شعار الموقع

الملف الثاني

00:00
00:00
تحميل
25

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الشرط السابع المحبة المنافية لعدمها وبغض ما ناقض ذلك والمقصود بهذا الشرط المحبة لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين بشروطها وبغض ما ناقض ذلك وأصل هذه المحبة وأساسها محبة الله سبحانه ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام تابعة لمحبة الله فإن هذه المحبة أصل التوحيد وروحه وعمدة الإسلام وعموده فمن لا محبة له لا توحيد له ولا إسلام ومن أحب الله ورسوله أحب دين الله وما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا بد ويتفرع عن هذه المحبة محبة المؤمنين والولاء لهم وبغض الكافرين والبراءة منهم والدليل على هذا الشرط قول الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] ومحبة رسول الله تابعة لمحبة الله ثانيا في الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» ثالثا في الصحيح عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» رابعا قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54] خامسا قول الله تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].

الشرط الثامن القبول المنافي للرد أي لرد مدلول شهادة أن محمدا رسول الله والمقصود بهذا الشرط أن يقبل ما دلت عليه الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة من الالتزام بالإسلام كله أخبارا وأحكاما فيقابل الأخبار بالتصديق ويقابل الأحكام بالالتزام ولهذا لم تدخل في الإسلام شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة وأنه صادق لم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام لأن الإسلام ليس هو المعرفة ولا المعرفة والإقرار فقط بل الإسلام المعرفة والإقرار والانقياد والتزام طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودينه ظاهرًا وباطنًا ومن الأدلة على هذا الشرط ما سبق في شرط الشهادة الأولى كلمة التوحيد وهي:

أولا قول الله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 2 - 4] وقول الله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74] وقول الله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15] رابعًا في الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير» الحديث والشاهد قبول طائفة للماء فتنبت الكلأ والعشب الكثير.

الشرط التاسع الانقياد المنافي للترك ويراد بذلك الانقياد بمعنى الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة المنافي لترك العمل بمقتضاها فالمقصود بهذا الشرط الانقياد بما دلت عليه الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة من الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما بعث به والإتيان بحقوقها ولوازمها من الولاء والبراء والعمل بشرائع الإسلام من أداء الواجبات وترك المحرمات بل لا بد أن ينقاد جملة لشرع الله لأن من ترك العمل بالشريعة فقد وقع في التولي وهو ضد الانقياد ومن الأدلة على هذا الشرط أولا قول الله تعالى {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22] والعروة الوثقى هي كلمة التوحيد فتدخل فيها الشهادة الثانية للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة ثانيا قول الله تعالى {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور: 47] فهذا هو التولي الكفري المنافي للانقياد الذي نفى الله الإيمان عن أهله بقوله {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور: 47] فنفى الله الإيمان عمن تولى بالعمل وإن كان قد أتى بالقول والخلاصة أن الانقياد بالعمل شرط في صحة شهادة أن محمدا رسول الله والانقياد بالعمل من حقوق شهادة أن لا إله إلا الله كما أنه من حقوق شهادة أن محمدا رسول الله ومقتضياتها وهو يشمل أمورا أربعة:

الأول تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن ربه الثاني طاعته بامتثال ما أمر به من شرائع الإٍسلام الكف والانتهاء والاجتناب لما نهى عنه من المحارم والآثام الرابع اتباع شريعته والتزام سنته فلا يعبد الله بما شرعه فينقاد للعمل بشرع الله جملة ولا يتنافى هذا مع حصول التقصير بترك بعض الواجبات وإنما يتنافى هذا بالترك الكامل فيمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا لا صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا غير ذلك من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه هي حقوق التوحيد والإيمان ومقتضياته وملزوماته من العبادات الواجبة أو المستحبة فلا تصح إلا بالإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تصح العبادة واجبة أو مستحبة إلا بالإتيان بشهادة أن لا إله إلا الله بشروطه التي سبقت وإلا بالإتيان بشاهدة أن محمدا رسول الله بشروطها التي سبقت وكذا ترك المحرمات لا بد فيها أن يكون الترك لله وعلى وفق ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تصح العبادة واجبة ومستحبة إلا بالتوحيد والإيمان ولا يثاب على ترك المعاصي والمحرمات كبائر أو صغائر إلا بالتوحيد والإيمان والتوحيد والإيمان كلٌّ لا يتجزأ فالإيمان لا يصح إلا بالتوحيد لله في ربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله وألوهيته وعبادته ولا يصح الإيمان إلا بالإيمان بالملائكة وأنهم أشخاص وذوات محسوسة تُرَى وتصعد وتنزل وتخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم وهم مخلوقون من نور كما ثبت ذلك في الحديث فنؤمن بهم إجمالا ونؤمن بمن سمى الله منهم في الكتاب أو سُمِّي في السنة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل ومالك ورضوان ومنكر ونكير ولا يعلم أسمائهم وعددهم إلا الله سبحانه وتعالى والإيمان بفضائلهم وأعمالهم ووظائفهم ومكانتهم عند الله وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولا بد في الإيمان والتوحيد ولا يصح إلا بالإيمان بالكتب المنزلة وأن الله أنزل كتبا على أنبيائه ورسله لهداية الناس لا يعلم أسماءها وعددها إلا الله فنؤمن بها إجمالا ونؤمن تفصيلا بما سمى الله في كتابها بأعيانها وهي التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف إبراهيم وصحف موسى رابعا ولا بد في التوحيد والإيمان ولا يصح إلا بالإيمان بالرسل وأن الله تعالى أرسل رسلا إلى الناس لدعوتهم إلى التوحيد والإيمان وتبشير المؤمنين الموحدين بالجنة والكرامة وإنذار الكفار بالنار والعذاب والإهانة فلا يكون للناس حجة على الله بعد الرسل فلا يكون للناس حجة بعد ذلك كما قال الله تعالى {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] فنؤمن بهم إجمالا وأن الله أرسل رسلا إلى الناس لهدايتهم لا يعلم أسماءهم وعددهم إلا الله منهم من قصه الله علينا ومنهم من لم يقصص علينا كما قال تعالى {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء: 164] ونؤمن بمن سمى الله منهم أو سماهم رسوله صلى الله عليه وسلم بأعيانهم كما قال الله تعالى في سورة النساء {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 163، 164] وقال تعالى في سورة الأنعام {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83] (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا قد هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين) ويضاف إليهم هود وصالح وشعيب وإدريس ونبينا محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين.

خامسا ولا بد في التوحيد والإيمان ولا يصح إلا بالإيمان باليوم الآخر وهو يوم القيامة وسمي باليوم الآخر لأنه ليس بعده يوم واليوم الأول هو الدنيا واليوم الآخر هو الآخرة ويشمل الإيمان باليوم الآخر ما يلي:

أولا الإيمان ببعث الأجساد ودخول الأرواح فيها فتدخل كل روح في جسدها بعد أن يأمر الله إسرافيل بالنفخ في الصور النفخة الثانية نفخة البعث وقبلها النفخة الأولى وهي نفخة الصعق والموت كما قال الله تعالى في سورة الزمر {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] ويشمل الإيمان باليوم الآخر الإيمان بما أخبر الله به أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون في آخر الزمان من أشراط الساعة الكبرى التي آخرها النار التي تسوق الناس إلى المحشر والريح التي تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات ثم تقوم الساعة على الكفرة وذلك إذا أمر الله إسرافيل في النفخ في الصور النفخة الأولى وهي نفخة الصعق والموت ثم بعدها النفخة الثانية وهي نفخة البعث وكذلك يشمل الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالبرزخ وما يكون بعد الموت وما يكون بعد الموت من عذاب القبر ونعيمه وتوسيع القبر وتضييقه وضمة القبر وفتح باب إلى الجنة أو إلى النار وسؤال الملكين الفتانين منكر ونكير وتمثل العمل بالرجل الحسن المنظر أو الرجل القبيح المنظر ويشمل الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالحشر والنشر وأن الله تعالى يبعث الخلائق ويحشرهم ويجمعهم في صعيد واحد ويشمل الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالحساب والوقوف بين يدي الله تعالى وأن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد للحساب حينما يخرجون من قبورهم حفاة لا نعال لهم عراة لا ثياب عليهم غرلا غير مختونين فيحاسبهم على أعمالهم في وقت واحد لا يلهيه شأن عن شأن سبحانه وتعالى ويفرغ من حسابهم قدر منتصف النهار ويقيل أهل الجنة في الجنة كما قال الله تعالى {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24].

رابعا يشمل الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالجزاء على الأعمال إن خيرا فخير وإن شرا فشر ويعطوا الصحف بالأيمان أو بالشمائل كما قال الله تعالى {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر: 17] وقال تعالى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8] فالمؤمنون يعطون صحفهم بأيمانهم والكفار يعطون صحفهم بشمائلهم كما قال تعالى {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة: 19 - 37] نسأل الله السلامة والعافية.

خامسا الإيمان بالشفاعة وهي أنواع منها الشفاعة التي تكون في موقف القيامة وهي خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهي التي يغبطه فيها الأولون والآخرون وهي التي يتأخر عنها أولوا العزم وهي لإراحة الناس من الموقف للحساب ومنها الشفاعة في تخفيف العذاب عن أبي طالب وهي خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم وبأبي طالب ومنها الشفاعة لأهل الجنة للإذن لهم في دخولها وهي خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم منها الشفاعة في رفع درجات قوم من أهل الجنة وزيادة ثوابهم وهذه مشتركة ومنها الشفاعة في قوم مؤمنين استحقوا دخول النار بكبائر ألا يدخلوها والشفاعة في قوم من المؤمنين من أهل الكبائر دخلوا أن يخرجوا منها وهاتان الشفاعتان تواترت بهما الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأثبتهما أهل السنة والجماعة وأنكرهما الخوارج والمعتزلة مع تواتر الأخبار فيهما هذه أنواع الشفاعة المثبتة التي دلت عليها النصوص وهي لأهل التوحيد والإخلاص ما عدا الشفاعة العظمى إما في موقف القيامة لإراحة الخلق من موقف القيامة ليحاسب الله الخلائق أما الشفاعة المنفية فهي التي تكون لأهل الشرك وقد نفاها القرآن قال الله تعالى {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] قال تعالى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 123] وقال تعالى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 48] وأما الشفاعة المثبتة فإنها تكون لأهل التوحيد والإخلاص بشرطين أحدهما إذن الله للشافع كما قال الله تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] والثاني رضاه عن المشفوع كما قال تعالى {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] وقال تعالى {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26].

سادسا الإيمان بالميزان وأنه ميزان حسي له كفتان الكفة أعظم من أطباق السموات والأرض توزن فيهما الأعمال والأشخاص كما قال الله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] وفي الحديث الصحيح «يؤتى بالرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة» وخالفت المعتزلة أهل السنة فلم يؤمنوا بالميزان وقالوا المراد بالميزان الميزان المعنوي وهو العدل وقالوا إن الله تعالى لا يحتاج إلى الميزان وإنما الذي يحتاج إلى الميزان البقال والفوال أما الله فلا يحتاج إلى الميزان فردوا النصوص بعقولهم وهذا الميزان الحسي توزن فيه الأعمال والأشخاص فمن ثقلت موازينه نجا وفاز ومن خفت موازينه خسر وهلك قال الله تعالى {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 6 - 11] قال تعالى {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون: 101 - 104] نسأل الله السلامة والعافية.

سابعا الإيمان بالحوض في موقف القيامة وهو حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم طوله مسافة شهر وعرضه مسافة شهر وأوانيه عدد نجوم السماء يصب فيه ميزابان من نهر الكوثر في الجنة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا حتى يدخل الجنة ولكل نبي حوض ترد عليه أمته لكن حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظمها وأوسعها وأكثرها واردا جعلنا الله منهم بمنه وكرمه وبهذا جاءت الأحاديث.

ثامنا الإيمان بالصراط وأنه صراط حسي منصوب على متن جهنم يمر الناس عليه على قدر أعمالهم فأولهم كالبرق ثم كالريح ثم كأجاود الخيل ثم الرجل يعدو عدوا ثم الرجل يمشي مشيا فناج مسلَّم ومكردس على وجهه في النار وعلى الصراط كلاليب تخطف من أمرت بخطبه ونبينا صلى الله عليه وسلم قائم على الصراط يقول اللهم سلِّم سلِّم بهذا جاءت الأحاديث قال الله تعالى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71، 72].

تاسعا الإيمان بالجنة والنار وأنهما مخلوقتان الآن لا تفنيان ولا تبيدان وخالف في ذلك المعتزلة وقالوا إن الجنة والنار الآن عدم وإنما تخلقان يوم القيامة وقولهم باطل مخالف لنصوص الكتاب والسنة قال الله تعالى عن الجنة {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] وقال عن النار {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار ليلة المعراج ورأى من يعذب رأى الزناة والزواني يعذبون وكذلك غيرهم ورأى السارق الذي يسرق الحاج بمحجنه وهذا كله يدل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن خلافا للمعتزلة فالجنة دار كرامة الله ورحمته أعدها لأهل التوحيد والإيمان فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما ثبت بذلك الحديث الصحيح وأعظم نعيم في الجنة يلقاه أهل الجنة هو رؤية الله تبارك وتعالى وحلول رضوان الله عليهم فلا يسخط عليهم أبدا جعلنا الله منهم بمنه وكرمه قال الله تعالى {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 25] وقال تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} [النساء: 57] وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 107، 108] وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 30، 31] والجنة درجات كل درجة عليا أعظم نعيما من الدرجة التي تحتها والفردوس أعلى الجنة وأوسط الجنة وفوقه عرش الرحمن جعلنا الله من أهلها بمنه وكرمه والنار دار عدل الله وحكمته أعدها الله لأهل الشرك والكفر والجحود والنفاق فيها العذاب السرمدي وفيها الأغلال والسلاسل والحميم والغساق وكل دركة سفلى أشد عذابا من الدركة التي فوقها لأن النار دركات كما أن الجنة درجات والمنافقون في الدرك الأسفل من النار قال الله تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: 145] وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56] وقال تعالى {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29] وقال تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36] وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10] وقال تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} [البلد: 19، 20] وقال تعالى {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 4 - 9] وقال تعالى {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ: 21 - 26].

سادسا ولا بد في التوحيد والإيمان ولا يصح إلا بالإيمان بالقدر خيره وشره والإيمان بالقدر له أربع مراتب لا بد من الإيمان بها كلها فمن لم يؤمن بواحدة منها لم يصح إيمانه بالقدر وهو العلم والكتابة والمشيئة والخلق.

المرتبة الأولى مرتبة العلم وهي الإيمان بأن الله علم الأشياء قبل كونها في الأزل الذي لا بداية له الذوات والصفات والأفعال والحركات والسكنات وكل ما يسمى شيئا فإن الله أحاط به علمه في السموات أو في الأرض أو في ظلمات البر أو في ظلمات البحر كما قال تعالى {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29] قال تعالى {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40] قال تعالى {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12].

المرتبة الثانية مرتبة الكتابة وهي الإيمان بأن الله كتب كل شيء مما يكون من المقادير إلى يوم القيامة كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ من الذوات والصفات والأفعال والحركات والسكنات في البر أو البحر أو الجو كتب الله ذلك قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة كما ثبت ذلك في صحيح من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» وقال الله تعالى {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] والكتاب المبين هو اللوح المحفوظ فهذه الآية الكريمة فيها إحاطة علم الله بكل شيء وكتابة كل شيء في اللوح المحفوظ فقال تعالى {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12] وهو اللوح المحفوظ وقال تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] وفي الحديث الصحيح (وكتب في الذكر كل شيء) الذكر هو اللوح المحفوظ وقال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12] وهو اللوح المحفوظ وقال تعالى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22] والكتاب هو اللوح المحفوظ.

المرتبة الثالثة مرتبة المشيئة والإرادة وهي الإيمان بأن كل ما يقع في الكون وفي الوجود فقد سبقت به مشيئة الله وإرادته الكونية فلا يقع في ملك الله إلا ما شاءه وأراده وقضاه وقدره من خير أو شر ومشيئة العبد وإرادته تابعة لمشيئة الله وإرادته قال الله تعالى {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253] وقال تعالى {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} [البقرة: 253] وقال تعالى عن نوح عليه الصلاة والسلام {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هود: 34] وقال تعالى {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125] وقال تعالى {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28، 29] وقال تعالى {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 29 - 31] وقال تعالى {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39].

المرتبة الرابعة مرتبة الخلق والإيجاد وهي الإيمان بأن الله أوجد هذه المخلوقات وخلقها من العدم وهو الخالق وغيره مخلوق كما أنه الرب وغيره مربوب كما أنه المالك وغيره مملوك كما أنه مدبِّر وغيره مدبَّر قال الله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62] وقال تعالى {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2] وقال تعالى {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] وقال تعالى مخاطبا الكفار الذين عبدوا آلهتهم من دون الله {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4] وقال تعالى {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 58، 59] وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73] وأما المعاملات كالبيع والشراء والإجارة والمساقاة والمزارعة وغيرها من العقود فلا يشترط فيها ما يشترط للعبادة من التوحيد والإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يشترط أن توجد وتتوفر الشروط التي دلت النصوص على اشتراطها لصحة العقد والمعاملة ولو كان العقد مع غير مسلم إذا لم يكن حربيا للمسلمين بأن يكون ذميا أو معاهَدًا أو مستأمِنًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر وهم من اليهود مساقاة ومزارعة على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع وقال «نقركم على ذلك ما شئنا» حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه إلى تيماء وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى غنمًا من مشرك وتوفي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير لأهله عليه الصلاة والسلام.

أهل التوحيد الحق ثلاثة أصناف.. لعلنا نقف على هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد