(المتــن) قال شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- وقولُهُ -صلى الله عليه وسلم-: (( ألا تأمنُوني وأنا أمينُ من في السماء )). حديث صحيح
قال الشيخ عبد العزيز الرشيد -رحمه الله- قولُهُ: ((ألا تأمنُوني)): إلى أخره هذا الحديثُ أخرجه في الصحيحين عن أبي سعيد الخُدري قال: بعث علي من اليمن بذُهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها، فقسمها رسولُ الله -صلى اللهُ عليه وسلم- بين أربعة: زيد الخير، والأقرع بن حابس، وعُيينة بن حصن، وعلقمة بن علاثة أو عامر بن الطُفيل شك عمارةُ، فوجد من ذلك بعض الصحابة من الأنصار وغيرهم، فقال رسولُ الله -صلى اللهُ عليه وسلم-: ((ألا تأمنُوني وأنا أمينُ من في السماء، يأتيني خبرُ السماء صباحًا ومساءً)) أخرجه البخاريُ ومُسلم.
(الشـرح) وهذا ليتألفوا مع الإسلام، هؤلاء رؤساء قبائل دخلوا في الإسلام جديد فقسم بين هذه الذُهيبة حتى يتقوى إيمانهم، وأما الأنصار الصحابة الذين أسلموا قديمًا وثبت الإيمان في قلوبهم، لا ليسوا بحاجة، ولهذا تركهم ولم يُعطيهم بل أعطى ضُعفاء الإيمان حتى يتقوى إيمانُهم، فكان بعض الناس يتكلم، فقال: كيف يُعطي هؤلاء ولسنا منهم؟ فقال النبي: ألا تأمنونني وأنا أمين وحي السماء، يأتي خبر السماء صباحًا ومساءًا، النبي صلى الله عليه وسلم لم يُقسم للهوى ولا للشهوة ولا للمحابة، وإنما ليتألف على الإسلام والمسلمين، نعم.
(المتــن) قولُهُ: ((ألا تأمنُوني)): ألا: أداةُ استفتاح.
قولُهُ: ((وأنا أمينُ من في السماء)): أي أمينُ الله -سُبحانهُ وتعالى- الذي في السماء على تبليغ شرعه ودينه. قيل إن القائل للنبي -صلى اللهُ عليه وسلم- هو ذو الخويصرة اليمنيُ، فاستأذنه بعضُ الصحابة في قتله، فقال النبيُ -صلى اللهُ عليه وسلم-: ((دعهُ فإنهُ يخرُجُ من ضئضئ هذا، -أي من جنسه– قوم تُحقرُون صلاتكُم مع صلاتهم، وقراءتكُم مع قراءتهم، يمرُقُون من الدين كما يمرُقُ السهمُ من اليرمية، فأينما لقيتُمُوهُم فاقتُلُوهُم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهُم)) الحديث.
(الشـرح) وهم الخوارج، لأنهم يأخذ من أصل هذا أو من جنس هذا يعني هذا أصل الخوارج هذا الرجل، تميم الذي أعترض على النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا هو أصل منشأ مذهب الخوارج، ي هذه النبتة، هذه البادرة السيئة، هذا الرجل الذي أعترض على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبر عنه علامات النبوة، ((دعهُ فإنهُ يخرُجُ من ضئضئ هذا، -أي من جنسه– قوم تُحقرُون صلاتكُم مع صلاتهم، وقراءتكُم مع قراءتهم، يمرُقُون من الدين كما يمرُقُ السهمُ من الرمية، فأينما لقيتُمُوهُم فاقتُلُوهُم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهُم)) وهم الخوارج، نعم.
(المتــن) فأولُ بدعة وقعت في الإسلام فتنةُ الخوارج، وكان مبدؤُهم بسبب الدُنيا حين قسم النبيُ -صلى اللهُ عليه وسلم- غنائم حُنين.
(الشـرح) يعني: أول بدعة بدعة الخوارج بدأت في عهد النبي -صلى الله عيه وسلم- سببُها المال، يعني لما قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- الذُهيبة قال: أعدل، فأول بدعة، نعم.
(المتــن) فأولُ بدعة وقعت في الإسلام فتنةُ الخوارج، وكان مبدؤُهم بسبب الدُنيا حين قسم النبيُ -صلى اللهُ عليه وسلم- غنائم حُنين، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة. ففاجئوه بهذه المقالة، ثم كان ظهورُهُم في أيام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقتلهُم في النهروان، ثم تشعبت منهم شعوب وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشرة، ثم حدثت بعدهم بدعةُ القدرية.
(الشـرح) فتنة القدرية في أواخر عهد الصحابة، في أخر عهد الصحابة، وأدركهم بن عمر، شُغل بن عمر فتبرأ منهم، وقال: لو أنفق أحد مثل أُحد ذهبً ما قبل منهُ حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، فاذن فتنة الخوارج هذه أصلُها في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم بدعة القدرية في أخر عهد الصحابة، ثم بعد ذلك القدرية والجهمية، ثُم المُعتزلة رأسهم (...) بن عطاء وعمر ببن عُبيد، وكان في عصر التابعيين، وكان من تلامذة الحسن البصري، فاعترض عمر بن عطاء ببن عبيد على شيخه لما جائه سائل وسأله عن الحسن البصري عن الرجل الذي يعمل معهُ ماذا يكون، قال: يكون مؤمن ضعيف الإيمان يكون فاسق، فاعتزل محسن بن عطاء في الحلقة وقال: لا أقول مؤمن ولا أقول كافر، فجعل يقرر فسُمي في هذا الوقت معضلة المعتزلة لأنهم اعتزلوا مجلس الشيخ حسن البصري، نعم.
يُنسب مع بدر الجهمي، يُقال لأن أصله يُسمى (السنوسي) كذا أو كذا فهذا أصل هذا، لكن في الإسلام أول من أحدثها مع بدر الجهمي و(...) في البصرة ، يُقال سنوسي أو يهودي أو كذا أصله، نعم.
(المتــن) ثم المعتزلة، ثم الجهمية، وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادقُ المصدوقُ -صلى اللهُ عليه وسلم-.
(الشـرح) نعم الجهمية أصلُها قبل ذلك الجعد بن درهم، لما انكر الكلام كُله، انكر أن يكون الله كلم موسى تكليما وأتخذ الله إبراهيم خليلا، قتله خالد بن عبد الله القصري (...)، ثم بعدها الجهم، ويكون الترتيب الخوارج ثم القدرية ثم المعتزلة ثم الجهمية، ثم ماذا بعده.
(المتــن) وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادقُ المصدوقُ -صلى اللهُ عليه وسلم- في قوله: ((وستفترقُ هذه الأمةُ على ثلاث وسبعين فرقةً كُلُها في النار إلا واحدةً)) قالُوا: وما هُم يا رسُول الله؟ قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)) أخرجهُ الحاكمُ في مستدركه، أفاد هذا الحديثُ فوائد:
أولاً: ما كان عليه -صلى اللهُ عليه وسلم- من الصبر والتحمُل لأذى المُنافقين.
ثانيًا: تركُ النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- هذا المنافق وغيره استبقاءً لانقيادهم وتأليفًا لقلوبهم، فإنه -صلى اللهُ عليه وسلم- لما استأذنه بعضُ الصحابة في قتل بعض المنافقين قال: ((معاذ الله أن يتحدث الناسُ أن مُحمدًا يقتُلُ أصحابهُ)).
ثالثًا: فيه دليل لمن لم يُكفرُ الخوارج، قال النوويُ - رحمه الله - : ومذهبُ الشافعي وجماهير أصحابه وجماهير العلماء أن الخوارج لا يُكفرون، وكذلك القدريةُ والمعتزلةُ وسائر أهل الأهواء.انتهي.
(الشـرح) وقال شيخ الإسلام، وبعض من الصحابة أن الخوارج لا يُكفرون، وروي عن الإمام أحمد أنهُم يكفرون في رواية وكذلك القدرية، (...) انكروا (...) المراد المتوسطة، سائر الأهواء أهل البدع، الأصل انهم لا يُكفرون هذا الأصل، إلا من كانت بدعته مُكفرة، نعم فكُلُ مذهب واحد ، نعم.
(المتــن) رابعًا: فيه دليل على علو الله على خلقه، فقولُهُ: ((في السماء)) فُسرت "في" بمعنى على، أو أن المراد بالسماء العلوُ، ولا تنافي بين التفسيرين، وقد تقدم، فليس معنى قوله ((في السماء)) أن السماء تُظلُه أو تُقلُه أو تحيطُ به أو تحويه، فإن هذا ما لا تُوجبُه اللُغةُ، وخلافُ ما فطر اللهُ عليه الخلق.
قال الشيخُ تقيُ الدين رحمه اللهُ في (الرسالة الحموية): ثم من توهم أن كون الله في السماء تحيطُ به وتحويه فهو كاذب إن نقله عن غيره وضال إن اعتقده في ربه، وما سمعنا أحدًا يفهمُه من اللفظ، ولا رأينا أحدًا نقله عن أحد، ولو سُئل سائرُ المسلمين هل يفهمون من قول الله ورسوله أن الله في السماء أن السماء تحويه لبادر كلُ أحد أن يقول هذا شيء لعله لم يخطُر ببالنا، وإذا كان الأمرُ هكذا فمن التكلُف أن يُجعل ظاهرُ اللفظ شيئا مُحالاً لا يفهمُهُ الناسُ منه ثم يريدُ أن يتأوله، بل عند المسلمين أن الله في السماء وهو على العرش شيء واحد، إذ السماءُ إنما يُراد به العلوُ، فالمعنى أن الله في العلو لا في السُفل، وقد علم المسلمون أن كرسيه -سُبحانهُ- وسع السماوات والأرض، وأن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وأن العرش خلق من مخلوق الله لا نسبة له إلى قُدرة الله وعظمته، فكيف يتوهمُ متوهم بعد ذلك أن خلقًا يحصرُه أو يحويه، وقال اللهُ -سُبحانهُ وتعالى- عن فرعون: (لأُصلبنكُم في جُذُوع النخل)، وقال: (فسيرُوا في الأرض) بمعنى على، ونحو ذلك، وهو كلام عربي حقيقةً لا مجازًا. انتهى.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالي وقولُهُ -صلى الله عليه سلم- والعرشُ فوق ذلك واللهُ فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه) حديث حسن رواه أبو داود وغيره.
(الشـرح) وفيه إثبات الفوقية لله عز وجل، وأن الله تعالى فوق العرش، والعرش فوق المخلوقات، وأدلة العلو والفوقية تزييد أفرادها على ثلاثة ألاف، كما قال بن القيم -رحمه الله- ومع ذلك أنكرها أهل البدع، وقالوا: أن الله مختلط بالمخلوطات، -تعالى الله عما قالوا علوا كبيرا-، نعم.
