بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
فغفر الله لك يقول الشارح رحمه الله الشيخ عبد العزيز بن رشيد رحمه الله على قوله:
المتن
قولُه: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} نَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ في سؤالِ المكلَّفِينَ في القبرِ، كما قالَه الجمهورُ، قال الطبريُّ: يُثَبِّتُهم في الدُّنْيَا على الإيمانِ حتى يَمُوتوا، وفي الآخرةِ عند المسألةِ. انتهى.
وقولُه: {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} أي: الذي ثَبَتَ عندَهم بالحُجَّةِ، وَهِيَ كلمةُ التَّوحيدِ، وثُبوتُها تَمكُّنُها في القلبِ، واعتقادُ حقيقَتِها، واطمئنانُ القلبِ بها.
الشرح
الله أكبر، ثبوتها في القلب واعتقاد الحق فيها واطمئنان القلب بها ثبتت في القلب وثبتت حقيقتها عندهم واطمئن القلب إليها قولهم هذا: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}.
المتن
وتَثْبيتُهم في الدُّنْيَا أنَّهم إذا فُتِنوا لم يُزالوا عنها، وإنْ أُلْقوا في النَّارِ ولم يَرتابوا، وتَثْبيتُهم في الآخرةِ أنَّهم إذا سُئِلوا في القبرِ لم يَتَوقَّفوا في الجوابِ، وَكَذَلِكَ إذا سُئِلوا في الحشْرِ، وعِندَ مَوقِفِ الأشهادِ عن مُعتقَدِهم ودِينِهم لم تُدْهِشْهُم أحوالُ يومِ القيامةِ، وبالجُملةِ فالمرءُ على قَدْرِ ثَباتِه في الدُّنْيَا يكونُ ثباتُه في القبرِ وما بعدَه.
الشيخ: نقله عن من هذ؟ كله عن الطبري في الأول
القارئ: عن الطبري
الشيخ: هذا ما عزاه
القارئ: نعم ما عزاه
الشيخ: كلام جيد
قولُه: (وأمَّا المُرتابُ) أي: الشَّاكُّ (فيقولُ: هاه هاه) هي كلمةُ توجُّعٍ، والهاءُ الأُولى مُبْدَلةٌ مِن همزةِ آه، وهُوَ الأليقُ بمعنى هَذَا الحديثِ، ا.هـ.
قولُه: «فيُضرَبُ بِمَرْزَبَةٍ مِن حديدٍ» قال في النِّهايةِ: المَرْزَبَةُ بالتَّخفيفِ: المَطْرَقةُ الكبيرةُ التي للحدَّادِ.
قولُه: «يَسْمَعُها كُلُّ شيءٍ إلاَّ الإنسانَ» وفي حديثٍ آخرَ «فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ» أي الجِنِّ والإنْسِ، قيلَ لهم ذَلِكَ؛ لأنَّهم كالثِّقَلِ على وجْهِ الأرضِ. انتهى. فتحُ الباري.
قولُه: (لَصَعِقَ) أي: خرَّ مَيِّتا، وصَعِقَ أيضًا إذا غُشِيَ عليه.
قولُه: (ثم بعد هَذِهِ الفتنةِ إمَّا نعيمٌ وإمَّا عذابٌ) المرادُ أنَّه لا بدَّ مِن أحدِ الأمرَيْنِ، ولا يُفْهَمُ منه دَوامُ العذابِ، فإنَّ النَّاسَ بالنِّسبةِ لدوامِ عذابِ القبرِ وعَدمِه يَنقسِمونَ إلى قِسمَيْنِ: قِسمٌ عذابُه دائمٌ لا يَنقطِعُ، كما قال -سُبْحَانَهُ-: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًَّا وَعَشِياًّ.. } الآيةَ، وكما في حديثِ البراءِ بنِ عازبٍ في قصَّةِ الكافرِ: «ثم يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَى مَقْعَدِه فِيهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ». رواه أحمدُ في بعضِ طُرُقِه.
النَّوعُ الثَّاني: إلى مِدَّةٍ ينقطِعُ، وهُوَ عذابُ بعضِ العُصاةِ الذين خَفَّتْ جَرائِمُهم، فيُعذَّبُ بحسَبِ جُرْمِه، ثم يُخفَّفُ عنه، وقد يَنقطِعُ عنه العذابُ بدُعاءٍ أو صدقةٍ أو استغفارٍ أو ثوابٍ حَجٍّ أو غيرِ ذَلِكَ مِن الأسبابِ.
قولُه: «إلى أنْ تقومَ القيامةُ الكُبرى» بعد ما يُنفَخُ في الصُّورِ نَفخةُ البَعثِ، فإنَّ يومَ القيامةِ يقع على ما بعدَ نفخةِ البَعثِ مِن أهوالٍ وزلزلةٍ وغيرِ ذَلِكَ إلى آخرِ الاستقرارِ في الجَنَّةِ أو النَّارِ.
قولُه: (الكُبرى) إشارةٌ إلى أنَّ فيه قيامةً صُغرى، وهُوَ الموتُ كما قيل:
خَرَجْتُ مِن الدُّنْيَا وقامتْ قِيامَتي غَداةَ أَقَلَّ الحامِلون جِنازَتي
قال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: القيامةُ قيامتانِ: صُغرى وكُبرى، فالصُّغرى: ما تقومُ على كُلِّ إنسانٍ في خاصَّتِه مِن خُروجِ رُوحِه وانقطاعِ سَعْيِه وحُصولِه على عِلمِه، وأمَّا الكُبرى: فهي التي تَعُمُّ النَّاسَ وتأخُذُهم أخْذةً واحدةً، قيل: سُمِّيَ ذَلِكَ اليومُ يومَ القيامةِ؛ لكونِ النَّاسِ يَقُومون مِن قُبورِهم، قال تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مَّنتَشِرٌ} وقال: «يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا» وروى مسلمٌ في "صحيحِه" مرفوعا: «يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ»، قال: يقومُ أحدُهم في رَشْحِه إلى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ))، قال ابنُ عمرَ: يقومونَ مائةَ سَنةٍ.
قولُه: «فتُعادُ الأرواحُ إلى الأجسادِ» وَذَلِكَ حين يَنفُخُ إسرافيلُ في الصُّورِ نفخةَ البَعثِ والنُّشورِ، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} وإذا أُطلِقَ النَّفخُ في الصُّورِ فالمرادُ بِهِ نفخةُ البَعثِ، والأرواحُ جمعُ رُوحٍ وهُوَ ما يَحيا بِهِ الإنسانُ، وهُوَ مِن أمرِ اللَّهِ، كما قال -سُبْحَانَهُ-: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}.
قال شيخُ الإسلامِ تَقيُّ الدِّينِ: ورُوحُ الآدميِّ مخلوقةٌ مُبدَعةٌ باتِّفاقِ سلَفِ الأمَّةِ وأئمَّتِها وسائرِ أهلِ الحديثِ، وقد حَكىَ إجماعَ الأمَّةِ على أنَّها مخلوقةٌ غيرُ واحدٍ مِن أئمَّةِ السَّلَفِ، ويَجبُ الإيمانُ بالبعثِ والنُّشورِ، ويَكْفُرُ الإنسانُ بإنكارِه، قال اللَّهُ -سُبْحَانَهُ-: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} والبعثُ لغةً: إثارةُ الشَّيءِ، والمرادُ بِهِ هنا إحياءُ الأمواتِ وخُروجُهم مِن قُبورِهم ونحوُها إلى حُكمِ يومِ القيامةِ، والبعثُ والنُّشورُ مترادفانِ، وهما بمعنى إعادةِ الأبدانِ وإدخالِ الأرواحِ فيها، يُقالُ: نَشَرَ الميِّتَ وأَنْشَرَهُ بمعنى أَحْيَاه، وأمَّا الحشْرُ فهُوَ لغةً: الجمْعُ، تقولُ: حشَرْتُ النَّاسَ إذا جَمعْتُهم، والمرادُ جَمعُ أجزاءِ الإنسانِ بعد تَفرُّقِها ثم إحياءُ الأبدانِ بعد مَوْتِها، فيَبعثُ اللَّهُ جميعَ العِبادِ ويُعيدُهم بعد موتِهم، ويَسوقُهم إلى مَحْشَرِهم لفَصْلِ القضاءِ بينهم، وأدِلَّةُ ذَلِكَ في الكِتاب والسُّنَّةِ والإجماعِ.