أحسن الله إليك
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
المتن
فغفر الله لك يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: وهُمْ مَعَ ذلكَ لا يَعْتَقِدونَ أَنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَ الصَّحابَةِ مَعْصومٌ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ وصَغَائِرِهِ، بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ في الجُمْلَةِ, ولَهُمْ مِنَ السَّوابِقِ والفَضائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ – إِنْ صَدَرَ -، [ حَتَّى إِنَّهُمْ ] يُغْفَرُ لَهُمْ مِنَ السَّيِّئاتِ مَا لاَ يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.
نعم:
الشرح
أهل السنة والجماعة يعتقدون فضل الصحابة وسابقتهم, ولكن لا يعتقدون أن الواحد معصوم, الكبائر والصغائر تجوز عليهم, ولكن الصحابة إذا واقع منهم في الكبيرة فقد يوفق إلى التوبة, هناك أسباب تمحوها قد يوفق للتوبة النصوحة, أو يكون له حسنات تمحوها, أو مصائب يكفر الله بها ذنوبه, أو على الأقل إذا لم يوفق لذلك يشفع فيه النبي r وهو أولى الناس بشفاعته فالنبي r قال: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.
نعم:
أحسن الله إليك
المتن
قولُه: (مَعصومٌ) مِن العِصْمَةِ وهي: الحمايةُ والحِفظُ.
قولُه: (بل يَجوزُ) أي: يُمْكِنُ، أي أنَّ أهلَ السُّنَّةِ يعرِفون قَدْرَ أصحابِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وقَرابَتِه، فيُنْزِلُونَهم مَنازِلَهم، كما وَردَ في الحديثِ: ((وَنَزِّلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ» فلا يَغلُون فيهم بحَيْثُ يَرْفَعُونَهم عن مَنْزِلَتِهم التي أَنْزَلَهُم اللَّهُ بها، فلا يَعتقدُونَ أنَّهم مَعصومُون عَن الذُّنوبِ والخطايا، بل يَجوزُ عليهم ما يَجوزُ على غيرِهم مِن الذُّنوبِ والخطايا، وفي الحديثِ أَنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» وفي حديثِ أبي ذرٍّ: «إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنوبَ جَمِيعاً فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» وقالَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ولم يَقُلْ أحدٌ يُعتدُّ بِهِ: إنَّ الصَّحابةَ -رضي اللَّهُ عنهم- أو غيرُهم مِن الأولياءِ أو القَرابةِ مَعصومٌ مِن كبائرِ الذُّنوبِ أو مِن الصَّغائِرِ، بل يجوزُ عليه وُقوعُ الذَّنْبِ، واللَّهُ يَغْفِرُ لهم.
يعني الصحابة والأولياء وقرابة النبي كلهم غير معصومين, العصمة للرسل عليهم السلام فيما يبلغون عن الله, وكذلك معصوم من الشرك ومن كبائر الذنوب قد يقعون في الصغيرة وفيما هو خلاف الأولى, أما غير الرسل كأهل البيت والأولياء والصالحين وغيرهم كلهم تجوز عليهم الكبائر والصغائر.
المتن
وقِصَّةُ حاطِبٍ في الصَّحيحِ، فقد غَفَرَ له الذَّنْبَ العظيمَ بِشُهودِه بَدْرا. اهـ.
فأهلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ لا يَرَوْنَ عصمةَ أحدٍ لا مِن الصَّحابةِ ولا مِن القرابةِ، ولا يُؤَثِّمُونهم باجتهادِهم، بخلافِ أهلِ البِدَعِ الذين غَلَوْا مِن الجانِبَيْنِ: طائفةٌ عَصَّمَتْهم وطائفةٌ أَثَّمَتْهُم.
قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ: ولم يَقُلْ أَحدٌ مِن الأئمَّة إلاَّ الإماميَّةُ والإسماعيليَّةُ.
وقولُ بعضِهم: إنَّ النَّبيَّ معصومٌ، والوَلِيَّ محفوظٌ، إنْ أرادَ بالحِفظِ ما يُشْبِهُ العِصمةَ فباطِلٌ. انتهى.
أمَّا الأنبياءُ عليهم السَّلامُ فاتَّفَقَ العلماءُ على أنَّهم مَعصومُون في تبليغِ الرِّسالةِ، لا يَجوزُ أنْ يَستقِرَّ في ذَلِكَ شيءٌ مِن الخطأِ، وَكَذَلِكَ معصومونَ مِن الكبائرِ.
والشرك من باب أولى كذلك لأن الشرك من الكبائر.
المتن
أمَّا الصَّغائرُ فقد تَقَعُ منهم ولكنْ لا يُقِرُّونَ عليها، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد كلامٍ: فالعلماءُ متَّفِقونَ على أنَّهم لا يُقِرُّون على خطأٍ في الدِّين أَصٍلا، ولا على فِسْقٍ أو كذبٍ في الجملةِ، كُلُّ ما يَقدَحُ في نُبُوَّتِهم وتَبْلِيغِهم عن اللَّهِ فَهُم متَّفِقون على تَنْزِيهِهم عنه، وعامَّةُ الجمهورِ الذين يُجَوِّزُون عليهم الصَّغائرَ يقولون: إنَّهم مَعصومُون مِن الإقرارِ عليها، فلا يَصْدُرُ منهم ما يَضرُّهُم، كما جاء في الأثرِ: كان دَاودُ بعدَ التَّوبةِ خيرًا منه قبلَ الخطيئةِ، واللَّهُ -سُبْحَانَهُ- يُحِبُّ التَّوابِينَ، ويُحِبُّ المتطَهِّرين، وإنَّ العبدَ يفعلُ السِّيِّئَةَ يَدخُلُ بها الجَنَّةَ، وأمَّا النِّسيانُ والسَّهْوُ في الصَّلاةِ فذَلِكَ واقِعٌ منهم، وفي وقوعِه حِكمةُ اسْتِنانِ المسلِمِينَ بهم، كما رُوِيَ في موطأِ مالِكٍ: إِنَّمَا أَنْسَى أَوْ أُنْسَى لأَسُنَّ. اهـ.
قولُه: (ولهم مِن السَّوابِقِ والفضائِلِ) إلخ أي: حَدَثَ، فما يَقعُ منهم -رضي اللَّهُ عنهم- يُغْتَفَرُ في جانِبِ ما لهم مِن الحسناتِ العظيمةِ، كما في قِصَّةِ حاطبٍ: فقد غُفِرَ له الذَّنْبُ العظيمُ بِشُهودِه بدراً {وَكُـلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}.
وفي جامعِ الترمذيِّ أَنَّ النَّبيَّ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال لَمَّا جاءَهُ عثمانُ لِتَجْهيزِ جَيشِ العُسْرَةِ: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ» مَرَّتَيْنِ، رواه الترمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ، وروى أحمدُ وأبو داودَ والترمذيُّ عن جابرٍ أنَّ رسولَ اللَّهِ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: «لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»، وأَخْرَجَ أحمدُ بِسَندٍ رجالُه ثِقاتٌ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ أَنَّ النَّبيَّ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال لأهلِ الحديبيةِ: «لاَ يُدْرِكَنَّ قَوْمٌ بَعْدَكُمْ صَاعَكُمْ وَلاَ مُدَّكُمْ».
قولُه: (حتى إنَّهم يُغفَرُ لهم مِن السَّيِّئاتِ) إلخ: وَذَلِكَ لما لهم مِن الفَضائِلِ والسَّوابقِ والوَعْدِ بالمغفرةِ، قال تعالى: {وَكُـلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} فلأصحابِ رسولِ اللَّهِ من الحسناتِ والأسبابِ التي تَمْحُو السَّيِّئاتِ أعظمُ نَصيبٍ، قال: {لِيُكَـفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الذي عَمِلُواْ} والحبيبُ يسامِحُ بما لا يُسامِحُ بِهِ غيرُه؛ لأَنَّ المحبَّةَ أكبرُ شُفعائِه كما قِيلَ:
وإذا الحَبِيبُ أَتى بِذَنْبٍ واحدٍ جاءتْ محاسِنُه بألْفِ شَفيعِ
فلِمَقامَاِتهم العظيمةِ وجهادِهم في اللَّهِ أعداءَه حقَّ الجهادِ يُحتمَلُ لهم ما لا يُحتَمَلُ لغيرِهم، وذَكَر ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في المدارجِ في أثناءِ كلامٍ له: أِنَّه يُعفَى للمحِبِّ ولِصاحِبِ الإحسانِ العظيمِ ما لا يُعْفَى لغيرِه، ويُسامَحُ بما لا يُسامَحُ بِهِ غيرُه، قال: وقد استدلَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين -رَحِمَهُ اللَّهُ- على ذَلِكَ بقصَّةِ سليمانَ حين أَلْهَتْهُ الخيلُ عن صلاةِ العصرِ، فأَتْلَفَها فعوَّضَه اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- الرِّيحَ، وَكَذَلِكَ لَطَم مُوسى عَيْنَ مَلَكِ الموتِ فَفَقأَها ولم يَعْتَبْ عليه رَبُّه، وفي ليلةِ الإسراءِ عاتَبَ رَبَّهِ في النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أنَّه رُفِعَ فوقَه، ولم يُعاتِبْهُ اللَّهُ على ذَلِكَ، لِما له مِن المقاماتِ العظيمةِ.
وكان شديدَ الغضبِ لرَبِّه، فاحتَمَلَ له مالم يَحتَمِلْه لغيرِه، وذو النُّونِ لمَّا لم يكُنْ له هَذَا المقامَ سَجَنَهُ في بطنِ الحوتِ مِن أجلِ غَضَبِه {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} انتهى بتصرُّفٍ.
هذا قبل النبوة وتاب منه عيره فرعون فقال: وفعلت فعلتك التى فعلت وأنت من الكافرين قال: فعلتها إذاً وأنا من الظالمين ففررتم منكم لم خفتكم ووهبني ربي حكماً وجعلني نبيا.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك