شعار الموقع

86- مختصر زاد المعاد

00:00
00:00
تحميل
20

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين والسامعين.

(المتن)

قال المؤلف رحمه الله تعالى في "مختصر زاد المعاد":

ولما اشتد أذاهم على المؤمنين، وفتن منهم من فتن، أذن الله سبحانه لهم في الهجرة الْأُولَى إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ هاجر إليها عثمان ومعه زوجته رقية بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وكانوا اثنى عشر رجلًا وأربع نسوة، خرجوا مُتَسَلِّلِينَ سِرًّا، فَوَفَّقَ اللَّهُ لَهُمْ سَاعَةَ وُصُولِهِمْ إلى الساحل سفينتين، فحملوهم، وكان مخرجهم في رجب من السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنَ الْمَبْعَثِ، وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ فِي آثارهم حتى جاءوا ساحل البحر، فلم يدركوهم، ثُمَّ بَلَغَهُمْ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ كَفُّوا عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعُوا، فَلَمَّا كَانُوا دون مكة بساعة، بلغهم أنهم أشد ما كانوا عداوة، فدخل من دخل منهم بِجِوَارٍ.

وَفِي تِلْكَ الْمَرَّةِ «دَخَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصلاة، فلم يرد عليه» هذا هو الصواب، كذا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَبَلَغَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ خَرَجُوا إلى الحبشة إسلام أهل مكة، فأقبلوا لَمَّا بَلَغَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا من مكة بلغهم أن ذلك كان باطلا، فلم يدخل أحد منهم إلا بجوار أو مستخفيًا، وكان مِمَّنْ قَدِمَ مِنْهُمْ، فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا، فَذَكَرَ مِنْهُمْ ابن مسعود.

وحديث زيد بن أرقم أجيب عنه بجوابين:

أحدهما: أن النهي ثَبَتَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ أُذِنَ فِيهِ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ نهي عنه.

الثاني: أن زيدا مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَادَتِهِمْ، وَلَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّهْيُ، فلما بلغهم انتهوا, ثُمَّ اشْتَدَّ الْبَلَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى مَنْ قدم من الحبشة وغيرهم، وسطت بهم عشائرهم، فَأَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الخروج إلى الحبشة مرة ثانية.

(الشرح)

هاجروا للحبشة مرتين, تركوا مكة وهي أفضل البقاع لأن المشركين فتنوهم عن دينهم, وذهبوا إلى الحبشة حتى يأمنوا على أنفسهم ودينهم.

(المتن)

فكان خروجهم الثاني أشق عليهم، ولقوا من قريش أذى شديدًا، وَصَعُبَ عَلَيْهِمْ مَا بَلَغَهُمْ عَنِ النَّجَاشِيِّ مِنْ حسن جواره لهم. فكان عدة من هاجر فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا إِنْ كان عمار بن ياسر فيهم، وَمِنَ النِّسَاءِ تِسْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً، قُلْتُ: قَدْ ذكر في هذه الثانية عثمان وَجَمَاعَةٌ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وهما، وإما أن تكون لَهُمْ قَدْمَةٌ أُخْرَى قَبْلَ بَدْرٍ، فَيَكُونُ لَهُمْ ثلاث قدمات؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابن سعد وَغَيْرُهُ: إِنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا مُهَاجَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجَعَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، وَمِنَ النِّسَاءِ ثمان، فَمَاتَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ بِمَكَّةَ، وَحُبِسَ بِمَكَّةَ سَبْعَةٌ، وَشَهِدَ بَدْرًا مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا، فَلَمَّا كَانَ شَهْرُ رَبِيعٍ الْأَوِّلِ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الهجرة كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام مع عمرو بن أمية، فأسلم، وقال: لو قدرت أن آتيه لأتيته، وكتب إليه أن يزوجه أم حبيبة، وكانت فيمن هاجر مَعَ زَوْجِهَا عبيد الله بن جحش، فَتَنَصَّرَ هناك، ومات نصرانيا، فَزَوَّجَهُ النَّجَاشِيُّ إِيَّاهَا، وَأَصْدَقَهَا عَنْهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ.

(الشرح)

يعني النجاشي زوج النبي r وأصدق عنه أم حبيبة.

(المتن)

وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ تَزْوِيجَهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ مَنْ بقي عنده من أصحابه، ويحملهم، فحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بخيبر، فوجدوه قد فتحها.

(الشرح)

ففرح النبي r بقدومه وقال: «ما أدري بأيهما أفرح بقدوم جعفر أو بفتح خيبر».

(المتن)

وَعَلَى هَذَا فَيَزُولُ الْإِشْكَالُ الَّذِي بَيْنَ حَدِيثِ ابن مسعود وحديث زيد بن أرقم، ويكون تخريج الكلام بالمدينة، فإن قيل: فما أحسنه لولا أن ابن إسحاق قد قال ما حكيته عنه أن ابن مسعود أقام بمكة. قيل: قد ذكر ابن سعد أنه أقام بمكة يسيرًا، ثم رجع إلى الحبشة، وهذا هو الأظهر؛ لأنه لم يكن له بمكة من يحميه، فتضمن هذا زِيَادَةَ أَمْرٍ خَفِيَ عَلَى ابْنِ إِسْحَاقَ، وابن إسحاق لم يذكر من حدثه، وابن سعد أسنده إِلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، فزال الإشكال ولله الحمد.

(الشرح)

يعني جاء النهي في المدينة: «إن في الصلاة لشغلًا».

(المتن)

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي هَذِهِ الْهِجْرَةِ أبا موسى الأشعري، وأنكر هذا عليه الواقدي وغيره، وقالوا: كيف يخفى هذا على من دونه فضلًا عنه؟ قلت: ليس هذا مما يخفى علي من دونه فَضْلًا عَنْهُ، وَإِنَّمَا نَشَأَ الْوَهْمُ أَنَّ أبا موسى هاجر من اليمن إلى عند جعفر وأصحابه، ثم قدم معهم، فعد ابن إسحاق ذلك لأبي موسى هِجْرَةً، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ هَاجَرَ من مكة لينكر عليه.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد