.بسم الله وصلي الله وسلم علي رسول الله ومن ولاه اما بعد فغفر الله لك يقول الشيخ عبد العزيز الرقيب-رحمه الله-علي
قولُه تعالي: (ما لم يُنزل به سُلطانًا): أي برهانٌ وحجةٌ، بل أنزل البرهان والحجة في تحريمه، وأنه أعظمُ الذنوب على الإطلاق اي الشرك اعظم الذنوب علي الاطلاق هو الشرك نعم، والسلطانُ والبرهانُ والحجةُ والدليلُ ألفاظٌ مترادفةٌ، والسلطانٌ يأتي بمعنى الحجة، كما في هذه الآية، ويأتي بمعنى الملك كقوله: (هلك عني سُلطانيه) ويأتي بمعنى التسلط والسيطرة كقوله: (إنهُ ليس لهُ سُلطانٌ على الذين آمنوا) الآية.
يعني(...) الملك، ويأتي بمعني الحُجة (ما لم ينزل به سلطانا)، نعم.
قولُهُ: (وأن تقُولوا على الله ما لاتعلمون): أي وأن تقولوا على الله من الافتراء والكذب ما لا علم لكُم به، فختم هذه المحرمات بالقول على الله بلا علم؛ لأنه أصلُها وأعظمُها، وأصلُ كل بدعة وحدث في الدين، على الله بلا علم، في اسماء الله، في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وفي شرعه وفي قدره، نعم.
ففيه تحريمُ القول على الله بلا علم، في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه وقدره ووصفه بضد ما وصف به نفسه(...)
وفي هذه الآية رتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها، وهي الفواحشُ، ثم ثنى بما هو أشد تحريمًا، وهو الإثمُ والظلمُ، ثم ثلث بما هو أعظمُ تحريمًا منهما، وهو الشركُ بالله، ثم ربع بما هو أعظمُ تحريمًا من ذلك كله وهو القولُ على الله بلا علم، في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه.
نعم. القول على الله بلا علم هذا أعظم الذنوب لأنه يدخل فيه الشرك، الشرك وغيره، بلا علم في دين الله، والقول على الله بلا علم في إسماء الله او في صفاته أو في شرعه وفي دينه، نعم.
، ثم ربع بما هو أعظمُ تحريمًا من ذلك كله وهو القولُ على الله بلا علم، في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه. انتهى. من كلام ابن القيم رحمه اللهُ.
(89)قولُه تعالي: (الرحمنُ على العرش استوى): في سبعة مواضع في سورة الاعراف(ان ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوي علي العرش)وقوله تعالي (يغشي الليل النهار والشمس والقمر يطلبه حثيثا)وقوله (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره)وقوله (الا له الخلق والامر)وقوله تعالي في سورة يونس (ان ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوي علي العرش) وقال في سورة الرعد (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوي علي العرش) وقال تعالي في سورة طه(الرحمن علي العرش استوي)وقال تعالي في سورة الفرقان(ثم استوي علي العرش الرحمن)وقال في سورة السجدة (الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوي علي العرش)وقال في سورة الحديد(وهو الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوي علي العرش)قوله تعالي (الرحمن علي العرش استوي) في سبعة مواضع اي انه نص في معناه أي أنه نصٌ في معناه لا يحتملُ التأويل، وصريحٌ في أنه بذاته استوى استواءً يليقُ بجلاله وعظمته.
قولُهُ: (إن ربكُمُ اللهُ): أي هو المعبودُ وحده لا شريك له وعبادةُ غيره باطلةٌ.
قولُهُ: (الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام): خلق، أي أنشأ وأوجد، والخلقُ هو: اختراعُ الشيء على غير مثال سبق، ففيه إضافةُ الفعل والخلق إليه -سُبحانهُ- على جهة الحقيقة؛ لأنها الأصلُ، وقد رد ابنُ القيم رحمه اللهُ على من زعم أن خلقهُ وفعله مجازٌ من وجوه عديدة.
قولُهُ: (في ستة أيام): أولُها يومُ الأحد وآخرُها يومُ الجمعة.
(...)يوم الجمعة، نعم.
وفيه اجتمع الخلقُ كلهم وهذه الأيامُ كأيامنا، هذا هو المتبادرُ إلى الأذهان وهو ظاهرُ الأدلة.
قولُهُ: (ثُم استوى على العرش) أي استوى استواءً يليقُ بجلاله وعظمته.
ولهذا قال اليهود –قبحهم الله-، إن الله خلق السماوات والأرض في ستة ايام ثم تعب وأستراج يوم السبت، فأنزل الله (ولقد خلقنا السموات والارض في ستة ايام وما مسنا من لغوب)، يعني: من تعب واعياء ، والله تعالى قادر يخلقها في لحظة، هذه فيه حكم الخالق ومصالح، فيه اسرار منها: تعليم العباد الترتيب والتنظيم، إلى غير ذلك من الفوائد والأسرار التي تخفى علينا، نعم.عفا الله عنك
أي استوى استواءً يليقُ بجلاله وعظمته، لا تكيفه ولا تمثله ولا يعلمُ كيف هو إلا هو، كما قال مالكٌ: الاستواءُ معلومٌ والكيفُ مجهولٌ والإيمانُ به واجبٌ والسؤالُ عنه بدعةٌ، فقولُ مالك: الاستواءُ معلومٌ، أي في لغة العرب، وقولُهُ: والكيفُ مجهولٌ، أي كيفيةُ استوائه لا يعلمُها إلا هو، والإيمانُ به أي بالاستواء واجبٌ لتكاثر الأدلة في إثباته، والسؤالُ عنه، أي عن الكيفية بدعةٌ إذ لا يعلمُ كيفية استوائه إلا هو، فإن الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات، فكما نعلمُ أن لله ذاتًا لا تشبهُ الذوات، فكذلك يجبُ أن نُثبت له صفاتِ لا تشبهُ الصفات، فإثباتُنا للصفات إثباتُ وجود لا إثباتُ تكييف وتمثيل، إذ العلمُ بالصفة فرعٌ عن العلم بالموصوف، ولا يعلمُ كيف هو إلا هو، وكذلك يُقالُ في بقية الصفات، كصفة المجيء والنزول والإتيان والوجه واليد ونحو ذلك، فهذا الجوابُ الواردُ عن مالك رحمه الله كاف شاف في سائر الصفات.
قال الذهبيُ: فانظر إليهم كيف أثبتُوا الاستواء لله وأخبروا أنه معلومٌ لا يحتاجُ لفظهُ إلى تفسير، ونفوا عنه الكيفية، أما معنى الاستواء في اللغة فلها أربعةُ معان تأتي بمعنى علا وبمعنى ارتفع وبمعنى صعد واستقر كما قال ابنُ القيم رحمه اللهُ في كتابه المُسمى بـ (النُونية):
ولهم عباراتٌ عليها أربعٌ |
|
قد فُسرت للفارس الطعان |
وهي استقر وقد علا وكذلك ار |
|
تفع الذي ما فيه من نُكران |
وكذاك قد صعد الذي هو رابعٌ |
|
وأبو عبيدة صاحبُ الشيباني |
يختارُ هذا القول في تفسيره |
|
أدرى من الجهمي بالقرآن |
والأشعريُ يقولُ تفسيرُ استوى |
|
بحقيقة استولى على الأكوان |
يعني ابي عبيدة ناظم السنة يختار المعنى الرابع تلميذ الشيباني، نعم.
فهذه الأربعةُ التي ذكرها ابنُ القيم رحمه اللهُ هي التي تدورُ عليها تفاسيرُ السلف رحمهم اللهُ، قال البخاريُ رحمه اللهُ في صحيحه: قال مجاهدٌ: استوى علي على العرش، وقال إسحاقُ بنُ راهويه سمعتُ غير واحد من المفسرين يقولون: (الرحمنُ على العرش استوى)، أي ارتفع، وقال محمدُ بنُ جرير في قوله: (الرحمنُ على العرش استوى)، أي علا وارتفع، وشواهدُه في أقوال الصحابة والتابعين وأتباعهم معروفةٌ.
وأما تفسيرُ: (استوى) باستولى أو ملك أو قهر فهو تفسيرٌ باطلٌ مردودٌ من وجوه عديدة.وسلم علي رسول الله وعلي اله وصحبه ومن استن بسنته واهتدي بهداه اما بعد فغفر الله لك قال الامام عبد العزيز الرقيب في كلامه علي ايات الاستواء
منها: أن هذا التفسير لم يفسره به أحدٌ من السلف لا من الصحابة ولا من التابعين، بل أولُ من عُرف عنه هذا التفسيرُ بعضُ الجهمية والمعتزلة.
ثانيا: أن الاستواء في لغة العرب الذين نزل القرآنُ بلغتهم نوعان: مطلقٌ ومقيدٌ، فالمطلقُ ما لم يقيد بحرف، كقوله تعالى: (لما بلغ أشُدهُ واستوى) وهذه معناها تم وكمُل، وأما المقيدُ فثلاثةُ أنواع: أحدُها مقيدٌ بإلى كقوله: (ثُم استوى إلى السماء) وهذا بمعنى العلو والارتفاع بإجماع السلف، الثاني: مقيدٌ بعلى كقوله: (لتستوُوا على ظُهُوره) وقوله: (واستوت على الجُودي) وهذا أيضًا معناه العلو والارتفاعُ والاعتدالُ بإجماع أهل اللغة، الثالثُ: المقرونُ بواو المعية، كقولهم: استوى الماءُ والخشبة، وهذا بمعنى ساواها، فهذه معاني الاستواء المعقولة في كلامهم ليس فيها معنى استولى ألبتة، ولا نقلهُ أحدٌ من أئمة اللغة، وإنما قاله متأخرو النحاة ممن سلك طريق الجهمية والمعتزلة، مستدلين ببيت للأخطل النصراني وهو قولُهُ:
قد استوى بشرٌ على العراق من غير سيف أو دم مهراق
وهذا البيتُ ليس من شعر العرب، وأهلُ اللغة لما سمعوه أنكروه غاية الإنكار، ولم يجعلوه من لغة العرب.
ثالثا: أن معنى هذه الكلمة مشهورٌ، كما قال مالكٌ وربيعةُ وغيرُهم.
رابعا: أنه لو لم يكن معنى الاستواء في الآية معلومًا لم يحتج أن يقول: والكيفُ مجهولٌ؛ لأن نفي العلم بالكيف لا ينفي إلا ما قد علم أصلُه.
خامسا: أن الاستواء خاص بالعرش، وأما الاستيلاءُ فهو عام على سائر المخلوقات، فلو كان معنى الاستواء الاستيلاء لجاز أن يقول استوى على الماء والهواء والأرض.
سادسا: أنه أخبر بخلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، وأخبر أن عرشه على الماء قبل خلقهما، والاستواءُ متأخرٌ عن خلقهن، واللهُ مستوي على العرش قبل خلق السماوات وبعده، فعلم أن الاستواء على العرش الخاص به غيرُ الاستيلاء العام عليه وعلى غيره.
سابعًا: أنه لم يثبت في اللغة أن معنى (استوى) استولى، إذ الذين قالوا ذلك عُمدتُهم البيتُ المذكورُ، ولم يثبت نقلٌ صحيحٌ أنه عربيٌ، وغيرُ واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا بيتٌ مصنوعٌ لا يُعرفُ في اللغة، فكيف تُعارضُ أدلةُ الكتاب والسُنة ببيت شعر لنصراني، ومع ذلك لم يثبت، قال الشيخُ تقيُ الدين رحمهُ الله في (لاميته) المشهورة:
قبحًا لمن نبذ الكتاب وراءه وإذا استدل يقولُ قال الأخطلُ
وقال ابنُ القيم رحمهُ الله في كتابه النُونية:
ودليلُهم في ذاك بيتٌ قاله فيما يقالُ الأخطلُ النصراني
إلى غير ذلك من الوجوه التي ذكرها أهلُ العلم في رد وإبطال هذا التفسير، وقد أنهاها ابنُ القيم رحمه الله إلى اثنين وأربعين وجهًا.
قولُهُ: (العرش) هو لغةً: عبارةٌ عن السرير الذي للملك، كما قال تعالى عن بلقيس: (ولها عرشٌ عظيمٌ) فالعرشُ سريرٌ ذو قوائم تحملُه الملائكةُ، وهو كالقبة على العالم وهو سقفُ المخلوقات.
قال البيهقي رحمهُ اللهُ: اتفقت أقاويلُ أهل التفسير على أن العرش هو السريرُ، وأنهُ جسمٌ خلقه اللهُ وأمر ملائكته بحمله، وتعبدهُم بتعظيمه والطواف به، كما خلق بيتًا في الأرض.
(90) قولُهُ: (يُغشي): أي يغطي (الليل النهار ) فيذهبُ ظلامُ هذا بضياء هذا، وضياءُ هذا بظلام هذا، وكل منهما يطلبُ الآخر طلبًا حثيثًا، أي سريعًا لا يتأخرُ عنه، بل إذا ذهب هذا جاء هذا وعكسُه.
قولُهُ: (الشمس والقمر والنجُوم مُسخرات بأمره) أي الجميعُ تحت قهره وتصريفه ومشيئته.
قولُهُ: (ألا لهُ الخلقُ والأمرُ ): أي هو خالق كل شيء، وهذا عام فيشملُ أفعال العباد، وله الأمرُ، أي الملكُ والتصرفُ، فلا راد لأمره ولا مُعقب لحكمه، والأمرُ ينقسم إلى قسمين: أمر شرعي ديني كقوله: (إن الله يأمُرُ بالعدل والإحسان) وأمر كوني قدري كقوله: (وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مُترفيها ففسقُوا فيها) الآية. تضمنت هذه الآيةُ إثبات أنواع التوحيد الثلاثة، وأفادت الرد على الفلاسفة القائلين بقدم هذه المخلوقات،
ان ربكم هو الذي خلق، خلق مخلوقة بعد ان كانت ادم، فيقولون (...) قديمة، فهذا إنكار لوجود الله، نعم.
وأفادت عموم خلقه لهذه المخلوقات، فيشملُ ذواتها وصفاتها، وأفادت الاستدلال بهذه المخلوقات على وجود الخالق، وأفادت إثبات أسمائه وصفاته وأنه المستحق للعبادة، وأفادت إثبات صفة الخلق، وأفادت إثبات الأفعال الاختيارية اللازمة والمتعدية.
وأفادت إثبات خلق السماوات ووجودها، وأفادت تعددها، وأفادت فضل السماء على الأرض، وأفادت أن خلق هذه المخلوقات في ستة أيام، أولُها يومُ الأحد، وأفادت إثبات الاستواء على العرش استواءً يليقُ بجلاله، وتضمنت إثبات العلو لله، وأفادت أن الاستواء صفةُ فعل، وأفادت أن الاستواء خاص بالعرش، وأفادت أن العرش مخلوقٌ، وقد ثبت أن العرش مخلوقٌ عظيمٌ ذو قوائم وله حملةٌ، خلافًا للمبتدعة الذين ينفُون وجود العرش ويقولون عرشُه ملكُه فعلى قول هؤلاء المبتدعة يكون قولُهُ تعالى: (ويحملُ عرش ربك فوقهُم يومئذ ثمانيةٌ) معناه ويحملُ ملك ربك، وهذا قولٌ باطلٌ مردودٌ، وأفادت أن الاستواء على العرش بعد خلق السماوات والأرض، لأنه عقبهُ بثُم، وأفادت الرد على الجهمية وأضرابهم الذين يقولون: إن معنى استوى استولى؛ لأنه تحريفٌ وزيادةٌ في كتاب الله وحملٌ له على غير ما يحتمل، فتواردُ الأدلة على هذا المعنى نص فيه، فلا يجوزُ تأويلهُ، قال ابنُ القيم:
نونُ اليهود ولامُ جهمي هما في وحي رب العرش زائدتان
نون اليهود لما قال لهم قولو حطة قالوا حنطة، والجهمية لما قال:استوي قالو استولي زادو لام قالوا: أستولى يعني: لام، لام الجهمية مثل نون اليهود، اليهود تحريف لكلام الله ومحادثة لله ورسله، والجهمية حرفوا أستوى قالا: استولى، زادوا لام، نعم.
قال ابن القيم -رحمه الله٠-
نونُ اليهود ولامُ جهمي هما في وحي رب العرش زائدتان
قال الذهبيُ: وأولُ وقت سمعتُ مقالة من أنكر أن الله فوق عرشه هو من الجعد بن درهم، وكذلك أنكر جميع الصفات، وقتله خالدُ بنُ عبد الله القسريُ وقصتُه مشهورةٌ، فأخذ هذه المقالة عنه الجهمُ بنُ صفوان إمامُ الجهمية فأظهرها واحتج لها بالشبهات، وكان ذلك في آخر عصر التابعين، فأنكر مقالته أئمةُ ذلك العصر، مثلُ الأوزاعي وأبي حنيفة ومالك والليث بن سعد والثوري وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك ومن بعدهم من أئمة الهدى.
وأفادت الاستدلال بهذه المخلوقات على وجود خالقها ومُدبرها وأنها آيةٌ واضحةٌ، ودلالةٌ صريحةٌ على وجوده سُبحانهُ، وأنه المدبرُ والمسخرُ لهذه المخلوقات، وهي مستلزمةٌ للعلم بصفات كماله، وتضمن ذلك أنه المعبودُ الحق،وأن عبادة غيره باطلةٌ، إذ ما سواه عاجزٌ، والعاجزُ لا يصلحُ للألوهلية، وأفادت التفريق بين الخلق والأمر، وفيه الرد على الجهمية والمعتزلة القائلين بأن كلام الله مخلوقٌ، وأن خلقهُ وأمرهُ واحدٌ، ويروى عن سفيان الثوري رضي الله عنهُ أنه قال: فرق اللهُبين الخلق والأمر فمن جمع بينهما فهو كافرٌ. انتهى.
وفيها الرد على من زعم من الفلاسفة: أن العرش هو الخالقُ الصانعُ، وفيها الردُ على من زعم أن العرش لم يزل مع الله وهو مذهبٌ باطلٌ، انتهى. من (فتح الباري).بسم الله وصلي الله علي رسول الله وعلي اله وصحبه ومن استن بسنته واهتدي بهداه اما بعد فغفر الله لك
(91) قال الشيخ عبدالعزيز بن الرشيد –رحمه الله تعالى- في قولُهُ: ((اللهُ الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها): أي رفع السماوات بغير عمد بل بإذنه وتسخيره، رفعها عن الأرض بُعدًا لا يُنال ولا يُدركُ، مداها كما في حديث: ((إن بُعد ما بين السماء والأرض خمسُمائة عام، وكذلك بُعدُ ما بين السماوات)) وجاء عن بعض السلف: أن ما بين العرش إلى الأرض مسيرةُ خمسين ألف سنة، وبُعد ما بين قطريه خمسين ألف سنة، وهو من ياقوتة حمراء.
نعم. وذكر هذا بن القيم في ((النونية)) قال: أن ما بينها خمسين ألف سنة، لأن حسب السماوات السبع تكون خمسمائة وهي السماوات السبع، تزول السماوات يوم القيامة ويبقى العرش، ويكون بين العرش والأرض خمسين ألف سنة، نعم.قال علي قولُهُ: (بغير عمد ترونها): أي بغير عمد.
وقولُهُ: (ترونها): تأكيدٌ للنفي، أي هي مرفوعةٌ بغير عمد، كما ترونها. قال ابنُ كثير: وهذا هو الأكملُ في القدرة.
(92) وقولُهُ في سورة طه: (الرحمنُ على العرش استوى) إلخ الآيات – فهذه الآياتُ فيها دلالةٌ واضحةٌ على إثبات الاستواء على العرش وأنهُ استواءُ حقيقة يليقُ بجلاله وعظمته.
نعم خلافا لأهل البدع الذين أولوا الأستواء من الأشاعرة وغيرهم، قالوا: أستوى يعني: الأستيلاء، وهذا باطل، واستوى هو الأستواء الحقيقي، ومعنىى الاستواء: الأستقرار والصعود والعلو والأرتفاع ، أربعة معاني للأستواء، حقيقة ولكن الكيف لا ييعلمُها إلا هو، فهو إستواءٌ حقيقي يليق بجلاله وعظمته، لا نُكيفهُ، وليس إستيلاء كما يقول الأشاعر وغيرهم، نعم.
وفيها الرد على من زعم أن ذلك مجازٌ عن القهر أو الاستيلاء، وفيها دليلٌ على إثبات العرش وأنه مخلوقٌ، والرد على من زعم: أن معنى العرش المُلكُ.
أهل البدعة أنكروا العرش، ما في عرش، العرش معناه: الملك والقدرة، الأستواء على العرش معناه القدرة على الملك، نعم.وفيها دليل علي ان الاستواء صفة فعل وفي هذه الايات دليل علي علوه سبحانه علي خلقه فادلة الاستواء كلها ادلة علي اثبات العلو (...) الأستواء في كتابه العزيز كُها الاستواء، دلت على العلو والأرتفاع كما سبق، أستوى في سورة يونس، والرعد، وطه، سوة الفرقان، سورة الحديد، سورة السجدة، نعم.
وينقسمُ العلو إلى ثلاثة أقسام:
الأول: علو القهر. الثاني: علو القدر. الثالث: علوُالذات، خلافًا للمبتدعة الذين يُنكرون علو الذات.
كل هذه الأنواع اتصف بها الرب، علو القدر والعظمة والشأن، وعلو القهر والعظمة والسلطن، وعلو الذات، ولهذا قال بن القيم –رحمه الله تعالى-،
والفوق أنواعٌ ثلاث كلُها لله ثابتة بلا نقصان
فالفوقية ثلاثة انواع فوقية القدر وفوقية القهر وفوقية الذت، فالله فوق المخلوقات قدراً وعظمةً وسلطانًا وذاتًا، ثلاثة فوق العرش سبحانه وتعالى-، وقد أثبتوا أهل البدع نوعين من العلو: أثبتوا علو القهر، وعلو القدر، وأنكروا علو الذات، أهل البدع أقروا بنوعين وانكروا نوع، أقروا بعلو القهر والسلطان وأقروا بعلو العظمة والقهر والشان، وأنكروا علو الذات، فالفرق بينهم وبين أهل السنة علو الذات، قالوا: في كل مكان، ليس فوق العرش بل هو في كل مكان –نعوذ بالله-، وبعضهم نفوا النقيضين، قال: لا داخل العالم ولا خارجه، الجهمية المتأخرون نفوا النقيضين، وهم قدامى قالو انه حال في المخلوقات-نعوذُ بالله-، وهذا كفرٌ وضلال، نعم.عفا الله عنك
وأدلةُ العلو عقليةٌ، فقد تواطأت أدلةُ السمع والعقل على إثباته، وكذلك قد فُطر الخلقُ على إثباته، أما الاستواءُ فدليلُه سمعي فقط، وهو أيضًا صفةُ فعل.
وفي الآيات دليلٌ صحيحٌ على أن الله -سُبحانهُ- ليس هو عين هذه المخلوقات، ولا صفةً ولا جزءًا منها
كما يقول الملاحدة من الاتحاديه وغيرهم، الملاحدة الاتحادية قالوا: أن هذا المخلوق هو الخالق -نعوذ بالله- أنكروا وجود الله،هم أكثر الناس، نعم.
فإن الخالق غيرُ المخلوق، وليس بداخل فيها محصورًا، بل هي صريحةٌ في أنه مُباينٌ لها، وليس حالاً فيها، ولا محلا لها سُبحانهُ. انتهى. من كلام ابن القيم رحمه اللهُ تعالى.
قولُهُ: (يا عيسى إني مُتوفيك): أي قابضُك من الأرض ورافعُك إلي من غير موت، من قولهم توفيتُ الشيء واستوفيتُه إذا قبضتُه
يا عيسي اني موفيك ورافعك الي معناه متوفيك معناه: متوفيك، ليس المراد به الموت، وغنما المراد به هنا توفي رب، من قوله استوفيت الطعم يعني: قبضته، يعني أقابضك، وقيل انهُ قُبض وهو نائم، يعني متوفيك في النوم، أنهُ رفع وهو نائم، متوفيك يعني: رفع وهو نائم، أو توفى من التوفي وهو القبض، لقوله توفيت الطعام يعني: قبضه، (...)، في اخر الزمان، ويحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون فرد من أفراد الأمة المحمدية، ثم يتوفاه الله، لأنه كتبها عليه، ويُدفن في الأرض، نعم.
من قولهم توفيتُ الشيء واستوفيتُه إذا قبضتُه وأخذتُه تامًا، انتهى. من الخازن. والتوفي الاستيفاءُ، وهو يصلحُ لتوفي النوم ولتوفي الموت الذي هو فراقُ الروح البدن، ولم يذكر القبض الذي هو قبضُ الروح والبدن جميعًا، والصوابُ الذي عليه المحققون، أن عيسى عليه السلامُ لم يمت بحيثُ فارقت روحُه بدنه، بل هو حي مع كونه توفي. انتهى من اختيارات الشيخ تقي الدين بن تيمية.
قولُهُ: (ورافعُك إلي): أي رفعهُ اللهُ -سُبحانهُ- إلى السماء وهو حيٌ، كما قال: (وإن من أهل الكتاب إلا ليُؤمنن به قبل موته )، والضميرُ في قوله: (قبل موته) عائدٌ إلى عيسى، وذلك حين ينزلُ إلى الأرض قبل يوم القيامة، ونزولُ عيسى ثابتٌ وهو أحدُ أشراط الساعة الكبار.
وفي قوله تعالى:(وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها)، شرطٌ من أشراط الساعة نزوله في أخر الزمان، وليس وقته ببعيد، والله أعلم، نعم.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده ليُوشكن أن ينزل فيكُم ابنُ مريم حكمًا عدلا مُقسطًا فيكسرُ الصليب ويقتُلُ الخنزير ويضعُ الجزية ويفيضُ المالُ حتى لا يقبله أحدٌ)).وهذا رواه البخاري يعني صحيح حكماً: يعني بشريع نبينا محمد، فيكسر الصليب وهذا فيه إبطال ما عليه النصارى من فعلهم، ويقتُل الخنزير ويضع الجزية، (...) الجزية مقبولة إلى نزول عيسى، جعلها النبي حداً، فإذا نزل عيسى انتهى، ما يقول أنتشر الأسلام بالسيف، يخير اليهود والنصاري بين ثلاثة امور بين الاسلام وبين دفع الجزية وبين القتال، وإذا نزل عيسى أنتهت الجزية، وخيرهم بين الأسلام والسيف، الأسلام ما يقبل إلا الإسلام والسيف، قاتلهم، نعم.ويكسر الصليب الذي يعبدونه والخنزيز الذي ياكلونه، نعم.
انتهى برواية النبي صلى الله عليه وسلم، وعيسى فرض من أفراد الأمة المحمدية ما ياتي بشريعة جديدة، كل نبي أخذ الله عليه ميثاق وعلى امة محمد لتتبعنه، صار حيا فاتبعه والذي نفسي بيده لو كان موسي حيا ما وسعه الا اتباعي ، نعم.
بأن الجزية ينتهي وقتُها بنزول عيسى، نعم.
تشريع نبيُنا محمد بنزول عيسى أيي كونه حاكم، فرد من أفراد الأمة المحمدية، ولهذا يُقال، أفضل هذه الأمة من هو، أفضل هذه الأمة عيسى، نبي، نبي وهو فرد من أفراد الأمة المحمدية، أفضل هذه الأمة عيسى ثم يليه أبو بكر، هذه (...) قال: نبيٌ من أمة محمد، من هو؟ عيسى، نعم.
النبوة اعلي من الصحابي لكن لا ينطبق عليه النبي والصحابي، يلحقون به والصحابي، لكن النبوة أفضل، نعم.
وفي رواية: ((حتى تكُون السجدةُ الواحدةُ خيراً من الدُنيا وما فيها))يصلح علي تقديم الخبر تكون السجدة خبر مقدم والاولي ان تكون السجدة خيرا
يعني: والله أعلم أنهُ نزل عيسى عرف الناس قُرب الساعة و)( ..)ورغبوا في الخير والعبادة، النظر فيها، لأنهم شاهدوا الآيات وقرُب، والأمر قرُب، نعم، وليس هذا ببعيد والله أعلم، نعم.
ثم يقولُ: ((اقرءُوا إن شئتُم (وإن من أهل الكتاب إلا ليُؤمنن به قبل موته) وفي هذه الآية إثباتُ الكلام لله -سُبحانهُ- والرد على من زعم أن كلامه -سُبحانهُ-الكلام النفسي
وهم الأشاعرة، الأشاعرة يقولون الكلام كلامٌ نفسي، كلام في ذات الرب، ما تكلم، ما في من حرف ولا صوت، هذا من أبطل الباطل، الصواب أن الكلام لفظٌ ومعنى، تكلم اللهبه ولفظ، سمع به جبرائيل، حرف الصوت،لئلا يحدث لسان في ذات الرب، يبا الكلام معني، لكن الله تعالى (...) جبريل ففهم المعنى بلفظه فتكلم جبريل، جبريل هو الذي عبر بهذا القرآن أما الرب فلا ما يتكلم، وهذا باطل -نعوذ بالله-.
ومنهم من يقول: أن جبريل أخذ من اللوح المحفوظ، ومنهم يقول الذي عبر به محمد،كل هذه اقوال الأشاعرة، أقولا باطلة. فهذا قول الأشاعرة القول النفسي، والمعتزلة يقول: المخلوقة، مخلوقُ معناه، المعتزلة قالوا:كلام الله لكن مخلوق، والأشاعرة خافو ان يقولو مخلوق قالوا: لا، اللفظ مخلوق والمعنى غير مخلوق، لكن المعنى هو كلام الرب واللفظ ليس من كلام الرب، هذا القرآن معناه من الرب ولفظه من الرسول وأمر جبريل، فهو نص به المعتزلة، نعم.
وفيها دليلٌ أن الله رفع عيسى إلى السماء وقبضه إليه، وفيهما دليلٌ على علوه -سُبحانهُ- على خلقه، إذ الرفعُ لا يكون الا من أسفل إلى أعلى.
قولُهُ: (بل رفعهُ الله اليه): في هذه الآية -كالآية السابقة- دليلٌ على أن الله رفع عيسى عليه السلامُ إلى السماء وقبضهُ إليه، وفيها دليلٌ على علوه -سُبحانهُ- على خلقه، وفي هذه الآية والتي قبلها الرد على اليهود الذين تنقصُوهُ وجعلوه ابن زنا،
-قبحهم الله-والنصارى رفعوه وجعلوه بن الله - عياذًا بالله-. انظر إلى هذه الطوائف، اليهود تنقصوه وظلمو حقه ورموه بالعظائم ، وقالوا: أنه ولدٌ بغي، والنصارى رفعوه من مقام العبودية إلى مقام الربوبية وقالوا: أنه بن الله -نعوذ بالله-، ووفق الله أهل الحق فقالوا: عبدُ الله ورسوله، نعم. قال الله تعالى:(ان هو الا عبد انعمنا عليه وجعلنه مثلا لبني اسرائيل)، نعم. عبد، سماه اللهُ عبد، نعم.
والرد على النصارى الذين غلوا فيه ورفعُوه عن مقام النبوة إلى مقام الربوبية، تعالى الله عن قولهم عُلُوًا كبيرًا.
(93) قولُهُ: (إليه): أي إلى الله سُبحانهُ وتعالى. (يصعدُ): أي يرتفعُ والصعودُ: الارتفاعُ، وأما أصعد يُصعدُ بالضم فمعناه: أبعدُ في الهروب، ومنه (إذ تُصعدُون).
وقولُهُ: (الكلمُ الطيبُ): يعني الذكر والتلاوة والدعاء، قاله غيرُ واحد من السلف، انتهى. من ابن كثير.
قولُهُ: (والعملُ الصالحُ يرفعه): قال مجاهدٌ: العملُ الصالح يرفعُ الكلم الطيب. وقيل الرفعُ من صفة لله سُبحانهُ وتعالى، أي العملُ الصالح يرفعُه الله، قال سفيانُ بنُ عيينة: العملُ الصالحُ هو الخالصُ.