(المتــن) قال الشيخ عبد العزيز بن الرشيد على قولُهُ: ((والعرشُ فوق ذلك)): إلى أخره: هذا الحديثُ رواهُ أبو داود وغيرُه من حديث العباس بن عبد المطلب، ولفظُ أبي داود عن العباس بن عبد المطلب قال: كنتُ في البطحاء في عصابة فيهم رسولُ الله -صلى اللهُ عليه وسلم- فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال: ((ما تُسمُون هذه؟)) قالوا: السحاب، قال: ((والمُزن))، وقالوا: والمزن، قال: ((والعنان))، قالوا: والعنان. قال أبو داود: لم أتقن جيدًا، قال: ((هل تدرُون بُعد ما بين السماء والأرض؟)) قالوا لا ندري، قال: ((إن بُعد ما بينهُما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعُون سنةً ثُم السماءُ فوقها كذلك، حتى عد سبع سماوات ثُم فوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاهُ مثلُ ما بين سماء إلى سماء، ثُم فوق ذلك ثمانيةُ أوعال بين أظلافهم ورُكبهم مثلُ ما بين سماء إلى سماء، ثُم على ظُهُورهمُ العرشُ بين أسفله وأعلاهُ مثلُ ما بين سماء إلى سماء ثُم اللهُ فوق ذلك)). ورواه أيضًا ابنُ ماجة والترمذيُ وحسنه، ورواهُ الحافظُ ضياءُ الدين المقدسيُ في المختارة.
((والعرشُ فوق ذلك)): تقدم الكلامُ على العرش، أفاد هذا الحديثُ عدة فوائد.
الأول: إثباتُ العرش، وقد تكاثرت الأدلةُ من الكتاب والسُنة على إثباته، وفيها الردُ على من نفى العرش وزعم أن معنى عرشه مُلكُه وقُدرتُه، ولا شك في بُطلان ذلك، وفيه دليل على أن العرش فوق المخلوقات، وأنه ليس فوقهُ من المخلوقات شيء، وفيه دليل على أن الله في السماء مستو على العرش، فلو كان في كل مكان لم يكن لهذا التخصيص معنًى، ولا فيه فائدة.
(الشـرح) وهذا كما تقولُهُ أهل الحرية، الحرية تقول الله في كل مكان، تعالى الله يقولون- وهذا كُفر وضلال، نعم.
(المتــن) وفيه دليل على أن الله في السماء مستو على العرش، فلو كان في كل مكان لم يكن لهذا التخصيص معنًى، ولا فيه فائدة، وفيه تفسير في العلو كما فسره الصحابةُ والتابعون والأئمةُ، خلافًا للمعطلة من الجهمية والمعتزلة ومن أخذ عنهم من الأشاعرة وغيرهم ممن ألحد في أسماء الله وصفاته، وصرفها عن المعنى التي وُضعت له، ودلت عليه من إثبات صفات الله التي دلت على كلامه جل وعلا، وفيها إثباتُ فوقيته -سُبحانهُ وتعالى- وعلوه على خلقه، وهذا الحديثُ صريح في فوقية الذات، ففيه الردُ على من زعم أن الفوقية فوقيةُ رتبة وشرف، فإن حقيقة الفوقية علوُ ذات الشيء على غيره، وقد تقدم ذكرُ أنواع الفوقية، فله -سُبحانهُ- الفوقيةُ التامةُ والعلوُ الكاملُ المطلقُ، هذا مذهبُ السُنة والجماعة، وبدعُوا وضللوا من خالفهُ من الجهمية والمعتزلة.
(الشـرح) نعم والفوقية ثلاث أنواع: فوقية الذات، وفوقية القدر والشرف، وفوقية القهر والسلطان، هذه أنواع العلو الثلاثة، كُلها أتصف الله بها كما قال بن القيم في ((النُونية)):
والفوقُ أنواع ثلاث كلُها
|
|
لله ثابتة بلا نكران |
أهل البدع يُثبتون نوعين من الفوقية: العلو وأنكروا نوعان، أنكروا فوقية القهر والسلطان، وفوقية القدر والشأن وأنكروا فوقية الذات، وحمل النصوص في الفوقية والعلو، حملوها على علو القهر والسلطان وعلو القدر والشأن، وأنكروا علو الذات، هذا من جلهم وضلالهم، نعم.
(المتــن) فله -سُبحانهُ- الفوقيةُ التامةُ والعلوُ الكاملُ المطلقُ، هذا مذهبُ أهلُ السُنة والجماعة، وبدعُوا وضللوا من خالفهُ من الجهمية والمعتزلة، وفي هذا الحديث إثباتُ علمه المحيط بكل معلوم، فلا تخفى عليه خافية، وفيه الجمعُ بين الإيمان بعلوه على خلقه واستوائه على عرشه وبين الإيمان بإحاطة علمه بالموجودات كلها، وقد جمع بين الأمرين في عدة مواضع.
قال شيخ الإسلام رحمه الله، وقولُهُ -صلى الله عليه وسلم- للجارية: ( أين اللهُ )). قالت: في السماء. قال: (( من أنا؟. قالت: أنت رسولُ الله. قال: (( أعتقها فإنها مُؤمنة )). رواهُ مسلم
قال الشيخ عبد العزيز الرشيد -رحمه الله- قولُهُ للجارية ((أين اللهُ)): إلى أخره هذا الحديثُ رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السُلمي، وأخرجه أبو داود، والنسائيُ، وروى سببه بألفاظ متعددة، وفي بعض ألفاظه عن الحكم بن معاوية السُلمي قال: اطلعتُ على غُنيمة ترعاها جارية لي قبل أُحُد والجوانية فوجدتُ الذئب قد أصاب منها شاةً وأنا من بني آدم آسفُ كما يأسفون فصككتُها صكةً ثم انصرفتُ إلى رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- فأخبرتُه فعظم ذلك علي، قال: قلتُ يا رسول الله: أفلا أعتقُها؟ قال: ((بلى جئني بها)) قال: فجئتُ بها رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- فقال لها: ((أين اللهُ؟)) قالت: في السماء، قال: ((من أنا؟)) قالت: أنت رسولُ الله -صلى اللهُ عليه وسلم-، قال: ((اعتقها فإنها مُؤمنة)).
قال الحافظُ الذهبيُ في كتاب (العُلُو): هذا حديث صحيح رواهُ جماعة من الثقات، قال: وأخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائيُ، وغيرُ واحد من الأئمة في تصانيفهم، يرُوونه كما جاء ولا يتعرضون له بتأويل ولا تحريف، ثم بين الذهبيُ طُرقهُ واختلاف ألفاظه.
(الشـرح) وهذا فيه إثبات العلو لله، أين الله؟ قال: في السماء، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر الجارية على قولها في السماء، والسماء هي العلو، المراد بالسماء العلو، ((في)) ظرفية، وإذا كانت ((في)) بمعنى على يُراد بالسماء الطباق المبنية، في العلو يعني: الطباق المبنية، وإذا أردا من السماء العلو وهذا هو الأصل، تكون ((في)) ظرفية وهو العلو، وفيه جواز السؤال عن الله بـ (أين) وأنكروا أهل البدع هذا الحديث (...) وغن كان في صحيح مسلم، قال هذا الحديث تكلموا عنه بأنهم قالوا: ليس على الله بأين ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سأل الجارية لأن الجارية أعجمية، خطبها على قدر فهمها، سألها سؤال فاسد لأجل أنها ما تعرف، وأقرها على الجواب الفاسد، هكذا الرسول عليه الصلاة والسلام، قالوا: الرسول ما أراد أن يقول: أين الله لأنه ما أردا المكان، والله ليس لهُ مكان، لأنه لو كان لهُ مكان لكان محدود، مُتحيز، وهذا تنقص لله، فليس على الله بأين، أجابوا على هذا قالوا: الرسول أراد أن يقول: ما لله هذا معناه، لكن سألها قال: أين الله، لأنها يعرف أنها جارية أعجمية وخاطبها على قدر عقلها، والرسل افصح الناس، ما يعرف أن يقول من الله، من حرفين واين ثلاثه حروف وقالوا: أنهُ أقرها على قولها في السماء وهو كان ما بصحيح هذا لأنها ما تعرف الله، مُخاطباً على قدر عقلها هذا أصلح، فأقرها على هذا الجواب لأنه المناسب لعقلها، فاتهموا الرسول بأنهُ سألها سؤال فاسد وأقرها على جواب فاسد -نعوذ بالله-، نعم.
(المتــن) هذا الحديثُ فيه فوائدُ:
أولاً: فيه جوازُ السُؤال عن الله بأين خلافًا للمبتدعة.
ثانيًا: فيه جوازُ الإشارة إلى العلو، كما جاء صريحًا في حديث أبي هريرة الذي أخرجه أبو داود في باب الأيمان والنُذور فأشارت بأصبُعها إلى السماء.
ثالثًا: فيه إثباتُ العلو لله -سُبحانهُ وتعالى، فإن معنى قوله: ((في السماء)): أي على السماء، يعني على العرش، وقد تقدم الكلامُ.
رابعًا: فيه الدليلُ على أن من شهد هذه الشهادة أنه مؤمن.
خامسًا: فيه دليل على أنه يُشترطُ في صحة العتق الإيمانُ.
سادسًا: فيه دليل على أن من شهد هذه الشهادة يُكتفى في ذلك بإيمانه.
(الشـرح) نعم. من قال أن الله في السماء وشهد يُكتفى بإيمانه، نعم.
(المتــن) ويُقبلُ منه ذلك، ولو لم يُذكر دليل، فإن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- قبل منها مجرد الشهادة بعلو الله ورسالة رسوله، خلافًا للمتكلمين الذين يقولون: لا بُد من النظر والقصد إلى النظر أو الشك، فإن هذه أقوال باطلة.
(المتــن) فإنهُ يجب على الإنسان أولا الأيمان هذا الواجب، أول واجب على الإنسان الإيمان، ويشهد لله تعالى بالوحدانية ويشهد لرسوله بالرسالة، ولما بعث لمُعاذ إلى اليمن قال: (( فليكن أول ما تدعوهم إليه لا إله إلا الله))، أما أهل الكلام فقالا: لا، ليس بواجب الإيمان، وبعدهم قال: الواجب الشك، تشُك فيما حولك، ثُم تنتقل من الشك إلى اليقين، والقول الآخر لأهل الكلام قال: الواجب النظر تنظُر وتتأمل من حولك وتُفكر، ثم تنتقل من التفكير والنظر إلى اليقين، وبعضهم قال الواجب: القصد من النظر، القصد النية تنوي النظر ثم تنتقل إلى اليقين، هذه كلها أقوال باطلة والصواب أنا الواجب الإيمان مباشرة وليس الواجب الشك، الواجب توحيدُ الله، أول واجب أن ينطق الإنسان بالشهادتين، يشهد لله تعالى بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، ليس الواجب الشك ولا النظر، نعم.
(المتــن) فإن معرفة الله -سُبحانهُ- فطرية فطر اللهُ عليها عباده، كما في الحديث قال: ((كُلُ مولُود يُولدُ على الفطرة فأبواهُ يُهودانه أو يُمجسانه أو يُنصرانه)). الحديث.
سابعًا: فيه دليل على أن الاعتراف بعلو الله -سُبحانهُ وتعالى- وفوقيته مفطور عليه الخلقُ مغروز في نفوسهم.
(الشـرح) نعم. ولهذا الجارية أخبرت عما كان في صدرها من أن الله فوق العرش، أخبرت عن فطرتها التي فطرها الله عليها، نعم.
(المتــن) وقد جرت عادةُ المسلمين عامتهم وخاصتهم بأن يدعوا ربهم عند الابتهال والرغبة إليه، فيرفعوا أيديهُم إلى السماء وذلك لاستفاضة العلم عندهم بأن ربهُم المدعوُ في السماء، وقد تطابق أدلةُ العقل والنقل على إثباته.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالي - وقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم- (أفضلُ الأيمان أن تعلم أن الله معك أينما كُنت) حديث حسن أخرجه الطبراني من حديث عُبادة بن الصامد