شعار الموقع

شرح التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية 37

00:00
00:00
تحميل
27

بسم الله الرحمن الرحيم  والحمدلله رب العالمين وصلي الله وسلم وبارك علي رسول الله وعلي اله وصحبه اجمعين اما بعد:

(المتــن) قال عفي الله عنك وفي أصحاب رسُول الله صلى اللهُ عليه وسلم بين الرافضة و بين الخوارج.

(الشـرح)       نعم. أهلُ السُنة وسط بين الرافض والخوارج، فالرافضة كفروا الصحابة، وضللوهم وبدعوهم، وقالوا: أنهم ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة -النبي صلى الله عليه وسلم- ولم يبقى منهم إلا عددٌ قليل، وهم الذين وافقوا علي، وبين الخوارج الذين نصبوا العداوة ويغلون في أهل البيت ويعبدونهم، وبين الخوارج الذين نصبوا العداوة لأهل البيت، وعليهم، فهم وسط بينهم لا يعبدون أهل البيت كما تفعل الروافض يعبدون أهل البيت، ولا يُعادون أهل البيت كما تفعل الخوارج، بل أهل السُنة يُحبون أهل البيت ويُنزلونهم منازلهم بالعدل والإنصاف، لا بالتعصب، ولا يعبدونهم كما يفعل الروافض ولا يؤذونهم ويُكفرونهم كما تفعل الخوارج، بل يُحبونهم ويُنزلونهم منازلهم التي أنزلهم الله إياها، نعم.

(المتــن) قال الشيخ الرشيد -رحمه الله- قولُهُ: الرافضةُ: من الرفض وهُو التركُ، سُمُوا بذلك؛ لأنهم قالوا لزيد بن علي بن الحُسين بن أبي طالب: تبرأ من الشيخين أبي بكر وعُمر –رضي اللهُ عنهما- فقال: معاذ الله، وزيرا جدي فتركوه ورفضوه.

(الشـرح)       فسُموا الرافضة، وكان قبل ذلك يُسمون الخشبية لأنهم كانوا لا يُقاتلون إلا بالخشب، ما يُقاتلون بالسيف حتى يخرج المهدي المنُتظر، فيُقاتلون معهُ بالسيف، ثم يُقاتلون بالسيف بزعمهم، فلما رفضوا أبو بكر وعلي سألوه، قالوا: ما تقول في أبي بكر وعمر، قال: هثما وزيرا جدي رسول الله، فعندئذ رفضوه، فقال: رفضتموني رفضتموني، فسُموا الرافضة، نعم.

(المتــن) فسُمُوا رافضةً، والنسبةُ رافضي، والرافضةُ فرق شتى، قد تكفل الشيخُ تقيُ الدين بنُ تيمية ببيان مذهبهم والرد عليهم في كتابه (منهاج السُنة).

(الشـرح)       المعروف أن الشيعة فرق شتى! أن الشيعة هذه فرق مُتعددة، منهم الزيدية ومنهم الرافضة، ومنهم النُصيرية، أعلاهم النُصيرية، أعلى فرق الشيعة النُصيرية، لأنهم يزعمون أن الله حل في علي، هؤلاء أشد الناس كُفرًا، ثم يليهم المُخطئة الذين خطئوا جبريل، وقالوا: أنهُ أخطأ في الرسالة، أرسله الله إلى علي فأرسله إلى محمد، ثم الرافضة الذين يُكفرون الصحابة ويعبدون أهل البيت، ثُم تأتي فرقٌ أُخرى وهي الزيدية، وهم طبقات، المعروف أن الفرق إنما هي للشيعة، أما الرافضة فرقة واحدة، لكن يُحتمل أن الرافضة فرق، غُلاة وغير غُلاة، لكن المعروف أن الرافضة لهم ثلاث أعمال كُفرية، منها عبادة أهل البيت، يعبدون أهل البيت، ثانياً: أنهُم يُكفرون الصحابة والله زكاهم وأيدهم، ثالثاً: أنهم كذبوا الله في قوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) قالوا: أن القرآن ليس محفوظ، ما بقي إلا الثُلث، وهذا تكذيبٌ لله، نعم، والزيدية لا، الزيدية أخف معروف أنهم بدعة أنهم مبتدعة، يُفضلون علي على عثمان ولا يُكفرون، لكن بعضهم قال الزيدية دخلوا الرفق وشاركوا الرافضة، أيضًا شاركوا الرافضة في تكفير الصحابة فحكمهم حكمهم، نعم.

(المتــن) و قد تكفل الشيخُ تقيُ الدين بنُ تيمية ببيان مذهبهم والرد عليهم في كتابه (منهاج السُنة).

(الشـرح)       نعم. وهو كتابٌ عظيم كتاب (منهاج السُنة) في بحوث الإسلام، نعم.

(المتــن) ويُلقبون بالشيعة، وكان هذا اللقبُ في الأصل للذين ألفُوه في حياته كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وغيرهم، ثم صار بعد ذلك لقبًا على من يرى تفضيله على كُل الصحابة، ويرى أمورًا أُخرى لا يرضاها علي ولا أحد من ذُريته ولا غيرهم ممن يُقتدى به، قال في (المنهاج): سُمُوا بالشيعة لما افترق الناسُ فرقتين: فرقة شايعت أولياء عثمان، وفرقة شايعت علي –رضي اللهُ عنه-. ولم يكونوا يُسمون رافضةً في ذلك الوقت، وإنما سُمُوا رافضةً لما خرج زيدُ بنُ علي بن الحسين في الكوفة في خلافة هشام بن عبد الملك، فسألتهُ الشيعةُ عن أبي بكر وعُمر فترحم عليهما فرفضه قوم. فقال: رفضتموني فسُمُوا رافضةً، وتولاه قوم فسُمُوا زيديةً لانتسابهم إليه. انتهى.

  قال شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- وفي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج.

(الشـرح)       بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاةُ والسلام على سيدنا محمد، قال المؤلف شيخ الإسلام بن تيمية: أن أهل السُنة والجماعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة وبين النواصب، فالرافضة كفروا الصحابة وضللوهم وبدعوهم ونصبوا العداوة لهم وغلوا في آل البيت وعبدوهم، والنواصب وهم الخوارج، نصبوا العداوة لأهل البيت، واهل الحق وسط بين الروافض وبين النواصب، هم يُحبون الصحابة، ويُنزلونهم منازلهم، التي أنزلهم الله بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعصُب، ولا يعبدون آل البيت، ولا يؤذونهم ولا ينصبون العداوة لهم كالخوارج، ولكنهم يتولونهم ويُحبونهم ويُنزلونهم منازلهم بالعدل، لا يغلون فيعبدونهم كما فعلت الروافض، ولا يُنصبون العداوة لهم ويؤذوهم كما فعلت الخوارج، والنواصب، فهم وسط بين النواصب وبين الخوارج، الحق بين باطلين ، وهُدىٌ بين ضلالتين، نعم. 

(المتــن) قال الشيخُ تقيُ الدين -رحمهُ اللهُ-: "أولُ من ابتدع الرفض عبدُ الله بنُ سبأ، وكان منافقًا زنديقًا أراد إفساد دين الإسلام، كما فعل بولس صاحبُ الرسائل التي بأيدي النصارى، حيثُ ابتدع لهم بدعًا أفسد بها دينهم.

(الشـرح)       يعني: عبد الله بن سبأ كان يهوديًا فدخل في الإسلام نفاقاً، كما أن بولس دخل في النصرانية ليُفسد دين النصارى، نعم.  

(المتــن) قال الشيخُ تقيُ الدين -رحمهُ اللهُ-: "أولُ من ابتدع الرفض عبدُ الله بنُ سبأ، وكان منافقًا زنديقًا أراد إفساد دين الإسلام، كما فعل بولس صاحبُ الرسائل التي بأيدي النصارى، حيثُ ابتدع لهم بدعًا أفسد بها دينهم وكان يهوديًا، فأظهر النصرانية نفاقًا لقصد إفساد ملتهم، وكذلك كان ابنُ سبأ يهوديًا فأظهر الإسلام والتنسُك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليتمكن بذلك من أغراضه الفاسدة، فسعى في فتنة عثمان بن عفان وقتله، ثم لما قدم الكوفة أظهر الغُلُو في علي بن أبي طالب، فبلغ ذلك علياً فطلبه ليقتُله فهرب إلى قرقيسا". انتهى.

   والرافضةُ من أخبث الطوائف حتى أخرجهُم بعضُ العلماء من فرق الأُمة.

(الشـرح)       نعم أخبث فرق الأمة، ولذلك قال العلماء الروافض وهم القدرية والجهمية خارجون من الثلاثة والسبعين فرقة الذين قال فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم: (( تفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة، كُلهُم في النار إلا فرقة واحدة)) فهذه فرق الأمة مبتدعة، فرق كُفاراً، وقالوا: الجهمية خارج من الثلاثة والسبعين والرافضة كذلك، والقدرية الأولى الذين أنكروا العلم والكتاب، كلهم خارجون من الثلاثة والسبعون فرقة لكُفرهم وضلالهم، نعم.

(المتــن) والرافضةُ من أخبث الطوائف حتى أخرجهُم بعضُ العلماء من فرق الأُمة، ورُوي عن الشعبي أنه قال: أحذرُكم هذه الأهواء المُضلة وشرُها الرافضةُ، لم يدخلوا في الإسلام رغبةً ولا رهبةً، ولكن مقتاً لأهل الإسلام، وبغياً عليهم، قد حرقهُم عليُ بنُ أبي طالب ونفاهُم إلى البُلدان، منهم عبدُ الله بنُ سبأ يهودي من أهل صنعاء نفاه إلى ساباط وعبدُ الله بنُ يسار نفاهُ إلى خازر ، وكلامُ أهل العلم في ذمهم كثير جداً.

 وأما الخوارجُ فسُمُوا بذلك لخُروجهم على علي بن أبي طالب -رضي اللهُ عنه- ومفارقتهم له، وقد ثبت أن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- قال: ((تمرُقُ مارقة على حين فُرقة من الناس، تقتُلُهم أولى الطائفتين بالحق)) فخرجوا في زمن علي بن أبي طالب -رضي اللهُ عنه- فقتلهُم علي وطائفتُه.

(الشـرح)       فدل على أنهُم أقرب من الحق من الطائفتين، نعم.   

(المتــن) وقال -صلى اللهُ عليه وسلم- في حقهم: ((يحقرُ أحدُكُم صلاتهُ مع صلاتهم، وصيامهُ مع صيامهم، وقراءتهُ مع قراءتهم، يقرؤون القُرآن لا يُجاوزُ حناجرهُم، يمرُقُون من الدين كما يمرُقُ السهمُ من الرمية، أينما لقيتُمُوهُم فاقتُلُوهُم، فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهُم يوم القيامة)). وقد روى مسلم أحاديثهم في "صحيحه" من عشرة أوجُه، واتفق الصحابةُ على قتالهم، وفي الترمذي عن أبي أمامة الباهلي عن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- في الخوارج: ((إنهُم كلابُ أهل النار)). وقرأ هذه الآية (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ). وقال الإمامُ أحمدُ: "صح الحديثُ في الخوارج من عشرة أوجُه". وقد خرجها مسلم في "صحيحه"، وخرج البخاريُ طائفةً منها.

(الشـرح)       يعني: حديث الخوارج صحيحة، في مسلم وفي غيره، أما الأحاديث في ذم القدرية فليست صحيحة وضعيفة، بسبب أنها موقفة على الصحابة، حديث ذم القدرية، أما أحاديث الخوارج صحيح سواء في صحيح مسلم أو في غيره، نعم.  

(المتــن) وقال الشيخُ تقيُ الدين -رحمهُ اللهُ-: الخوارجُ هم أولُ من كفر المسلمين بالذُنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلُون دمه وماله، وأولُ بدعة حدثت في الإسلام بدعةُ الخوارج والشيعة حديثًا في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فعاقب الطائفتين.

(الشـرح)       نعم. يعني الخوارج ظهروا في ذمن على فقاتلهم كذلك الشيعة السبأية فعبدوه وتشيعوا له، وقالوا أنت الاله، قاتلهم علي، قاتل الخوارج وحرق غاليتهم، ثم ظهر في أواخر عهد الصحابة القدرية الذين نفوا القدر، هذه كُلها فرق حدث، والشيعة قبل، في زمن علي، في زمن الخُلفاء الراشدين، أما القدرية ما ظهروا في زمن الخُلفاء الراشدين، فهم متأخرين، لما ذكر يحي بن أعظم أحمد الطويل سأل بن عمر عن أُناسٍ +، فتبرأ منهم بن عمر، هذا بعد (....)، ولهذا القدر ما ظهر في عهد الخلفاء الراشدين، بخلاف الخوارج والشيعة، هؤلاء خرجوا في أواخر عهد الخُلفاء الراشدين في زمن الخليفة الراشد علي -رضي الله عنه-، نعم.   

(المتــن) أما الخوارجُ احسن الله اليك  فقاتلُوه فقتلهم، وأما الشيعةُ فحرق غاليتهُم بالنار.

(الشـرح)       الغُلاة منهم، الذين غلوا فيه وقالوا: أنت الاله، حرق غالبية الشيعة، يعني الغُلاة، حرق غاليتهم، عبد الله بن سبأ لما قالوا: أن الاله، حد لهم إخدود  يعني: حُفر في الأرض، وضرمها ناراً، وقال:

لما رأيت الأمر أمراً منكراً
 

 

أججت ناراً ودعوت قنبرا
 

 

فألقاهم في النار من شدة حنقهم عليهم، وإن كان الأصل أنهُ لا يُحرق بالنار، قال بن عباس لو كُنت مكانه لقتلتهم بالسيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم- ((لا يُعذب بالنار إلا رب النار)) لكن هذا (...) أو من شدة حنهم عليهم حرقهم بالنار -نسأل الله العافية- نعم.

(المتــن) وطلب قتل عبد الله بن سبأ فهرب منه، وأمر بجلد من يُفضلُه على أبي بكر وعمر، وروي عنه من وُجوه كثيرة، أنه قال: خيرُ هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمرُ. ورواهُ عنه البخاريُ في "صحيحه". انتهى.

   فالخوارجُ والرافضةُ في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طرفي نقيض، فالرافضةُ غلوا في علي بن أبي طالب وأهل البيت، وكفروا جميع الصحابة كالثلاثة، ومن والاهُم وفسقُوهم، ويكفرون من قاتل علياً، ويقولون إن علياً إمام معصوم، وقالوا: لا ولاء إلا ببراء، أي لا يتولى أحد علياً حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر، وقد تقدم الكلامُ عليهم.

   وأما الخوارجُ فإنهم يكفرون علياً وعثمان ومن والاهُما، وأما أهلُ السُنة والجماعة فقولُهم في الصحابة وسط لم يغلُوا غُلُو الرافضة، ولم يجفُوا كالخوارج، بل والوا جميع الصحابة وأحبُوهم وعرفُوا فضلهُم وأنزلُوهم منازلهُم التي يستحقُونها، فلم يغمطوهم حقهُم، ولم يغلُوا فيهم واعتقدوا أنهم أفضلُ هذه الأمة علماً وعملاً، فرضوانُ الله عليهم أجمعين.

يقول شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله تعالى- فصل: وقد دخل فيما ذكرناهُ من الإيمان بالله الإيمانُ بما أخبر اللهُ به في كتابه، وتواتر عن رسُوله، وأجمع عليه سلفُ الأمة، من أنهُ سُبحانهُ فوق سماواته؛ على عرشه، علي على خلقه، وهُو سُبحانهُ معهُم أينما كانُوا، يعلمُ ما هُم عاملُون؛ كما جمع بين ذلك في قوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

وليس معنى قوله: ( وهُو معكُم ) أنهُ مُختلط بالخلق؛ فإن هذا لا تُوجبُهُ اللُغةُ، وهُو خلافُ ما أجمع عليه سلفُ الأمة، وخلافُ ما فطر اللهُ عليه الخلق بل القمرُ آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهُو موضوع في السماء، وهُو مع المُسافر وغير المُسافر أينما كان، وهُو سُبحانهُ فوق العرش، رقيب على خلقه، مُهيمن عليهم، مُطلع  عليهم... إلى غير ذلك من معاني رُبُوبيته.

وكُلُ هذا الكلام الذي ذكرهُ اللهُ – من أنهُ فوق العرش وأنهُ معنا – حق على حقيقته، لا يحتاجُ إلى تحريف، ولكن يُصانُ عن الظُنُون الكاذبة مثل أن يُظن أن ظاهر قوله: ( في السماء )؛ أن السماء تُظلُهُ أو تُقلُهُ، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان فإن الله قد وسع كُرسيُهُ السماوات والأرض، وهُو يُمسكُ السماوات والأرض أن تزُولا، ويُمسكُ السماء أن تقع على الأرض؛ إلا بإذنه،  ومن آياته أن تقُوم السماءُ والأرضُ بأمره

(الشـرح)       بسم الله الرحمان الرحيم، هذا البحث بحث عظيم وهو أن الله سبحانه وتعالى بين في كتابه العظيم أنهُ فوق العرش وأنه مستوي على العرش وأنهُ عليٌ على خلقه، ووصف نفسه -سبحانه وتعالى- بالعلو كما وصف نفسه بالمعية وهو معهم أينما كانوا بعلمه وإحاطة واطلاعه ومع المؤمنين بتوفيقهم، وأنهُ لا مُنافاة بين العلو والمعية، فكلاهما حق والله تعالى فوق عرشه حقيقه، وفوق خلقه حقيقة، وهو مع خلقه حقيقة، ولا مُنافاة بين العلو والمعية، فكلاهما حق، والله تعلى فوق عرشه حقيقه، وفوق خلقه حقيقة وهو مع خلقه حقيقة، ولا مُنافاة بينهما، ليس معنى المعية الاختلاط والامتزاج، كما يظُنه بعض أهل البدع، ولا تُفيد المعية الاختلاط وليست من مدلولها، إنما المعية معناها قدرة الله و(...) المصاحبة فلا فرق بينها وبين العلو، كلهما واحد فهو سبحانه فوق العرش وفوق خلقه حقيقة وهو مع عباده حقيقه، فهو مع عباده يطلع عليهم ويُحيطُ بهم وتنفُذُ قدرته ومشيئته فيهم ولا (...) هذا هو الحق الذي عليه النصوص و الصحابة والتابعين والأئمة، ونصوص الوسطية (...) تزيد إفرادها على ثلاثة ألاف، أما أهل البدع فإنهم ضربوا النصوص ببعضها ببعض، وأبطلوا نصوص الفوقية والعلو بنصوص المعية، وقالوا أن الله مُختلط بمخلوقاته، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وليس فوق العرش ولا هو فوق خلقه، وتأولوا الفوقية بأنها فوقية القدر والشأن والعظمة وفوقية القهر والسُلطان وأنكروا فوقية الذات، وهي من أبطل الباطل، والواجب العمل بالنصوص والجمع بينها، وعدم ضرب النصوص بعضُها ببعض، لكن أهل البدع أبوا إلا أن يضربوا النصوص بعضُها ببعض والعياذُ بالله فهم يُشبهون من قال الله فيهم: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) -نسأل الله السلامة والعافية-، نعم.

(المتــن) يقول شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتابه ((العقيدةُ الواسطية)):

    فصل: وقد دخل فيما ذكرناهُ من الإيمان بالله الإيمانُ بما أخبر اللهُ به في كتابه، وتواتر عن رسُوله، وأجمع عليه سلفُ الأمة؛ من أنهُ سُبحانهُ فوق سماواته؛ على عرشه، علي على خلقه، وهُو سُبحانهُ معهُم أينما كانُوا، يعلمُ ما هُم عاملُون؛ كما جمع بين ذلك في قوله:

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

وليس معنى قوله: ( وهُو معكُم ) أنهُ مُختلط بالخلق؛ فإن هذا لا تُوجبه اللغة، وهُو خلاف ما أجمع عليه سلفُ الأمة، وخلافُ ما فطر اللهُ عليه الخلق،

 بل القمرُ آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهُو موضوع في السماء، وهُو مع المُسافر وغير المُسافر أينما كان.

وهُو سُبحانهُ فوق عرشه، رقيب على خلقه، مُهيمن عليهم، مُطلع  اليهم... إلى غير ذلك من معاني رُبوبيته.

وكُل هذا الكلام الذي ذكرهُ الله من أنه فوق العرش وأنهُ معنا، حق على حقيقته، لا يحتاجُ إلى تحريف، ولكن يُصانُ عن الظُنُون الكاذبة، مثل أن يُظن أن ظاهر قوله: ( في السماء )؛ أن السماء تظلُهُ أو تُقلهُ، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان.

 فإن الله قد وسع كُرسيهُ السماوات والأرض، وهُو يُمسكُ السماوات والأرض أن تزُولا، ويُمسكُ السماء أن تقع على الأرض؛ إلا بإذنه، ( ومن آياته أن تقُوم السماءُ والأرضُ بأمره ).

(الشـرح)       بسم الله الرحمان الرحيم، أما بعد. فهذا كلامٌ عظيم لشيخ الإسلام -رحمه الله- في هذه العقيدة، يقول -رحمه الله-: دخل في الإيمان بالله الإيمان بعلوه على خلقه واستوائه على عرشه، ومعيته مع حلقه، ويدخل في الإيمان بالله الإيمان بهذه الصفات الثلاثة، الإيمان بعلوه، وهذا من الصفات الشرعية، العقلية الفطرية التي فطر الله عليها الخلق، وأدلة علو الله على خلقه تزيد إفرادُها على ثلاثةُ ألاف كما ذكر العلامة بن القيم، فكل نص فيه أن الله هو الأعلى وهو العلي وكل نص فيه أن الله في السماء وكل نص فيه الاستواء وكل نص فيه العلو أو الصعود أو الرفع كلهُ يدل على ثبوت العلو، وكذلك الاستواء على العرش، جاء في سبعة مواضع، وكذلك المعية معية الله لخلقه، صفة من صفاته، المعية العامة على الخلق في خاصة بالمؤمنين والمُتقين، ولا مُنافاة بين العلو والفوقية والمعية، لا مُنافاة بينهما، فلا يُقال أن معيته على خلقه تُبطل فوقيته، فكلاهما حق، فليس معنى المعية أنهُ مُختلط بالمخلوقات كما يزعمه من لا علم عنده، بل المعية معناها مُطلق المُصاحبة، تُفيد مُطلق المُصاحبة، ولا تُفيد الاختلاط ولا المُحاباة، فالله فوق عرشه وفوق السماء حقيقة، وهو مع خلقه حقيقة، ثم ضرب المثل رحمه الله بالقمر، قال: القمر هو اكثر المخلوقات علوا فهو مع المسافر ، تقول العرب: نسيرُ والقمرُ معنا، دائماً نسيرُ والنجوم معنا، وهو فوق رأسك، هذه معية، يعني مُصاحب لنا، فالله تعالى مع الخلق باطلاعه وإحاطته، ونفوذ قُدرته ومشيئته، وهو مع المؤمنين بنصرهم وتأييده، فلا مُنافاة بينهما ، فالمعية حق، والعلو الفوقي حق، خلافاً للجهمية الذين أبطلا نصوص الفوقية والمعية بنصوص المعية، وقالوا: أن الرب مُختلط بالمخلوقات، وأنكروا أن يكون الله فوق سماواته على عرشه، نعم.

فكل هذا تابع للإيمان بالله، الإيمان بالله ومن الإيمان بالله الإيمان بعلوه على خلقة ومن الإيمان بالله الإيمان باستوائه على عرشه، ومن الإيمان بالله الإيمان بمعيته مع خلقه، نعم.

(المتــن) يقول الشيخ عبد العزيز الرشيد -رحمه الله تعالى- قولُه: (وقد دخل). إلى أخره، أي وقد دخل في الإيمان بالله الإيمانُ بعُلُوه -سبحانه- وفوقيته واستوائه على العرش، فمن لم يؤمن بعُلُوه وفوقيته لم يؤمن به، ولم يُصدق رُسله، ولم يؤمن بكتابه، وبما جاء به رسولُه مُحمد -صلى اللهُ عليه وسلم-. قال إمامُ الأئمة ابنُ خزيمة: من لم يُقر بأن الله على عرشه استوى فوق سبع سماوات، وأنه بائن من خلقه، فهُو كافر يُستتابُ، فإن تاب وإلا ضُربت عُنُقُه، وأُلقي على مزبلة لئلا يتأذى بريحه أهلُ القبلة وأهلُ الذمة.

قولُه: (بما أخبر اللهُ في كتابه وتواتر عن رسوله): كما قال سبحانه: (وهُو القاهرُ فوق عباده). وقولُه: (يخافُون ربهُم من فوقهم) إلى غير ذلك من الآيات الصريحة في إثبات العُلُو التام بجميع أنواعه والفوقية، وقد تقدم ذكرُ أنواع العُلُو والفوقية، وتقدم حديثُ الأوعال وغيرُه من الأحاديث الصريحة في إثبات العُلُو والفوقية، وأدلةُ إثبات العُلُو والفوقية متواترة، وانضم إلى ذلك شهادةُ الفطر والعُقول المستقيمة والنُصوص الواردة الدالة على عُلُو الله، وكونه فوق عباده تقرُبُ من عشرين نوعًا.

(الشـرح)       يعني: المراد النوع، والنوع تحتوي على أفراده، وأما إفرادُه تزيد على ثلاث ألاف دليل مثل ما ذكر بن القيم مثلاً: الاستواء على العرش هذا نوع يدخل فيه سبعة نصوص، مثل: (التصريح بالعلو) هذا نوع، (التصريح بالفوقية) هذا نوع، وهكذا، (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ)، التصريح بأنهُ في السماء هذا نوع (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) وهكذا، فالمراد أنواع كلها تندرج تحت إفرادُ، نعم.  

(المتــن) وإفرادُ هذه الأنواع لو بُسطت لبلغت نحو ألف دليل كما ذكره ابنُ القيم -رحمهُ اللهُ- وغيرُه.

قولُه: (وأجمع عليه سلفُ الأمة): قال أبو عُمر الطلمنكيُ -رحمهُ اللهُ-: أجمع أهلُ السُنة على أن الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز، ثم ساق بسنده عن مالك قوله: اللهُ في السماء وعلمُه في كُل مكان، ثم قال: أجمع المسلمون من أهل السُنة أن معنى قوله: (وهُو معكُم أين ما كُنتُم) ونحو ذلك من القرآن: أن ذلك علمُه، وأن الله فوق السماوات بذاته مُستو على عرشه، وهذا كثير في كلام الصحابة والتابعين والأئمة، فأثبتُوا ما أثبتهُ اللهُ في كتابه وعلى لسان رسوله على الحقيقة على ما يليقُ بجلال الله وعظمته.

قولُه: وهُو -سُبحانهُ- معهم أينما كانوا يعلمُ ما هم عاملون: أي -سُبحانهُ- مع عباده بعلمه وإحاطته واطلاعه ومُشاهدته، لا يخفى عليه منهم شيء، ومعيتُه -سُبحانهُ- لعباده لا تُنافي عُلُوه وفوقيته، فإنه جمع بينهما في قوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) الآية، كما أشار إلى ذلك المصنفُ بقوله:

(كما جمع بين ذلك في قوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) إلى أخره.

(الشـرح)       في سورة الحديد: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، نعم.

        فأخبر -سُبحانهُ- أنه خلق السماوات والأرض، وأنه استوى على عرشه، وأنه مع خلقه يُبصرُ أعمالهم من فوق عرشه، فعُلُوُه لا يُناقضُ معيته، ومعيتُه لا تُبطلُ عُلُوه

(الشـرح)       نعم علوه لا يُنقض المعية، ومعيته لا تُبطل علوه، فكلاهما حق، نعم.

(المتــن)  وهذه الآيةُ من أدل شيء على مُباينة الرب لخلقه، فإنه لم يخلُقهم في ذاته، بل خلقهُم خارجًا عن ذاته، ثم بان عنهم باستوائه على عرشه، وهُو يعلمُ ما هم عليه وينفُذُ بصرُه فيهم، ويُحيطُ بهم علمًا وقُدرةً وسمعًا وبصرًا، وفي هذه الآية إثباتُ عُلُوه -سبحانهُ وتعالى- واستوائه على عرشه، وفيها إثباتُ علمه، وإحاطةُ علمه بالكُليات والجُزئيات، وبما كان وما يكونُ، وما لم يكن، ولو كان كيف يكونُ، وفيها إثباتُ معيته -سُبحانهُ- لخلقه وأن معيته -سبحانهُ وتعالى- لا تُنافى عُلُوه وفوقيته، فإنه جمع بينهما، وفيها الردُ على من زعم أن الاستواء مجاز، وأن معنى استوى استولى؛ لأن الله قال: استوى في عدة مواضع، والاستواءُ غيرُ الاستيلاء، فإن الاستواء معناه العُلُوُ والارتفاعُ، وأما الاستيلاءُ فلا يكونُ إلا بعد مغالبة، ولأنه –سُبحانهُ- خص العرش بالاستواء، ولو كان المرادُ الاستيلاءُ لم يخُصه؛ لأنه مستول على الخلق جميعهم، وقد رُد تأويلُ الاستواء بالاستيلاء من وجوه عديدة أنهاها ابنُ القيم -رحمهُ اللهُ- إلى اثنين وأربعين وجهًا، وقد تقدم ذكرُ بعضها، وفي الآية فوائدُ غيرُ ما ذُكر، قد تقدمت الإشارةُ إليها في الكلام على الآيات.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد