بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
المتن
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمنا الله وإياه في العقيدة الواسطية: وهُمُ الطَّائِفَةُ المَنْصورَةُ الَّذينَ قالَ فيهمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لا تَزالُ طائِفةٌ مِنْ أُمَّتي عَلى الحَقِّ ظاهرين، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، ولا مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى تَقومَ السَّاعَةُ ».
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنا مِنْهُمْ وأَنْ لا يُزيغَ قُلوبَنَا بعْدَ إِذْ هَدَانا، وأَنْ يَهَبَ لَنا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً إِنَّهُ هُوَ الوَهَّابُ.
واللهُ أَعْلَمُ
وصلَّى اللهُ على مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ.
قال الشارح: (المَنْصورَةُ) أي: بالحُجَّةِ والبَيانِ أو بالسَّيْفِ والسِّنانِ، فعلى الأوَّلِ هم أهلُ العِلمِ، وبِهِ قال البخاريُّ وغيرُه، وقال ابنُ القَيِّمِ: هم أهلُ العِلمِ والمعرفةِ بما بَعثَ اللَّهُ بِهِ رَسولَه.
الشرح
يعني الطائفة المنصورة هم أهل العلم وعلى الأولى وكلمة منصورة يعني بالسيف السنان الجهاد.
المتن
قولُه: (الذين قال فيهم النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-) الحديثُ رواه مسلمٌ من حديثِ جابرِ بنِ سَلمةَ، وجابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ وثوبانَ، وأَخْرجاه في "الصَّحيحَيْنِ" من حديثِ المغيرةِ بنِ شعبةَ ومعاويةَ بنِ أبي سفيانَ.
قولُه (ظَاهِرين) أي: غَالِبين، والظُّهورُ: الغَلَبةُ. وقولُه: (حتى تَقُومَ السَّاعةُ) أي ساعةُ مَوْتِهم بهُبوبِ الرِّيحِ، تَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مؤمِنٍ, وَهِيَ السَّاعةُ في حقِّ المؤمنين. وإلاَّ فالسَّاعةُ لا تَقومُ إلاَّ على شِرارِ الخَلقِ، وقد تقدَّمَ ذَلِكَ
نعم:
الشرح
وهذا في آخر الزمان بعد خروج أكثر علامات بل جميع العلامات بعد العلامة الأخيرة وهى النار بعد طلوع الشمس من مغربها, وبعد الدابة التى تسم الناس ويجلسون مدة والله أعلم بها, يُعرف المؤمن من الكافر فالمؤمن يبيض وجهه حيث وسمته الدابة, والكافر يسود وجهه حيث وسمته الدابة بالسواد, والشمس طلعت من مغربها وأُغلق باب التوبة وليس هناك إيمان جديد كل باقي على ما كان فصار الناس يعرفون المؤمن من الكافر ويبتعون في أسواقهم خذ هذا يا مؤمن بع هذا يا كافر مدة من الدهر, ثم بعد ذلك تأتي إليهم ريح طيبة تقضي روح المؤمنين والمؤمنات ولا يبقى إلا الكفرة يعبدون الأصنام والأوثان ولا يعرفون الله معرفة صحيحة, وقبل قيام الساعة النار تحشر الناس من قعر عدن إلى المحشر, ثم تقوم الساعة على الكفرة وهم شرار الناس: إن من شرار الناس أن تدركهم الساعة وهم أحياء, والذين يتخذون القبور مساجد, ولا تقوم الساعة إلا ولا يخرب هذا الكون وهو فيه من مؤمن موحد إنما خراب هذا الكون بزوال أهل التوحيد والإيمان, وهذا يكون إذا قُبضت أرواح المؤمنين والمؤمنات خلا هذا الكون من التوحيد, والإيمان فيخرب وتقوم الساعة.
نعم:
أحسن الله إليك
المتن
وإلاَّ فالسَّاعةُ لا تَقومُ إلاَّ على شِرارِ الخَلقِ، وقد تقدَّمَ ذَلِكَ، وفي هَذَا الحديثِ فوائدُ: منها أنَّ فيه عَلمًا مِن أعلامِ نُبوَّتِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، ومعجزةً ظاهرةً للنَّبيِّ، فإنَّ هَذَا الوَصْفَ ما زَالَ بحمدِ اللَّهِ مِن زَمَنِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- إلى الآنَ ولا يَزالُ، وفيه دليلٌ لكونِ الإجماعِ حُجَّةً، وقال القرطبيُّ: وهُوَ أَفْصَحُ ما استُدِلَّ بِهِ مِن الحديثِ، أمَّا حديثُ: «لا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلاَلَةٍ» فضعيفٌ، وفيه الآيةُ العظيمةُ أنَّهم مع قِلَّتِهم لا يَضرُّهُم مَن خَذَلَهم ولا مَن خالَفَهم، وفيها البِشارةُ أَنَّ الحقَّ لا يَزولُ بالكُلِّيَّةِ، قالَه الشَّيخُ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ في كتابِ التَّوحيدِ، واحتجَّ بِهِ أحمدُ على أَنَّ الاجتهادَ لا يَنقطِعُ, وأنَّ هَذِهِ الطائفةَ موجودةٌ.
الشرح
لأن الحق لازم بالكلية لا يمكن يعني يُرفع الحق من الأرض الناس تكون على باطل, هذا ما يكون إلا بعد قضاء روح المؤمنين والمؤمنات في آخر الزمان, لابد أن يكون أهل الحق موجود وعليهم طائفة لكن هذه الطائفة تقل وتكثر وتكون مجتمعة ومتقرقة.
المتن
واحتجَّ بِهِ أحمدُ على أَنَّ الاجتهادَ لا يَنقطِعُ, وأنَّ هَذِهِ الطائفةَ موجودةٌ.
واستُدِلَّ بِهِ أيضًا على أَنَّ الأمَّةَ لا تَجتمِعُ على ضلالةٍ، ولا تَرتدُّ جميعُها، بل لا بدَّ أن يُبقِيَ اللَّهُ مِن المؤمنينَ مَن هُوَ ظاهرٌ إلى قيامِ السَّاعةِ، فإذا ماتَ كُلُّ مؤمنٍ فقد جاءت السَّاعةُ.
قولُه: (فنسألُ اللَّهَ) أي: نَطلُبُه ونُفرِدُه بالمسألةِ -سُبْحَانَهُ- قال تعالى: (وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ) وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللَّهِ».
وعن أبي هُريرةَ -رضي اللَّهُ عنه- أَنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ». رواه الترمذيُّ، وعن ابنِ مسعودٍ -رضي اللَّهُ عنه- مرفوعًا: «سَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ» رواه الترمذيُّ، وقد وَرَدتْ أحاديثُ كثيرةٌ في النَّهيِ عن مسألةِ المخلوقِينَ، وقد بايع النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- جماعةً مِن أصحابِه على أنْ لا يَسْألُوا النَّاسَ شيئًا، منهم أبو بكرٍ وأبو ذَرٍّ وثوبانُ، وكان أحدُهم يَسْقُطُ سَوْطُه فلا يَسألُ أحداً أنْ يُناوِلَه إيَّاهُ.
قولُه: (أنْ يَجعَلَنا منهم) أي: مِن الفِرقةِ النَّاجيةِ المتَمَسِّكةِ بما كان عليه الرَّسولُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وأصحابُه، وَهِيَ الطَّائفةُ المنصورةُ إلى قيامِ السَّاعةِ.
قولُه: (أنْ لا يُزيغَ قُلوبَنا) أي: يُميلُها عن الحقِّ والهُدى (بعد إِذْ هَدَانا)، أي وَفَّقَنَا وَأَلْهَمَنَا، فإنَّهُ -سُبْحَانَهُ- الهادِي، {مَنْ يَهْدِه اللَّهُ فَلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ له} وقد وَرَدَ أَنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- كان أكثرُ يَمِينِه «لاَ وَمُقَلِّبَ القُلُوبِ»، وكان -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- يقولُ في دعائِه: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» فقيل: يا نبيَّ اللَّهِ آمنَّا بِكَ وبما جئتَ بِهِ فهلْ تَخافُ علينا؟ فقال: «نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبِعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ شَاءَ» أَخرجَه أحمدُ والترمذيُّ مِن حديثِ أنسٍ، ووَرَدَ أنَّ قَلبَ ابنِ آدَمَ كَرِيشةٍ مُلْقاةٍ في فلاةٍ تُفيئُها الرِّياحُ، ولذا قيل: إنَّ القَلبَ سُمِّي قَلْباً لتَقَلُّبِه، كما قال بعضُهم:
مَا سُمِّي القَلبُ إلاَّ مِن تقلُّبِه فاحذَرْ على القلبِ مِن قَلبٍ وتَحويلِ
وقال آخرُ:
وما سُمِّيَ الإنسانُ إلا لنَسْيهِ وما سُمِّيَ القَلبُ إلاَّ أنَّه يَتَقلَّبُ
قولُه: (وأنْ يَهَبَ لنا) أي: يُعطِيَنا.
قولُه: (مِن لَدُنْه) أي: مِن عندِه.
قولُه: (الوهَّابُ) أي: كَثيرُ الهِباتِ والعطايا، فلا خيرَ إلا خيرُه ولا إلهَ غيرُه.
قد تَمَّ ما أَرَدْنا إيرادَه في هَذِهِ العُجالةِ، والحمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، وصلَّى اللَّهُ على سيِّدِ المُرسَلين وآلِهِ وصَحبِه أجمعين، وكان الفراغُ مِن تعليقِه على يدِ جامِعِه الفقيرِ إلى اللَّهِ عبدِ العزيزِ بنِ ناصرِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عبدِ العزيزِ الرَّشيدِ سنة 1377 في أوَّلٍ مِن ذي الحجَّةِ، والعصمةُ لِلَّهِ ولكتابِه، والعاقِلُ مَن اغتَفَر قليلَ خطأِ المرءِ في كَثيرِ صَوابِه.
الشرح
الشيخ عبدالعزيز الرشيد رحمه الله كان يتولى القضاء ومعروف, وعالم فاضل درس في المعهد العالي للقضاء, ودرس في كلية الشريعة, تولى القضاء رحمه الله, وهذه شرح لتفسيره من أحسن الشروح في العقيدة الواسطية, من أحسنها هذا لا نظير له في الشروح الموجودة شرح عظيم مفيد.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك