيء له، فاتخاذُ الولد يُنافي ذلك كما قال سُبحانهُ: (قالُوا اتخذ اللهُ ولدًا سُبحانهُ هُو الغنيُ لهُ ما في السماوات وما في الأرض ) الآية.

وفيها تنـزيهُه -سُبحانهُ- أن يكون له شريكٌ في المُلك المتضمن تفرُده بالرُبوبية والألوهية، وتوحُده بصفات الكمال التي لا يُوصفُ بها غيرُه. وهذه الآيةُ آيةٌ عظيمةٌ، وتُسمى آية العز. قال ابنُ كثير: قال قتادةُ: ذُكر لنا أن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- كان يُعلمُ أهله هذه الآية الصغير والكبير.

قلتُ: وقد جاء في حديث "أن الرسول -صلى اللهُ عليه وسلم- سمى هذه الآية آية العز، وفي بعض الآثار أنها ما قُرئت في بيت في ليلةً فيصيبه سرقٌ أو آفةٌ. انتهى. من كلام ابن كثير.

الشيخ: فيه عليه تعليق الأثر هذا؟

الطالب: لا لم يعلق على هذا، ثم قال عفا الله عنك

طيب نقف بارك الله فيك

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

قولُهُ تعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا * الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدًا وخلق كل شيء} قال الشيخ عبد العزيز الرشيد رحمه الله تعالى على قوله:  (يُسبحُ لله): أي يُنزهُهُ عما لا يليقُ بجلاله وعظمته، فالتسبيحُ يقتضي التنـزيه لله -سُبحانهُ- من كل سوء وعيب وإثبات صفات الكمال لله سُبحانهُ.

وهذا التسبيحُ قيل بلسان الحال، وقيل بلسان المقال وهو الصحيحُ، واللهُ -سُبحانهُ- قادرٌ على خلق الإدراك في الجمادات وإنطاقها، كما قال -سُبحانهُ- عن الجلود: (أنطقنا اللهُ الذي أنطق كُل شيء).

الشيخ: نعم،

الطالب: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا * الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرًا}

الشيخ: (....) يعني : هذا التسببيح بلسان الحال ام بسان المقال؟ منهم من قال بلسان الحال، والصحيح أنه بلسان المقال، ويدُل عليه قولهُ تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمد ولكن لا تفقهون تسبيحهم)، هذه الآية تدل على أنه بلسان المقال، لكن (...)، قال عن سُليمان، {وعلمنا منطق الطير} فالطير تسبح وتسبيح الله على وجوه يعلمه الله، وإن كُنا لا نُدركهُ، نعم.

عفا الله عنك

وقد سمع النبيُ -صلى اللهُ عليه وسلم- تسبيح الحصى، وورد أن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: ((إني لأعرفُ حجرًا بمكة كان يُسلمُ علي))، وكما في الحديث: أن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- لما خطب على المنبر حن الجذعُ الذي كان يخطبُ عليه سابقًا، وقال تعالى: (وإن من شيء إلا يُسبحُ بحمده ولـكن لا تفقهُون تسبيحهُم ) الآية.

قولُهُ: (ما في السماوات وما في الأرض): أي جميعُ ما في السماوات والأرض يُسبحُ لله وحده، وينـزهُه عما لا يليقُ بجلاله وعظمته، وقدم السماوات على الأرض لأنها مقدمةٌ بالرُتبة والفضل والشرف، أفاده ابنُ القيم في ((البدائع)).

فقدم الله تعالى السماوات على الارض، الشرف والفضل، فهي أشرف لأنها ناحية العلو، وأفضل، ولهذا كان مكان الملائكة، نعم.

عفا الله عنك

قولُهُ: (لهُ المُلكُ): أي هو المالكُ وحده لجميع المخلوقات النافذُ فيها أمرُه، يتصرفُ فيها كيف يشاءُ لا مُعقب لحكمه ولا راد لأمره.

قولُهُ: (يُحيـي ويُميتُ وهُو على كُل شيء قديرٌ): ففي هذه الآية دليلٌ على وجود التسبيح من جميع المخلوقات، وأنه تسبيحٌ حقيقيٌ، وأنه -سُبحانهُ- قادرٌ، على خلق الإدراك للجمادات، وقادرٌ على إنطاقها، وفيها إثباتُ جميع صفات الكمال لله -سُبحانهُ- ونفيُ كل نقص وعيب، لأن التسبيح يقتضي ذلك.

(...) نعم

عفا الله عنك

قولُهُ: (تبارك): من البركة وهو لغةً: النماءُ والزيادةُ، وتبارك فعلٌ مختصٌ بالله لم يُنطق له بمضارع.

