بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله رب العالمين وصلي الله وسلم وبارك علي رسول الله وعلي اله و صحبه ومن استن بسنته واهتدي بهديه اما بعد: فغفر الله لك يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى - وقولُهُ: إلى أمثال هذه الأحاديث التي يُخبرُ فيها رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم عن ربه بما يُخبرُ به؛ فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة يُؤمنون بذلك؛ كما يُؤمنون بما أخبر اللهُ به في كتابه؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل
قال الشيخ الرشيد-رحمه الله-: إلى أمثال: أي أشباه هذه الأحاديث التي أوردها المصنفُ رحمه اللهُ، فإن أهل السنة يؤمنون بذلك، كما يؤمنون بما جاء في القرآن، فإن السنة كالقرآن في وجوب القبول وإفادة العلم واليقين.
قولُهُ: إلى أمثال هذه الأحاديث إلى أخره: إشارة إلى الرد على الجهمية والمعتزلة والرافضة الذين نبذوا كتاب الله وسنة رسوله وراء ظهورهم وقدحوا في دلالتهما على الصفات، وقالوا: الكتابُ والسنةُ ظواهرُ لفظية لا تفيدُ اليقين، وأن القواطع العقلية والبراهين اليقينية في المناهج الفلسفية والطرق الكلامية، فانظر كيف لعب بهمُ الشيطانُ حتى أخرجهم من الإيمان، قال تعالى: (فلا وربك لا يُؤمنُون حتى يُحكمُوك فيما شجر بينهُم ) الآية. وفي الحديث أن رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: ((لا يُؤمنُ أحدُكم حتى يكُون هواه تبعًا لما جئتُ به)). وطريقُ أهل السُنة والجماعة هو التمسكُ بالنص الصحيح، ولا يعارضونه بمعقول ولا بقول فلان، فكتابُ الله وسنةُ رسوله هما المعيارُ، فما طابقهما قُبل، وما خالفهما رُد على من قالهُ كائنًا من كان.
(المتــن) نعم. لا شك أن هذا هو الميزان، الميزان الكتاب والسُنة، الكتاب والسُنة حاكمان على كل أحد، نعم.
(المتــن) قال الإمامُ أحمدُ رحمهُ الله: عجبتُ لقوم يعرفون الإسناد وصحتهُ ويذهبون إلى رأي سفيان، واللهُ -سُبحانهُ- يقولُ: (فليحذر الذين يُخالفُون عن أمره أن تُصيبهُم فتنة أو يُصيبهُم عذاب أليم) أتدري ما الفتنةُ؟ الفتنةُ: الشركُ، لعلهُ إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. وقال الإمامُ الشافعيُ رحمهُ اللهُ: أجمع العلماءُ على أن من استبانت لهُ سُنةُ رسول الله لم يكن لهُ أن يدعها لقول أحد كائنًا من كان، ونظائرُ ذلك كثير في كلام السلف.
وقال ابنُ القيم رحمهُ اللهُ في (النُونية):
من قال قولاً غيره قمنا على |
|
أقواله بالسبر والميزان
|
إن وافقت قول الرسول وحكمهُ |
|
فعلى الرؤوس تُشالُ كالتيجان
|
أو خالفت هذا رددناها على |
|
من قالها من كان من إنسان
|
أو أُشكلت عنا توقفنا ولم |
|
نجزم بلا علم ولا برهان
|
هذا الذي أدى إليه علمُنا |
|
وبه ندينُ الله كل أوان
|
فالذي عليه أهلُ السنة والجماعة أن السُنة كالقرآن في وجوب القبول وإفادة العلم واليقين خلافًا لما عليه أهلُ البدع والضلال، وتقدم الكلامُ على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمةُ بالقبول عملاً به وتصديقًا له يفيدُ العلم اليقيني عند جماهير الأمة، ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع، وهو الحقُ الذي تشهدُ له الأدلةُ، كخبر عمر: ((إنما الأعمالُ بالنيات)) وكقوله: ((يحرُمُ من الرضاع ما يُحرمُ النسبُ)) إلى أمثال ذلك، وهو نظيرُ خبر الذي أتى مسجد قباء وهم يصلون وأخبر أن القبلة تحولت، فاستداروا إلى القبلة، وكان رسولُ الله -صلى اللهُ عليه وسلم- يُرسلُ رسلهُ آحادًا، ويرسلُ كتبهُ مع الآحاد، والأدلةُ على ذلك كثيرة، وقد حقق ذلك الشيخُ تقيُ الدين بنُ تيمية وتلميذهُ ابنُ القيم، وأطال عليه في (الصواعق)، وذكر الأدلة ورد على المخالفين ردًا وافيًا، وكذلك في (النُونية)، وأشار إلى ذلك في (فتح المجيد)، وذهب غيرُ واحد إلى أن خبر الصحيحين يفيدُ العلم اليقيني وهو الحقُ.
(الشـرح) نعم. فهذه المسألة بها خلاف، إذا ثبت نقل الثقاة العدول الضابطين مختصر السند، هذا الذي ذهب إليه بن القيم وهو الصواب، ذهب النووي وبن عبد البر إلى أنهُ يُفيدُ الظن ولا يُفيد العلم، قالا: أنهُ يوجب العمل ولا يوجب العلم، (...) فأنهُ يُفيد القين، نعم.
(المتــن) يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- بل هُمُ الوسطُ في فرق الأمّة، كما أنّ هذه الأمّة هي الوسطُ في الأمم.
(الشـرح) نعم. يقول: بل هُمُ الوسطُ في فرق الأمّة، كما أنّ الأمّة هي الوسطُ في الأمم، يعني: أهلل السُنة والجماعة وسط بين فرق الأمة، فهم وسطٌ في باب الأحكام بين الخوارج والمُعتزلة وبين المُرجئة، الخوارج والمُعتزلة غلو في مرتكب الكبيرة وقالوا: أنهُ يؤخذ في النار، وقالوا: أن الكبائر والذنوب تؤثر على لإنسان حتى تقضي على إيمانه، هذا غلوًا منهم، وقابلهم المُرجئة فغلوا في عدم تأثير المعاصي، فقالوا: المعاصي لا تؤثر بل لو فعل أيضاً النواقض لا تؤثر ما دام أنهُ عرف ربهُ بقلبه فهو مؤمن وأهل السُنة وسط بين هؤلاء وهؤلاء، فقالوا أن الإيمان تؤثر فيه الكبيرة تنقُصهُ وتُضعفه لكنها لا تقضي عليه، فهو مؤمن ناقص الإيمان، وكذلك هم وسط في باب الأسماء فيؤخذ (...) الذين يُسمونه كافراً (...) الذين يُسمونه مؤمناً، وهم وسط في باب الصحابة أيضاً، بين الخوارج الذين يصفون العداوة لأهل البيت، وبين الرافضة الذين يعبدون أهل البيت، فهم يعرفون الصاحبة فضلهم وأهل البيت فضلهم، نعم. ولكن المُرجئة يقولون: المؤمن إذا آمن فهو كامل الإيمان ولا يضُرهُ ارتكاب الكبائر ولا الاتصاف بالكفر، إذا آمن تكفي، إذا آمن بلسانه أو بقلبه فتكفي ذلك ولا تضُرهُ المعاصي ولا تنقص إيمانه، فهو كامل الإيمان من أول وهلة، وهذا هو مذهب المُرجئة، ومذهب الخوارج يقابل هذا، نعم. كما أن هذه الأمة وسطٌ بين الأمم السابقة، بين غلو اليهود وبين جفاء النصارى، ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)، فهذه الأمة وسط خيارًا عدولا، بين اليهود وبين النصارى، النصارى غلو في عيسى وقالوا: أنهُ بن الله، واليهود جفوا وقالوا: أنُ ولدٌ بغي أعوذ بالله، والمسلمون وسط اعتقدوا أن عيسى عبد الله ورسوله، نعم.
(المتــن) قولُهُ: وسط: يأتي بمعنى التوسط بين الشيئين، ويأتي بمعنى العدل الخيار، فأهلُ السُنة وسط، أي عدول خيار معتدلون بين الطرفين المنحرفين في جميع أمورهم، وفي الحديث: ((خيرُ الأمور أوساطُها)).
قال علي رضي اللهُ عنه: خيرُ الناس النمطُ الأوسطُ الذي يرجعُ إليهم الغالي ويلحقُ بهم التالي، ذكرهُ ابنُ المبارك عن محمد بن طلحة عن علي، وقد مدح اللهُ أهل التوسط بين الطرفين المنحرفين، ونهى اللهُ عن الإفراط والتفريط والغلو والتقصير في غير موضع من كتابه، قال تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ)، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا). وقال بعضُ السلف: دينُ الله بين المُغالي فيه والمُجافي عنه. وفي حديث ابن عباس رضي اللهُ عنه أن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: ((إياكُم والغُلُو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكُم الغُلُوُ في الدين)) أخرجهُ النسائيُ وابنُ ماجة وصححهُ ابنُ خزيمة، وابنُ حبان، وصححهُ الحاكمُ.
والغلوُ: هو المبالغةُ في الشيء والتشديدُ فيه بتجاوز الحد، قال الشاعرُ:
ولا تغلُ في شيء من الأمر واقتصد |
|
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
|
وفي حديث ابن مسعود أن رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: ((هلك المُتنطعُون)) قالها ثلاثاً،
قال ابنُ القيم رحمهُ اللهُ: ومن كيد عدو الله إبليس أن يشم قلب العبد، فإن رأى عندهُ قوة إقدام وعلو همة قلل عندهُ المأمور وأوهمهُ أنه لا يكفي، وأنهُ يحتاجُ معهُ إلى مبالغة، وإن رأى الغالب عندهُ الانكفاف والإحجام ثبطهُ عن المأمور وثقلهُ عليه، حتى يتركهُ أو بعضه، كما قال بعضُهم: ما أمر اللهُ بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان، إما إلى إفراط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيهما ظفر، وقد اقتطع أكثرُ الناس إلا القليل في هذين الواديين، انتهى.
(الشـرح) هذا الشيطان المهم أن يوقع الإنسان فيما يضُرهُ، (وفي هذين الواديين): هما باب الإفراط وباب التفريط، باب التقصير وباب الغلو، نعم.
(المتــن) كما أن هذه الأمة هي الوسطُ في الأمم قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)، أي: عدلاً خيارًا، لتوسُطها بين الطرفين المذمُومين، فلم يغلوا غلو النصارى، ولم يُقصروا كتقصير اليهود، ولكنهم أهلُ وسط واعتدال، فهم مُعتدلون في باب توحيد الله إذ كان اليهودُ يصفون الله بالنقائص ويشبهونه بالمخلوق، كما أخبر اللهُ عنهم أنهم: (قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ) ونفى عن نفسه اللغوب الذي وصفوهُ به، والنصارى يصفون المخلوق بصفات الخالق التي اختص بها، فلا يشركهُ فيها غيرُهُ كالإلهية وغيرها، وقالوا بأن المسيح هو اللهُ، وقالوا: ابنُ الله وثالثُ ثلاثة، وأمةُ محمد وسط يعبدون الله -سُبحانهُ وتعالى- ويصفونه بما وصف به نفسه ووصفهُ به رسولُهُ -صلى اللهُ عليه وسلم- فوصفوهُ بصفات الكمال ونزهوهُ عن صفات النقص والعيب، وكذلك في النبوات، فاليهودُ تقتلُ الأنبياء، وتستكبرُ على إتباعهم.
(الشـرح) يستكبرون عن إتباع الأنبياء، يعني: الإنقاض لهم، إتباعهم بما جاءوا به من الشريعة (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ) استكبرتم عن إتباع الرُسل، لعلها (عن) أما الاستكبار على الأشخاص فهذا شيءٌ آخر، إذا استكبروا على الأنبياء استكبروا على المؤمنين، نعم.
(المتــن) فاليهودُ تقتلُ الأنبياء، وتستكبرُ على إتباعهم. والنصارى يجعلون من ليس بنبي ولا رسول نبيًا ورسولاً، وهذه الأمةُ تؤمنُ بجميع أنبياء الله ورسله.
(الشـرح) تؤمن النصارى بان من ليس نبي نبي فهذا معروف عنهم، النصارى يجعلون من ليس نبي نبي؟
ج: يجعلون من ليس بنبي ولا رسول نبي ورسولا.
يعني هذا معروف عن النصارى؟ هل قالوا على احد من الحواريين أنه نبي، العبارة فيها إشكال، نعم.
(المتــن) وهذه الأمةُ تؤمنُ بجميع أنبياء الله ورسله وأما الشرائعُ فاليهودُ منعوا الخالق أن يبعث رسولاً بغير شريعة الرسول الأول، والنصارى جوزوا لأحبارهم أن يُغيروا من الشرائع ما بعث اللهُ به رُسُلهُ، وكذلك في العبادات النصارى يعبدونهُ ببدع ما أنزل اللهُ بها من سلطان، واليهودُ معرضون عن العبادات، والمسلمون عبدوهُ بما شرع ولم يعبدوهُ بالبدع.
وكذلك في حق الأنبياء عليهم السلامُ، فلم يغلوا فيهم كما غلت النصارى في المسيح، ولا جفوهم كما جفت فيهم اليهودُ، فالنصارى عبدوهم واليهودُ قتلوهم وكذبوهم، والأمةُ الوسطى هي هذه الأمةُ، آمنوا بهم وعزروهم ونصروهم، فهذه الأمةُ أفضلُ الأمم على الإطلاق، قال اللهُ -سُبحانهُ وتعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) الآية – وفي حديث أبي هريرة: ((أنتُم تُوفُون سبعين أُمةً أنتُم خيرُها وأكرمُها على الله)، وأما قولُهُ -سُبحانهُ وتعالى- في بني إسرائيل: (وفضلناكُم على العالمين) فالمرادُ أنه -سُبحانهُ- فضلهم على عالمي زمانهم، كشعب بُختنصر وغيرهم.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- ( فهُم وسط في باب صفات الله سُبحانهُ وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية واهل التمثيل المشبهة)