بسم الله الرحمان الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على رسول وعلى آله وصحبه ومن والاه، اما بعد فغفر الله لك، قال الشيخ عبدالعزيز االرشيد -رحمه الله- على قوله تعالى: (اليه يصعد الكلم الطيب والعملُ الصالحُ يرفعُهُ): قال مجاهدٌ: العملُ الصالح يرفعُ الكلم الطيب. وقيل الرفعُ من الله، أي العملُ الصالح يرفعُه اللهُ.
وهذا يدل على أن الله في العلو، لأن الرفع يكون السفل إلى أعلى، دل على ان الله في العلو، وفيه الرد على المعطلة الذين أنكروا علو الله على خلقه، نعم.
قال سفيانُ بنُ عيينة: العملُ الصالحُ هو الخالصُ، يعني أن الإخلاص يسببُ قبول العمل، كما قال سُبحانهُ: (فليعمل عملا صالحًا) الآية.
نعم. فالعمل الصالح الخالص لله يرفع إلى الله، ويكون مقبولاً، نعم.
وقال ابنُ القيم: العملُ الصالحُ هو الخالي من الرياء المقيد بالسُنة.
يعني من أجتمع فيه الأمران، يكون خالصاً لله، وصوابا على السُنة، والخالص ما فيه رياء، نعم.
في هذه الآية أيضًا دليلٌ على علو الله -سُبحانهُ- وتعالى؛ لأن الصعود والرفع لا يكونُ إلا من أسفل إلى أعلى.
قال عفا الله عنك علي قوله (وقال فرعون يا هامان ابني لي صرحا لعلي ابلغ الاسباب*اسباب السموات فاطلع الي اله موسي واني ﻷظنه كاذبا)
(وقال فرعونُ): هو ملكُ القبط في الديار المصرية، وفرعونُ لقبٌ لكل من ملك مصر.
يعني: علم، علم لكل من ملك مصر يُسمى فرعون، كما أن كل من ملك الحبشة يُسمى النجاشي، وكل من ملك الفُرس يُسمى كسرة، وكل من ملك الروم يُسمى قيصر، وكل من ملك العراق يُسمى النمرود، وكل من ملك اليمن كذلك يُسمى تُبع، وهكذا، هذه أعلام، نعم.
قولُهُ: (يا هامانُ): أي قال فرعونُ لوزيره هامان (ابن لي صرحًا): أي قصرًا عاليًا منيفًا.
وكان هامان وزيرا لفرعون، نعم.
قولُهُ: (لعلي أبلُغُ الأسباب): أسباب: مفردُه سببٌ، والسببُ يأتي بمعنى الحبل كقوله: (فليمدُد بسبب إلى السماء ) والطريق ومنه قولُهُ (فأتبع سببًا) والباب كقوله: (أسباب السماوات).
يعني: أبواب السماوات، فالسبب لهُ معاني، يأتي منها الباب ويأتي منها الحبل، ويأتي بمعنى الطريق (فاتبع سببا)، نعم.
قولُهُ: (أسباب السماوات): أي طرقها وأبوابها وما يُؤدي إليها، وكل ما أدى إلى شيء فهو سببٌ إليه كالرشا ونحوه.
الرشاء: الحبل الذي يُربط بالدلو، على إخراج الماء، وأما الرُشا بالضم فهي جمع رشُوه، وهي الرشُوة التي تثدفع إلى الحاكم او الموظف، هذه الرشوة، وأما الرشَا بالفتح: ولد الغزال، هذه اللفظة تختلف معناها بالشكل فقط، وذكرها قطرب في مثلثه، الرُشا جمع رشوة، والرِشا: الحبل، والرشَا: ولدُ االغزال، روشا ورشا ورشوة، نعم.
قولُهُ: (فأطلع): بالنصب على جواب الشرط أي أصعد، والاطلاعُ هو الصعودُ.
قولُهُ: (إلى إله مُوسى وإني لأظُنهُ كاذبًا): أي في دعواه أن له إلها غيري، وأنه أرسله، ففي هذه الآية دليلٌ على أن موسى عليه السلامُ كان يقولُ: ربه في السماء وفرعونُ يظنه كاذبًا، فمن نفى العلو من الجهمية فهو فرعوني، ومن أثبتهُ فهو مُوسويٌ محمديٌ.
نعم. لأن موسى أخبر فرعون بان الله في السماء، ولذلك قال فرعون لوزيره هامان، قال:(لعلي اطلع الي اله موسي واني ﻷظنه كاذبا) ،لأنهُ أقسم موسى ان الله في العلو، وبعض الجهمية الذين ينفون العلو عكسواالقضية، قالوا: الذي يثبت العلوة معناه على مذهب فرعون، لن فرعون يقول لوزيره هامان (لعلي اطلع الي اله موسي)، لأن فرعون مثبت العلو، انظر كيف عكسوا القضية، يعني المعطلة عكسوا القضية، فحرفوا الآية، وقالوا الذي يُثبت العلو على مذهب فرعون، فرعون يُثبت العلو، نصوا من هذه أثبات العلو، اثبات العلو أن يكون الله مجسم وتلك دعواهم، فرعون مجسم، وأن الله في السماء محدود علي محدود، ولهذا قال فرعون لوزيره هامان،(ابني لي سرحا لعلي ابلغ الاسباب)، وهذا باطل، لأن فرعون أراد أن يُكذب موسى، حينما أفهمه أن الله في العلو فقال لوزيره هامان: (ابني لي سرحا لعلي اطلع الي اله موسي)فأُكذبه في دعواه أن الله في العلو، وأنه ليس لهٌ غيري، نعم.
فأصل إلى إله موسى فيما زعم ان الله في العلو، أردا أن يُكذب موسى فقط، نعم.
يعني أصعد أصعد حتى أتوصل، نعم. نعم من أنكر العلو فهو كافرٌ بالعموم، اما الشخص المعين هذا لهُ شبهة فأولوه، نعم.
الجهمية في هذا الزمن مشوا علي طريقة الجهمية، هذا بعض الجهمية الان الموجودين يؤلفون بعض الكتب نصوا على طريقة الجهمية، كرر هذا بعض الجهمية الموجود في الشام، يُسمى السقاف، قرر هذا، قرر أن الآية ان الله في العلو فهو على مذهب فرعون، نعم، فالجهمية المعاصرون على طريقة الجهمية السابقون، نعم.
ففيها دليلٌ على إثبات علو الله -سُبحانهُ- على خلقه، وأن موسى عليه السلام أخبر أن ربه في السماء، وعلو الله -سُبحانهُ- على خلقه مما تواطأ على إثباته العقلُ والنقلُ وفطر اللهُ عليه الخلق، وأدلةُ إثبات العلو كثيرةٌ جدًا تزيدُ على ألف دليل.
نعم. وقال ابن القيم: تزيد على ثلاثة ألاف، تزيد عن ثلاثة ألاف، يعني: إفرادُها، افراد الأدلة، يعني: النصوص التي فيها الرفع والتي يكون فيها الصعود والنصوص التي فيها أثبات ان الله في اللسماء والنصوص الأستواء ونصوص الفوقية والنصوص التي فيها الأشارة، كثيرة افرادها كثيرة، لكن انواعها، كل نوع(...) تحت أفراد، الأستواء (...)، نعم.
قيل لعبد الله بن المبارك كيف نعرفُ ربنا؟ فقال: بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائنٌ من خلقه، وقال الأوزاعي: كُنا والتابعون متوافرون نقولُ: إن الله تعالى بائنٌ من خلقه، ونؤمنُ بما وردت به السُنةُ، وقال أبو عمرو الطلمنكي في كتاب (الأصول): أجمع المسلمون من أهل السُنة على أن الله استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز، ثم ساق بسنده عن مالك قال: الله في السماء وعلمُهُ في كل مكان، ثم قال في هذا الكتاب: أجمع المسلمون من أهل السُنة أن معنى قوله: (وهُو معكُم أين ما كُنتُم) ونحو ذلك من القرآن أن ذلك علمُه.
وأحاطته واطلاعه ونصوص صدرت بمشيئته انه فوق العرش هذه معية عامة، وهناك معية خاصة للمؤمنين، كقوله (ان الله مع الذين اتقو والذين هم محسنون) (ان الله مع الصابرين) (لا تحزن ان الله معنا): ، معية حفظ ونصر وكلائه وتأييد، اما المعية العامة فهي عامة للمؤمن والكافر، فهو معهم بعلمه وإحاطته، ونفوذ قدرته ومشيئته، نعم.
قال: أجمع المسلمون من أهل السُنة أن معنى قوله: (وهُو معكُم أين ما كُنتُم) ونحو ذلك من القرآن أن ذلك علمُه، وأن الله فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء، هذا لفظُه في كتابه، وهذا كثير في كلام الصحابة والتابعين، والأئمةُ أثبتوا ما أثبتهُ الله في كتابه على لسان رسوله على الحقيقة فيما يليق بجلاله وعظمته، ونفوا عنه مشابهة المخلوقين ولم يُمثلُوا أو يُعطلُ
(95) قولُهُ وقال علي قوله: (أأمنتُم من في السماء ان يخسف بكم الارض فاذا هي تمور* ام امنتم من في السماء ان يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير): قوله (أأمنتم) من الأمن وهو ضد الخوف.
قولُهُ: (من في السماء): أي أأمنتم عقاب من في السماء، وهو الله إن عصيتُموه، وهذا عند أهل السُنة على أحد وجهين.
الأول: أن تكون ((في)) بمعنى على.
الثاني ان يراد بالسماء العلو لايختلفون في ذلك ولا يجوز الحمل علي غيره
قولُهُ: (أن يخسف بكُمُ): أي كما خسف بقارون.
قولُهُ: (فإذا هي تمُورُ): أي تضطربُ وتتحركُ.
قولُهُ: (أم أمنتُم من في السماء أن يُرسل عليكُم حاصبا): أي ريحٌ شديدةٌ سُميت بذلك لأنها ترمي الحصباء.
قولُهُ: (فستعلمُون كيف نذيرٌ): أي إذا رأيتُم ذلك علمتم كيف إنذاري حين لا ينفعُكم العلمُ. ففي هذه الآية إشارةٌ إلى التحذير من الأمن من مكر الله، وفي هذه الآية دلالةٌ واضحةٌ على علو الله -سُبحانهُ- على خلقه، وقد تواترت في ذلك الأدلةُ واتفقت على إثبات العلو جميعُ الرسل، وذكر ابنُ القيم أن أدلة العلو تزيدُ على ألف دليل، وينقسمُ العلو إلى ثلاثة أقسام كما تقدمت الإشارةُ إلى ذلك: علو القدر، علو القهر، علو الذات، فله العلو الكاملُ من جميع الوجوه، قال ابنُ القيم رحمه اللهُ في (النونية):
إن العلو بمطلقه على التعـ |
|
ميم والإطلاق بالبرهان |
وله العلو من الوجوه جميعها |
|
ذاتًا وقهرًا مع علو الشان |
وعلوه فوق الخليقة كلها |
|
فُطرت عليه الخلقُ والثقلان |
كلٌ إذا ما نابه أمرٌ يُرى |
|
متوجهًا بضرورة الإنسان |
نحو العلو فليس يطلبُ خلفه |
|
وأمامهُ أو جانب الإنسان |
وقال في موضع اخر(...)كلها ثابتة لله بلا نقصان وكذلك الفوقيةُ فإنها ثابتةٌ لله سُبحانهُ وتعالى، قال الله تعالى: (يخافُون ربهُم من فوقهم)، وقولُهُ: (وهُو القاهرُ فوق عباده) وهي من صفات الذات. وفوق وعلا بمعنًى واحد، وفوقيته -سُبحانهُ- ثابتةٌ كعلوه، تواطأت على إثباتها أدلةُ العقل والنقل والفطرُ التي لم تتغير.
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله وسلم وبارك علي رسول الله اما بعد فغفر الله لك قال الشيخ عبدالعزيز الرشيد-رحمه الله-
فوقية الذت يعني: ان الله سبحانه وتعالى ذاته فوق العرش، وهو بمعنى العلو، والعلو كذلك، الله تعالى عالي فلهُ العلو في ذاته فوق العرش وله العلو عظمته وسلطانه، وله العلو في قدره وشانه، والفوقية: فوقية الذات، يعبدون ربهم من فوقهم، نعم.
وأقسامُ الفوقية ثلاثةٌ:
فوقيةُ القدر و فوقيةُ القهر. فوقيةُ الذات.
مثل العلو، علو الذات وعلو القهر وعلو القدر، وأهل البدع وافقوا على نوعين، وهي فوقية القهر والسلطان ، وفوقية العظمة والشأن، وانكروا فوقية الذات، نعم.
خلافًا للجهمية والمعتزلة الذين ينكرون فوقية الذات، قال ابنُ القيم رحمه الله في (النُونية):
والفوقُ وصفٌ ثابتٌ بالذات من |
|
كل الوجوه لفاطر الأكوان |
لكن نفاةُ الفوق ما وافوا به |
|
جحدُوا كمال الفوق للرحمان |
بل فسرُوه بأن قدر الله أعـ |
|
لي لا بفوق الذات للديان |
قالوا وهذا مثلُ قول الناس في |
|
ذهب يُرى من خالص العقيان |
وهو فوق جنس الفضة البيضاء لا |
|
بالذات بل في مقتضى الأثمان |
والفوقُ أنواعٌ ثلاثٌ كلها
|
|
لله ثابتةٌ بلا نكران |
هذا الذي قالوا وفوق القهر والـ |
|
فوقية العليا على الأكوان |
قال ابنُ القيم رحمه الله: ومما ادعى المعطلةُ مجازهُ الفوقيةُ، وقد ورد به القرآنُ مطلقًا بدون حرف، ومقترنًا بحرف.
فالأولُ كقوله: (وهُو القاهرُ فوق عباده) في موضعين. والثاني: كقوله سُبحانهُ: (يخافُون ربهُم من فوقهم) وفي حديث الأوعال: ((والعرشُ فوق ذلك والله فوق العرش لا يخفى عليه شيءٌ من أعمالكُم)) وحقيقةُ الفوقية علو ذات الشيء على غيره، فادعى الجهمي أنه مجازٌ في فوقية الرتبة والقهر، كما يُقالُ الذهبُ فوق الفضة، وهذا وإن كان ثابتًا للرب لكن إنكار حقيقة فوقيته -سُبحانهُ- وحملها على المجاز باطلٌ من وجوه عديدة: أحدُها: أن الأصل الحقيقةُ والمجازُ خلاف الأصل.
الثاني: أن الظاهر خلافُ ذلك إلى أن قال.
الثالثُ: أن الفطر والعقول والشرائع وجميع كُتُب الله المُنزلة على خلاف ذلك، وساق وجوهًا عديدةً في إبطال ما ذكروه والرد عليهم في (الصواعق).الصواعق المرسله علي الجهمية والمعطلة ﻷبن القيم ويوجد له مختصر اعلام الموجود ووجد الاصل لكنه خط ايضا وحقق في ثلاث مجلدات مكتوب عليه الدخيل حقق في رسالة دكتوراه
(96) قولُهُ: (هُو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثُم استوى على العرش يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم اينما كنتم والله بما تعملون بصير ) فيه إثباتُ الأفعال الاختيارية للرب سُبحانهُ، وهي تنقسمُ إلى قسمين: لازمة كالاستواء والمجيء والنزول ومتعدية يعني: ما تتعدى إلى غير المخلوقات مثلما في الخلق فان الخلق يتعدي إلى المخلوق، اما الأستواء ما يتعدى، لازم النزول والمجيء ما يتعدى،صفة الخلق والرزق والأماته والإحياء،تتعدى، لها أثار منها اثار الخلق والمخلوق، منها اثار الرزق والمرزوق، لكن المجيء ما فيه أثار لازم، النزول لازم، والاستواء لازم، نعم.
ومتعدية كالخلق والرزق والإحياء والإماتة ونحو ذلك، فهو -سُبحانهُ- موصوفٌ بالنوعين وقد جمعهُما في هذه الآية،(...)وفيها بيانُ أن الخلق غيرُ المخلوق؛ لأن نفس خلقه السماوات والأرض غيرُ السماوات والأرض.
نعم الخلق صفة صفته سبحانه، والمخلوق المخلوق المفصل، السماوات هذه مخلوقة، الله تعال خلق السماوات والارض، فالخلق صفة الله، صفةٌ من صفاته، والمخلوق وهي السماوات منفصلة، المخلوق منفصل، فالخلق غير المخلوق، خلافاً لأهل البدع الذين قالوا: الخلق هو نفس المخلوق، أنكروا وصف الله، قالوا: الخلق هو المخلوق ليس هناك خلقٌ ولا مخلوق، فالخلق هو المخلوق وهو السماوات، أنكروا صفة الرب بالفعل، نعم.
وفيها دليلٌ على مُباينة الرب -سُبحانهُ- لخلقه، فإنه لم يخلقه في ذاته، بل خلقهم خارجًا عن ذاته، ثم بان عنهم باستوائه على عرشه، وهو يعلمُ ما هم عليه فيراهُم وينفذُه بصرُه فيهم ويحيطُ بهم علمًا وقدرةً وإرادةً وسمعًا وبصرًا، وهذا معنى كونه معهم أينما كانوا.
وهو معهم بعلمه واطلاعه وأحاطته، ونفوذ قدرته ومشيئته فيه، وهو فوق العرش، فهو سبحانه فوق العرش وهو مع عباده بعلمه وأطلاعه وأحاطته ونفوذ قدرته ومشيئته فيهم ، لكنه ليس مختلط بالمخلوقات سبحانه وتعالى، فهو فوق العرش، لكن يدبر، يُدبرهم ويراهم وتنفذ قدرته مشيئته فيهم، فلا يمتنع عنه شيء سبحانه وتعالى (انما امره اذا اراد شئ ان يقول له كن فيكون)، نعم.
قولُهُ: (وهُو معكُم): أي معكُم بعلمه، وقد حكى غيرُ واحد الإجماع على أن المراد بهذه: معيةُ العلم ولا شك في إرادة ذلك، فعلمهُ بهم وبصرهُ نافذٌ فيهم، فهو -سُبحانهُ- مطلعٌ على خلقه لا يغيبُ عنه من أمورهم شيءٌ، فإن ((مع)) في لغة العرب لا تقتضي أن يكون أحدُ الشيئين مختلطًا بالآخر، كقوله سُبحانهُ: (اتقُوا الله وكُونُوا مع الصادقين) وجاءت المعيةُ في القرآن عامةً وخاصةً، فالعامةُ كما في هذه الآية، فافتتح الكلام بالعلم وختمهُ بالعلم، فدل على أنه معهم بالعلم، ولهذا قال ابنُ عباس والضحاكُ وسفيانُ وأحمدُ والثوري: وهو معهم بعلمه.
أما المعيةُ الخاصةُ فكقوله: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هُم محسنُون) فهو مع المتقين دون الظالمين، فلو كان معنى المعية أنهُ في كل مكان بذاته لتناقض الخبرُ الخاص والعامُ، بل المعنى أنه مع هؤلاء بنصره وحفظه وتأييده دون أولئك.
وقد أخبر في هذه الآية وغيرها: أنهُ -سُبحانهُ- مع خلقه مع كونه مستويًا على عرشه، وقرن بين الأمرين كما قال سُبحانهُ: ((هُو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثُم استوى على العرش) الآية، فأخبر أنه استوى على عرشه وأنه مع خلقه، يُبصرُ أعمالهم من فوق عرشه، كما في حديث الأوعال، فعلو -سُبحانهُ- لا يُناقضُ معيته، ومعيتُه لا تُبطلُ عُلُوهُ، فكلاهما حق فهذه الآيةُ فيها إثباتُ صفة الخلق كما تقدم، وفيها الرد على من زعم قدم هذه المخلوقات، وأنها لم تزل ولا تزالُ، وفيها إثباتُ الأفعال الاختيارية، وفيها أن هذه المخلوقات خُلقت في ستة أيام، وفيها إثباتُ الاستواء، وفيها إثباتُ العرش، وفيها دليلٌ على أن الاستواء صفةُ فعل، وفيها دليلٌ على إثبات صفة العلم، ودليلٌ على شمول العلم لكل شيء من الكليات والجزئيات.
خلافاً لأهل البدع الذين يقولون يعلم الكلية ولا يعلم الجزئية، نعم. يقولوا: يعلم النجوم ويعلم الكواكب لكنه لايلعم عدد الكواكب ولا عدد النجوم، هذه جزئيات، نعم.
وفيها إثباتُ معيته -سُبحانهُ- لخلقه وأنها لا تناقضُ عُلوه واستواءه على العرش، بل كلاهما حقٌ.
يعني اهل البدع ضربو النصوص بعضها ببعض، أبطلوا نصوص الفوقية بنصوص المعية، وقالو أن الرب مختلق بالمخلوقات، وتركوا نصوص الفوقية التي تزيد علي ثلاثة الآف دليل نسال الله السلامة نعم.
وفيها إشارةٌ إلى الندب إلى استحضار قربه واطلاعه كما في الحديث: ((الإحسانُ أن تعبُد الله كأنك تراهُ، فإن لم تكُن تراهُ فإنهُ يراك) بسم الله وصلي الله وسلم علي رسول الله ومن استن بسنته واهتدي بهداه اما بعد قال الشيخ عبد العزيز الرشيد علي قوله تعالي علي قوله تعالي (ما يكون من نجوي ثلاثة الا هو رابعهم ولا خامسة الا هو سادسهم ولا ادني من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اينما كانو ثم ينبئهم بما عملو يوم القيامة ان الله بكل شئ عليم)
(97) قولُهُ: (ما يكُونُ): أي يوجدُ فكان تامةٌ.
قولُهُ: (من نجوى ثلاثة إلا هُو رابعُهُم ولا خمسة إلا هُو سادسُهُم): النجوى إسرارُ ثلاثة، فالنجوى الإسرارُ.
قولُهُ (رابعُهُم): لما كان -سُبحانهُ وتعالى- ليس من جنس خلقه جعل نفسهُ رابع الثلاثة وسادس الخمسة، إذ هو غيرُهم بالحقيقة، والعربُ تقولُ: رابعُ أربعة وخامسُ خمسة لما يكونُ فيه المضافُ إليه من جنس المضاف، فإذا كان المضافُ إليه من غير جنسه قالوا رابعُ ثلاثة وسادسُ خمسة ونحوُ ذلك، أفاده ابنُ القيم في (الصواعق).
قولُهُ: (إلا هُو معُهم): أي مُطلعٌ عليهم يسمعُ كلامهم ويعلمُ سرهُم ونجواهم، ورسلُه مع ذلك تكتبُ ما يتناجون به مع علمه وسمعه.
هذه إثبات المعية فيه اثبات صفة المعية لله عز وجل، وان الله مع خلقه، والمعية معيتان:
معية عامة كما في الآية، والمعية العامة للمؤمن والكافر، معية إحاطة واطلاع،وهو سبحانه وتعالى مع جميع الخلق بعلمه سبحانه وأطلاعه وأحاطته ونفوذ قدرته ومشيئته ورؤيته من فوق عرشه وهو فوق العرش يبحانه وتعالى.
ومعيةٌ خاصة بالمؤمنين، والمعية تقتضي الكلائة والنصروالحرص واللتأييد والتوفيق والتسديد لقوله تعالى لنبيه (لا تحزن ان الله معنا)وهما في الغار، وقوله لموسى وهارون:(انني معكما اسمعا واري)وقوله(ان الله مع الصابرين)(ان الله مع الذين اتقو والذين هم محسنون)،هذه معية خاصة بالمؤمنين، وتأتي في سياق المدح والثناء، وأما المعية العامة فتأتي بسياق المجُازاة والمُحاسبة والتخويف،(ما يكون من نجوي ثلاثة رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادني من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اينما كانو ثم ينبئهم بما عملو يوم القيامة ان الله بكل شئ عليم)، يعنيي يُجازيهم،
كما قال سُبحانهُ: (أم يحسبُون أنا لا نسمعُ سرهُم ونجواهُم بلى ورُسُلُنا لديهم يكتُبُون ) قال ابنُ كثير رحمه الله: ولهذا حكى غيرُ واحد الإجماع على أن المراد بهذه الآية معيةُ علمه سُبحانهُ، ولا شك في إرادة ذلك، ولكن سمعهُ أيضًا مع علمه بهم، وبصرهُ نافذٌ فيهم، فهو -سُبحانهُ- مُطلعٌ على خلقه لا يغيبُ عنه من أمرهم شيءٌ.
-سبحانه وتعالى-، ولأن الله أفتتح الآية بالعلم واختتمها بالعلم،دلت علي معية علم قال:(الم تر ان الله يعلم ما في السموات والارض ان الله بكل شئ عليم)، نعم.
قولُهُ: ( ثُم يُنبئُهُم): أي يخبرُهم يوم القيامة بجميع أعمالهم، قال تعالى: (ووجدُوا ما عملُوا حاضرًا ولا يظلمُ ربك أحدًا).
قولُهُ: (إن الله بكُل شيء عليمٌ): قال الإمامُ أحمدُ: افتتح الآية بالعلم واختتمها بالعلم، وقال أبو عمر بنُ عبد البر رحمه الله: أجمع العلماءُ من الصحابة والتابعين الذين حُمل عنهم التأويلُ – أي تفسيرُ القرآن – قالوا في تأويل قوله: (ما يكُونُ من نجوى ثلاثة إلا هُو رابعُهُم ولا خمسة إلا هُو سادسُهُم ) الآية هو على عرشه وعلمه بكل مكان، وما خالفهُم في ذلك من يحتج بقوله.
يعني: هو على العرش سبحانه وتعالى- بذاته وعلمه بكل مكان، لا يخلوا منه مكان فسمعه وبصره ومشيئته وهو سبحانه فوق العرش، نعم.
(98) قولُهُ: (إذ يقُولُ لصاحبه لا تحزن إن الله معنا):
هذه المعية الخاصة، نعم.
قولُهُ: (إذ يقُولُ لصاحبه لا تحزن إن الله معنا):كان هذا القولُ عام الهجرة، لما هم المشركون بقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- أو حبسه أو نفيه فخرج منهم هاربًا صحبهُ صديقُهُ وصاحبُهُ أبُو بكر، فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلبُ الذين خرجُوا في آثارهم
هذه معيةٌ خاصة لأبي بكر رضي الله عنه وهذه مزية خاصة ﻷبي بكر (اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا)مزية خاصة لم تحدث لعمر عمر ما أسلم إلا بعد ذلك هذه منقبة للصديق،(...)رضي الله عنه، نعم.
كان هذا القولُ عام الهجرة، لما هم المشركون بقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- أو حبسه أو نفيه فخرج منهم هاربًا صحبهُ صديقُهُ وصاحبُهُ أبُو بكر، فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلبُ الذين خرجُوا في آثارهم ثم يسيرون نحو المدينة.ثلاثة ايام باتو في الغار حتي هدء الطلب ثلاثة ايام خلاص هم جاؤو حتي يهدأ الطلب من شدتهم وطلبهم وركضهم فلما هدأ الطلب كان قد واعد ماهر خريتا يدله الطريق، وكذلك أيضا الصاحب ليرعى الناقتين،اتاه بعد ثلاث، ثم سافر، نعم.
فخاف أبو بكر على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجعل النبي-صلى الله عليه وسلم- يُسكنهُ ويُثبتهُ ويقُول: ((ما ظنك باثنين الله ثالثُهُما)) كما روى الإمامُ أحمدُ في مسنده عن أنس-رضي الله عنه-أن أبا بكر حدثهُ قال: قلتُ للنبي -صلى الله عليه وسلم- ونحنُ في الغار: لو أن أحدهُم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه. وذلك انهم جائوا في الغار، قالوا: لعله يكن في الغار أيضاً لكن من حفظ الله لنبيه جائت حمامة وعششت على باب الغار وعنكبوت، وجائت حمامة وباضت أيضًا، فلما شافو العش قالو ما فيه احد، لو كان فيه احد ما فيه احد، ما يمكن تأتي بيضة تبيض وفيه ناس، ولا يمكن لعنكبوت تعشش على باب الغار، هذا من حماية الله لنبيه ووقايته، نعم.
هذا المشهور عند المؤرخين على كل حال ما يضر، ما يضر ثبوته أو عدم ثبوته لكن يكون من حماية الله لنبيه، نعم.
فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما ظنك باثنين الله ثالثُهُما)) أخرجاه في الصحيحين، ولذلك قال العلماءُ: من أنكر صحبة أبي بكر فهو كافرٌ ﻷنكاره كلام الله وليس ذلك لغير ابي بكر
ﻷنه مُكذب لله، ومن كذب الله كفر كما قال في القرآن(اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا)، والصاحب هو أبو بكر،
ولذلك قال العلماءُ: من أنكر صحبة أبي بكر فهو كافر لإنكاره كلام الله وليس ذلك لغير أبي بكر.
قولُهُ: (لا تحزن): الحزنُ هو ضد السرور.
وقولُهُ: (إن الله معنا): أي بنصره وحفظه وكلاءته، ومن كان الله معه فلا خوف عليه.
قولُهُ: (إنني معكُما أسمعُ وأرى) قد تقدم الكلامُ على هذه الآية الكريمة فارجع إليه.
وقولُهُ: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هُم مُحسنُون): أي معهم بنصره وحفظه وتأييده، وهذه معيةٌ خاصةٌ، وأما المعيةُ العامةُ فبالسمع والبصر والعلم كما تقدم في قوله: (وهُو معكُم أين ما كُنتُم) فهي مقتضيةٌ لتخويف العباد منه.
(99)وقال علي قولُهُ: (واصبرُوا إن الله مع الصابرين): في هذه الآية الأمرُ بالصبر وهو دليلٌ على وجوبه، وهو شاملٌ لأنواع الصبر الثلاثة، فإن حذف المعمول يُؤذنُ بالعموم.
ولم يقُل اصبروا على كذا وعلى كذا، إلا أنهُ عام صبرٌ على طاعة الله وصبرٌ على محارم الله، وصبرٌ على اقدار الله اصبرو علي الاقدار المؤلمة واصبرو علي الطاعة واصبرو علي ترك المعصية، إن الله مع الصابرين، نعم.
وقال علي قولُه تعالي: (إن الله مع الصابرين): أي بحفظه ونصره وتأييده، وهذه معيةٌ خاصةٌ.
وقال علي قولُه تعالي:(كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله والله مع الصابرين) (فئة): أي جماعة، وهي جمعٌ لا واحد له من لفظه.
قولُهُ: (بإذن الله): أي بقضائه وإرادته ومشيئته.
وهذا أذنٌ كوني قدري، لله الكون القدري، والأذن سبق غير مرة ان يكون قدري ويكون شرعي، فهذه الآية أذنٌ لله ومن قوله تعالى:علي السحرة (وما هم بضارين به من احد الا بأذن الله)، هذا كوني، واما اﻷذن الشرعي:فمثل قوله تعالي ما قطعتم من لينة او تركتموها قائمة علي اصولها فبأذن الله )يعني: بأذن الله،الشرعي فمن الصحابة من قطع لما حاصروهم بنو النضير فمن ابطأ(...)ومن قطع ﻷغاظة اليهود، والله تعالى أقر الفريقين، نعم.
أفادت هذه الآيةُ -كالآية السابقة- الحث على الصبر، وأنه أعظمُ سبب في تحصيل المقصود، وفيه أيضًا المعيةُ الخاصةُ للصابرين، وأن الله ضمن لهم النصر، وفي حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((واعلم أن النصر مع الصبر)) وفيها أن النصر من عند الله -سُبحانهُ- وتعالى، لا عن كثرة عدد ولا عُدة، وإنما تلك أسبابٌ.
العدد والعُدة أسباب والنصرُ من الله، كما قال الله تعالى:(وما جعله الله الا بشري لكم ولتطمئن به قلوبكم وما النصر الا من عند الله)جعل الله الملائكة لعون المؤمنين من باب البُشرى وإلا النصر من عند الله،(...) لابد من فعلها نعم.
وقد أمر الله-سُبحانهُ وتعالى- بتعاطيها واتخاذها كما قال سُبحانهُ: (وأعدوا لهُم ما استطعتُم من قُوة) أفادت هذه الآياتُ المتقدمةُ إثبات المعية، فالآيتان الأوليان فيهما إثباتُ المعية العامة، والخمسُ الآيات الأخيرةُ فيها إثباتُ المعية الخاصة، ومعيتُه -سُبحانهُ- لا تنافي علوه على خلقه واستوائه على عرشه، بل تجامعُه، فإن قربه -سُبحانهُ- ومعيته ليست كقرب المخلوق ومعيته (ليس كمثله شيءٌ وهُو السميعُ البصيرُ).