(المتن):
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
قال الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد:
باب قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعلى الْكَبِيرُ [سبأ: 2ٍ3]
وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبيﷺ قال :إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خَضَعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفُذُهم ذلك. حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعلى الْكَبِيرُ فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض. وصفه سفيان بكفِّه فحرَّفَها وبدَّد بين أصابعه: فيسمع الكلمة ثم يلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه قال فيكذب معها مائة كذبة فيقول الناس: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا. فيصدَّق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء.
وعن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله ﷺ : إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة أو قال: رعدة شديدة خوفاً من الله ، فإذا سمع ذلك أهل السماء صعقوا وخروا لله سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيوحي الله من أمره ما يشاء . ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل؟ قال: فيقول جبريل: قال الحقَّ وهو العلى الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل. ثم ينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
قال المؤلف الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله تعالى- في كتاب التوحيد قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعلى الْكَبِيرُ
فزع عن قلوبهم: أي زيادة الفزع، والخوف وهذه الترجمة قصد بها المؤلف رحمه الله إبطال عبادة الملائكة وكل معبود سوى الله أما العبادة بالحق هي عبادة الله وحده وذلك أن الملائكة إذا كانوا يصعقون وتصيبهم الغشية والفزع والخوف مع عظمتهم وعظم خلقتهم دل على أنهم لا يصلحون للعبادة فالذي يصعق ويخاف يصيبه الصعق والخوف ضعيف مربوب مخلوق تصيبه الأعراض لا يصلح للعبادة وإذا كانت الملائكة لا يصلحون للعبادة مع معظم الخلق خلقتهم فغيرهم من باب أولى، فتبين بهذا بطلان عبادة كل معبود سوى الله وأن العبادة بالحق هي عبادة الله وحده الله هو المستحق للعبادة وحده وغيره لا يستحق العبادة ما سوى الله مخلوق: الملائكة و الأنبياء، والصالحين و الجن، والإنس، والشجر، والحجر كلهم عبيد لله كلهم معبودون.. مربوبون..مقهورون قال : إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا [مريم: 93] يعني معبد العبودية تأتي بمعنى التعبيد العبودية العامة بمعنى التعبيد نفوذ القدرة و المشيئة فيه وكون كل مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ يعني الملائكة قالوا إذا زال الفزع والخوف قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعلى الْكَبِيرُ يثبت الكلام لله وأن الله يتكلم قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وأن كلام الله حق، الله هو الحق وكلامه حق فيه الرد على "المعتزلة" الذي قالوا إن كلام الله مخلوق ورد على الأشاعرة الذين يقولون إن كلام الله معنى قائم بالنفس ليس بحد ولا صوت الملائكة سمعوا كلام الله فصعقوا وخروا لله سجدا فيه عظمة الرب لأنه أعظم من كل شيء ومن عظمته أن الملائكة تصعق من سماع كلامه، تفزع.
وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :إذا قضى الله الأمر ضربت الملائكة بأجنحتها ( إذا تكلم الله بوحي) ضربت الملائكة بأجنحتها خَضَعاناً لقوله " إذا تكلم الله بالوحي ضربت الملائكة بأجنحتها خَضَعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفُذُهم ذلك يعني كأنه الصوت المسموع لكلام الله.كأنه السلسة على الصفوان على الحجر حجر أملس، الصوت قوي يفزعهم ثم يصعقون ( يغمى عليهم) من عظمة الله وليس المراد تشويه كلام الله بل السبب والمراد يعني بيان أنه أصيبهم يسمعون صوت كلام الله إذا سمعوا كلام الله وأصابهم الصعق والغشية كأنه سلسلة على صفوان ينفُذُهم ذلك يعني يمضي فيهم حتى يصعقوا ثم يصعقون.ثم بعد ذلك حتى إذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قال يسألون جبريل فيقول قول الحق فيقولون كلهم مثلما قال جبريل قال الحق وهو العلى القدير ثم تتناقل الملائكة كلام الله من سماء إلى سماء حتى يصل إلى أهل السماء الدنيا وحتى يتكلم الملائكة الذين في السحاب في العنان فيأتي مسترق السمع وهم الشياطين يركب بعضهم بعضا يسترقون السمع ومن استرق السمع هكذا بعضهم فوق بعض وصفه سفيان بكفِّه فحرَّفَها وبدَّد بين أصابعه يعني حرف هكذا بدل فرق بين أصابع الذي قال هكذا قال هكذا الشياطين واحد فوق واحد فوق واحد إلى السماء إلى عنان السماء بدون التصاق بينهم فجوة يكون بعضهم فوق بعض كل واحد يلقيها على الثاني والشياطين أعطاه الله القدرة على الصعود في طبقات الجو لهم أرواح دون أجساد أرواح خفيفة ثم يصعدون كثيرون، كثيرون كل إنسان معه قرين يولد الشياطين يولدون لهم أولاد بكثرة هم كثيرون جداً يملؤون أمكنة كثيرة أو يكونون في طبقات الجو هكذا بعضهم فوق بعض كما قال سفيان وصفهم سفيان بكفه فيكون الشيطان فقال يسمع الملائكة ومتحدثة في العنان وقد يكون يسمع من السماء الدنيا فيسمع الكلمة من الحق الذي تكلم الله بها فيلقيها الشيطان الذي فوقه على الشيطان الذي تحته والذي تحته يلقيها على من تحته وهكذا حتى تصل الكلمة إلى الشيطان الأسفل فيلقيها الشيطان الأسفل على لسان الساحر أو الكاهن فيقرها في أذنه كقر الدجاجة.. قر. قر .قر. يقرها يعني يلقيها ..قرقرة قر. قر. قر. يلقيها على يعني يسمع لها قرقرة قد يسمع من حوله قد يسمع القرقرة التي يلقيها الشيطان بإذن الكاهن ثم إذا ذهب الشيطان كذب معه مئة كذبة فصارت مائة وواحد .. واحدة حق سمعه من السماء والباقي كذب فيخبر الناس هذا الكاهن بهذا الكذب مائة كذبة ومعها واحدة من الصدق فتقع الكلمة التي سمعت من السماء ولا تقع المائة كذبة فيصدق الناس الكاهن بجميع كذبه من أجل واحدةً وقعت فإذا قيل لهم كيف تصدقون الكاهن قالوا أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فوقع فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء وصدقوا بجميع كذبه وهذا في قول درس الشر و الباطل كيف لا يعتبرون بمائة كذبة ويصدقونه بكذبه من أجل واحدة>
في حديث النواس بن سمعان إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة أو قال: رعدة شديدة, خوفاً من الله أن فيه عظمة الرب وأن السموات وعظمها تخاف من الله ترجف وهذا الشيء حسي جعل الله فيها إحساس، وإن كانت جوامد لكن جعل الله فيها إحساس كما جعل الله في الجبال إحساس وإن منها لما يهبط من خشية الله كما تسبح السموات يسَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحديد: 1] وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ جعل الله فيها أحساس هذا حس قال النبي ﷺ إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّة كَانَ يُسَلِّمُ على بمكة سمع تسبيح الحصى و الطعام بيد النبي ﷺ وحن الجذع الذي كان يخطب عليه النبي ﷺ وبكى كالصبيي لما غيره وجاء على المنبر فجعل فنزل بينه وجعل يهدئه كما يهدئ الصبي حتى سكت، فالسموات تأخذ رجفة خوفاً من الله ، فإذا سمع ذلك صعقوا وخروا لله سجداً فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيسأله الملائكه: ماذا قال ربك ؟ فيقول جبريل: قال الحقَّ فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل. ثم ينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله هذا فيه إثبات عظمة الرب وأنه هو المستحق للعبادة وأن غيره من المخلوقات ضعيف مربوب مقهور مدبر يصعق ويخاف لا يستحق للعبادة لا الملائكة ولا السموات ولا الأشجار ولا الأحجار ولا الجن ولا الإنس فمن عبد غير الله فقد أشرك بالله ومن عبد ذلك صار من أهل النار نعوذ بالله.
وهذا إثبات لكلام الله وأنه يتكلم بكلام بحرف وصوت سمعته الملائكة سمعه موسى -عليه الصلاة والسلام- وسمعه نبينا ﷺ ليلة المعراج ولكنه لم ير الله موسى وكذلك النبي ﷺ كلمه من الله من وراء حجاب أو كما قال موسى الذي كلمه الله وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ لا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا، ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم هل رأيت ربك؟ ثم قيل هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه؟ وفي حديث أبي موسى إن الله لا ينام صحيح مسلم عن أبي موسى إن اللّه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرْفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور وفي لفظه النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه رواه مسلم في صحيحه ومحمد ﷺ من خلقه فلا يستطيع أحد أن يثبت لرؤية الله في الدنيا لكن في يوم القيامة ينشأ الناس تنشئه قوية تبدل الصفات يثبتون فيها لرؤية الله . ولأن الرؤية نعيم رؤية الله نعيم خاصة بأهل النعم بأهل الجنة فلا تكون لأهل الدنيا، لكن كلام الله سمعه موسى سمعه نبينا محمد ﷺ بدون واسطة سمعه جبرائيل سمعه الملائكة والله تعالى يكلم الناس يوم القيامة، في الحديث يقول الله يا آدم، فيقول لبيك وسعديك فيقول: أخرج بعث النار، فيقول يا ربي: وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسع مائة وتسع وتسعون وواحد إلى الجنة. نسأل الله السلامة والعافية.
فهذا الباب ساقه المؤلف هذه الآية وهذان الحديثان لبيان أن المستحق العبادة هو الله وأن الملائكة والسموات وغيرهم لا يستحقون شيئا من العبادة وفيه إثبات أن الله يتكلم بكلام حقيقي بحرف وصوت لا يشبه كلام المخلوقين بجميع صفاته ولا يشبه أحد من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله كما قال : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قال سبحانه: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً قال: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وقال سبحانه: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ.
(سؤال )
قوله: (فحرفها وبدَّد بين أصابعه)
(الجواب)
حرفها : حرف هذا جعله حرف يعني ما بسطه وبدد : يعني فرق بين أصابع يصف سفيان تراكم الشياطين بعضهم فوق بعض بدون ملاصقة بعضهم فوق بعض كل واحد يلقيها على الثاني يكون الثاني تحته بمجرد ما يسمع الكلمة يلقيها عليه ثم يلقيها على من تحته بدون ملاصقة لو كان ملاصقة ما حرف ما بدد، واحد فوق واحد حرفها يعني جعلها حرفاً ما سمى حرف ولا بأس.
(سؤال)
أدركه الشهاب وضربه وسمع أحد والا سمع من تحت.
(الجواب)
الشهاب تلاحقهم تحرقهم ولكن أحياناً يحرقه الشهاب قبل أن تصل الكلمة إلى الأسفل الذي يلقيها على لسان الكاهن وأحيانا يخطفها ويلقيها على لسان الكاهن ثم يأتيه الشهاب، الشهب تلاحقهم تحرقهم ومع ذلك هم كثيرون يولد منهم الكثير والكثير ولله الحكمة ومن بعد رفيعة. ولما قيل للنبي ﷺ أن الكهان يخبرون أحيانا بالشيء يكون حقاً قال: تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن الكاهن كقر الدجاجة كلمة في السماء تقع ولكن الكاهن يكذب معها مائة كذبة ويخبر الناس بالكذب الكثير فيقبل الناس كذبه ويصدقون الكذب من أجل واحدة سمعت من السماء.
(سؤال)
حملة العرش هل يرون الله ؟
(الجواب)
لا يراه أحد من الخلق مطلقا لا يستطيع أحد رؤية الله، عام الحديث لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه هذا هو الصواب أن الله لا يراه أحداً في الدنيا.
(المتن)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
قال الإمام المجدد محمد عبد الوهاب -رحمه الله- في كتاب التوحيد:
باب الشفاعة
وقول الله تعالى: وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الإنعام: 51]، وقوله: قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر: 44]، وقوله: مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: 255]، وقوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ [النجم: 53]، وقوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ: 23,22].
قال أبو العباس رحمه الله : "نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون له ملك أو قسط منه، أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب، كما قال تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ [الأنبياء:21] ، فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون، هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي ﷺ أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده، ولا يبدأ بالشفاعة أولا، ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تُعط، واشفع تُشفع". وقال له أبو هريرة له ﷺ "من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه، تبين أن الشفاعة لا تكون إلا لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله. وحقيقته: أن الله يتفضل على أهل الإخلاص بإذنه أن يتفضل أهل هذا الإخلاص فيغفر لهم بدعاء من أذن له أن يشفع، ليكرمه وينال المقام المحمود. نفاها القرآن من الشفاعة ما كان فيها من شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع، وبيَّن النبي ﷺ أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه رحمه الله.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على آخر الأنبياء نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمة الله تعالى- في كتاب التوحيد:
باب الشفاعة.
والشفاعة في اللغة قيل هي الوسيلة والطلب. والصواب أنها مشتقة من الشفع ضد الوتر إذا ضم شيئاً إلى شيء به يكون الشيء زوجاً بعد أن كان منفرداً هذه الشفاعة وذلك أن الشفيع يضم نفسه إلى من يشفع له فالشافع وحده يكون فرداً فإذا شفع له الإنسان ضم صوته إلى صوته فصار زوجاً شفعه فهو ضم شيء إلى شيء به يصير الشيء زوجاً بعد أن كان منفرداً.
و أما في الشرع والاصطلاح فقيل هو سؤال الصفة سؤال الخير للغير وقيل هو السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم وقيل هي مساعدة ذي الحاجة صاحب الحاجة عند من يملك الحاجة هذا هو الأقرب مساعدة ذي الحاجة صاحب الحاجة عند من يملك الحاجة.
الشفاعة نوعان منفية ومثبتة كما ذكر المؤلف رحمه الله وكما دلت النصوص شفاعة منفية هي التي تكون لأهل الشرك وهي التي تطلب من غير الله وهي منفية كما قال فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ. مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ هذه كلها في الشفاعة المنفية الشفاعة المنفية هي التي تطلب من غير الله وهي التي تكون لأهل الشرك هذه باطلة.
والثانية شفاعة المثبتة وهي التي تكون لأهل التوحيد و الإخلاص بشرطيها إذن الله للشافع أن يشفع، والرضى عن المشفوع له.
الشفاعات أنواع الشفاعات المثبتة أنواع: الشفاعة نوعان منفية؛ هي التي تكون لأهل الشرك وشفاعة مثبتة وهي التي تكون لأهل التوحيد. وهي أنواع:
النوع الأول الشفاعة العظمى في أهل الموقف ليقضى بينهم والدليل على هذا حديث الصور وأن الناس يأتون آدم ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى ثم عيسى ثم نبينا محمد ﷺ تصلهم الشفاعة فإذا وصلت لنبينا ﷺ فقال أنا لها أنا لها فيذهب فيسجد تحت العرش فيفتح الله عليه المحامد في ذلك الموقف فيأتي الإذن من الله ويقول الله يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع فيقول: يا رب وعدتني الشفاعة، فاقضي بين العباد، فيقول الرب اذهب فأنا آتي فأقضي بينكم فقال فأذهب فأقف مع الناس -عليه الصلاة والسلام-هذه الشفاعة العظمى في أهل الموقف لراحة أهل الموقف للجميع للمؤمن والكافر، شفاعة عامة لأهل الموقف للأولين والآخرين. وهو المقام المحمود ولا تنمنع عن أحد هذه الشفاعة حتى أهل البدع.
الثاني الشفاعة الثانية شفاعة أهل الجنة ليأذن لهم في دخولها وهذه أيضا خاصة بنبينا ﷺ لا يدخل أهل الجنة الجنة حتى يشفع لهم ثم يشفع فيؤذن لهم بدخولها.
الثالثة الشفاعة في قوم يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب كما جاء في الحديث فيما معناه أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن أو كما جاء في الحديث وهم شركاء الناس في سائر الأبواب.
الرابعة: الشفاعة في رفع درجات قوم أهل الجنة وزيادة ثوابهم يشفع في قوماً من الموحدين ترفع درجاتهم ويزاد ثوابهم.
الخامسة: الشفاعة في قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ألا يدخلوا النار.
السادسة: الشفاعة في قوم استحقوا دخول النار ألا يدخلوها.
السابعة: الشفاعة في قوم من الموحدين دخلوا النار أن يخرجوا منها
الثامنة: الشفاعة في تخفيف العذاب عن بعض الكفار وهي خاصة بنبينا ﷺ وخاصة بعمه أبي طالب. الشفاعة في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب.
وهذه الشفاعات الأولى الأربعة أثبتها المعتزلة والخوارج الشفاعة العظمى والشفاعة في من أذن في دخولها والشفاعة لأهل الجنة والشفاعة لقوم يدخلون الجنة بغير حساب هذه يقرون بها أهل البدع وإنما ينكرون الشفاعة في إخراج أحد من النار أو عدم دخول النار في من يستحقوها.
والناس أقسام في الشفاعة:
قسم غلو في إثبات الشفاعة وهم المشركون والنصارى والغلاة من المبتدعة والصوفية الذين جعلوا الشفاعة عند الله كالشفاعة عند من يعظمونهم في الدنيا هؤلاء غلو في الإثبات حتى أثبتوا للأصنام والأوثان هؤلاء هم من المشركين والنصارى والغلاة من الصوفية وغيرهم.
والمذهب الثاني نفي الشفاعة مطلقاً وهؤلاء هم الخوارج والمعتزلة أنكروا الشفاعة في إخراج أحد من النار أو الشفاعة في قوم يستحقون دخول النار ولكن أثبتوا وافقوا على الشفاعة العظمى والشفاعة لأهل الجنة.
الثالث أهل الحق نفوا الشفاعة التي لأهل الشرك والتي تطلب من غير الله وأثبتوا الشفاعة لأهل التوحيد في إخراج العصاة أو في عدم دخول النار.
وهي بشرطين: إذن الله للشافع أن يشفع ورضاه عن المشفوع له كما جاء في الحديث أن النبي ﷺ وغيره يشفع للعصاة ويأذن الله لهم ويحد لهم حداً.
قال المصنف رحمه الله تعالى وقول الله تعالى: وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ الإنذار عام للخلق جميعاً للمؤمن والكافر كما قال الله تعالى: قُمْ فَأَنْذِرْ ولكن خص اللذين يخشون لأنهم هم اللذين ينتفعون وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ يعني لكي يتقوا لَّعَلَّهُمْ المراد بها التعليل وليس المراد بها الترجي وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يعني لكي تفلحوا فالإنذار سبب في التقوى لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ يعني لا يتخذون من دون الله من ولي ولا شفيع وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لكي يتقوا فالله هو مالكها سبحانه هو مالكها فلا يشفع أحد إلا بعد إذنه وبعد رضاه عن المشفوع له وهو سبحانه لا يرضى إلا على أهل التوحيد ولا يشفّع إلا لأهل التوحيد فالمشرك ليس له نصيب من الشفاعة كما قال سبحانه: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ
وقال سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ هذا لا ينفي الاشتراط الإذن وهذا أحد شرطي الشفاعة.
وقال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى هذه الآية فيها شرطي الشفاعة إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ هذا الإذن لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى هذا الرضى عن المشفوع له إذا كان الملك لا يشفع عند الله إلا بهذين الشرطين فغيرهم من باب أولى الملائكة من عباد الله المكرمون.
قال تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ له هذه الآية يقول العلماء أنها قطعت عروق الشرك لأنها أبطلت جميع ما يتعلق به المشركون وذلك أن العابد إنما يعبد معبوده إنما كل عابد يعبد لا يعبد إلا لأنه يحصل على شيء من النفع والنفع لا يتجاوز واحدا من أمور أربعة:
الأمر الأول: أن يكون مالكاَ لما يطلبه عابده منه يكون المعبود مالكاً فهذا يعبده لماذا؟ لأنه يملك الشيء الذي يطلبه يكون مالكاً لما يطلبه عابده منه.
الأمر الثاني: أن يكون شريكا للمالك.
الأمر الثالث: أن يكون معيناً ومساعداً للمالك.
الأمر الرابع: أن يكون شفيعا للمالك.
وقد نفى الله هذه الأمور الأربعة نفياً مرتباً من الأعلى إلى الأدنى فقال: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَا يَمْلِكُونَ ما يملكون أي شيء يطلبه العبد لا يملكون لا قليلا ولا مثقال ذرة حتى مثقال الذرة لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ولا مثقال ذرة في السموات والأرض إذا كانوا ما يملكون ولا مثقال ذرة وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ انتقل إلى الأمر الثاني من ليس لهم ولا شريك ولا في مثقال ذرة وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ من معين وليس له معين أيضاً يساعده ولا تنفعه الشفاعة ما بقي شيء يتعلق به بالمشركين ما دام لا يملكون وليس لهم شريك وليس لهم مساعدة ولا معاونة وليس لهم شفاعة إذاً بطل جميع ما يتعلق به المشركون فقطعت هذه الآية عروق الشرك.
ولهذا قال أبو العباس(هو شيخ الإسلام ابن تيمية)رحمه الله: "نفى الله في هذه الآية جميع ما يتعلق به بالمشركون"القصد أن يكون عوناً فلا يعطى الشفاعة فأخبر أنها لا تنفع إلا بإذنه وأخبر النبي ﷺ أنه حينما يأتي يوم القيامة لا يبدأ بالشفاعة وإنما يبدأ بالسجود يسجد فيحمد ربه ثم يأتي بالشفاعة وسأله أبو هريرة ه قال يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك قال: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دل على أن الشفاعة إنما تكون لأهل التوحيد.
وحقيقة الشفاعة حقيقتها إكرام الشفيع وإلا فالفضل من الله وإلى الله هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص ويكرمهم بدعائهم فيتفضل عليهم فينجيهم بدعائهم له بالشفاعة فيكرمه فالشفاعة فيها إكرام للشافع حيث أذن الله له ولهذا نفى الله الشفاعة التي تكون لأهل الشرك وأثبت الشفاعة لأهل التوحيد والإخلاص فتبين بهذا أن الشفاعة نوعان:
شفاعة منفية: وهي التي تكون لأهل الشرك هذه باطلة وهي تكون لغير الله.
وشفاعة مثبتة: والتي تكون لأهل التوحيد بشرطين: إذن الله للشافع أن يشفع ورضا الله عن المشفوع له.
والحقيقة أن الله تعالى هو الذي تفضل على أهل الإخلاص فأذن للشافع أن يشفع له ورضي عن المشفوع له حتى يشفع فيه والفضل من الله وإلى الله لكن حصل فائدة للشفيع حيث أكرمه الله حيث أذن له أن يشفع وتفضل على أهل الإخلاص فأذن للشافع أن يشفع ورضي عنهم أن يشفع فيهم فهي من الله وإلى الله لأن الله هو الذي أذن أن يشفع وهو الذي رضي عنه لكن استفاد الشافع استفاد حيث أكرمه الله فقبلت شفاعته وإلا فالشفاعة ملك لله ولهذا قال سبحانه: قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا فيأذن للشافع أن يشفع في أهل التوحيد الذي يرضى الله أقوالهم وأعمالهم
(المتن)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد:
باب قول الله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.
وفي الصحيح عن ابن المُسيِّبِ عن أبيه قال: لما حضَرَت أبا طالب الوفاةُ جاءه رسولُ الله ﷺ، وعنده عبدُ الله بن أبي أُميَّة وأبو جهل، فقال له رسول الله ﷺ: يا عمّ، قل: لا إله إلا الله كلمةً أُحاجُّ لك بها عند الله. فقال: أترغبُ عن ملةِ عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي ﷺ، فأعاد، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبَى أن يقول لا إله إلا الله. فقال رسول الله ﷺ: لأستغفرنّ لك ما لم أُنْهَ عن ذلك فأنزل الله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى. وأنزل في أبي طالب: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.
(الشرح)
الحمد رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
قال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في كتاب التوحيد: قال قول الله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.
في الصحيح عن المُسيِّبِ عن أبيه قال: لما حضَرَت أبا طالب الوفاةُ جاءه رسولُ الله ﷺ، وعنده عبدُ الله بن أبي أُميَّة وأبو جهل ابن هشام، فقال النبي ﷺ : يا عمّ، قل: لا إله إلا الله كلمةً أُحاجُّ لك بها عند الله. وفي لفظ أشهد لك بها عند الله فقال عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل: أترغبُ عن ملةِ عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي ﷺ، فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، هو تغيير من الراوي هو أن يقول أنا لكن الراوي غيرها وكراهية أن ينسب ذلك لنفسه وأبَى أن يقول لا إله إلا الله. فقال النبي ﷺ: لأستغفرنّ لك ما لم أُنْهَ عن ذلك فأنزل الله : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ. وأنزل في أبي طالب: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وهو أعلم بالمهتدين.
هذه الترجمة و هذا الحديث مقصود المؤلف رحمه الله بيان أن هداية القلوب بيد الله وأن الله له الحكمة البالغة في هداية من يشاء وإضلال من يشاء فهو عالم بالمحل الذي يصلح بغرس الكرامة فيوفقه للخير والهداية وعالم بمن لا يصلح فهداية القلوب وتفريج الكروب إنما هي بيد الله تعالى لا يملكها النبي ﷺ.
وفي هذه القصة من الفوائد هذه الفائدة الأولى بيان أن هداية القلوب وهداية التوفيق والتسديد يكون الإنسان يقبل الحق هذا من الله لا يملكه أحد لا الرسول ﷺ ولا غيره أما هداية الدلالة والبيان والوعظ والتعليم للرسول ﷺ وغيره من الأنبياء والدعاة قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
فالهداية هدايتان:
هداية التوفيق والتسديد وقبول الحق والرضا به هذه من الله لا يملكها غيره.
وهداية الدلالة والإرشاد والوعظ هذه يملكها النبي ﷺ وغيره من الدعاة.
وفيه من الفوائد جواز زيارة الكافر إذا كان يرجى إسلامه كما زار النبي ﷺ عمه أبا طالب وكما زار اليهودي الشاب ومن حظرته الوفاة فدعاه النبي ﷺ إلى الإسلام فنظر إلى أبيه يستشيره فقال: أطع أبا القاسم فأسلم اليهودي ثم مات فقال النبي ﷺ: الحمد لله الذي أنقذه من النار وأمر الصحابة بأن يأخذوه ويغسلوه ويكفنوه أما عمه فإنه لم يقدر الله له الهداية لم يسلم اليهودي أسلم وزاره النبي ﷺ قبل الموت فأسلم وعمه زاره ولم يسلم.
وهنا فائدة عن مضرة قرناء السوء لأن عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل قرناء سوء ذكروه بالحجة الملعونة وهي اتباع الآباء والأجداد في الباطل أترغب عن ملة أبيك عبد المطلب؟ ملة عبد المطلب الشرك بالاحتجاج بالرسل بما عليه الآباء والأجداد وهي حجة فرعون لما قال لموسى : قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى هذه حجة قرشية مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ قالوا: أترغب عن ملة عبدا لمطلب؟ فهو تحريم اتباع الآباء والأجداد في الباطل هذا من المشركين قال الله تعالى بَلْ قَالُوَاْ إِنّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىَ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَىَ آثَارِهِم مّهْتَدُونَ. وفي الآياة الأخرى وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ فلا يجوز اتباع الآباء والأجداد في الباطل إذا كان الأجداد على حق فنعم يتبعهم عمل بالحق فإذا كان على الباطل فلا.
وفيه أيضاً من الفوائد أن التوبة في مرض الموت صحيحة تصح ما دام أن الروح لم تصل إلى الحلقوم ولو كانت لا تفيد ما دعا النبي ﷺ ما كان لدعوة النبي ﷺ لأبي طالب فائدة ولهذا نفعت اليهودي في مرض الموت فأسلم فصحت توبته فالمريض أثناء الموت تصح توبته إلا إذا سيقت الروح ووصلت إلى الحلقوم الروح تساق من أسفل حتى تصل إلى الحلقوم فإذا وصلت إلى الحلقوم انتهى الأمر يكشف الإنسان عن المستقبل بعد الشهادة وهو عالم الملائكة انتهى الأمر ولهذا يقول النبي ﷺ يقول في الحديث الصحيح إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر يعني ما لم تصل الروح إلى الحلقوم والله تعالى يقول: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ.
وهنا فوائد أنه لا يُستغفر للمشرك كما في قوله ما لم أنهَ عنه ولا يدعى له ولا يترحم عنه ولا يغسل ولا يكفن ولا يقبر في مقابر المسلمين ولهذا قال النبي ﷺ: خذوا أخاكم .أما أبو طالب فلم يغسل ولم يصل عليه وقد جاء في الحديث أن علياً قال في المسند أن عمك الشيخ الضال قد مات قال اذهب فواره يوارى يدفن حتى لا يتأذى به أحد وإلا فلا حرمة له لا يغسل ولا يصلى ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يلحد له إنما يرمى في مكان يرمى في مكان حتى لا يتأذى الناس من نتنه.
وفيه من الفوائد أن النبي ﷺ ناصح العبادة نبي كريم يطاع ويتبع ولكن لا يعبد ولهذا ما استطاع أن يهدي عمه أبا طالب صار هذا مثل قال النبي ﷺ ما هدى عمه وإبراهيم ما هدى أباه ونوح ما هدى ابنه فالهداية تكون بيد الله وقد حرص النبي ﷺ كل الحرص على أن يهتدي عمه فلم يقدر له الهداية ولله الحكمة البالغة فدل على أن النبي ﷺ بشر ليس بيده شيء فلا يستحق العبادة عليه الصلاة والسلام الذي يستحق العبادة الله و نزول هذه الآية كون نزلت بعده فيه نظر كون نزلت بعده بمدة مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ.
وفيه من الفوائد أن أبا طالب مات على الشرك وهو رد على من قال أنه مات على الإسلام.
وفيه أيضاً أن ملة أبي المطلب الشرك بعض الناس من يدافع عن أبي المطلب وقال مات على الإسلام ويترحم عليه من بعض الشيعة وغيرهم بعض المشركين.
وفيه من الفوائد أن من عرف الحق ولم يقله ولم يتبعه ما يفيده معرفة الحق لا بد من الإيمان والاتباع لأن أبا طالب عرف الحق ومتأكد أن النبي ﷺ على الحق لكنه لم يؤمن ما نفعه وقال في قصيدته:
ولقد علمت بأن دين محمد | من خير أديان البرية دينا |
ولا الملامة أو حذار مسبة | لوجدتني سمحا بذاك مبينا |
كذلك اليهود يعرفون النبي ﷺ يعرفون صدقه وعندهم وصفه في التوراة والإنجيل ويستنصرون به على المشركين لما لم يؤمنوا ما نفعتهم المعرفة قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون وقال : فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ وكذلك فرعون يعرف الحق ويعرف أن موسى على الحق وأن موسى رسول الله ولكن لما لم يؤمن واستكبر عن الحق ما نفعته المعرفة قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وقال تعالى عنه وعن قومه: فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ كيف نؤمن لبشرين موسى و هارون وإبليس أيضاً لم يتلقَ أمر الله بالإنكار ولكن تلقَ أمر الله بالاستكبار: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ. ما تلقى أمر الله بالتكذيب عارف لكنه قابل أمر الله بالإباء والاستكبار والرفض قال كيف أنا أسجد لما أمره الله بالسجود لآدم قال كيف أسجد لآدم وعنصري أحسن من عنصر آدم عنصر آدم الطين وعنصري النار والنار أفضل من الطين ولا يمكن أن أخضع لمخلوق. خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ. منعه الكبر عن الإيمان والاتباع وكذلك أبو جهل وكذلك عمه أبو طالب يعلم صدق النبي ﷺ ويدافع عنه ويحميه يقول في قصيدة:
لقد عَلموا أنَّ ابْنَنا لا مُكذَّبٌ | لَدَيهم ولا يُعْنى َ بقَوْلِ الأباطلِ |
وقال أيضاً في قصيدة:
فـــو اللهِ لـــولا أن أَجــــيءَ بـسُـبَّــةٍ | تَجُـرُّ علـى أشياخنـا فـي المَحـافـلِ |
لآمنت. يعني لأقررت في النهاية خشي من العار يجره الشاهد على أنه لو أسلم وآمن شهد أن آباءهم على الكفر وهو لا يريد هذا ولهذا ذكره الحجة الملعونة عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل قال: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ ترغب عن ملة أبيك عبد المطلب ملة دين يعني أترغب عن دين أبيك هو من الكفر والشرك فاستمر على الشرك حتى مات نسأل الله السلامة والعافية.
ومن الفوائد أن ينظر الله أن يهدي قلبه وأن يثبته لأن الإنسان إذا لم يوفق فإنه لا ينفعه عقله وقوته وذكاؤه أبو طالب ذكي وأبو جهل ذكي من أذكياء الناس ولكنهم لما لم يوفقوا ما نفعهم ذكاؤهم صارت ذكاؤهم وعقولهم وبالا عليهم نسأل الله السلامة والعافية.
نسأل الله أن يهدي قلوبنا وأن يثبتنا على الإسلام حتى الممات إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد.
(سؤال)
السؤال عن أطفال المشركين
(الجواب)
أطفال المشركين فيهم كلام لأهل العلم ذكر ابن القيم رحمه الله في طريقة الهجرتين ثلاثة أقوال لأهل العلم منهم قال أنهم خدم لأهل الجنة لكن أرجحها قولان أرجح الأقوال قولان أحدها أنهم يمتحنون يوم القيامة والثاني أنهم في الجنة فأرجح القولين أنهم في الجنة ويدل على هذا ما ثبت في صحيح البخاري في قصة رؤيا النبي ﷺ إبراهيم أنه رآه وحوله ولدان الناس من المسلمين والمشركين جميعاً لأنهم لم يبلغوا ولم يكلفوا فلم يصلوا لفائدة التكليف فيكون أطفالهم ولا يمنع هذا كونهم في الدنيا لهم حكم وفي الآخرة لهم حكم في الدنيا حكمهم مع آبائهم يتولنهم ويرثونهم وفي الآخرة لهم حكم آخر هذا هو الصواب الصواب أنهم في الجنة وهذا أصوب القولين.
(سؤال)
(59:30)
(الجواب)
هذه من الأدلة الصحيحة حديث أبي هريرة كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه والفطرة هو الدين يكونوا مولود على معرفة الله وعلى قبول الحق نعم!.
(سؤال)
متى يكون على الفطرة
(الجواب)
قبل البلوغ ولا يكلف إلا بعد البلوغ ما يكلف حتى يبلغ
(سؤال)
ما الحكم إذا دعى الكافر إلى وليمة
(الجواب)
الوليمة؟ لا تجاب دعوة الكافر الكافر لا تتخذه صديقاً لا تزوره ولا يزورك ولا تجيب دعوته ولا تدعوه وهذا غير المعاملة الدنيوية كالبيع والشراء فلا يلزم فيها الموالاة وهذا من الموالاة أن تتخذ الكافر صديقاً تزوره تدعوه إلى بيتك أو تجيب دعوته لا تجاب دعوته ,المسلم بريء من الكافر لا يجيب دعوته إذا دعاه لكن إذا سمع فيه اجتماع صار اختلاط يجب عليه كاجتماع الكفرة أو وليمة غير مقصودة هذا لا يدخل في هذا نعم وغير هذا ما يتعلق بولاة الأمور في المفاوضات في ما يحصل بينهم وبين المفاوضات هذا شيء آخر .
(سؤال)
(1:01:40)
(الجواب)
الدعوة لا بأس به إذا خرج عن ما جاء إسلامه وإيمانه هذا طيب يدعوه إلى الله كما زار النبي ﷺ عمه إذا زاره للدعوة هذا مطلوب نعم لكن المكروه يتخذه صديقاً له يزوره وكذا بدون غرض صحيح
(سؤال)
(1:02:13)
(الجواب)
يبلغون تقام عليه الحجة يبلغون الدعوة ويرسل إليهم ويبلغون ويدعون وبهذا تقوم الحجة بدعوتهم وتبيين الإسلام إليهم وإفهامهم أن الإسلام هو دين الله وأنهم يجب عليهم أن يؤمنوا بالله والرسل أن يوحدوا الله يبلغون هذا.