.بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم وبارك علي رسول الله اما بعد فغفر الله لك
(المتن)يقول الشيخ عبد العزيز الرشيد -رحمه الله تعالى- على قولُ شيخ الاسلام مثل قوله -صلي الله عليه وسلم-: ((ينزل ربنا إلى السماء الدُنيا)): الحديث، هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة.
وهذا مما تواترت فيه الأدلة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرواه نحو من ثمانية وعشرين نفسا من الصحابة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فينزل-سُبحانهُ- نزولا يليق بجلاله وعظمته، لا نعطله ولا نشبهه بنزول خلقه، ليس كمثله شيء، فيجب الإيمان بذلك إيمانا خاليا من التعطيل والتمثيل.
(الشرح)نعم، وهو من الصفات الفعلية،من صفات الله الفعلية،وهو فعله سبحانه الله اعلم بكيفيته وهو فوق العرش، أختلف العلماء على ثلاثة أقوال، هل يخلوا العرش، قيل يخلوا وقيل: لا يخلوا، وقيل بالتوقف،والواضح انه لا يخلو وهو سبحانه فوق العرش وينزل نزولا يليق بجلاله وعظمته، لأنه ليس كنزول المخلوق،الله اعلم بكيفيته، نعم
(المتن)قولُهُ: ((فأستجيب له)): بالنصب على جواب الاستفهام، وقيل: بالرفع على الاستئناف، وكذا ما بعده، أفاد هذا الحديث فوائد:
الأولى: فيه إثبات نزول الرب إلى السماء الدُنيا كل ليلة كما يليق بجلاله وعظمته، فنثبت النزول لله حقيقة، وأما كنه نزوله وكيفيته فلا يعلمها إلا هو -سُبحانهُ- كما قال مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول، وكذلك يقال في النزول والإتيان والمجيء وغير ذلك من صفاته الفعلية والذاتية.
ثانيا: فيه إثبات العلو لله سُبحانهُ، فإن النزول والتنزيل والإنزال هو مجيء الشيء والإتيان به من علو إلى أسفل، هذا هو المفهوم من لغة العرب، قال تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء طهُورا).
ثالثا: فيه الرد على الجهمية والمعتزلة المنكرين لنزوله -سُبحانهُ وتعالى- زعما منهم أن هذا من مجاز الحذف، والتقدير ينزل أمره أو رحمته، وهذا باطل من وجوه عديدة:
الأول: أن الأصل عدم الحذف.
الثاني: أنه قال من يدعوني فأستجيب له، فهل أمره أو رحمته تقول من يدعوني، هذا مما لا يعقل أن يكون القائل له غير الله، فلم يكن إلا نزوله -سُبحانهُ- بذاته، هذا هو صريح الأدلة والمعقول.
الثالث: أنه حدد لنزوله ثلث الليل الآخر، ولو كان أمره أو رحمته لم يحدد ذلك بثلث الليل، فإن أمره ورحمته ينزلان كل وقت.
(الشرح)نعم. نزول الرحمة كل وقت، ومخاصة بالثلث الأخير من الليل، نعم.
(المتــن) الرابع: فيه إثبات أفعال الله الاختيارية.
الخامس: فيه إثبات القول لله -سُبحانهُ وتعالى-.(...)
السادس: فيه إثبات أن كلامه -سُبحانهُ- بحرف وصوت، إذ لا يعقل النداء إلا ما كان حرفا وصوتا.
(الشرح)نعم وفيه الرد على الأشاعرة الذين يقولون: أن كلام الله معنى ليس بحرف ولا صوت، نعم.
(المتن)قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ومن البدع التي أنكرها أحمد في القرآن قول من قال: إن الله تكلم بغير صوت، وأنكر هذا القول وبدع قائله، وقد قيل: إن الحارث المحاسبي إنما هجره أحمد لأجل ذلك. انتهى.
(الشرح)يعني الإنكار لكلام الله، نعم.
(المتن)السابع: فيه إثبات أن صفة الكلام صفة فعلية، كما أنها من الصفات الذاتية أيضا.
(الشرح)نعم من الصفات الذاتية لأنها قائمة بذات الرب، وأما من الصفات الفعلية لتعلقُها بالمشيئة والاختيار، نعم.
(المتن)الثامن: فيه الرد على الجهمية وأضرابهم القائلين: بأنه -سُبحانهُ- في كل مكان بذاته، فلو كان في كل مكان لم يقل ينزل ربنا.
(الشرح)نعم يعني: في كل مكان كيف ينزل؟ نعم.
(المتن)التاسع: أن صفة النزول من الصفات الفعلية، ودليله النقل كما تقدم.
العاشر: فيه الرد على من زعم أن الذي ينزل ملك من الملائكة، فإن الملك لا يقول: من يسألني فأعطيه، فإن هؤلاء الجهمية المعطلة الذين ينفون نزوله -سُبحانهُ- وينفون كلامه يقولون زعما منهم إن هذا مجاز، والتقدير في قوله: فيقول أي فيأمر ملكا يقول ذلك عنه، كما يقال: نادى السلطان، أي أنه أمر مناديا، ويقولون فيما ثبت أنه قال ويقول وتكلم ويكلم مما لا حصر له، كل هذا مجاز، وقولُهُم باطل من وجوه، منها: أن المنادي عنه غيره، كمنادي السلطان يقول: أمر السلطان بكذا، لا يقول إني آمركم بكذا وأنهاكُم عن كذا، والله-سُبحانهُ- يقول في تكليمه موسى: (إنني أنا الله لا إله إلا أنا) والحديثُ فيقول: ((من يدعوني فأستجيب له)) وإذا كان القائل ملكا قال -كما في الصحيحين-: ((إذا أحب الله عبدا نادى في السماء يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل وينادي في السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبهُ أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض)). فقال في ندائه عن الله إن الله يحب فلانا فأحبوه، وفي نداء الرب يقول: من يدعوني فأستجيب له ؟
فإن قيل: فقد روي أنه يأمر مناديا فينادي، قيل هذا ليس في الصحيح، فإن صح أمكن الجمع بين الخبرين بأن ينادي هو ويأمر مناديا ينادي، أما أن يُعارض بهذا النقل الصحيح المستفيض الذي اتفق أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول مع أنه صريح بأن الله هو الذي يقول:((من يدعوني فأستجيب لهُ؟)) فلا يجوز الاحاديث متواترة. انتهى. من كلام شيخ الإسلام تقي الدين بتصرف.
الحادي عشر: فيه دليل على امتداد هذا الوقت أي وقت النزول الإلهي إلى إضاءة الفجر.
الثاني عشر: فيه الحث على الدعاء والاستغفار في جميع الوقت المذكور.
الثالث عشر: فيه دليل على فضل الدعاء.
الرابع عشر: فيه دليل على نفع الدعاء، والرد على جهلة المتصوفة القائلين بأن الدعاء لا ينفع، وهو قول مردود بأدلة الكتاب والسنة مع أدلة العقل، فإن المشركين كانوا يعرفون نفع الدعاء، قال تعالى: (فإذا ركبُوا في الفُلك دعوُا الله مُخلصين لهُ الدين) الآية. فضلا عن غيرهم.(....)اكتفاء بالقدر.
الخامس عشر: فيه أن الدعاء من أفضل الطاعات، فلا يجوز صرفه لغير الله، ومن دعا غير الله فهو مشرك كافر.
السادس عشر: الدعاء لغة: السؤال والطلب سواء كان بلسان الحال أو بلسان المقال، فالدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء عبادة ودعاء مسألة. فالأول: هو سائر الطاعات من تسبيح وتكبير وتهليل وغير ذلك؛ لأن عامل ذلك هو سائل في المعنى، والثاني: هو دعاء المسألة، وهو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو دفع ضر.
(الشرح)يعني: إذا دعا بالسؤال قال: اللهم أغفر لي هذا دعاء مسألة، وإذا صلى وصام هذا دُعاءُ عبادة، ﻷنه يطلب الثواب في المعنى، نعم
(المتن)السابع عشر: إن الدعاء والاستغفار وغيرهما من أنواع العبادات يختلف فضلها بحسب الزمان والمكان.
(الشرح)نعم. ثُلُث الليل الأخر يستجاب فيه الدعاء،افضل من غيره نعم.
(المتن)الثامن عشر: إن ثلث الليل الآخر مظنة الإجابة وإن آخر الليل أفضل للدعاء والاستغفار، ويشهد له قولُهُ تعالى: (والمُستغفرين بالأسحار)، وقال: (كانُوا قليلا من الليل ما يهجعُون) وفيه أن الدعاء في ذلك الوقت مجاب، وتخلف الإجابة عن بعض الداعين قد يكون بسبب إخلال ببعض شروط الدعاء.
التاسع عشر: فيه تفضيل صلاة الوتر آخر الليل، لكن ذلك في حق من طمع أن يقوم آخر الليل، وفيه تفضيل صلاة آخر الليل.
العشرون: فيه تلطفه -سُبحانهُ- بعباده ورحمته بهم وكونه -سُبحانهُ- يأمرهُم بدعائه واستغفاره.بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم وبارك علي رسول الله واله وصحبه اجمعين اما بعد قال شيخ الاسلام رحمه الله تعالي
وقولُهُ -صلى الله عليه وسلم-: (( لله أشدُ فرحًا بتوبة عبده من أحدكُم براحلته)) الحديثُ مُتفق عليه.
(الشرح)رواه الشيخان، وفيه إثبات الفرح لله عز وجل، كما يليق بجلاله وعظمته، وهو من الصفات الفعلية، نعم.
(المتن)قولُهُ: (الحديث): أي اقرأ الحديث على النصب، والمصنف رحمهُ الله ذكر الشاهد من الحديث، ففيه إشارة إلى أنه لا يرى بأسا باختصار الحديث، وقد صرح علماء الفقه بجوازه بشروط ذكرها علماء الفن في كُتبهم.
قولُهُ: (متفق عليه): أي رواه البخاري ومسلم، وهذا من حديث أبي هريرة وأنس رضي الله عنهما، وفي رواية لمسلم: ((لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)). انتهى.
(الشرح)(اللهم أنت عبدي وأنا ربُك) هذه كلمة كُفرية لكنه لم يقصد، غير قاصد، قالها مُخطئًا، مُندهشًا بسبب شدة الفرح، من شدة الفرح اندهش، وسبق لسانُهُ، يُريد أن يقول اللهم أنت ربي وانا عبدُك، قال: اللهم أنت عبدي وانا ربُك، فلو كان متعمدًا قاصدًا لكان كُفرًا، فدل على انهُ من تلكم بكلمة الكُفر مُخطئًا، مندهشًا فلا يكفر، لأنهُ ليس لهُ قصد، نعم.
(المتن)قال ابن القيم رحمهُ اللهُ: الفرح لذة تقع في القلب بإدراك المحبوب ونيل المشتهى.
(الشرح)هذا فرح المحبوب، لذة تقع في القلب بسبب إدراك المحبوب ونيل المطلوب يجد لذة في قلبه، أما في الفرح الذي يتصف به بالرب فإنه وصف يليق بجلاله وعظمته لا يُماثله احد من خلقه الله أعلم بكيفيته، نعم.
(المتن)فيتولد من إدراكه حالة تسمى الفرح والسرور، قال: والفرح صفةُ كمال، ولهذا يوصف -سُبحانهُ- بأعلى أنواعه وأكملها، كفرحه -سُبحانهُ- بتوبة عبده، إلى أن قال: والفرح بالشيء فوق الرضا به، فإن الرضا طمأنينة وسكون وانشراح، والفرحُ لذة وبهجة وسرور، فكلُ فرح راض، وليس كلُ راض فرحا.
(الشـرح) يعني فوق الرضا، الرضا: لذة وسكون وانشراح الصدر، طمأنينة وسكون، والفرح لذة زيادة على الطمأنينة فيه لذة، نعم.
(المتــن) انتهى. (مدارجُ).
وقولُهُ: (براحلته): الراحلةُ من الإبل ما كان صالحا لأن يرحل.
وقولُهُ: (للهُ أشدُ فرحا): اللامُ لامُ الابتداء والفرحُ تقدم كلامُ ابن القيم-رحمه الله- فيه، في هذا الحديث فوائدُ. منها إثباتُ الفرح لله -سُبحانهُ وتعالى-، كما يليقُ بجلاله وعظمته، وهذه الفرحةُ منهُ فرحةُ إحسان وبر ولطف، لا فرحةُ محتاج إلى توبة عبده منتفعا بها، فإنه -سُبحانهُ- لا تنفعه الطاعةُ ولا تضره المعصيةُ.
ثانيا: أن فرحه -سُبحانهُ- يتفاضل. ثالثا: فيه فضل التوبة إلى الله -سُبحانهُ- وتعالى. رابعا: أنه -سُبحانهُ- يقبلُ توبة عبده ويفرحُ بها إذا وقعت على الوجه المعتبر شرعا.
خامسا: فيه دليل على أن الإنسان إذا جرى على لسانه كلمةُ كفر من شدة دهش ونحو ذلك أو حكى كفرا أنهُ لا يكفر بذلك ولا يؤاخذ به.
(الشـرح) نعم. ولهذا يقول العلماء: حاك الكُفر فلا يكفر، حاك الكفر، إذا حكى مقالة كُفرية عن غيره فلا يكفر، وفي هذا من تكلم بكلمة الكُفر غيرُ قاصد فالمخطئ ُبسبب الدهشة فلا يكفر، أعد.
(المتـن) قال ابن القيم رحمهُ اللهُ: وفي الحديث من قواعد العلم "أن اللفظ الذي يجري على لسان العبد خطأ من فرح شديد أو غيظ شديد ونحوه لا يؤاخذ به"، ولهذا لم يكن كافرا بقوله: أنت عبدي وأنا ربك.
قال شيخ -الإسلام رحمه الله تعالى-: وقولُهُ -صلى اللهعليه وسلم-: ((يضحكُاللهُ إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهُما يدخُلُ الجنة)) مُتفق عليه.
قال الشيخ عبد العزيز الرشيد -رحمه الله تعالى-وقولُهُ -صلى اللهعليه وسلم-: ((يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهُما يدخُلُ الجنة)) مُتفق عليه.
أي من حديث أبي هريرة، وتمامه (يُقاتلُ هذا في سبيل الله فيُقتلُ ثُم يتُوبُ الله على القاتل فيستشهدُ)). انتهى. وروى هذا الحديث أحمدُ ومالك والنسائيُ وابنُ ماجة وابنُ حبان ورواه البيهقيُ في (الأسماء والصفات).
وفي هذا الحديث فوائدُ:
أولا: إثباتُ الضحك لله -سُبحانهُ- كما يليقُ بجلاله وعظمته.
ثانيا: فيه فضلُ الجهاد في سبيل الله، وعظم أجر المجاهد، وقد تكاثرت الأدلةُ في الحث على الجهاد في سبيل الله.
ثالثا: فيه فضلُ القتل في سبيل الله، وأن المقتول في سبيل الله يدخلُ الجنة قال ابنُ عبد البر: يستفادُ من الحديث أن كل من قتل في سبيل الله يدخلُ الجنة.
رابعا: فيه أن القتل في سبيل الله يكفرُ الذنوب.
خامسا: فيه أن التوبة تأتي على سائر الذنوب حتى ذنب القتل.كلاهما يدخل الجنة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم وبارك علي رسول الله واله وصحبه اجمعين اما بعد فغفر الله لك
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: وقولُهُ -صلى الله عليه واله وسلم-: ((عجب ربُنا من قُنُوط عباده وقُرب غيره، ينظُرُ إليكُم أزلين قنطين، فيظلُ يضحكُ يعلمُ أن فرجكُم قريب)). حديث حسن.
(الشـرح) نعم. فيه إثبات صفة العجب، وإثبات صفة الضحك لله عز وجل، والصفتان فعليتان كما يليق بجلاله وعظمته، نعم.
(المتن)قال الشيخ عبدالعزيز الرشيد-رحمه الله تعالي- على قوله صلي الله عليه وسلم ((عجب ربُنا)) إلى أخره: هذا الحديث رواهُ أحمدُ، وابنهُ عبدُ الله في حديث طويل ولفظهُ ((ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره)) إلى أخره.
قولُهُ: ((عجب)) العجب لغة: استحسانُ الشيء ويكونهذا العجب عجب المخلوق اما عجب الخالق لاستقباح الشيء.
قولُهُ: ((من قنوط عباده)): القنوطُ هو شدةُ البأس.
قولُهُ: ((وقرب غيره)): أي تغييره الحال من حال شدة إلى حال رخاء.
قولُهُ: ((أزلين)): الأزل بالسكون: الشدةُ والضيق، والأزل على وزن كتف: هو الذي أصابهُ الأزلُ واشتد به الحالُ حتى كاد يقنط، وهذا الحديثُ كقوله –سُبحانهُ وتعالى: (وهُو الذي يُنزلُ الغيث من بعد ما قنطُوا وينشُرُ رحمتهُ) والمعنى أنهُ -سُبحانهُ وتعالى- يعجبُ من قنوط عباده عند احتباس القطر عنهم، وقنوطهم ويأسهم من الرحمة، وقد اقترب وقتُ فرجه ورحمته لعباده بإنزال الغيث عليهم، وتغييره لحالهم وهم لا يشعرون فعند تناهي الكرب يكونُ الفرجُ كما قيل: ((اشتدي أزمةُ تنفرجي)) وكما في الحديث: ((وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا)) ففي هذا الحديث كغيره من الأحاديث المتكاثرة جدا إثباتُ الضحك والعجب لله -سُبحانهُ وتعالى- حقيقة كما يليقُ بجلاله وعظمته، والأحاديثُ في إثبات الضحك لله -سُبحانهُ وتعالى- متواترة، وفيه الردُ على المعطلة من الجهمية والمعتزلة وغيرهم الذين ينفون الضحك والعجب ويؤولون ذلك بتأويلات فاسدة، وفيه إثباتُ النظر لله –سُبحانهُ وتعالى- وكلُ هذه من الصفات الفعلية فنثبتها لله -سُبحانهُ وتعالى- حسب ما جاءت بذلك الأدلةُ المتكاثرةُ، وليس في إثبات هذه الصفات محذور ألبتة، فإنه ضحك ليس كمثله شيء، وعجب ليس كمثله شيء، وحكمهُ حكمُ رضاهُ ومحبتهُ وإرادتهُ وسمعهُ وبصره وسائرُ صفاته.
(الشرح)نعم. الباب واحد، البابُ الصفات كلُها تُثبت لله كما يليق بجلاله وعظمته، نعم. (المتن)فالبابُ واحد لا تمثيل ولا تعطيل، فالقولُ في الصفات كالقول في الذات، فكما أننا نعتقدُ أن لله ذاتا لا تشبهُ الذوات فالصفاتُ يحذى فيها حذو الذات، والصفات حكمها واحد، وبابها واحد، فإذا أثبتنا بعضا ونفينا البعض الآخر تناقضنا؛ لأن الأدلة التي أثبتت تلك الصفة هي التي ثبت بها النوع الآخر من الصفات، فإثبات بعض ونفي بعض تناقض.
قولُهُ: ((حديث حسن)): الحسنُ اصطلاحا: هو ما عرف مخرجهُ واشتهرت رجالُه، وشروطهُ شروطُ الصحيح، إلا أن الضبط يكون أقل وأخف من الصحيح، وهذا هو الحسن لذاته، وأما الحسن لغيره فهو ما اختلت فيه شروطُ الصحيح
(الشرح)وشروطه شروط الصحيح: يعني شروطه يكون السند مُتصل والرواة يكن عدول وثقاه، وضابطه، إلا أنهُ يُخف الضابط، هذا الفرق بين الحسن لذاته، رواية الصحيح ضابطون، رواية الحسن أخف ضبط، نعم.
(المتن)إلا أن الضبط يكون أقل وأخف من الصحيح، وهذا هو الحسن لذاته، وأما الحسن لغيره فهو ما اختلت فيه شروط الصحيح لكن انجبر بمجيئه من طرق أخرى، والحسن يشارك الصحيح في الاحتجاج به.
(الشـرح) نعم. مثل: فيه مُدلس أو فيه انقطاع أو فيه سيء الحفظ، هذا هو الحديثُ الضعيف، إذا أنتفت الرخصة أنجبر، جبره له مُتابع أو شواهد جبر به، نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلي الله وسلم وبارك علي رسول الله وعلي اله وصحبه ومن استن بسنته واهتدي بهداه الي يوم الدين اما بعد فغفر الله لك يقول الشيخ عبدالعزيز الرشيد-رحمه الله تعالي- علي قول شيخ الاسلام-رحمه الله-
وقولُهُ صلى الله عليه واله وسلم: (( لا تزالُ جهنمُ يُلقى فيها وهي تقُولُ: هل من مزيد؟ حتى يضع ربُ العزة فيها رجلهُ [ وفي رواية: قدمهُ ] فينزوي بعضُها إلى بعض، فتقولُ: قط قط )) متفق عليه وقولُهُ:
قال -رحمه الله- قولُهُ: ((لا تزال جهنم)): إلى أخر هذا الحديث، رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك، وتمامهُ ((وتقول قط قط وعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ لها خلقا آخر فيسكنهم الله في فضول الجنة)).
(الشرح)وهذا ما رواه في صحيح مسلم بهذا اللفظ((لا تزال جهنم يلقي فيها حتي يضع الجبار فيها قدمه وفي رواية رجله فينزوي بهضها الي بعض وتقول وعزتك وكرمك وفيها ان العزة من صفات الله والكرم من صفات الله، العزة ملك العزيز والكرم ملك الكريم، الكريم مُستمل على صفة الكرم، والعزيز مُشتمل على صفة العزة،رب العزة والجلاله(سبحان ربك رب تاعزة عما يصفون) نعم.
(المتن)قولُهُ: ((جهنم)): هو علم على طبقة من طبقات النار، أعاذنا اللهُ منها، قال يونس أو أكثر النحويين: هي أعجمية لا تنصرف للعجمة والتعريف.
(الشرح)يعني: لجهنم أعجمية لا تنصرف للعجمة والتعريف، نعم.هذا معني الانصراف الاعجمية للعجمة والتعريف نعم.
(المتن)قيل: سميت بذلك لبعد قعرها.
قولُهُ: ((يلقى فيها)): أي يطرح ((وهي تقول هل من مزيد)) أي هل من زيادة تطلب الزيادة لسعتها وبعد قعرها.
(الشرح)مر في الحديث الأن: ((حجر أُلقي به مُنذ سبعين سنة، فوصل قعرها بعد سبعين سنة -نسأل الله السلام- نعم.
(المتن)قال ابن القيم رحمه اللهُ: وأخطأ من قال إن ذلك للنفي، أي ليس من مزيد، فإن الحديث الصحيح يردُ هذا التأويل. انتهى.
قولُهُ: ((فتنزوي)): أي ينضم بعضها إلى بعض، قال في المصباح زويته أي جمعته.
قولُهُ: ((فتقول قط قط)): هو اسم فعل بمعنى حسبي أي يكفي، هذا الحديث فيه دليل على إثبات النار وأنها مخلوقة، وفيه إثبات كلام النار وأنها تتكلم، وهل هذا الكلام بلسان المقال أم بلسان الحال، فيه قولان أصحهما الأول، للحديث ولأن الأصل الحقيقة، فإن الله -سُبحانهُ وتعالى- يخلق فيها إدراكا، والله على كل شيء قدير، وفيه دلالة على عظم سعة النار وعمق قعرها بحيث تسع كل عاص لله من حين خلق الله الخلق وتطلب الزيادة.
ولما كان من مقتضى رحمته أن لا يعذب أحدا بغير جرم وكانت النار في غاية السعة حقق وعده، فيضع عليها قدمه، فيتلاقى طرفاها ولا يبقى فيها فضل عن أهلها، وأما الجنة فيبقى فيها فضل عن أهلها فينشئُُ الله لها خلقا آخرين، كما ثبت ذلك في الحديث، وفي الحديث دليل على إثبات القدم والرجل لله -سُبحانهُ وتعالى- كما يليق بجلاله وعظمته.
قال محيي السنة -رحمه الله تعالى-: القدم والرجل في الحديث من صفات الله المنـزهة عن التكييف، فالإيمان بها فرض، والامتناع عن الخوض بها واجب، فالمهتدي من سلك طريق التسليم، والخائضُ فيها زائغ، والمنكر معطل، والمكيف مشبه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. انتهى، وفي الحديث الرد على المعطلة الذين نفوا صفة القدم لله وأولوا ذلك بنوع من الخلق، وأولوا قولهُ في الرواية الثانية التي فيها إثبات الرجل لله، وقالوا هذا كما يقال رجل من جراد، وما زعموه من هذه التأويلات الفاسدة مردودة من وجوه:
أولا: أن الأصل الحقيقةُ.
ثانيا: أنه قال: حتى يضع ولم يقل حتى يلقي، كما قال في قوله: ((ولا يزال يلقي فيها)).
ثالثا: أن قولهُ قدمه لا يفهم منه هذا لا حقيقة ولا مجاز، إلى غير ذلك من الوجوه التي ذكرها الشيخ تقي الدين وغيره في إثبات صفة القدم لله -سُبحانهُ وتعالى- حقيقة، كما يليق بجلاله وعظمته، والرد على من زعم غير ذلك.