تبارك خصٌ بالله، هذه الصفة خاصة بالله، ولهذا يغلط بعض الناس إذا زاره قال: تباركت علينا، هذا غلط، يقول: تحصل البركة، تبارك هذا وصف خاصٌ بالله، الله تعالى هو المتبارك وغيرُه المبارك، ولهذا يقال: فلان رجُلٌ مبارك، إذا كان فيه خير، او تحصُل البركة، وهذا من البركة التي جعلها الله فيه، أما أن تقول تباركت علينا، لا، ما يجوز، خاصٌ بالله، وليس لهُ فعلٌ مضارع تباركت تعلق بالماضي، وليس يتبارك، نعم.

أحسن الله إليك

قولُهُ: (الذي نزل الفُرقان): أي القرآن سُمي بذلك لأنه يفرقُ بين الحق والباطل، ومنه الفاروقُ، وفيه دليلٌ على أن القرآن منزلٌ من عند الله، وفيه دليلٌ على علُوه -سُبحانهُ- على خلقه؛ لأن الإنزال والتنـزيل لا يكونُ إلا من أعلى إلى أسفل، وأفادت هذه الآيةُ: فضل هذا الكتاب على الكُتب الأخرى.

قولُهُ: (على عبده): أي على عبده ورسوله محمد -صلى اللهُ عليه وسلم-، وهذا صفةُ مدح وثناء؛ لأنه أضافهُ إلى عبوديته ووصفه بها في أشرف مقاماته، مقام الإرسال، كقوله سُبحانهُ: (وأنهُ لما قام عبدُ الله يدعُوهُ) ومقام الإسراء كقوله سُبحانهُ: (سُبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) ومقام التـحدي كقوله سُبحانهُ: (وإن كُنتُم في ريب مما نزلنا على عبدنا) الآية، وهذه الإضافةُ إضافةُ تشريف وتعظيم، وتقدم أن المُضاف إليه -سُبحانهُ- ينقسمُ إلى قسمين: إضافةُ أعيان وإضافةُ معان، فإضافةُ المعاني إليه -سُبحانهُ وتعالى- من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، كإضافة السمع والبصر والعلم والقُدرة ونحو ذلك إليه -سُبحانهُ- من كل شيء لا يقومُ بنفسه. الثاني: إضافةُ الأعيان إليه سُبحانهُ، فإضافتُها إليه -سُبحانهُ- من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، كبيت الله وناقة الله، والحجر يمين الله وعبد الله ورسول الله ونحو ذلك.

لأنها أعيان قائمة بنفسها، فالعبد والروح روح الله وعبد الله، بيت الله نعمة الله، فهي إضافة مخلوق إلى خالقه للتشريف، نعم، وهناك إضافة عامه مثل: أرض الله، وسماء الله، هذه إضافة عامة، نعم.

وفي هذه الآية فضلُ نبينا -صلى اللهُ عليه وسلم- حيث أضافه إليه ووصفه بالعبودية التي هي من أشرف مقامات العبد.

قولُهُ: (ليكُون للعالمين نذيرًا): أي مُنذرًا، والإنذارُ: هو الإعلامُ بأسباب المخافة، فكلُ إنذار إعلامٌ ولا ينعكسُ.

نعم. فكُل إنذار إعلامٌ وليس كُل إعلام إنذار، الأعلام أوسع، والإنذار أخص، الإنذار إعلام بأسباب المخاطر وأسباب بالخوف، والإعلام إعلامٌ بأسباب الخوف وبغيرها، نعم.

قال الشيخُ تقيُ الدين بنُ تيمية رحمه اللهُ تعالى: والإنذارُ المذكورُ في الآية إنذارٌ عامٌ، فإن الإنذار ينقسم إلى قسمين: إنذار عام وإنذار خاص. والخاصُ كقوله سُبحانهُ: (إنما أنت مُنذرُ من يخشاها) وقوله: (إنما تُنذرُ من اتبع الذكر وخشي الرحمـن بالغيب) الآية.

فهذا الإنذارُ الخاصُ هو التامُ النافعُ الذي ينتفعُ به المُنذرُ، والإنذارُ: هو الإعلامُ بالخوف، فعلم المخوف فآمن وأطاع. انتهى.

ونذارتُه -صلى اللهُ عليه وسلم- تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة، فالعامةُ كما في هذه الآية، والخاصةُ كقوله سُبحانهُ: (وأنذر عشيرتك الأقربين) الآية.

قولُهُ: (ليكُون للعالمين نذيرًا): اللامُ في قوله ليكون لامُ العلة ودخولُ لام التعليل في شرعه أكثرُ من أن يُعد، ففيه دليلٌ على تعليل أفعال الله وأنه لا يفعلُ شيئًا إلا لعلة وحكمة.

قال الشيخُ تقيُ الدين: هذا قولُ السلف وجمهور المُسلمين، وجمهور العُقلاء، وقالت طائفةٌ كجهم وأتباعه: إنه لم يخلق شيئًا لشيء، ووافقه أبو الحسن الأشعريُ ومن اتبعه من الفقهاء أتباع الأئمة. انتهى.

قولُهُ: (للعالمين): المرادُ بالعالمين هنا: الجنُ والإنسُ، ففيه دليلٌ على عموم رسالته -صلى اللهُ عليه وسلم- وبعثته إلى الجن والإنس، وفيه دليلٌ على أن الجن مُكلفون ويتضمنُ الدلالة على أنهم يُثابون على الحسنات ويُجازون على السيئات، وفيه دليلٌ على أن من بلغه القرآنُ فقد قامت عليه الحُجةُ، لقوله -سُبحانهُ- وتعالى: (لأُنذركُم به ومن بلغ) الآية، ففيه الردُ على من زعم أن كلام الله ورسوله لا يفيدُ اليقين، فلو كان الأمرُ كما زعم هؤلاء المبتدعةُ لم تقم بالقرآن حُجـةٌ على المكلفين، وأفادت هذه الآيةُ الحكمة في إرسال الرُسل وإنزال الكتب.

قوله: {الذي له ملك السماوات والأرض} أي له التصرف فيهما

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد اما بعد فرفع الله قدرك قولُهُ: (الذي لهُ مُلكُ السماوات والأرض):قال الشيخ عبد العزيز الرشيد-رحمه الله-  أي له التصرفُ فيهما، والجميعُ خلقُه وعبيدُه.

قولُهُ: (ولم يتخذ ولدًا): أي لكمال غناه وقيامه بنفسه وحاجة كل شيء إليه، وافتقاره وقيام كل شيء به سُبحانهُ وتعالى.

(وخلق كُل شيء): أي أوجد وأنشأ وأبدع، وتأتي خلق بمعنى قدر، وتأتي بمعنى كذب،تاتي بعني انشأ اخترع كما قال سُبحانهُ: (وتخلُقُون إفكًا)، وقال الشاعرُ:

لي حيلةٌ فيمن يمنُ       وليس في الكذاب حيلة

من كان يخلقُ ما يقولُ      فحيلتي فيه قليلة

وقولُهُ: (وخلق كُل شيء) أي خلق كل شيء مخلوق، فيدخلُ في ذلك أفعالُ العبد، فهي خلقٌ لله وفعلٌ للعبد، ولا يدخلُ في ذلك أسماءُ الله وصفاتُه؛ لأن الأسماء والصفات تابعةٌ للذات يحتذى فيها حذوها. وعمومُ (كُل) في كل مقام بحسبه كقوله سُبحانهُ: (تُدمرُ كُل شيء بأمر ربها) أي كل شيء أُمرت بتدميره، وقولُهُ: (وأُوتيت من كُل شيء) أي من كل شيء يصلحُ للملوك فلا يدخلُ في ذلك القرآنُ؛ لأن القرآن كلامُه وهو صفةٌ من صفاته، واللهُ -سُبحانهُ وتعالى- بصفاته غيرُ مخلوق، كما في الصحيح من حديث خولة: ((من نزل منزلاً وقال أعُوذُ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضُرهُ شيءٌ حتى يرحل من منزله ذلك)) فاستعاذ بكلمات الله، والاستعاذةُ بالمخلوق شركٌ، فدل على أن كلامه -سُبحانهُ- غيرُ مخلوق كما استدل بذلك أحمدُ وغيرُه.

قال ابنُ القيم رحمهُ اللهُ في ((المدارج)): استدل الجهميةُ على خلق القرآن بهذه الآية.

الآية تقول وخلق كل شيء، نعم. يعني: الجهمية قالوا: يدخل في الكلام في عمومه، قالوا: ان كلام الله مخلوق، وهذا من أبطل الباطل، لأن الله تعالى هو الخالق،(...)، وما سواه فهو المخلوق، فلا يدخل في كلام الله او صفة من صفاته في عموم الكل، نعم.

قال ابنُ القيم رحمهُ اللهُ في ((المدارج)): استدل الجهميةُ على خلق القرآن بهذه الآية، فأجابهم السلفُ بأن القرآن كلامُه سُبحانهُ، وكلامُه من صفاته، وصفاتُه داخلةٌ في مسمى اسمه، كعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره ووجهه، فليس لله -سُبحانهُ وتعالى- أسماءٌ لذات لا نعت لها ولا صفة ولا فعل ولا وجه ولا يدين، فإن ذلك إلهٌ معدومٌ مفروض في الأذهان لا وُجود له في الأعيان، كإله الجهمية الذي فرضُوه لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل فيه ولا منفصل عنه ولا محايد ولا مباين.

يعني: المحايد ضد المباين، لا متصل ولا منفصل، المحايد الداخل، والمباين الخارج، لا داخل ولا خارج، المحايد الداخل والمباين الخارج، نعم.

أما إلهُ العالمين الحقُ هو الذي دعت إليه الرسلُ وعرفوه بأسمائه وصفاته وأفعاله فوق سماواته، بائنٌ من خلقه موصوفٌ بكل كمال منزهٌ عن كل عيب، فتجريدُ الذات عن الصفات والصفات عن الذات فرضٌ وخيالٌ ذهني لا حقيقة له. انتهى.

قولُهُ: (فقدرهُ تقديرًا): أي قدر رزقه وأجله وحياته وموته وما يصلحُ له، ففيه دليلٌ على الإيمان بالقدر، ودليلٌ على ما سبق علمُ الله -سُبحانهُ وتعالى- بالأشياء، وكتابتها، كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((قدر اللهُ مقادير الخلائق قبل أن يخلُق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشُهُ على الماء))، وفي البخاري عن عمران بن حصين رضي اللهُ عنهُما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كان الله ولم يكُن شيءٌ قبلهُ، وكان عرشُهُ على الماء، وكتب في الذكر كُل شيء، وخلق السماوات والأرض)) وفي رواية: ((ثُم خلق السماوات والأرض)) وأحاديثُ تقديره وكتابته -سُبحانهُ- لما يريدُ أن يخلُقهُ كثيرةٌ جدًا.

أفادت هذه الآيةُ عدا ما تقدم: عموم ربوبيته -سُبحانهُ وتعالى- وملكه، وأنه الإلهُ الحق وبطلان عبادة ما سواه، وأفادت الحث على التوكل؛ لأن من وقر في قلبه أن المُلك لله وأنه المتصرفُ النافعُ الضار لم يبال بأحد من الخلق، وأفادت كما ذكره بعضُهم: أن العباد لا يملكون الأعيان ملكًا مطلقًا، وإنما يملكون التصرف فيها على مقتضى الشرع، وأفادت تحريم الإفتاء بغير علم؛ لأن ربوبيته وملكهُ يمنعُ من الحكم والإفتاء بغير إذنه وبغير حكمه، وأفادت تعداد السماوات، وأنها أشرفُ من الأرض؛ لأنه قدمها، وقد تقدم كلامُ ابن القيم رحمه الله في هذا الموضوع، وفيها تنزيهُه -سُبحانهُ وتعالى- عن مشابهة المخلوقين في قوله: (ولم يتخذ ولدًا) فإن الولد عادةً يكونُ من جنس الوالد، وفيها الرد على اليهود القائلين: العزيرُ ابنُ الله، والنصارى القائلين: المسيحُ ابنُ الله، والمشركين القائلين الملائكةُ بناتُ الله، وفيها الرد على المشركين في إشراكهم معه غيره، والرد على المجوس القائلين: بأن النور خلق الخير، والظلام خلق الشر، والرد على الدهرية القائلين: ما هي إلا حياتُنا الدُنيا، وفيها الرد على القدرية القائلين: بأن العباد يخلقون أفعالهم، وتضمنت إثبات صفة العلم لله سُبحانهُ وتعالى، فإن الخالق لا بُد أن يعلم مخلوقه، إذ الخلقُ فرعُ العلم، فلا يُمكنُ الخلقُ إلا بعد العلم، قال تعالى: (ألا يعلمُ من خلق وهُو اللطيفُ الخبيرُ).

ففيها الرد على غلاة القدرية الذين نفوا علمه سُبحانهُ، فكفرهم السلفُ قاطبةً بذلك، وفيها الرد على من زعم أن العرش غيرُ مخلوق، وفيها الرد على المجبرة القائلين:إن العبد لا فعل له، وأن فعله كحفيف الأشجار أو كحركة المرتعش، وهذا باطلٌ تردهُ أدلةُ الكتاب والسُنة، بل العقلُ والفطرةُ، فإن أفعال العباد داخلةٌ في عموم كل المضافة إلى شيء، فهي مخلوقةٌ، والمخلوقُ بائنٌ ومنفصلٌ عن الخالق، فليس هو فعلُه، فإذًا لا بُد له من فاعل يقومُ به، وهم العبادُ، وكل أحد يفرقُ بين الحركة الاختيارية والاضطرارية وقد قال العلماءُ: إن من صار كالآلة لا ضمان عليه لأنه غيرُ مكلف فيلزمُ على قول هؤلاء المجبرة أن الناس غيرُ مكلفين، وهذا مما يرده أدلةُ العقل والنقل والفطرة، والأدلةُ على إثبات فعل العبد وأن له فعلاً حقيقةً يُنسب إليه على جهة الحقيقة لا على جهة المجاز أكثر من أن تُحصر، وفيها انتظامُ هذا الكون واتساقُه على أكمل نظام وأتمه، مما يدلُ دلالةً واضحةً على أن له خالقًا ومُدبرًا وهو الله سُبحانهُ.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد