بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
المتن
قال شيخ الإسلام رحمنا الله وإياه في العقيدة الواسطية: ويَأْمُرونَ بالصَّبْرِ عِنْدَ البَلاءِ، والشُّكْرِ [ عند الرَّخاءِ ] والرِّضا بمُرِّ القَضاءِ.
الشرح
وهذا عنوان السعادة, عنوان السعادة أن يشكر الإنسان عند الرخاء وعند البلاء, ويستغفر عند الذنب؛ لأن الإنسان يتقلب بين هذه الأحوال الثلاثة إما مصاب فيجب عليه الصبر, وإما أغناه الله فيجب عليه الشكر, وإما وقع في معصية أو ذنب فعليه التوبة.
نعم:
المتن
قولُه: (ويأمُرون بالصَّبْرِ) الأمْرُ استدعاءُ الفِعلِ بالقولِ على وَجْه الاستعلاءِ، قال بَعضُهم:
أَمْرٌ مع استعلا وعَكْسُه دَعَا وفي التَّساوِي فَالتْماسٌ وَقَعا.
الشرح
يعني الأمر من الأعلى هذا يسمونه استعلاء, والأمر ممن هو فوق يسمى أمر, وفى سؤال الله U يمسى دعاء, وممن هو مساوي يسمى التماس.
يعني أنه يأمر من دونه يعني إذا صدر الأمر من الأدنى إلى الأعلى يسمى دعاء, وإذا صدر من الأعلى إلى الأدنى يسمى استعلاء, وإذا صدر من المساوي يمسى التماس, فالزميل ومن هو في درجاتك هذا يسمى التماس.
نعم:
المتن
وَهَذِهِ الثلاثةُ المذكورةُ في المَتْنِ مِن صفاتِ المؤمنين، وَهِيَ عُنوانُ السَّعادةِ وعلامةُ الفَلاحِ، أَخْرَجَ الطَّبرانيُّ بسنَدٍ حَسنٍ عن سنجرة مرفوعا: «مَنْ أُعْطِيَ فَشَكَرَ، وَابْتُلِيَ فَصَبَرَ، وَظَلَمَ فَاسْتَغْفَرْ، وَظُلِمَ فَنَفَرَ، أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ» والصَّبرُ معناه لغةً: الحبْسُ.
الشيخ: حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي والجوارح عما يغضب الله
نعم:
قال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عن الجَزَعِ، وحَبسُ اللِّسانِ عن التَّشكِّي والتَّسخُّطِ، وحَبسُ الجوارِحِ عن لَطْمِ الخُدودِ وشَقِّ الجيوبِ، وقد تكاثَرَتِ الأدِلَّةُ في الأمْرِ بالصَّبرِ والحثِّ عليه، قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، وقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقال النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: «الصَّبْرُ ضِياءٌ»، وقال عليٌّ -رضي اللَّهُ عنه-: إنَّ الصَّبْرَ مِن الإيمانِ بمنـزلةِ الرَّأسِ مِن الجسَدِ، ثم رَفَعَ صوتَه فقال: أَلاَ إِنَّهُ لاَ إيمانَ لمَنْ لاَ صَبْرَ لَهُ، وقد تقدَّمَ الكلامُ في الصَّبرِ فلا نُطيلُ بإعادتِه.
أمَّا الرِّضَا فهُوَ مِن أَجَلِّ الطَّاعاتِ وأَشْرَفِ منازِلِ السَّائرِينَ إلى اللَّهِ -سُبْحَانَهُ-، وهُوَ مُسْتَحبٌّ بالإجماعِ. وقال بعضُ العُلماءِ بوُجوبِه لقولِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: «فَمَنْ أَرْضَى اللَّهَ فَلَهُ الرِّضَا،
الشرح
الرضا كون إنسان يرضى هذا مستحب لكن الصبر واجب يجب علىيه أن يصبر على ما أصيبه ولا يتسخط, ليحبس نفسه عن الجزع, ويحبس لسانه عن التشكي, ويحبس جوارحه عما يغضب الله هذا واجب, أما كونه يرضى بقلبه في المصيبة هذا مستحب الأفضل أنه يرضى, الرضا مستحب وليس بواجباً, الإنسان له أحوال عند المصيبة الحالة الأولى: حالة وجوب وهو الصبر يجب عليه الصبر, الحالة الثانية: حالة استحباب وهى الرضا بما يصيب, والحالة الثالثة: هى حالة شكر وهى أن يعتبر المصيبة نعمة يشكر الله عليها لأن هذه المصيبة كفرت بها السيئات ورفعت بها الدرجات هذا لا يقوى عليه إلا عباد الله المخلصين.
نعم:
المتن
وقال بعضُ العُلماءِ بوُجوبِه لقولِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: «فَمَنْ أَرْضَى اللَّهَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَعَلَيْهُ السَّخَطُ»، والأدِلَّةُ على فَضْلِه والحثِّ عليه كثيرةٌ جِداًّ قال اللَّهُ تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} وكان مِن دعاءِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: «وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ» وجاء رَجُلٌ إلى النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- فسألَه أنْ يُوصِيَهُ وصيَّةً جامِعةً مُوجَزةً، فقال: «لا تَتَّهِمِ اللَّهَ فِي قَضَائِهِ»، وفي صحيحِ مسلمٍ عن العبَّاسِ بنِ عبدِ المطلبِ عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ باللَّهِ رَباًّ وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً وبمُحَمَّدٍ رَسُولاً» فَالرِّضَا بربُوبِيَّتِه يَتَضَّمَنُ الرِّضَا بعبادَتِه وَحْدَه لا شريكَ له، والرِّضا بتدبيرِه العبدَ واختيارِه له، وقد تقدَّمَ الكلامُ على الرِّضا على قولِه: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ}، والشُّكْرُ هُوَ فِعلٌ يُنْبِئُ عن تعظيمِ المُنْعِمِ لكونِه مُنْعِما، وهُوَ شَرْعا صَرفُ العبدِ جميعَ ما أَنْعمَ اللَّهُ بِهِ عليه لِمَا خُلِقَ لأجْلِه، ويتعلَّقُ بالقلبِ واللِّسانِ والجوارحِ كما قيل:
أَفادَتْكُمُ النَّعماءُ مِنِّي ثلاثةً يَدِي ولِساني والضَّمِيرَ المُحْجَبَا
والشُّكرُ مِن أجلِّ الطَّاعاتِ وأفْضلِها، ومِن أَشْرفِ منازِلِ السَّائِرينَ إلى اللَّهِ وأرْفَعِها، وهُوَ مُؤْذِنٌ بالمزيدِ، قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} قال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: مَنـزلةُ الشُّكرِ أعلى المنازِلِ، وهُوَ فَوقَ منـزلَةِ الرِّضا، فالرِّضا مُندرِجٌ في الشُّكرِ؛ إذْ يَستحِيلُ وُجودُ الشُّكرِ بِدُونِه وهُوَ نِصفُ الإيمانِ، والإيمانُ نِصفانِ نِصفُ شكرٍ ونِصفُ صبرٍ، إلى أنْ قال: وأهلُه هم القليلُ، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، وقال: {وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} انتهى، والتَّحدُّثُ بالنِّعمةِ شُكرٌ، كما قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} وأمَّا حُكمُ الشُّكرِ فواجِبٌ لما تَقدَّمَ، وهُوَ مَبنيٌّ على ثلاثةِ أركانٍ: التَّحدُّثُ بالنِّعمةِ ظاهراً، والاعترافُ بها باطِنا، وصَرْفُها في طاعةِ مُولِيها ومُسْدِيها وهُوَ اللَّهُ. ذَكَرَه ابنُ القيِّمِ بتصرٌّفٍ.
قولُه: (ويَدعونَ إلى مكارِمِ الأخلاقِ ومحاسن الأعمال) المكارِمُ جمعُ مَكْرُمَةٍ بضمِّ الرَّاءِ، وَهِيَ مِن الكرَمِ، وكُلُّ فائِقٍ في بابِه يقال له كُريمٌ.
قولُه: (ومَحاسِنِ الأعمالِ) – هذه من صفات أهل السنة والجماعة - أي: جَميلِها، وقال الرَّاغبُ: الحُسْنُ عِبارةٌ عن كُلِّ مَرغوبٍ فيه، أي أنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجَماعَةِ يَحثُّون ويُرَغِّبون في مكارِمِ الأخلاقِ ومحاسِنِ الأعمالِ، كالكَرَمِ والشَّجاعةِ والصِّدْقِ والأمانةِ ونحوِ ذَلِكَ؛ لِما تكاثَرَتْ بِهِ الأدِلَّةُ مِن الحثِّ على ذَلِكَ والتَّرغيبِ فيه، وأنَّ ذَلِكَ مِن صفاتِ المؤمنين، بل مِن أخصِّ علاماتِ الإيمانِ، كما في حديثِ أبي هريرةَ -رضي اللَّهُ عنه- مرفوعًا: «خَصْلَتَانِ لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ، حُسْنُ سَمْتٍ وَفِقْهٌ فِي الدِّينِ» رواه الترمذيُّ.
نعم:
الشرح
إما أن يكون عنده سمت وإما أن يكون عنده تفقه في الدين.
المتن
قال تعالى في نَبِيِّه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قالتْ عائشةُ -رضي اللَّهُ عنها-: كانَ خُلُقُه القرآنَ، يَأْتَمِرُ بأوامِرِه، وَيَنْزَجِرُ عن زَواجِرِه، ويَرْضَى لِرِضَاه ويَغْضَبُ لِغَضبِه، أي كان متُمَسِّكاً بآدابِه وأوامِرِه ونواهِيه، وما يَشتَمِلُ عليه مِن المكارِمِ والمحاسِنِ والألطافِ، قال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في المدارِجِ: وقد جَمعَ اللَّهُ له مَكارِمَ الأخلاقِ في قولِه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} قال جعفرُ بنُ محمَّدٍ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّه بمكارِمِ الأخلاقِ، وليس في القرآنِ آيةٌ أجْمَعُ لمكارِمِ الأخلاقِ مِن هَذِهِ الآيةِ انتهى.
وفي الصَّحيحِ أنَّ أبا ذَرٍّ -رضي اللَّهُ عنه- قال لأخِيهِ لما بَلَغَه مَبْعَثُ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ارْكَبْ إلى هَذَا الوادِي فاسْمَعْ مِن قَولِه، فرَجَعَ فقال: رأيتُه يَأمُرُ بمكارِمِ الأخلاقِ، وفي الحديثِ أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكاَرِمَ الأَخْلاَقِ» رواه أحمدُ والبزَّارُ، ورواه مالِكٌ في الموطَّأِ، ولفظُه: قال: بلغني أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأَخلاقِ» قال القرطبيُّ في المفهمِ: الأخلاقُ أوصافُ الإنسانِ التي يُعامِلُ فيها غيرَه، وَهِيَ محمودةٌ ومذمومةٌ، فالمحمودةُ على الإجمالِ: أنْ تكون مع غَيرِكَ على نَفْسِكَ، فَتُنْصِفُ مِنها ولا تُنْصِفُ لها، وعلى التَّفِصيلِ العفوُ والحِلمُ والجُودُ والصَّبرُ وتَحمُّلُ الأذَى والرَّحمةُ والشَّفقةُ وقَضاءُ الحوائجِ ونحوُ ذَلِكَ، والمذمومُ ضِدُ ذَلِكَ. انتهى.
وقال الحسَنُ: حقيقةُ حُسنِ الخُلقِ بَذلُ المعروفِ وكَفُّ الأذَى وطَلاقةُ الوجْهِ، رواه الترمذيُّ عن عبدِ اللَّهِ بنِ المبارَكِ.
قال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في المدارِجِ: الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ، فمَن زاد عليك في الخُلقِ زادَ عليكَ في الدِّينِ، وحُسنُ الخُلقِ يقومُ على أربعةِ أركانٍ: الصَّبرُ، والعِفَّةُ، والشَّجاعةُ، والعَدلُ، فالصَّبرُ يَحمِلُه على الاحتمالِ وكَظْمِ الغيظِ، والحِلمُ والأناةُ والرِّفقُ وعَدمُ الطَّيْشِ، والعِفَّةُ تَحملُه على اجتنابِ الرَّذائلِ والقَبائِحِ مِن القولِ والفِعلِ، والشَّجاعةُ تحملُه على عِزَّةِ النَّفْسِ وقُوَّتِها على إخراجِ المحبوبِ وتَحمِلُه على كَظْمِ الغَيظِ، والحِلمُ والعَدلُ يَحملُه على اعتدالِ أخلاقِه وتوسُّطِه بين طرَفَيِ الإفراطِ والتَّفريطِ.
الشرح
هذا بينهم العدل الإفراط والتفريط وعدل, الإفراط: الزيادة, التفريط: النقص, العدل: هو الوسط لا إفراط ولا تفريط.
قف على هذا وفق الله الجميع لطاعته