بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين والسامعين.
(المتن)
قال المؤلف رحمه الله تعالى في "مختصر زاد المعاد":
فَصْلٌ فِي أَلْفَاظٍ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكره أن تقال.
فَصْلٌ.
فِي أَلْفَاظٍ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يكره أن تقال فمنها: خبثت نفسي، أو جاشت, ومنها أن يسمى العنب كرمًا.
(الشرح)
وهذا النهي للتنزيه, قال: «لا تسموا العنب كرمًا فإن الكرم قلب المؤمن».
(المتن)
وقول الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ، وَقَالَ: «إِذَا قَالَ ذَلِكَ، فهو أهلكهم».
(الشرح)
وهذا الحديث في صحيح مسلم: «من قال هَلَكَ النَّاسُ فهو أهلكهم» أي أشدهم هلكة.
(المتن)
وفي معناه: فَسَدَ النَّاسُ، وَفَسَدَ الزَّمَانُ وَنَحْوُهُ.
(الشرح)
يقول: هلك الناس أو فسد الزمان, لا ينبغي أن يقول هذا ولكن يجاهد نفسه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, يجاهد نفسه على العمل الصالح وعلى أن يكون صالحًا في نفسه مصلحًا لغيره ولا ييأس, ولا يقول كلامًا فيه تيأيس للناس.
(المتن)
وَنَهَى أَنْ يقال: «مطرنا بنوء كذا وكذا» ، «وما شاء الله وشئت».
(الشرح)
«مطرنا بنوء كذا وكذا» يعني بنجم كذا وكذا والباء للسببية, الله تعالى ما جعل النجم سببًا في إنزال المطر, فهذا لا يجوز قوله؛ لأنه إن اعتقد أن النجم هو الذي ينزل المطر كان شركًا أكبر في الربوبية, وإن اعتقد أنه سبب فهو شرك أصغر؛ لأن النجم ليس بسبب, وهذا يختلف عن قوله: مطرنا في نجم كذا, يعني في وقت طلوع النجم لأن في للظرفية والوقت, الممنوع الباء.
«وما شاء الله وشئت» كذلك منع منه, لما قال الرجل للنبي r: «ما شاء الله وشئت, قال: أجعلتني لله ندًا, قل: ما شاء الله وحده» وفي الحديث الآخر قال: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد, ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد» إذا أتى بكلمة ثم فلا بأس, يعني ثم تفيد الترتيب والتراخي, والواو تفيد الجمع والمشاركة, والأكمل أن يقول: ما شاء الله وحده.
(المتن)
ومنها أن يحلف بغير الله.
(الشرح)
كذلك يحلف بالنبي, أو بالكعبة, أو بالأمانة, هذا من الشرك, في الحديث: «من حلف بغير الله فقد أشرك».
(المتن)
وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ فِي حَلِفِهِ: هُوَ يَهُودِيٌّ ونحوه إن فعل كذا.
(الشرح)
هو يهودي إن فعل كذا, أو نصراني إن فعل كذا, هذا ممنوع لا ينبغي ولا يجوز.
(المتن)
ومنها أن يقول للسلطان: ملك الملوك.
(الشرح)
أو حاكم الحكام, أو سلطان السلاطين.
(المتن)
ومنها قول السيد: عبدي وأمتي.
(الشرح)
هذا منهي عنه للتنزيه, في الحديث: «لا يقل السيد عبدي وأمتي وليقل: فتاي وفتاتي» ولا يقول العبد: ربي, لا يقول أحدكم: أطعم ربك, وضئ ربك, وإن كان هذا جائز لكن النهي للتنزيه ليس للتحريم, قال الله تعالى: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}[يوسف/42].
{قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}[يوسف/50], يعني سيدك.
وفي الحديث: «إن في آخر الزمان تلد الأمة ربتها» وفي اللفظ الآخر: «ربها» هذا يدل على الجواز وهو الذي صرف النهي عن التحريم إلى التنزيه.
(المتن)
ومنها سب الريح.
(الشرح)
كذلك: «لا تسبوا الريح فإنها مأمورة» الريح مدبرة مأمورة, ولكن يقول: «اللهم ‘ني أسألك خيرها وخير ما أُرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما أُرسلت به اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا» الرياح رحمة, والريح عذاب, عُذبت عاد بالريح: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}[الحاقة/6].
(المتن)
ومنها سب الحمى.
(الشرح)
المرأة التي قالت: الحمى لا بارك الله فيها, فنهى النبي عن سب الحمى وقال: «إنها تكفر الخطايا وتحط الخطايا كما تحط الشجرة ورقها».
(المتن)
وسب الديك، والدعاء بدعوى الجاهلية.
(الشرح)
سب الديك؛ لأنه يرى ملكًا, في حديث: «إذا سمعتم صياح الديك فاسألوا الله من فضله فإنه رأى ملكًا» بخلاف نهيق الحمار فإنه يستعيذ بالله من الشيطان؛ لأن الحمار رأى شيطان.
الطالب: الذي أصابه زكام وتبعه حرارة للجسم هل يعتبر حمى؟.
الشيخ: نعم, إذا كان في الجسم حرارة فهي حمى تكفر الخطايا, وفي الحديث: «ما يصيب المسلم من وصبٍ ولا نصب إلا كفر الله به خطاياه حتى الشوكة يشاكها» ولما نزل قول الله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء/123], قال أبو بكر: يا رسول الله كلما عمل الإنسان شيء يجزى به؟ فقال النبي r: «أليس يصيبك الهم! فذلك مما تجزون به» مكفرات, الحمى والصداع, والألم, والهم, والغم, حتى الشوكة يشاكها يكفر الله له بها من خطاياه.
الطالب: لو قال: هذا مرض خبيث؟.
الشيخ: هذا محل نظر, يعني هل يكون هذا سب مثل لو قال: الريح شديدة هذا وصف للريح, لكن لا يسب الريح أو يسب الساعة, أو يسب الدهر هذا ممنوع, لكن إذا قيل: هذا يوم شديد أو عصيب أو يوم بارد هذا ليس سبًا وإنما وصفه, وهذا المرض الخبيث هذا محل نظر, الأقرب عدم وصفه بشيء؛ لأن الأمراض يكفر الله بها من الخطايا, لكن يوصف باسمه.
والدعاء بدعوى الجاهلية, أي من العويل والصياح والتعزي بعزاء الجاهلية.
(المتن)
كالدعاء إلى القبائل والعصبية لها.
(الشرح)
يدعون القبائل إذا حصل لهم أمر, ويدعو إلى قبيلة يتعصب ويتحزب هذا منهي عنه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات/10], ولما حصل في بعض الغزوات أن كسع أنصاري مهاجري من الشباب, فقال الأنصاري: يا للأنصار, وقل المهاجري: يا للمهاجرين, تعزى, فقال النبي r: «أبدعاء الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فغنها منتنة» مع أنها أسماء إسلامية المهاجرين والأنصار, لكن لما صار في تقسيم وتحزب أنكره النبي, يقول: يا للمسلمين, أيها المسلمين فيشمل المهاجرين والأنصار, أما يتعزى يقول: يا مهاجرين, وهذا يقول: يا أنصار, هذا فيه تحزب وأنكره النبي r مع أن هناك أسماء شريفة, لكن لما كان في تحزب وفي تقسيم للمسلمين وعصبية أنكرها النبي r, وإنما ينادي المسلمين عمومًا: يا أيها المؤمنون انظروا كذا وكذا حتى يشمل هؤلاء وهؤلاء, لا يتعصب ويفرق بين المسلمين.
(المتن)
ومثله التعصب للمذهب والطريقة والمشايخ.
(الشرح)
مثل التعصب لمذهب الأحناف, أو مذهب الشافعية, كلها مذاهب حق وكلهم قصدوا الحق, ويكون المؤمن قاصد للحق فإن كان طالب علم يأخذ بما دل عليه الدليل, وإن كان ليس بطالب علم فيسأل أهل العلم ويأخذ بمن يفتيه ممن يثق بعلمه وورعه, ولا يتعصب يقول: هذا المذهب أحسن من هذا المذهب, كذلك أيضًا الطوائف فلا يتعصب لطائفة أو قبيلة أو ما أشبه ذلك, كذلك التعصب لشيخه ويغلو فيه ولا يأخذ إلا بقوله.
(المتن)
وَمِنْهَا تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ.
(الشرح)
تسمية العشاء بالعتمة هذا فيه مشابهة للأعراب لأنهم يُعتمون بالإبل, فاسمها هو العشاء, والمراد النهي عن الغلبة وإلا فإنه جاء أيضًا تسميتها بالعتمة, فالنهي عن الغلبة دائمًا يسميها عتمة, لكن إذا سمى بعضها عتمة فلا بأس, ولهذا قال: «لا يغلبنكم الأعراب على اسمٍ لصلاتكم».
(المتن)
تَسْمِيَةً غَالِبَةً يُهْجَرُ بها لفظ العشاء.
(الشرح)
يعني إذا كانت التسمية غالبة حتى يهجر اسم العشاء فهذا منهي عنه أما إذا سماها بعض الأحيان فلا بأس.
(المتن)
ومنها سِبَابِ الْمُسْلِمِ.
(الشرح)
سباب المسلم لا يجوز لحديث: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» فلا ينبغي السباب بين المسلمين, ولا ينبغي سب المسلم, ولا ينبغي للإنسان أن يعود لسانه على اللعن والسب والشتام؛ يجب أن ينزه لسانه ويعود لسانه على الكلام الطيب, يقول النبي r في الحديث الصحيح: «ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش البذيء».
(المتن)
وَأَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ.
(الشرح)
كذلك جاء هذا في حديث في النهي عنه لحديث: «لا يتناجى اثنان دون الثالث» إذا كانوا ثلاثة اثنين يتناجون ويتكلمون سرًا فهذا يحزنه, حتى يكون معهم رابع, لو كان معهم رابع وتناجى اثنان فلا بأس, وجاء في الحديث الآخر: «لا يتناجى اثنان حتى يدخلوا مع الناس» إذا دخلوا مع الناس لا بأس, أما يتناجى اثنين ويتركون واحد أو ثلاثة يتناجون ويتركون واحد هذا منهي عنه؛ لأن هذا يحزنه ولأنه قد يوصل له الشيطان أنهم يتكلمون فيه, فلا ينبغي للاثنين أن يتكلموا سرًا بل يسمعوه, وكذلك الثلاثة لا يتناجون ويتكون الرابع, فإن كان المجلس فيه عدد فلا بأس.
(المتن)
وَأَنْ تُخْبِرَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا بِمَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى.
(الشرح)
جاء هذا في حديث النهي أن تنعت المرأة لزوجها امرأة أخرى كأنه ينظر إليها؛ لأن هذا يوقع في النفس أمور وتذكر ووساوس وأمور لا تنبغي.
(المتن)
ومنها قول: اللهم اغفر لي إن شئت.
(الشرح)
وهذا منهي عنه في الحديث يقول: «لا يقول أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت, اللهم ارحمني إن شئت, ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له» ولأن تعليقها بالمشيئة يدل على عدم رغبته في المغفرة, كأنه يقول: يا ربي اغفر لي إن شئت وإن شئت فلا تغفر لي, هذا ما ينبغي, «ليعزم المسألة» اللهم اغفر لي, اللهم ارحمني, بعض الناس يغلب عليه هذا تجده يعزي يقول: اللهم اغفر لها إن شاء الله, غفر الله لك إن شاء الله, لا يأتي بها إلا إذا كان في الخبر.
(المتن)
ومنها الإكثار من الحلف.
(الشرح)
كذلك الإكثار من الحلف, قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}[المائدة/89], قيل: المعنى احفظوها عن كثرة الحلف, وقيل: احفظوها عن عدم التكفير, يعني يحنث ولا يكفر.