بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , أما بعد:
المتن
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى في العقيدة الواسطية: ويَدْعونَ إِلى مَكارِمِ الأَخلاقِ، ومَحَاسِنِ الأعْمالِ.
الشرح
يعني أهل السنة والجماعة من صفاتهم أنهم يدعون إلى مكارم الأخلاق.
نعم:
المتن
ويَعْتَقِدونَ مَعْنى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « أَكْمَلُ المُؤمِنينَ إِيْماناً أَحْسَنُهُم خُلُقاً ».
قال الشارح رحمه الله تعالى: قولُه: (ومَحاسِنِ الأعمالِ) أي: جَميلِها، وقال الرَّاغبُ: الحُسْنُ عِبارةٌ عن كُلِّ مَرغوبٍ فيه، أي أنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجَماعَةِ يَحثُّون ويُرَغِّبون في مكارِمِ الأخلاقِ ومحاسِنِ الأعمالِ، كالكَرَمِ والشَّجاعةِ والصِّدْقِ والأمانةِ ونحوِ ذَلِكَ؛ لِما تكاثَرَتْ بِهِ الأدِلَّةُ مِن الحثِّ على ذَلِكَ والتَّرغيبِ فيه، وأنَّ ذَلِكَ مِن صفاتِ المؤمنين، بل مِن أخصِّ علاماتِ الإيمانِ، كما في حديثِ أبي هريرةَ -رضي اللَّهُ عنه- مرفوعًا: «خَصْلَتَانِ لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ، حُسْنُ سَمْتٍ وَفِقْهٌ فِي الدِّينِ» رواه الترمذيُّ، قال تعالى في نَبِيِّه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قالتْ عائشةُ -رضي اللَّهُ عنها-: كانَ خُلُقُه القرآنَ، يَأْتَمِرُ بأوامِرِه، وَيَنْزَجِرُ عن زَواجِرِه، ويَرْضَى لِرِضَاه ويَغْضَبُ لِغَضبِه، أي كان متُمَسِّكاً بآدابِه وأوامِرِه ونواهِيه، وما يَشتَمِلُ عليه مِن المكارِمِ والمحاسِنِ والألطافِ، قال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في المدارِجِ: وقد جَمعَ اللَّهُ له مَكارِمَ الأخلاقِ في قولِه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} قال جعفرُ بنُ محمَّدٍ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّه بمكارِمِ الأخلاقِ، وليس في القرآنِ آيةٌ أجْمَعُ لمكارِمِ الأخلاقِ مِن هَذِهِ الآيةِ انتهى.
الشرح
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}, جامعة يعني خذ ما تيسر واقبل العفو وأمر بالعرف عام كلمة جامعة كل ما يسمى عرف في الشرع, وأعرض عن الجاهلين بسط الوجه, وكف الأذى وبذل الندى هذا هو حسن الخلق بسط الوجه وكف الأذى وبذل المعروف.
المتن
وفي الصَّحيحِ أنَّ أبا ذَرٍّ -رضي اللَّهُ عنه- قال لأخِيهِ لما بَلَغَه مَبْعَثُ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ارْكَبْ إلى هَذَا الوادِي فاسْمَعْ مِن قَولِه، فرَجَعَ فقال: رأيتُه يَأمُرُ بمكارِمِ الأخلاقِ، وفي الحديثِ أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكاَرِمَ الأَخْلاَقِ» رواه أحمدُ والبزَّارُ، ورواه مالِكٌ في الموطَّأِ، ولفظُه: قال: بلغني أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأَخلاقِ» قال القرطبيُّ في المفهمِ: الأخلاقُ أوصافُ الإنسانِ التي يُعامِلُ فيها غيرَه، وَهِيَ محمودةٌ ومذمومةٌ، فالمحمودةُ على الإجمالِ: أنْ تكون مع غَيرِكَ على نَفْسِكَ، فَتُنْصِفُ مِنها ولا تُنْصِفُ لها.
الشرح
يعني تُنصف من نفسك, تعطى العدل لنفسك الانصاف هو العدل يعني تعطى العدل لنفسك, ولا تنصف لها تأخذ لها العدل الكامل أنت تُعطي العدل وأنت لا تطلب العدل تنازل.
نعم:
أحسن الله إليك
المتن
قال القرطبيُّ في المفهمِ: الأخلاقُ أوصافُ الإنسانِ التي يُعامِلُ فيها غيرَه، وَهِيَ محمودةٌ ومذمومةٌ، فالمحمودةُ على الإجمالِ: أنْ تكون مع غَيرِكَ على نَفْسِكَ، فَتُنْصِفُ مِنها ولا تُنْصِفُ لها.
وعلى التَّفِصيلِ العفوُ والحِلمُ والجُودُ والصَّبرُ وتَحمُّلُ الأذَى والرَّحمةُ والشَّفقةُ وقَضاءُ الحوائجِ ونحوُ ذَلِكَ، والمذمومُ ضِدُ ذَلِكَ. انتهى.
وقال الحسَنُ: حقيقةُ حُسنِ الخُلقِ بَذلُ المعروفِ وكَفُّ الأذَى وطَلاقةُ الوجْهِ، رواه الترمذيُّ عن عبدِ اللَّهِ بنِ المبارَكِ.
قال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في المدارِجِ: الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ، فمَن زاد عليك في الخُلقِ زادَ عليكَ في الدِّينِ، وحُسنُ الخُلقِ يقومُ على أربعةِ أركانٍ: الصَّبرُ، والعِفَّةُ، والشَّجاعةُ، والعَدلُ، فالصَّبرُ يَحمِلُه على الاحتمالِ وكَظْمِ الغيظِ، والحِلمُ والأناةُ والرِّفقُ وعَدمُ الطَّيْشِ، والعِفَّةُ تَحملُه على اجتنابِ الرَّذائلِ والقَبائِحِ مِن القولِ والفِعلِ، والشَّجاعةُ تحملُه على عِزَّةِ النَّفْسِ وقُوَّتِها على إخراجِ المحبوبِ وتَحمِلُه على كَظْمِ الغَيظِ، والحِلمُ والعَدلُ يَحملُه على اعتدالِ أخلاقِه وتوسُّطِه بين طرَفَيِ الإفراطِ والتَّفريطِ، فمَنْشأُ جميعِ الأخلاقِ الفاضِلةِ مِن هَذِهِ الأربعةِ، ومَنْشأُ جميعِ الأخلاقِ السَّافلةِ وبناؤها على أربعةِ أركانٍ: الجهلُ، والظُّلمُ، والشَّهوةُ، والغَضبُ. انتهى.
قولُه: (ويعتقدُونَ معنى قولِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً) إلخ: هَذَا الحديثُ رواه أحمدُ والترمذيُّ وقال: حسنٌ صحيحٌ، مِن حديثِ أبي هريرةَ وتمامُه: «وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» وَاقْتَصَرَ أبو دَاودَ على قولِهِ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً»، وأخْرَجَه أبو يعلى عن أنسٍ، فهَذَا الحديثُ كغيرِه فيه: الحثُّ على حُسنِ الخُلقِ، وأنَّه مِن صفاتِ المؤمنين، فحُسنُ الخُلقِ هُوَ احتيازُ الفضائلِ واجتنابُ الرَّذائلِ، وقال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حُسنُ الخُلقِ كلمةٌ جامعةٌ للإحسانِ إلى النَّاسِ وكَفِّ الأذَى عنهم. انتهى، وتقدَّمَ كلامُ الحسَنِ في حقيقةِ حُسنِ الخُلقِ.
والخُلقُ بالضَّمِّ صورةُ الإنسانِ الباطنةِ، وبالفَتحِ صورَتُه الظَّاهِرةُ، وقد تكاثَرَت الأحاديثُ في مَدحِ حُسنِ الخُلقِ وذَمِّ سوءِ الخُلقِ، فعَنْ أبي هريرةَ -رضي اللَّهُ عنه- مرفوعاً أنَّه سُئِلَ عن أكثرِ ما يُدخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ فقال: «تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلقِ» رواه جماعةٌ منهم الترمذيُّ وصححَّه، ولأبي داودَ مِن حديثِ عائشةَ مرفوعًا: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ». وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّهُ عنه- أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: «إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ سَعُوهُمْ بَبَسْطِ الْوَجْهِ وَحُسْنِ الخُلُقِ» أَخْرَجَه أبو يَعلَى وصحَّحه الحاكِمُ.
وأَخبَرَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: «أَنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ أَثْقَلُ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ، وَأَنَّ صَاحِبَهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ وَأَقْرَبُهُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مَجْلِساً» فَخَرَّجَ الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ والترمذيُّ مَن حديثِ أبي الدَّرداءِ عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي مِيزَانِ الْعَبْدِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وإَِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةٍ».
وأَخرَجَ ابنُ حِبَّانَ في "صحيحِه" مِن حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَى اللَّهِ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟)) قالوا: بلى قال: «أَحْسَنُكُمْ أَخْلاَقاً» انتهى، وفي الحديثِ المذكورِ فوائدُ، منها: مَدحُ حُسنِ الخُلقِ والثَّناءِ على أهلِه والحثِّ على التَّخلُّقِ بأحسنِ الأخلاقِ، وفيه أنَّ حُسنَ الخُلقِ مِن خِصالِ الإيمانِ، وفيه: دليلٌ على أَنَّ الأعمالَ داخِلةٌ في مسمَّى الإيمانِ، وفيه تَفاضُلُ النَّاسِ في الإيمانِ، والرَّدُّ على مَن زَعَم أَنَّ الإيمانَ لا يَتَفاضَلُ، وأَنَّ النَّاسَ فيه سواءٌ.
الشرح
وهذا قول المرجئة, والمرجئة يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص, وإن زاد زاد جميعه, وإن ذهب ذهب جميعه, ولا يمكن يتبعض ولا يتجزأ.
نعم:
المتن
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى: وَيَنْدُبُونَ إِلى أَنْ تَصِلِ مَنْ قَطَعَكَ، وتُعْطيَ مَنْ حَرَمَكَ، وتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ.
قولُه: (ويَندُبون إلى أنْ تَصِلَ مَن قَطَعَكَ) أي: يَدعُون ويَحثُّونَ ويُرغِّبون في صِلةِ مَن قَطَعكَ، والنَّدْبُ لغةً: الدُّعاءُ وَالمنتدَبُ المَدْعُو، كما قيل:
لاَ يَسْأَلُون أَخاهُمْ حِينَ يَندُبُهم في النَّائِباتِ على ما قال بُرْهانا
واصْطِلاحًا المندوبُ: هُوَ ما أُثِيبَ فاعِلُه ولم يُعاقَبْ تَارِكُه، ويُسمَّى المندوبُ سُنَّةً وتطوُّعا ومُسْتَحباًّ ونَفْلا، وقُربةً ومُرَغَّبا فيه وإحسانًا، أي أنَّ أهلَ السُّنَّةِ يَندبُون إلى أنْ تَصِلَ مَن قَطَعكَ إلخ: لِمَا رَوى الإمامُ أحمدُ في مسنَدِه مِن حَديثِ معاذِ بنِ أنسٍ الجُهَنِيِّ -رضي اللَّهُ عنه- قال، قال رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: «أَفْضَلُ الْفَضَائِلِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصْفَحُ عَمَّنْ شَتَمَكَ».
وخرَّج الحاكِمُ مِن حديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ الجهنيِّ قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: «يَا عُقْبَةُ أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ أَخْلاَقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟ تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ» وروى أنَّ جبريلَ قال للنبيِّ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- حينَ نَزَّلَ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} قال في تفسيرِ ذَلِكَ: أنْ تَعْفُوَ عمَّن ظَلَمَك، وتَصِلَ مَن قَطَعكَ، وتُعطِي مَن حَرَمَك".
قولُه: (تَعفُو عمَّنْ ظَلمَكَ) العَفْوُ: هُوَ الصَّفحُ والتَّجاوُزُ عن الذَّنْبِ، أيْ: تَصفَحُ عمَّن ظَلَمَكَ وتَتجاوَزُ عن ذَنْبِه، ولا تُؤاخِذُه بما نَالَ مِنْكَ، فإنَّ ذَلِكَ مِن خصالِ الإيمانِ، وسببٌ للرِّفعةِ والعِزَّةِ، كما روى ابنُ عمرَ مرفوعًا «ابْتَغُوا الرِّفْعَةَ عِنْدَ اللَّهِ تَحْلُمُ عَمَّنْ جَهِلَ عَلَيْكَ وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ» أَخْرَجَهُ ابنُ عَدِيٍّ. وعن أنسٍ الجُهنيِّ عن أبيه أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أيِّ الْحُورِ شَاءَ» رواهُ أبو داودَ والترمذيُّ.
قف عند هذا
وفق الله الجميع لطاعته
الشرح
هذه من الأخلاق العظيمة أخلاق أهل السنة والجماعة مع العقيدة السليمة يأمرون بمحاسن الأخلاق, ويأمرون بالمعروف, وينهون عن المنكر, ويدعون إلى صلة الأرحام, وينهون عن سفاسف الأمور, وعن القطيعة, وعن الأخلاق السيئة, فهم عقيدة سليمة وأخلاق فاضلة وعمل صالح.