بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والسامعين.
(المتن)
[فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في آداب السفر]
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في آداب السفر صح عنه أنه قال: «إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين» . الحديث, فعوض أمته بهذا عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير، والاستقسام بالأزلام الذي نظيره هذه القرعة التي يفعلها إخوان المشركين يطلبون بها علم ما قسم لهم في الغيب؛ ولهذا سمي استقسامًا.
(الشرح)
يعني كأن هذه القرعة من جنس الاستقسام بالأزلام, يعني أن الله سبحانه وتعالى عوض هذه عما كانوا يفعلونه في الجاهلية من الاستقسام بالأزلام وزجر الطير, كانوا في الجاهلية إذا أراد أحدهم أن يسافر زجر الطير, فإن ذهبت جهة اليمين تيمن وسافر, وقال: هذا سفر ميمون, وإن ذهب الطير جهة الشمال تشاءم وأحجم عن السفر, وكذلك إذا أراد الزواج أو أراد تجارة يزجر الطير, وإن كان إنسان لا يعرف زجر الطير يذهب إلى بعض القبائل الذين عندهم تخصص في علم الطير وزجر الطير, بعض القبائل مثل قبيلة بني لهب فإنهم عندهم اختصاص لهم مزية بمعرفة زجرة الطير, ولهذا يقول الشاعر الجاهلي:
خبير بني لهب فلا تكون ملغيًا ... مقالة لهبي إذا الطير مرت
يقول: بني لهب عندهم خبرة في زجر الطير, فإذا زجر الرجل من هذه القبيلة الطير وقال لك: إنه سفر ميمون أو مشئوم فلا تلغي قوله؛ لأنه صاحب خبرة, وكانوا يستقسمون بالأزلام أيضًا, والاستقسام بالأزلام هي أقداح واحد مكتوب عليها افعل, وواحد مكتوب عليها لا تفعل, وواحد غفل, فإذا أراد سفرًا أو زواجًا جال الأقداح, فإذا خرج الذي يقول: افعل مضى لشأنه, وإن خرج الذي يقول: لا تفعل احجم, وإن خرج غفل أعادها مرة أخرى؛ حتى يخرج هذا أو هذا, هذا كله كان يفعلها أهل الجاهلية, فالله تعالى عوض المسلمين بالاستخارة, يستخير الإنسان ربه, يصلي ركعتين من غير الفريضة ويسأل ربه, يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك, وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم, فإن تعلم وأنا لا أعلم, وتقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب, اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر مثلاً زواج, أو سفر, أو مشاركة, فيسره لي وبارك لي فيه, وإن كنتم تعلم أن هذا شرٌ لي في ديني ودنياي فاصرفه عني واصرفني عنه, ثم يمضي لما انشرح له صدره.
وكذلك يستشير أهل الخبيرة وكذلك القرعة كل هذا عوض الله المسلمين عما كانوا يفعلون في الجاهلية من الاستقسام بالأزلام ومن زجر الطير, وهذه القرعة التي يذكرها ابن القيم رحمه الله كأنها موجودة في بعض الأزمنة, في وزمانه, قرعة ليست القرعة المعروفة وإنما قرعة هي يستدلوا بها على علم الغيب, هذه باطلة هذه مثل الاستقسام بالأزلام.
(المتن)
فعوضهم بهذا الدعاء الذي هو توحيد وتوكل، وسؤال للذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو.
(الشرح)
وهو دعاء الاستخارة يعني,، اللهم استخيرك بعلمك وأستقدرتك بقدرتك, هذا توكل على الله وتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا.
(المتن)
ولا يصرف السيئات إلا هو عن التطير والتنجيم, واختيار المطالع ونحوه.
(الشرح)
عن التطير والتنجيم, التطير التشاؤم بالطيور وكذلك تشاؤم بالأمكنة والأشخاص والمواضع والبقع, كذلك التنجيم النظر في النجوم يستدل بالأحوال الفلكية على الأحوال الأرضية, ينظر في النجوم و يستدل بها أنه سيقع في الأرض مثلاً مطر, أو ينظر في النجوم يستدل بها على غلاء الأسعار, أو يقول: سيموت ملك أو سيولد ملك, يستدل به على علم الغيب, هذا باطل هذا كله من التنجيم, التنجيم الاستدلال بالأحوال الفلكية على الأحوال الأرضية, كل هذا كان يفعله أهل الجاهلية فأبطله الإسلام, التنجيم وزجر الطير, كل من الاستدلال على علم الغيب, كل هذا باطل, أبطله الإسلام.
طالب: -- ((@ كلمة غير مفهومة- 05:38)) --؟.
الشيخ: الهم هي الإرادة وقد يكون عزمًا إذا صمم, يعني هم هذا يعني خاطر يكون في نفسه ثم يقوى فيكون إرادة وقد يعدل عنه.
(المتن)
فهذا الدعاء هو طالع أهل السعادة، لا طالع أهل الشرك {الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون} [الحجر: 96] .
(الشرح)
-- ((@ كلمة غير مفهومة- 06:03)) – التوكل عل الله والتوسل بأسمائه وصفاته, وطالع أهل الشرك التنجيم والاستدلال بالنجوم والتطير, هذا طالعهم ومطالع المؤمنين الاستخارة والتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته.
(المتن)
وتضمن الإقرار بصفات كماله، والإقرار بربوبيته، والتوكل عليه، واعتراف العبد بعجزه عن العلم بمصالح نفسه، وقدرته عليها، وإرادته لها, ولأحمد عن سعد مرفوعًا: «إن من سعادة ابن آدم استخارة الله، والرضى بما قضى الله، وإن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله، وسخطه بما قضى الله» .
(الشرح)
على كل حال ولو ما صح الحديث, فلا شك أن الاستخارة والتوسل بأسماء الله وصفاته مشروع هذا.
(المتن)
فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفا بأمرين: التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله، والرضى بما يقضي الله بعده.
(الشرح)
يعني هذا الدعاء سبقه التوكل ولحقه الرضا يسبقه التوكل ويعقبه الرضا, وهو دعاء وتوسل إلى الله, توسل بأسمائه وصفاته يسبقه توكل ويعقبه الرضا بما قسم الله بما قدر الله.
(المتن)
«وكان إذا ركب راحلته كبر ثلاثًا، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم يقول: اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا السفر، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا وكان إذا رجع قال: آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون» .
وذكر أحمد عنه «أنه إذا دخل البلد قال: توبًا، لربنا أوبًا، لا يغادر حوبًا».
(الشرح)
هذا مشروع أن الإنسان في السفر إذا ركب ركوبة سواء كانت دابة أو سيارة أو طائرة أو باخرة يكبر ثلاثًا يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ويسمي أيضًا ويقول: «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له بمقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون, اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا السفر، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل».
هذا يشرع للمسلم إذا سافر بأي مركوب من المركوبات يدعو بهذا الدعاء ويأتي بهذا الذكر, وإذا رجع يأتي به ويزيد آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون, وفي بعضه: صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده, هذا مشروع في السفر لا في البلد, البلد ما يسمى سفر, وإذا قالها بعض الأحيان لا على أنه وارد حسن دعاء طيب, بس ما يعتقد أن هذا مشروع, المشروع أن هذا في السفر.
(المتن)
«وكان إذا وضع رجله في الركاب لركوب دابته قال: بسم الله، فإذا استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم يقول: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين».
(الشرح)
هذا في السفر كله في السفر, يقول: بسم الله والحمد لله وإذا ورد وضع رجله في المركوب قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له بمقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون.
(المتن)
وكان إذا ودع أصحابه في السفر يقول لأحدهم: «أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك» . «وقال له رجل: إني أريد سفرًا. قال: أوصيك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف».
(الشرح)
التكبير على كل شرف أي يكون مرتفع, إذا ارتفع صعد جبل أو شيء مرتفع كبر الله لعلو الله تعالى وأنه أكبر من شيء, وإذا هبط يسبح تنزيه له عن السفول سبحانه وتعالى, وتنزيه عن السفول والنقائص, كأن النبي في أسفاره إذا علا كبر, وإذا هبط سبح, التسبيح هو التنزيه تنزيه الله عن السفول وعن النقائص, والتكبير تعظيم الله وأنه أكبر من كل شيء وأعلى من كل شيء سبحانه وتعالى.
(المتن)
«وكان هو وأصحابه إذا علوا الثنايا كبروا، وإذا هبطوا سبحوا، فوضعت الصلاة على ذلك».
(الشرح)
وضعت الصلاة على التكبير, التكبير في الانتقال والتسبيح في الركوع والسجود.
(المتن)
وقال أنس: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفًا من الأرض أو نشزًا قال: اللهم لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حال». وكان يقول: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس» .
(الشرح)
منهي عن الكلب والجرس, ماذا قال عنه؟
طالب: رواه أ حمد وأبو يعلى -- ((@ كلمة غير مفهومة- 12:42)) – والحديث ضعيف غير ثابت.
الشيخ: بعض الجرس فيه طرب, وهل يدخل الجرس جرس الساعة أو جرس الجوال أو جرس الباب؟ الأقرب أنه إذا كان شيء عادي للتنبيه ما يدخل في هذا, إن كان صوت عادي, صوت جوال أو جرس عادي للباب أو للساعة, أما إن كان فيه موسيقى وطرب هذا ما يصح, بعض الناس تضع جرس الباب موسيقى يطرب الإنسان, تسمع له طنطنة, كذلك أيضًا جرس الساعة مثل جرس الجوال, أغلب نغمات الجوال الآن كلها موسيقى, بعض الناس يعتذر بأن هذا هو الذي وجد, وبعضهم أيضًا يعترض يقول: هذا ما فيه طرب, مكابرة, بعضهم مكابر, وبعضهم يدعي أنه ما وضعه وأن هذا من الأصل, طيب وضع عدل.
طالب: -- ((@ كلمة غير مفهومة- 14:12)) --؟
الشيخ: كأنه نوع فيه طرب, الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأنجشه: «رويدك القوارير», وهو بحذائه ما في آله ولا شيء, كأنه في أنواع من الجرس يحصل بها يعني يضرب بعضها ببعض ويحصل بها نوع من الطرب.
(المتن)
وكان يكره للمسافر وحده أن يسير بالليل، وقال: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار أحد وحده بليل».
(الشرح)
هذا منهي عنه كون الإنسان يسافر وحده, قال: «والراكب شيطان, والراكبين شيطانين, والثلاثة ركب», ظاهره أنه لا يجوز السفر وحده, لكن بالليل أشد, والحديث فيه كلام لأهل العلم, والنبي قال لابن الحويرث: «إذا كنتما في سفر فأذنا ولقيم أحدكما, وليؤمكما أكبركما»,وهما اثنان, ظاهره أنه اثنان, فيه كلام لأهل العلم, فرق بين الاثنين وبين الواحد.
طالب: -- ((@ كلمة غير مفهومة- 15:37)) --؟
الشيخ: والله هذا محل نظر قد يقال إنه الآن لا يكون راكب الآن؛ لأن الخطوط الآن مستمرة, قد يقال هذا ليس ببعيد, بخلاف الأسفار السابقة كان الواحد ما يرى أحد فتكون مخوفة,ويحتمل أنه حتى الأسفار هذا ينبغي أن يكون معه واحد؛ لأن الإنسان قد يتعب أو قد يمرض, قد يحتاج إلى مثل الوصية وأمثال ذلك, وقد يصيبه الموت.
(المتن)
بل كان يكره السفر للواحد، وأخبر أن «الواحد شيطان والاثنين شيطانان، والثلاثة ركب» . وكان يقول: «إذا نزل أحدكم منزلا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه» .
(الشرح)
حديث خولة بنت حكيم عند مسلم قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلًا قال: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك», هذا الحديث صحيح.
(المتن)
وكان يقول: «إذا سافرتم في الخصب، فأعطوا الإبل حقها من الأرض، وإذا سافرتم في السنة، فأسرعوا عليها».
(الشرح)
إذا كانت الأرض الخصب وربيع أعطوها حظها ترعى, وإذا كانت في السنة والجدب أسرعوا, إذا كانت الأرض فيها خصب وفيها ربيع وفيها نبات يتمهل في السير حتى تستفيد الإبل وتأكل حظها, وإذا كانت السنة جدب وليس فيها شيء يسرع السير, الآن السفر على المركوبات الآن ما في سفر على الدواب.
(المتن)
«وإذا عرستم فاجتنبوا الطرق، فإنها طرق الدواب، ومأوى الهوام بالليل» . «وكان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو» ، «وكان ينهى المرأة أن تسافر بغير محرم ولو مسافة بريد» «ويأمر المسافر إذا قضى نهمته من سفره أن يعجل الرجوع إلى
أهله» «وينهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً» . إذا طالت غيبته عنهم.
(الشرح)
لعل المباحث هذه تحتاج إلى بحث سنقف على إذا كان في أرض خصب أو أرض جذب, وفق الله الجميع لطاعته.