بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالعبادة حق الله لا يشركه فيها أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فكما أن الله رب الناس وملك الناس لا يشركه أحد في الربوبية ولا في الملك فكذلك لا يشركه أحد في الألوهية والعبادة فهي حق الله الخالص كما قال الله تعالى {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3] والرسل دعوا الناس إلى توحيد الله وإخلاص الدين له كما قال الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] وقال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] فالتوحيد حق الله على العبيد وما خالفه وناقضه هو توحيد باطل وهذا البحث بعنوان: التوحيد الحق والتوحيد الباطل، والسبب الباعث على كتابة هذا البحث أن بعض الناس يخلط بين النوعين فيدخل أحدهما في الآخر فأردت بذلك أن أجلي الأمر وأوضح كلا من النوعين راجيا بذلك مرضاة الله ونفع عباد الله وأسأل الله أن يجعل ذلك زلفى إليه في جنات النعيم، خالصا لوجه الله الكريم، وأن يثبتني وإخواني الموحدين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنه خير مسؤول وأعظم مأمول وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فأقول مستعينا بالله ومعتمدا عليه ومتوكلا عليه:
التوحيد مصدر وحَّد يوحد توحيدا أي جعله فردا والتوحيد نوعان الأول التوحيد الحق وهو الذي به النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة الثاني التوحيد الباطل وهو الذي به الهلاك والشقاوة في الدنيا والآخرة أما الأول وهو التوحيد الحق وهو توحيد أهل الإيمان فهو أن توحد الله تعالى في ربوبيته وأن توحد الله في أسمائه وصفاته وأفعاله وأن توحد الله في ألوهيته وعبادته فتؤمن بالله ربا وخالقا ومالكا ومدبرا ومعبودا بالحق دون ما سواه له الأسماء الحسنى والصفات العلى وهذا من الإيمان بالغيب فمن الإيمان بالغيب الإيمان بالله والإيمان بالملائكة والإيمان بالكتب المنزلة والإيمان بالرسل والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره والإيمان بالله يكون بالنطق بالشهادتين بأن يشهد العبد لله تعالى بالوحدانية ويشهد لنبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالرسالة ويعتقد معناهما بقلبه فيرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ولا بد من الالتزام والإتيان بحقوق الإيمان والتوحيد ومقتضياته وملزوماته وهي أداء الفرائض والواجبات لله تعالى أو للآدميين كالصلاة والزكاة والصوم والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام والنفقات الواجبة للأهل والأولاد والبهائم ومن حقوق التوحيد والإيمان ومقتضياته وملزوماته ترك المحرمات والكبائر والمآثم كالربا والزنا وشرب الخمر والسرقة وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والغيبة والنميمة والكذب وقول الزور وشهادة الزور والغش في المعاملات وأخذ الرشوة وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقتل النفس بغير حق وقذف المحصنين أو المحصنات وأعظم الكبائر ما كان شركا أصغر أو كفرًا أكبر أو نفاقًا أصغر كالحلف بغير الله تعالى أعظم الكبائر التي تصدر من المسلم وإلا فأعظم الكبائر هو الشرك بالله عز وجل وأعظم الكبائر ما كان شركا أصغر أو كفرا أصغر أو نفاقًا أصغر كالحلف بغير الله وقول ما شاء الله وشئت ولولا الله وأنت وما لي إلا الله وأنت وكذا الطيرة وكذا الكهانة وكذا السحر من غير الشياطين وكذا الطعن في النسب وكذا الاستسقاء بالنجوم وكذا من انتسب إلى غير أبيه وكذا العبد ينتسب إلى غير مواليه منه ما ثبت في الحديث «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر» وكذا تأخير الصلاة عن وقتها لحديث «تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كادت أن تغرب بين قرني شيطان قام فنقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» وبهذا يتبين أن حقوق التوحيد والإيمان ومقتضياته وملتزماته إما واجبات يفعلها المسلم وإما محرمات يتركها المسلم محبة لله وخوفًا ورجاء وتعبدا لله تعالى فأما الواجبات من العبادات كالصلاة والزكاة والصوم والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام وكذلك جميع العبادات فإنها لا تصح إلا بالإتيان بركني العبادة وهما الإخلاص لله تعالى والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] وقال تعالى {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [لقمان: 22] وقال تعالى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256] وثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» وثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي لفظ لمسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» والركن الأول والأصل الأول للعبادة وهو إخلاص العبادة لله تعالى وهو أن يريد بها وجه الله دون غيره هذا الأصل وهذا الركن هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وإذا تخلف هذا الأصل حل محله الشرك والركن الثاني والأصل الثاني لصحة العبادة وهو المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به صلى الله عليه وسلم هذا الأصل وهذا الركن هو مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله وإذا تخلف هذا الأصل وهذا الركن حل محله البدع وهاتان الشهادتان شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله هما أصل الدين وأساس الملة بهما يدخل الإسلام في الإسلام وبهما يخرج من الإسلام ومن كان آخر كلامه لا إلا الله دخل الجنة فهاتان الشهادتان سبب مقتضٍ لدخول الجنة وللنجاة من النار ولكن لهما شروط وقد تسمى هذه الشروط حقوقا ولوازم وهذه الشروط على سبيل الإجمال فعل الواجبات وترك المنهيات وكل واحدة من الشهادتين شاملة للأخرى بالضرورة ولا ينتفع العبد بواحدة منهما ما لم يضم إليها الشهادة المقارنة لها فلا بد في الشهادتين من الانقياد والقبول ولا يتأتى ذلك إلا بتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله فمن لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما بُعِث فليس بمؤمن كاليهود والنصارى الذين يقولون لا إله إلا الله وهذا هو سبب الاكتفاء في كثير من النصوص بالتنصيص على شهادة أن لا إلا الله فحسب فإنها شاملة لشهادة أن محمدا رسول الله بالضرورة أما شروط الشهادتين على التفصيل فشروط كلمة التوحيد لا إله إلا الله سبعة بل هي ثمانية وهي العلم واليقين والقبول والانقياد والصدق والإخلاص وزاد بعضهم شرطا ثامنا وهو الكفر بما يعبد من دون الله ودليل هذه الشروط هو الاستقراء استقراء النصوص نصوص الكتاب والسنة وهذه الشروط عند التأمل حاصرة بأصول الأعمال القلبية والعملية التي لا قيام للتوحيد إلا بها وما عداها مما يشترط لصحته عائد إليها وهذه الشروط دالة عليها إما بالتضمن أو الالتزام وقد جمعت تسهيلا لحفظها في شيء من النظم قال بعضهم:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع . |
|
محبة وانقياد والقبول لها . |
وزيد ثامنها الكفران منك بما . |
|
سوى الإله من الأنداد قد ألها جج. |
وبحسب قيام المؤمن بها وتحقيقه لها يعظم توحيده وإيمانه فإن المسلمين مع اتفاقهم على الإتيان بشهادة التوحيد متفاوتون في تحقيقها تفاوتًا عظيما وعليه فإن التوحيد يزول وهذه الشهادتان تنتقض ويتلاشى الانتفاع بها متى زال أصل شرط منها ويضعف الانتفاع بها متى ضعف الإتيان بها فإن لهذه الشروط أصلا لا يتحقق التوحيد إلا به وكمالا يكمل التوحيد بتمامه ويضعف بزواله.
الشرط الأول العلم المنافي للجهل والمراد بهذا الشرط العلم بمعناها من النفي والإثبات وتوضيح ذلك أن لا إله إلا الله جملة مكونة من جزئين يطلق عليهما أهل العلم بالركنين وهما النفي والإثبات فلا إله نفي وإلا الله إثبات فالنفي نفي العبودية عما سوى الله والإثبات إثبات العبودية لله وحده لا شريك له وهذا النفي هو حقيقة الكفر بالطاغوت وهذا الإثبات هو حقيقة الإيمان بالله الذي جاء في قول الله تعالى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256] فشطر كلمة التوحيد الأول هو الكفر بالطاغوت وشطرها الثاني هو الإيمان بالله والحق الذي لا ريب فيه أن معنى لا إله إلا الله لا معبود حق إلا الله والمراد البراءة مما يعبد من دون الله وإفراد الله بالعبادة ولا شك أن هذا العلم أعظم العلوم وأشرفها وقد أمر الله سبحانه عباده به فقال {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [هود: 14] قال البغوي رحمه الله أي فاعلموا أن لا إله إلا هو كما أمر الله به نبينا صلى الله عليه وسلم والأمر له أمر لأمته فقال سبحانه {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] ومن الأدلة على هذا الشرط قول الله تعالى {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] ومن الأدلة أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم «من مات وهو يعلم أنه لا إلا الله دخل الجنة» أخرجه الإمام مسلم فهذا الحديث صريح في أن من نطق بكلمة التوحيد مع علمه بها فهو ناجٍ عند الله والشهادة لا تكون شهادة إلا بالعلم بالمشهود به لأن الإيمان بالشهادة والانقياد لها لا يتحقق إلا بعد العلم بمعناها والجاهل بذلك لا تنفعه لجهله بما وضعت له الوضع العربي الذي أريد منها من نفي الشرك وإخلاص العبادة لله وحده فكيف ينفي ما نفت ويثبت ما أثبتت وهو لا يعلم شيئا من ذلك أم كيف يعمل بمقتضى ما لا يعلمه.
والشرط الثاني اليقين المنافي للشك وهو التصديق الجازم والمقصود بهذا الشرط أن يوقن القلب بمعناها يقينًا يزول معه الشك والريب بأن يكون قائلها مستيقنا بمدلول هذه الكلمة يقينا جازما واليقين هو العلم الراسخ في القلب الثابت فيه بحيث لا يكون عرضة للريب والشك والموانع ولا يوصف به إلا من اطمأن قلبه علما وعملا فهو إذًا أعلى درجات التصديق ومن الأدلة على هذا الشرط قول الله تبارك وتعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15] فدلت الآية على أن الشك إذا تعلق بوصف الإيمان فإنه مناف الإيمان وأنه لا بد للإيمان الصادق من استيقان القلب بخلاف أهل الشك والريب الذين قال الله عنهم (وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) وعليه فلا إيمان لمن قالها شاكًّا مرتابا ومن الأدلة على هذا الشرط من السنة أحاديث منها قول النبي صلى الله عليه وسلم «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بها عبدٌ غير شاك فيها إلا دخل الجنة» أخرجه الإمام مسلم ومنها قوله صلى الله عليه وسلم «فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة» أخرجه الإمام مسلم والمعنى في الحديثين واحد فنفي الشك يفيد اليقين وثبوت اليقين يفيد نفي الشك فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقنًا بها قلبه غير شاك فيها وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.
الشرط الثالث الإخلاص المنافي للشرك وهذا الشرط أصل الشروط وأهمها والجامع لها والمقصود باشتراط الإخلاص في هذا المقام هو إخلاص العبادة لله عز وجل وإفراده بها ونفي الشرك فهذا ما دلت عليه كلمة التوحيد مطابقة والمقصود أيضا الإخلاص في قول لا إله إلا الله على وجه الخصوص فلا يقصد بقولها إلا وجه الله دون أدنى شعيبة من الشرك ولا شك أن هذا يستتبع ويستلزم إخلاص العبادة لله عز وجل ومن الأدلة على هذا الشرط قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه» ومنها قوله صلى الله عليه وسلم «من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار» رواه الشيخان ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم «لن يوافي عبد يوم القيامة لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله إلا حرمه الله على النار» أخرجه البخاري ومنها حديث عتبان بن مالك الطويل وفيه «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» أخرجه الإمام مسلم ومن الأدلة الدالة على إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله من القرآن الكريم قول الله تعالى {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14] وقوله سبحانه {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3] وقوله سبحانه {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] وقوله تعالى {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 2].
الشرط الرابع الصدق المنافي للكذب والمقصود بهذا الشرك أن يكون صادقا في قولها بحيث يواطئ قلبه لسانه والصدق ينافي النفاق لأن المنافقين يقولونها لكن لم يطابق ما قالوه لما يعتقدونه فصار قولهم كذبا بمخالفة الظاهر للباطن فيشترط في إنجاء من قال هذه الكلمة من النار أن يقولها صدقا من قلبه فلا ينفعه مجرد التلفظ بدون مواطأة القلب ومن الأدلة على هذا الشرط قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار» أخرجه البخاري رحمه الله في كتاب العلم ومن الأدلة على هذا الشرط أيضا الأدلة التي فيها بيان حال المنافقين وكفرهم لتكذيبهم بقلوبهم وإن كانوا يقولون بألسنتهم الشهادتين يدعون الإيمان {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] وقول الله تعالى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] وقول الله تعالى {يَقُولُونَ بِأَلسنتهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 167] وقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] والفرق بين الصدق والإخلاص لا شك أن بين هذين الشرطين تقاربًا بل تلازمًا غير أن الإخلاص ينافي الشرك والصدق ينافي الكذب فهما متلازمان لا يوجد أحدهما بدون الآخر فمن لم يكن مخلصا فهو مشرك ومن لم يكن صادقا فهو منافق والفرق بين الصدق واليقين أن أحدهما فرع عن الآخر فمن استيقن قلبه صدق في قولها أي طابق لسانه قولَه والصدق يقابله الكذب واليقين يقابله التكذيب والشك وكلاهما من حال أهل النفاق عياذًا بالله.
الشرط الخامس المحبة المنافية لعدمها والمقصود بهذا الشرط محبة ما دلت عليه من الإخلاص ونبذ الشرك أي المحبة لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين بشروطها وبغض ما ناقض ذلك وأصل هذه المحبة وأساسها دون شك محبة الله سبحانه ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي تابعة لمحبة الله فإن محبة الله عز وجل أصل التوحيد وروحه وعمدة الإسلام وعموده فمن لا محبة له لا توحيد له ولا إسلام البتة ومن أحب الله ورسوله أحب دين الله وما جاء به رسوله عليه الصلاة والسلام ولا بد ويتفرع عن هذه المحبة محبة المؤمنين والولاء لهم وبغض الكافرين والبراءة منهم والدليل على هذا الشرط جملة من النصوص منها قول الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» أخرجه البخاري في كتاب الإيمان ومنها ما ثبت في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» رواه الشيخان ومن الأدلة من الآيات الكريمات قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54] وقول الله تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].
الشرط السادس القبول المنافي للرد يعني رد مدلولها والمقصود بهذا الشرط في كلمة التوحيد أن يقبل ما دلت عليه من إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه وأن يلتزم بذلك ويرضى به فمن شرط الاعتداد بكلمة الشهادة أن تكون على سبيل الالتزام وليس اشتراط القبول مؤقت بابتداء الدخول في الإسلام فحسب بل لا تنفعه إلا بالتزام أن يعمل طول عمره بمضمون كلمة التوحيد ولا يخالفها وقبول كلمة التوحيد يقتضي بالضرورة أن يقبل الإسلام كله أخبارا وأحكاما فيقابل الأخبار بالتصديق ويقابل الأحكام بالالتزام ولهذا لم تدخل في الإسلام شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة وأنه صادق لم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام لأن الإسلام أمر وراء ذلك فإن الإسلام ليس هو المعرفة فقط ولا المعرفة والإقرار فقط بل الإسلام المعرفة والإقرار والانقياد والتزام طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودينه عليه الصلاة والسلام ظاهرًا وباطنًا ومن الأدلة على هذا الشرط قول الله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2 - 4] ومنها قول الله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74] ومنها قول الله تعالى {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] ومنها قول الله تعالى في حق من ردها {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 35، 36] ولا رد أعظم من الاستكبار فلم يتركوا آلهتهم المنفية بلا إله إلا الله ولم يقبلوا إثبات إلا الله ومن الأدلة ما ثبت في الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير» إلى آخر الحديث والشاهد قبول طائفة من الأرض لها فتنبت الكلأ وهو العشب الكثير.
الشرط السابع الانقياد المنافي للترك والمقصود بهذا الشرط في كلمة التوحيد الانقياد لمعنى كلمة التوحيد لما دلت عليه من المعنى المنافي لترك العمل بمقتضاها بأن يعبد الله وحده وينقاد للشريعة ويؤمن بها ويعتقد أنها الحق لأن من الناس من يقول كلمة التوحيد وهو يعرف معناها لكنه لا ينقاد للإتيان بحقوقها ولوازمها من الولاء والبراء والعمل بشرائع الإسلام من أداء الواجبات وترك المحرمات فإذا لم يخلص العبادة لله تعالى ويتبرأ من الشرك فهذا لا تنفعه لا إله إلا الله لأنه ترك الانقياد بالعمل بما تقتضيه من الإخلاص ونفي الشرك بكبر أو هوى وهؤلاء كثير وعليه فهذا الشرط ينتقض في حق من أتى بأحد أمرين الأول الوقوع في الشرك لأن المشرك لم يحصل منه الانقياد لما دلت عليه كلمة التوحيد الثاني ألا ينقاد جملة لشرع الله لأن من ترك العمل بالشريعة جملة فقد وقع في التولي وهو ضد الانقياد وقد دل على هذا الشرط قول الله تعالى {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [لقمان: 22] والعروة الوثقى هي لا إله إلا الله ومنها قول الله تعالى {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور: 47] فهذا هو التولي الكفري المنافي للانقياد الذي نفى الله الإيمان عن أهله في قوله وما أولئك بالمؤمنين فنفى الله الإيمان عمن تولى عن العمل وإن كان قد أتى بالقول والخلاصة أن الانقياد بالعمل بشرع الله في الجملة من شروط الانتفاع بكلمة التوحيد ولا يتنافى هذا مع حصول التقصير بترك بعض الواجبات وإنما يتنافى هذا بالترك الكامل فيمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا لا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والفرق بين القبول والانقياد المشترطين في كلمة الإخلاص لا إله إلا الله لأن بينهما تقاربا أدى إلى حصول نوع اشتباه عند بعض الناس في التفريق بينهما كما أن بعض العلماء قد يستعمل أحدهما مريدا به الآخر وبالتفصيل يزول الإشكال فيقال إن القبول أصل ثمرته الانقياد وذلك أن القبول هو الالتزام بالتوحيد والانصياع لأحكامه واعتقاد التكليف بها والعهد على الدخول في الإسلام والثبات عليه مع التسليم وترك الاعتراض هذا ما يحتويه شرط القبول وأما الانقياد فهو أن يقوم بالفعل ما التزم به من الإخلاص ونفي الشرك والعمل بشرع الله في الجملة والله أعلم.
الشرط الثامن الكفر بما يعبد من دون الله كما قيل في البيت:
وزيد ثامنها الكفران منك بما . |
|
سوى الإله من الأنداد قد ألها جج. |
وإلى عد الشروط ثمانية ذهب إلى ذلك الشيخ عبد الرحمن بن حسن حفيد الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في كتابه قرة عيون الموحدين وهذا أحد القولين له رحمه الله وذهب إلى عد هذا الشرط ثامنًا الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله في حاشيته على الأصول الثلاثة وذهب إليه شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة وذهب أكثر من عد هذه الشروط إلى أنها سبعة وهو القول الثاني للشيخ عبد الرحمن بن حسن قالوا إن الكفر بما يعبد من دون الله داخل في معنى كلمة التوحيد ومن حقيقتها ومما تتضمنه والشيء لا يشترط في نفسه وعليه فهو أحد ركنيها وليس شرطًا في الانتفاع بها قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله شهادة أن لا إله إلا الله دلت على الكفر بما عبد من دون الله تضمنا لا التزاما وقال من عده شرطا ثامنا إن إيراده ضمنا الشروط لأهمية هذا الموضوع وكثرة الغفلة عنه والمقام مقام شرط وبسط وبيان لهذه الكلمة العظيمة وما هذه التقسيمات والتفريعات المتعلقة بهذه الكلمة إلا تحقيق لهذا الغرض ولا شك أن هذا غرض نبيل وقصد حسن ويغتفر ما يترتب على ذلك من التكرار فالأمر على كل حال يسير ودليل هذا الشرط ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله».
شروط الكلمة الثانية وهي شهادة أن محمدا رسول:
فاعلم أنه لا يكون من شهد أن لا إله إلا الله مؤمنا حتى يشهد أن محمدا رسول الله مع التزامه فيها جميع الشروط التي تقدمت مع أدلتها من الكتاب والسنة وشروط شهادة أن محمدا رسول الله:
أولا العلم المنافي للجهل والمقصود بهذا الشرط بأن يعلم بقلبه أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي المكي المدني نبي ورسول من عند الله إلى الناس ومن الأدلة على هذا الشرط قول الله تعالى {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] فالشهادة لا تكون شهادة إلا بالعلم بالمشهود به لأن الإيمان بالشهادة والانقياد لها لا يتحقق إلا بعد العلم بمعناها والجاهل بذلك لا تنفعه لجهله بما وضعت له.
الشرط الثاني التصديق الجازم المنافي للشك والريب بأن يشهد أن محمدا رسول الله بأن يكون قائلها مستيقنا بمدلول هذه الكلمة يقينا جازما بحيث لا يكون عرضة للشك والريب والموانع مطمئنا بها قلبه علما وعملا وهذا أعلى درجات التصديق ودليل هذا قول الله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15] دلت الآية على أن الشك في أصل الإيمان منافٍ للإيمان وأنه لا بد في الإيمان من استيقان القلب فلا إيمان لمن قالها شاكًّا مرتابا ومن الأدلة على هذا الشرط من السنة أحاديث منها قول النبي صلى الله عليه وسلم «أشهد أن لا إلا الله وأني رسول الله لا يلقى اللهَ بها عبدٌ غير شاكٍّ فيها إلا دخل الجنة» أخرجه الإمام مسلم ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم «فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبُه فبشره بالجنة» وشهادة أن محمدا رسول الله داخلة في شهادة أن لا إله إلا الله والمعنى في الحديثين واحد فاشترط النبي صلى الله عليه وسلم في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقنا بها قلبه غير شاكٍّ ونفي الشك يفيد ثبوت اليقين وثبوت اليقين يفيد نفي الشك وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.
الشرط الثالث من شروط شهادة أن محمدا رسول الله أن يؤمن بعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين الجن والإنس وإلى العرب والعجم فلا إيمان لمن زعم أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بالعرب دون العجم أو بالإنس دون الجن ودليل هذا الشرط قول الله تعالى {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] وقول الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] وقول الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] وقول الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] وقول الله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] أي العرب والعجم والجن والإنس وقول الله تعالى {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1، 2] وقول الله تعالى {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف: 29] ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار».
الشرط الرابع الإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وأكمل الله به الدين قال الله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] فمن قال إن الدين فيه نقص أو أن الدين فيه زيادة أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قصر في تبليغ الرسالة فليس بمؤمن ونحن نشهد له عليه الصلاة والسلام بالبلاغ المبين قد شهد له الصحابة رضي الله عنهم شهدوا للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ في حجة الوداع وأشهد الله عليهم ونحن نشهد له عليه الصلاة والسلام بالبلاغ المبين وأنه ترك أمته على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ومعلوم أنه قد بلَّغ الرسالة كما أُمِر ولم يكتم شيئًا منها فإن كتمان ما أنزل الله يناقض موجب الرسالة كما أن الكذب يناقض موجب الرسالة ومن المعلوم في دين المسلمين أنه معصوم من الكتمان لشيء من الرسالة كما أنه معصوم من الكذب فيها انتهى كلامه رحمه الله.
الشرط الخامس الإيمان بأنه خاتم النبيين لا نبي بعده ومن ادعى النبوة بعده عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] وقال عليه الصلاة والسلام في حديث الدجال في الصحيحين وغيرهما «إنه يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي» وفي السنن من حديث ثوبان رضي الله عنه وإنه يكون بعدي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي وقال عليه الصلاة والسلام «أعطيت ستا لم يعطهن أحد قبلي» وذكر منها «وختم بي النبيون».
الشرط السادس الصدق المنافي للكذب المانع من النفاق والمقصود بهذا الشرط أن يكون صادقًا في قولها بحيث يواطئ قلبه لسانه والصدق ينافي النفاق لأن المنافقين يقولونها لكن لم يطابق ما قالوا لما يعتقدونه فصار قولهم كذبا بمخالفة الظاهر للباطن فلا ينفعه مجرد اللفظ بدون مواطأة القلب ومن الأدلة على هذا الشرط قول الله تعالى عن المنافقين {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] ثانيا قول الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] ثالثا قول الله تعالى {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: 11] رابعا قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] ومن الأدلة على هذا الشرط من السنة قوله صلى الله عليه وسلم «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار» أخرجه الإمام مسلم.
نقف على الشرط السابع.