أحسن الله إليك
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصل الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
المتن
فغفر الله لك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فمَا مِنْ مَخْلوقٍ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ إِلا اللهُ خَالِقُهُ سبحانَهُ، لا خَالِقَ غيرُهُ، ولا رَبَّ سِواهُ.
الشرح
قال تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}, وقال سبحانه:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا},وهذه المرتبة الرابعة من مراتب القدر التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر المرتبة الأولى: العلم, المرتبة الثانية: الكتابة, المرتبة الثالثة: المشيئة والإرادة والمرتبة الرابعة: الخلق والايجادة علم كتابة مولانا خلقه وهو إيجاده وتقديره.نعم
المتن
قولُه: (لا خالِقَ غيرُه ولا رَبَّ سِواهُ) إشارةٌ إلى الرَّدِّ على القدَريَّةِ المجوسيَّةِ الذين يُثبتون مع اللَّهِ خالِقينَ للأفعالِ ليست أفعالُهم مَقدُورةً له، وَهِيَ صادرةٌ بغيرِ مشيئَتِه وإرادَتِه، ولا قُدرةَ له عليها، فرُبوبِيَّتُه -سُبْحَانَهُ- الكامِلةُ المطلَقَةُ تُبطِلُ أقوالَ هؤلاءِ كُلِّهم؛ لأنها تَقْتَضِي ربوبيَّتَه لجميعِ ما فيه مِن الذَّواتِ والصِّفاتِ والحركاتِ والأفعالِ، وحقيقةُ قولِ هؤلاء أنَّه ليس رباًّ لأفعالِ الحيوانِ ولا تَناوَلَتْها رُبوبِيَّتُه، وكَيْفَ تتناولُ ما لا يَدخُلُ تحتَ قُدرتِه ومشيئَتِه وخَلقِه.
الشرح
يعني حقيقة قول هؤلاء أن الله ليس رب لأفعال الحيوانات أفعال المخلوقين يعني لأن إنما رب للذوات وليس رب للأفعال؛ لأنه ما خلقها ولا يقدر على خلقها هذا مؤدي كلامهم, وهم قالوا: إنما هذا إنما شبهة ولو لم تكن شبهة لكان كفراً, لكنهم مبتدعة يقولون: إن الله تعالى خلق العباد ثم خلق أفعالهم طاعة المعاصي هم الذين خلقوها وينكرون أن الله خلقهم وخلق قدرهم في الشبهة اللي حصلت, قالوا: ولو قولن إن الله خلق المعاصي التي نُعذب عليها لقلنا إن الله ظالماً.
ترى من هذا قالوا إنما العبد هو الذي أذنب حتى إذا عُذب عُذب على فعله, لكن يترتب على هذا مفاسد لأن منها مشيئة العبد تغلب مشيئة الله ومنها أن قد وقف في الله ما لا يريد ويقول بأنها خلقها هذا لا إشكال فيه وما يوصف به الله الخلق, والخلق مبني على الحكمة والعبد هو الذي فعل المعصية وضرته والله خلق بحكمة, وأسرار خير ورحمة من جهة الخلق لأنها المعاصي خلقها الله ليس لذاتها بل لما يترتب عليها من الحكم والعبوديات المتنوعة. نعم
المتن
أما أهلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ فيؤمنون بأَنَّ اللَّهَ خالقُ كُلِّ شيءٍ لا خالِقَ غيرُه، وأنَّه على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وبشمولِ مشيئَتِه لكُلِّ ما كان، وأنَّه بكُلِّ شيءٍ عليمٌ، فيؤمنون بعمومِ خَلقِه، وشمولِ قُدرتِه، ونفوذِ مشيئَتِه، وعِلمِه بالأشياءِ قبلَ أنْ تكونَ، تقديرُه لها وكتابَتُه إيَّاها قَبلَ أنْ تكونَ، فعندَهم مراتبُ الإيمانِ بالقضاءِ والقَدَرِ أربعٌ كما سَبَقَتْ إشارةُ المصنِّفِ إليها.
الأولى: عِلْمُه السَّابقُ بما هم عامِلون قبلَ إيجادِهم.
الثَّانيةُ: كتابَتُه لذَلِكَ في الذِّكْرِ عندَه قَبلَ خَلْقِ السَّماواتِ والأرضِ.
الشرح
والذكر هو اللوح المحفوظ قال تعالى في الحديث: وكتب في الذكر كل شيء )), ولقد قال في الآية: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} نعم.
المتن
الثَّالثةُ: مَشيئَتُه المتناوِلَةُ لكُلِّ مَوجودٍ، فلا خُروجَ لكائنٍ عن مشيئَتِه، كما لا خُروجَ له عَن عِلمِه. الرَّابعةُ: خَلْقُه له وإيجادُه وتَكوينُه، فإنَّه لا خَالِقَ غيرُه ونَظَمَ ذَلِكَ بعضُهم بقولِه:
عِلمٌ كتابةُ مولانا مَشيئتُه وخَلقُه وهُوَ إيجادٌ وتَكْوينُ
فيجبُ الإيمانُ بالقضاءِ والقدَرِ، ولا يجوزُ الاحتجاجُ بِهِ في تَرْكِ أوامِرِ اللَّهِ، وفِعلِ نَواهِيهِ، بل يجبُ أنْ نؤمِنَ بِذَلِكَ، ونَعلَمَ أنَّ لِلَّهِ الحُجَّةَ علينا بإنزالِ الكُتُبِ وبَعثِ الرُّسلِ.
الشرح
قول فلله الحجة البالغة ولو شاء لهداكم أجمعين.نعم
المتن
ومَعَ ذلك؛ فقدْ أَمَرَ العِبَادَ بطاعَتِهِ وطاعَةِ رسوله، ونَهاهُمْ عن مَعْصِيَتِهِ.
وهُو سُبحانَهُ يُحِبُّ المُتَّقينَ والمُحْسِنينَ والمُقْسِطينَ، ويَرْضى عَنِ الَّذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، ولا يُحِبُّ الكَافِرينَ، ولا يَرْضى عَنِ القَوْمِ الفَاسِقينَ، ولا يَأْمُرُ بالفَحْشاءِ، ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْرَ، ولا يُحِبُّ الفَسادَ.
قولُه: (ومع ذَلِكَ فقد أمَرَ العِبادَ) إلخ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، وقال: {مُنْ يُطِعِ الرَّسولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} الآيةَ، والإيمانُ بالقدَرِ مِن تمامِ طاعةِ اللَّهِ وطاعةِ رسولِه، ومَن أَثبتَ القَدَرَ وجعلَ ذَلِكَ معارِضًا للأمْرِ فقدْ أَذْهَبَ الأصلَ.
الشرح
لأنه تشبه بالمشركين الذين يحتجبون بالقدر قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ}.
المتن
فقولُ المصنِّفِ: ومع ذَلِكَ فقد أَمَرَ العِبادَ بطاعَتِه إلخ، إشارةٌ للرَّدِّ على مَن عارَضَ شَرْعَه وأمْرَه بقضائِه وقدَرِه، وجَعلَ مشيئتَه العامَّةَ دَافِعةً للأمْرِ كفِعلِ الزَّنادِقَةِ إذا أُمِروا أو نُهوا احتجُّوا بالقدَرِ، وقد احتجَّ سارقٌ على عُمرَ بالقَدرِ فقال: وأَنَا أَقْطَعُ يَدَكَ بقَضاءِ اللَّهِ وقدَرِه.
الشرح
نعم السارق لما جاء إلى عمر, ولما قال قضاء الله وقدره قدر إني أسرق فأقام عليه الحجة وقال نحن أيضاً نقطع يدك بقضاء الله وقدره. نعم
المتن
قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى-: مَن ادَّعى أَنَّ العارِفَ إذا شَهِدَ الإرادةَ سَقطَ عنه الأمرُ كان هَذَا مِن الكُفرِ الذي لا يَرضاهُ أحدٌ.
الشرح
هذا الزنديق العارف من الصوفية يزعم أنه إذا شهد القدر سقطت عنه التكاليف هذا يزعمون الصوفية, والصوفية ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: العامة ومنهم جميع الأنبياء والرسل, العامة عليهم تكاليف أوامر ونواهي وصلاة وصيام ودعاء وذكر, أما الخاصة تسقط عنهم التكاليف تجاوزوا مرتبة العامة؛ لأنهم يشهدون الإرادة يشهدون الإرادة الكونية, ويُلغي أفعاله وصفاته أي صفات الله, وتسقط عنهم التكاليف هذا كفر بإجماع المسلمين من زعم أنه تسقط عنه التكاليف وعقله معه فهذا كافر بإجماع المسلمين هؤلاء زنادقة نعوذ بالله نعم.
بل هَذَا ممتنِعٌ في العقلِ مُحالٌ في الشَّرعِ، انتهى، وقال ابنُ القيِّمِ بعد كلامٍ: والمقصودُ أنَّه لم يُؤمِنْ بالقضاءِ والقدَرِ والحِكمةِ والأمرِ والنَّهيِ والوعدِ والوعيدِ حقيقةَ الإيمانِ إلاَّ أَتباعُ الرُّسلِ وورَثَتُهم.
نعم، أحسن الله إليك
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك