مسألة: أهل التوحيد الحق ثلاثة أصناف:
السابقون المقربون والمقتصدون أصحاب اليمين والظالمون لأنفسهم وكلهم أورثهم الله الكتاب وكلهم من أهل الجنة بشرط الموت على التوحيد.
الصنف الأول السابقون المقربون وهم الذين وحدوا الله وتقربوا إلى الله بفعل الواجبات والمأمورات ثم تقربوا إلى الله بفعل المندوبات والمستحبات وتقربوا إلى الله بترك المحرمات والمنهيات ثم تقربوا إلى الله بترك المكروهات وبترك فضول المباحات.
الصنف الثاني المقتصدون أصحاب اليمين وهم الذين وحدوا الله وتقربوا إلى الله بفعل الواجبات والمأمورات وتقربوا إلى الله بترك المحرمات والمنهيات لكن لم يكن عندهم نشاط بفعل المندوبات والمستحبات فلم يفعلوها ولم يكن عندهم نشاط بترك المكروهات وفضول المباحات ففعلوها.
فهذان الصنفان وهما السابقون المقربون والمقتصدون أصحاب اليمين يدخلون الجنة ابتداء من أول وهلة من غير تأخير فضلا من الله تعالى وإحسانا إذا ماتوا على التوحيد والإيمان غير مغيرين ولا مبدلين لأنهم أدوا ما أوجب الله عليهم وتركوا ما حرم الله عليهم.
الصنف الثالث الظالمون لأنفسهم وهم الذين وحدوا الله وأخلصوا له العبادة وتقربوا إلى الله بفعل الواجبات والمأمورات وتقربوا إلى الله بترك المحرمات والمنهيات لكن قصروا فظلموا أنفسهم بترك بعض الواجبات أو فعلى بعض المحرمات وماتوا على ذلك من غير توبة وهؤلاء من أهل الجنة ومآلهم إليها لكن قد يتأخر دخول بعضهم الجنة بسبب تقصيرهم في فعل بعض المحرمات أو بتركهم بعض الواجبات وهؤلاء أقسام وكلهم تحت مشيئة الله منهم من يعفو الله عنه ثم يدخله الجنة قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ومنهم من يعذب في قبره كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجلين اللذين مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وغرز في كل قبر واحدة وقال لعليه يخفف عنهما ما لم ييبسا» ومنهم من تصيبه أهوال وشدائد في موقف القيامة ومنهم من يستحق دخول النار فيشفع الله فيه الشفاعات فلا يدخل النار ومنهم من يدخل النار ويعذب في قبره ومنهم من يطول مكثه بسبب كثرة جرائمه ومعاصيه أو غلظها وفحشها كالقاتل أخبر الله تعالى أنه يخلد فيها كما قال الله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] والخلود هو المكث الطويل والخلود خلودان خلود لا نهاية له وهو خلود الكفرة وخلود له نهاية وهو خلود بعض العصاة الموحدين كالقاتل وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر الموحدين الذين أضعفوا توحيدهم بارتكاب الكبائر وماتوا على ذلك من غير توبة فيشفع الله فيهم الشفعاء من الأنبياء والصالحين والملائكة والأفراط فيقبل الله شفاعتهم ويخرجهم من النار ويشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أربع شفاعات فيحد الله له حدا بالعلامة فيخرجهم من النار وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته فيقول الرب سبحانه كما ورد ذلك في الحديث شفعت الملائكة وشفع النبيون ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين فيخرج قوما من النار لم يعملوا خيرا قط يعني زيادة على التوحيد والإيمان وثبت في الأحاديث الصحيحة أن هؤلاء العصاة الموحدين يخرجون من النار ظبائر ظبائر قد امتحشوا وصاروا فحما ثم يصب عليهم من نهر الحياة فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة وهؤلاء هم عتقاء الله من النار فإذا تكامل خروج العصاة الموحدين من النار ولم يبق منهم أحد أطبقت النار على الكفرة بجميع أصنافهم فلا يخرجون منها أبد الآباد والمنافقون في الدرك الأسفل من النار عياذا بالله من النار قال الله تعالى {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة: 37] وقال تعالى {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 167] وقال تعالى {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ: 23] وقال تعالى {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: 97] وقال تعالى {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الأحزاب: 65] وقال تعالى {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] وقال تعالى {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77] وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56] نسأل الله السلامة والعافية ونسأله أن يجيرنا من النار.
وأما الثاني وهو التوحيد الباطل وهو توحيد أهل الكفر والشرك والنفاق والظلم والفسق والجهل المخرج من ملة الإسلام وكل من فعل ناقضا من نواقض الإيمان والتوحيد أو مفسدا من مفسدات التوحيد أو من مبطلا من مبطلاته فتوحيد باطل وكل توحيد باطل أو فاسد أو منتقض بناقض من النواقض فهو كفر أو شرك أو نفاق نسأل الله السلامة والعافية ونواقض التوحيد والإيمان والإسلام هي مبطلاته تحل محله كما أن نواقض الوضوء والطهارة تحل محله فيكون محدثا بعد أن كان طاهرا أو متوضئا كذلك من فعل ناقضا أو مبطلا للإسلام فإنه يكون مشركا أو كافرا أو منافقا بعد أن كان موحدا أو مؤمنا أو مسلما وسواء كان ذلك بقول أو فعل أو اعتقاد أو شك أو ظن فمن الذين كفروا وسواء فعل ذلك أو قاله جادًّا أو هازلا أو خائفًا ولا يستثنى من ذلك إلا المكره والمخطئ قال الله تعالى في المكره {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] وقال تعالى في المخطئ {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] وفي صحيح مسلم قال الله «قد فعلت» وقال الله تعالى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] ضابط هذه النواقض ضابطها كل ما قام الدليل الشرعي على أنه يوقع صاحبه في الكفر أو الشرك أو النفاق ومثال من فعل الكفر خطأ ما جاء في الحديث الصحيح في قصة الذي فقد راحلته وعليها طعامه وشرابه وأيس منها واضطجع تحت شجرة ليموت ثم استيقظ فوجدها قائمة عند رأسه فأخذ بخطامها وقال مخاطبا «اللهم أنت عبدي وأنا ربك» يريد أن يقول «اللهم أنت ربي وأنا عبدك» فأخطأ من شدة الفرح فهذا تكلم بكلمة الكفر خطأ لكنه معفو عنه لخطئه وكذلك المكره معفو عنه إذا كان إكراها ملجئا بأن يكون إكراها حقيقة من قادر فاعل بشرط أن شكون المكره مطمئنا قلبه بالإيمان كما قال الله تعالى {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] فإن اطمئن قلبه بالكفر فهو كافر نسأل الله السلامة والعافية.
وأنواع هذه النواقض والمبطلات أنواعها وأفرادها نواقض الإيمان والإسلام ومبطلاته ومفسداته أنواعها وأفرادها كثيرة جدا نص عليها العلماء والفقهاء في كتبهم في باب حكم المرتد من كل مذهب وذكر بعض العلماء أنها قريب من أربعمائة ناقض وأشهر هذه النواقض النواقض العشرة التي ذكرها الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وجعل جنة الفردوس مأواه وهي النواقض العشرة التي ذكرها رحمه الله وهي كما يلي:
أولا الشرك بالله ومنه الذبح لغير الله.
ثانيا من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم.
ثالثا عدم تكفير المشركين او الشك في كفرهم أو تصحيح مذهبهم.
رابعا اعتقاد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه.
خامسا بغض شيء مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
سادسا الاستهزاء بشيء من دين الله أو ثوابه أو عقابه قال الله تعالى {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66].
سابعا السحر فمن فعله أو رضي به كفر قال الله تعالى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102].
ثامنا مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين قال الله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].
تاسعا اعتقاد أن الله بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم.
عاشرا الإعراض عن دين لا يتعلمه ولا يعمل به قال الله تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف: 3].
إحدى عشر أن يجحد ربوبية الله بكل شيء أو ببعض الأشياء.
الثاني عشر أن يجحد خلق الله لكل شيء أو لبعض الأشياء.
الثالث عشر أن يجحد ملك الله لكل شيء أو لبعض الأشياء.
الرابع عشر أن يجحد تدبير الله لكل شيء أو لبعض الأشياء.
الخامس عشر أن يجحد ألوهية الله واستحقاقه للعبادة.
السادس عشر أن يجحد وجود الله وهذا أعظم الكفر وأغلظه وهو مذهب الاتحادية القائلين إن الوجود واحد فالرب هو العبد والرب هو العبد اتحدا وصارا شيئا واحدا عندهم وسواء قالوا قولهم اتحد في جميع الموجودات أو في بعضها.
السابع عشر أن يجحد وينكر مباينة الله لخلقه وأن يقول بأن الله حل في مخلوقاته وهو مذهب الجهمية الحلولية القائلين بأن الله حل في مخلوقاته كلها أو في بعض مخلوقاته كالصور الحسنة أو القول بأن الله حل في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام كما هو قول بعض النصارى.
الثامن عشر القول بسلب النقيضين عن الله عز وجل وأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا مباينا له ولا محايثا له ولا متصلا به ولا منفصلا عنه وهذا قول الجهمية النفاة الذين يسلبون النقيضين عن الله عز وجل وهم أعظم كفرا من الجهمية الحلولية لأن سلب النقيضين نتيجته الامتناع والاستحالة فهو أغلظ الكفر وأعظمه وهل هم أشد كفرا من كفر الاتحادية أم الاتحادية أشد كفرا وأغلظ أم هما سواء؟ محل نظر وتأمل.
التاسع عشر أن يجحد اسما من أسماء الله أو صفة من صفاته أو فعلا من أفعاله إلا على الكتاب والسنة.
العشرون أن يجحد الملائكة أو واحدا منهم أو يعتقد ويقول إنهم بنات الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أو يعتقد أن الملائكة ليسوا أشخاصا وذواتا محسوسة بل هم أمور معنوية تبعث على الخير والفضل والرحمة كما أن الشياطين ليسوا أشخاصا وذواتا محسوسة بل هم أمور معنوية تبعث على الشر والإيذاء والعدوان وهذا قول الفلاسفة فلاسفة اليونان إرسطو ويقال إرسطا طاليس وهو المعلم الأول وأبو نصر الفارابي وهو المعلم الثاني وأبو علي ابن سينا وهو المعلم الثالث والمعلم الثالث الذي هو ابن سينا هو الذي حاول أن يقرب الفلسفة من الإسلام وهو في محاولته الشديدة لم يصل إلى ما وصلت إليه الجهمية الغالية في التجهم بل هم أحسن وأشد من مذهب ابن سينا مع غلوهم في التجهم كما قرر ذلك العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان.
الحادي والعشرون أن يجحد وينكر الكتب المنزلة من عند الله على أنبيائه ورسله أو واحدا منها ويكذب بذلك.
الثاني والعشرون أن يجحد وينكر الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده أو واحدا منهم ويكذب بذلك.
الثالث والعشرون أن يجحد وينكر اليوم الآخر وهو يوم القيامة أو يجحد البعث بعد الموت أو يجحد الحساب حساب الله للخلائق أو يجحد الجزاء على الأعمال أو ينكر الشفاعة العظمى لنبينا صلى الله عليه وسلم في موقف القيامة أو الشفاعة في إخراج الموحدين من النار بعد قيام الحجة عليه أو ينكر الميزان ووزن الأعمال والأشخاص أو ينكر حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في موقف القيامة بعد قيام الحجة عليه أو ينكر الصراط المنصور على متن جهنم أو ينكر الجنة أو ينكر النار.
الرابع والعشرون أن يجحد وينكر القدر خيره وشره تقدير الله للمخلوقات إلى يوم القيامة بأن يجحد علم الله للأشياء في الأزل قبل كونها أو يجحد وينكر كتابة الله لمقادير المخلوقات في اللوح المحفوظ أو يجحد وينكر مشيئة الله وإرادته الكونية لكل ما يقع في هذا الوجود أو يجحد وينكر خلق الله للمخلوقات أو شيئا منها.
الخامس والعشرون أن ينكر نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو ينكر القرآن العظيم أو شيئا منه ولو حرفا واحدا.
السادس والعشرون أن يمتنع من النطق بالشهادتين أو أحدهما طول عمره من غير مانع قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فأما الشهادتان إذا لم يتكلم بها مع القدرة فهو كافر باطنا وظاهرا عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها انتهى كلامه رحمه الله.
السابع والعشرون أن ينكر كلام الله أو رؤية الله في الآخرة بعد قيام الحجة عليه.
الثامن والعشرون أن ينكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة وجوبه مثل أن ينكر وجوب الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج أو بر الوالدين أو صلة الأرحام.
التاسع والعشرون أن ينكر ويجحد أمرا معلوما من الدين بالضرورة تحريمه مثل أن ينكر تحريم الشرك أو تحريم الربا أو الزنا أو عقوق الوالدين أو قطيعة الرحم أو شرب الخمر أو أكل المال بالباطل بالرشوة أو الغش بالمعاملات من البيع والشراء وغيرها.
الثلاثون أن يقول كلمة التوحيد لا إله إلا الله وهو جاهل بمعناها من النفي والإثبات والشهادة لا تكون شهادة إلا بالعلم بالمشهود به للحديث الصحيح «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة» رواه الإمام مسلم فالإيمان بالشهادة والانقياد لها لا يتحقق إلا بالعلم بمعناها والجاهل بذلك لا تنفعه لجهله بما وضعت له من نفي الشرك وإخلاص العبادة لله تعالى ولقول الله تعالى {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وهذا العلم أعظم العلوم وأشرفها كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] فالجاهل بمعناها فاته أعظم العلوم وأشرفها فكيف يكون مؤمنا وهو لا يعلم معناها الذي هو شرط للعمل بمقتضاها والانقياد بما دلت هذه من المعنى من الإتيان بحقوقها ولوازمها من الولاء والبراء والعمل بشرائع الإسلام وكذلك شهادة أن محمدًا رسول الله لا بد من العلم بمعناها المنافي للجهل بأن يعمل بقلبه أن محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني مرسل من عند الله إلى الناس لقول الله تعالى {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] فالشهادة لا تكون شهادة إلا بالعلم بالمشهود به والإيمان والانقياد لها لا يتحقق إلا بعد العلم والجاهل بذلك لا تنفعه لجهله بما وضعت له.
الحادي والثلاثون أن يقول كلمة التوحيد عن شك وريب ولا يكون مستيقنا بمدلولها ولا يطمئن بها قلبه وسواء كان ذلك في شهادة أن لا إله إلا الله أو في شهادة أن محمدا رسول الله.
الثاني والثلاثون أن يقول كلمة التوحيد لا عن إخلاص وإفراد لله تعالى بالعبادة ولا إرادة لوجه الله بل مع شائبة من الشرك المخرج من الملة.
الثالث والثلاثون أن يعتقد عدم عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين الجن والإنس والعرب والعجم بل يعتقد أن رسالته خاصة بالعرب دون العجم أو الإنس دون الجن وهذا تكذيب لقول النبي صلى الله عليه وسلم «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة» وتكذيبه للآيات كقوله تعالى {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] وقوله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] وقوله {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] وقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] وغيرها من النصوص.
الرابع والأربعون أن يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الرسالة ولم يؤد الأمانة أو أن الدين لم يكمل بل هو ناقص يحتاج إلى زيادة أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم خان الأمانة.
الخامس والأربعون أن يعتقدون أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل يكون بعده نبي أو أنبياء وهذا تكذيب لقول الله تعالى {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] ولقوله صلى الله عليه وسلم «وختم بي النبيون».
السادس والأربعون أن يقول كلمة التوحيد عن تكذيب ونفاق لا عن صدق فلا يواطئ قلبُه لسانَه بل اللسان ينطق والقلب يكذِّب وكذلك شهادة أن محمدا رسول الله يقولها عن كذب ونفاق كما قال الله تعالى {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: 11] وقال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] وقال تعالى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1].
السابع والأربعون أن يقول كلمة التوحيد فيشهد لله تعالى بالوحدانية بلسانه مع بغضه لله أو بغضه لما دلت عليه من الإخلاص ونبذ الشرك أو يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة بلسانه مع بغضه للنبي صلى الله عليه وسلم أو بغضه لشيء مما جاء به من الشريعة فمن لم يحب الله ورسوله فلا توحيد له ولا إسلام فإن هذه المحبة أصل التوحيد وروحه وعمدة الإسلام ومن أحب الله ورسوله أحب دين الله وما جاء به رسوله ويتفرع عن هذه المحبة محبة المؤمنين والولاء لهم وبغض الكافرين والبراءة منهم.
الثامن والأربعون أن يقول كلمة التوحيد لا إله إلا الله بلسانه مع عدم قبول ما دلت عليه من قبول الإسلام كله تصديقا للأخبار والتزاما بالأحكام لأن الإسلام هو المعرفة والإقرار والانقياد والالتزام بالطاعة ظاهرا وباطنا التاسع والأربعون أن يشهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة بلسانه ولكن لا يقبل ما دلت عليه الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة من الالتزام بالإسلام كله أخبارا وأحكاما فيقابل الأخبار بالتصديق والأحكام بالالتزام.
الخمسون أن يقول كلمة التوحيد لا إله إلا الله مع عدم الانقياد لمعناها المنافي لترك العمل بمقتضاها فلا يأتي بحقوقها ولوازمها من الولاء والبراء والعمل بشرائع الإسلام من أداء الواجبات وترك المحرمات.
الحادي والخمسون ... للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة بلسانه مع عدم الانقياد لما دلت عليه الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة من الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما بعث به والإتيان بحقوقها ولوازمها من الولاء والبراء والعمل بشرائع الإسلام من أداء الواجبات وترك المحرمات.
الثاني والخمسون أن شهد أن لا إله إلا الله بلسانه ولكنه لا يكفر بما يُعبَد من دون الله بل يقر ذلك المعبود من دون الله ولا ينكره فهذا لا يكون مسلمًا حرام الدم والمال بل هو حلال الدم والمال لما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله و دمه وحسابه على الله عز وجل» رواه مسلم.
الثالث والخمسون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك وهو أربعة أنواع كل نوع منها مخرج من ملة الإسلام والعياذ بالله الأول شرك الدعوة وهو دعوة غير الله كأن يدعو الميتَ أو يدعو الحيَّ الحاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله أو يدعو غائبًا لا يمكن سماعه الثاني شرك النية والإرادة والقصد وهو الذي يصدر من المنافقين في دخولهم في الإسلام في الظاهر وقلوبهم منكرة مكذبة فنيتهم لغير الله تعالى قال الله تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16] وقال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] وقال تعالى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] الثالث شرك الطاعة أي الطاعة في التحليل والتحريم في المعاصي أي في تحليل الحرام أو تحريم الحلال كطاعة العلماء والعباد في المعصية لا دعاؤهم كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله فقال يا رسول الله لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: 31] فقال عدي يا رسول الله لسنا نعبدهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أليسوا يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟» قال بلى قال «فتلك عبادتهم» الرابع شرك المحبة والمراد محبة العبادة التي فيها خضوع وذل وتعظيم وتقتضي الطاعة والامتثال ولا يجتمع الأمران المحبة والذل والخضوع إلا في محبة العبادة كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
وعبادة الرحمن غاية حبه . |
|
مع ذل عابده هما قطبان جج |
وهذه المحبة هي التي اقتضت تسوية آلهة المشركين برب العالمين كما قال الله تعالى عن المشركين وهم يختصمون في النار {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97، 98] وهذه الأنواع الأربعة من الشرك هي الأنواع المنتشرة وهناك أنواع أخرى من الشرك كالسجود لغير الله وكالركوع لغير الله وكالشرك الذي يقع من بعض الصوفية من حط الرأس تعبدا للشيخ وتقربا إليه وكالشرك بالتوبة لغير الله من النصارى الذين يتوبون إلى القسيس وكذا عند بعض الشيعة الذين يتوبون إلى رئيسهم فكل هذه أنواع من الشرك وسيأتي تفصيلها ومن أنواع الشرك أيضا النذر لغير الله وكذا خوف السر لغير الله وهو خوف العبادة وكذا رجاء السر لغير الله وهو رجاء العبادة كما سيأتي.
الرابع والخمسون ومن نواقض التوحيد والإيمان الكفر وهو خمسة أنواع وكل نوع منها مخرج من الملة والعياذ بالله الأول كفر التكذيب كأن يكذب الله في خبره أو يكذب رسوله في خبره والدليل قول الله تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 68] الثاني كفر الإباء والاستكبار مع التصديق ومثاله كفر إبليس وكفر فرعون وكفر اليهود وكفر أبي طالب عم النبي صلى الله عليه سلم فكفر هؤلاء بالإباء والاستكبار وعدم الانقياد والاتباع مع التصديق منهم فكفرهم بالتولي وعدم الانقياد والدليل قول الله تعالى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34] الثالث كفر الشك وهو كفر الظن وهو أن يشك في أمر معلوم من الدين بالضرورة كأن يشك في قيام الساعة والدليل قول الله تعالى {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: 35 - 38] وكذلك من شك في نبي أو رسول أو ملك من الملائكة أو شك في ثواب الله أو عقابه أو غير ذلك الرابع كفر الإعراض وهو أن يعرض عن دين الله فلا يتعلمه ولا يعبد الله والدليل قول الله تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف: 3] الخامس كفر النفاق وهو أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر والدليل قول الله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المنافقون: 3].
الخامس والخمسون ومن نواقض التوحيد والإيمان النفاق الاعتقادي وهو سبعة أنواع وكل نوع منها مخرج من الملة وصاحبها من أهل الدرك الأسفل من النار إذا مات من غير توبة عياذا بالله من ذلك الأول تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم الثاني تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم الثالث بغض الرسول صلى الله عليه وسلم الرابع بغض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم الخامس المسرة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم الكراهية لانتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم السابع اعتقاد عدم وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
السادس والخمسون ومن نواقض التوحيد والإيمان كفر الدهرية وهم الذين يجحدون الخالق ويزعمون أن العالم يسير نفسه بنفسه ويقولون ما حكاه الله عنهم في القرآن الكريم {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] وهو مذهب الشيوعيين في الجانب الفكر الذين يقولون لا إله والحياة مادة.
والسابع والخمسون ومن نواقض التوحيد والإيمان كفر الطبائعيين وهم الذين يقولون وجد نتيجة للطبيعة التي هي عبارة عن ذات الأشياء من النبات والحيوان والجمادات أو هي عبارة عن صفات الأشياء وخصائصها من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وملاسة وخشونة فذات الأشياء هي التي أوجدت الأشياء أو صفات الأشياء وخصائصها هو التي أوجدت الأشياء عندهم.
السابع والخمسون ومن نواقض التوحيد والإيمان القائلون بالصدفة أي أن هذه الكائنات من الذوات والجزئيات تنشأ عن طريق المصادفة والله تعالى رد على هؤلاء بقوله {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] فإذا لم يكونوا خلقوا من غير شيء ولم يكونوا خلقوا نفوسهم فلا بد أن يكون لهم خالقا خلقهم.
التاسع والخمسون ومن نواقض التوحيد والإيمان كفر المجوس القائلين إن للعالم خالقَين اثنين خالق للخير وهو النور وخالق للشر وهو الظلمةز
الستون ومن نواقض التوحيد والإيمان كفر المثلثة من النصارى قال الله تعالى عنهم {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73].
الحادي والستون كفر اليهود والنصارى في عدم إيمانهم برسالة نبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الثاني والستون ومن نواقض التوحيد والإيمان توحيد الجهمية وهو إنكار علو الله على خلقه بذاته واستوائه على عرشه وإنكار سائر أسماء الله وصفاته ومحبته ومحبة العباد له بعد قيام الحجة اللسانية عليهم.
الثالث والستون ومن نواقض التوحيد والإيمان الكفر العملي الذي يضاد الإيمان وينافيه بالكلية كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل نبي أو سبه.
الرابع والستون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك في الدعاء أي دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ولو كان حيا أو دعاء ميت أو غائب.
الخامس والستون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك في الاستعاذة في الاستعاذة بميت أو غائب أو حي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله.
السادس والستون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك في الاستغاثة من المكروب وهو أن يستغيث بميت أو غائب أو حي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله.
السابع والستون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك في الاستعاذة وهو أن يستعيذ بميت أو غائب أو حي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله ومنها الشرك في الرقى وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع بالاستعاذة بأسماء الملائكة أو الأنبياء أو الجن أو الشياطين.
الثامن والستون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك بالنذر كالنذر لصاحب القبر تقربا إليه ليقضي حاجته أو ليشفع له ومثله الذبح لغير الله تقربا لذلك الغير.
التاسع والستون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك في الطواف كأن يطوف بالكعبة تقربا لغير الله أو يطوف بقبر أو شجرة أو غيرها تقربا لغير الله.
السبعون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك في التوبة وهو أن يتوب لغير الله ومن ذلك التوبة للشيخ عند المريدين من الصوفية ومثله التوبة من الشيعي لرئيسه المعمم ليغفر له ذنوبه قال الله تعالى {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135].
الحادي والسبعون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك في السجود لغير الله كسجود المريد للشيخ عند الصوفية فإنه شرك من الساجد والمسجود لرضاه بذلك.
الثاني والسبعون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك في الركوع لغير الله كركوع المتعممين من الصوفية بعضهم لبعض عند الملاقاة وهذا سجود في اللغة وبه فسر قول الله تعالى {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [النساء: 154].
الثالث والسبعون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك في حلق الرأس تقربا لغير الله كأن يحلق رأسه للشيخ عند المريدين من الصوفية تعبدا له ولا يتعبد بحلق الرأس إلا في النسك لله خاصة قال الله تعالى {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].
الرابع والسبعون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك في التوكل وهو أن يتوكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله كالذين يتوكلون على الأموات في رجاء مطالبهم من نصر أو حفظ أو رزق أو شفاعة.
الخامس والسبعون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك بالتبرك بشجر أو حجر أو بقعة أو غار أو عين أو غيرها وذلك لطلب البركة ورجائها واعتقادها في هذه الأشياء فهذا شرك أكبر لأنه تعلق على غير الله في حصول البركة فإن عباد الأوثان يعتقدون حصول البركة منها بتعظيمها ودعائها والاستعاذة بها والاعتماد عليها في حصول ما يرجونه ويؤملونه منها.
السادس والسبعون ومن نواقض التوحيد والإيمان بالشرك بالكهانة وهي ادعاء علم الغيب كالإخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان والأخذ عن مسترقي السمع من الشياطين.
السابع والسبعون ومن نواقض التوحيد والإيمان الشرك بالتنجيم وهو على نوعين النوع الأول ادعاء أن الكواكب فاعلة مختارة وأن الحوادث مركبة من تأثيرها وهذا كفر بإجماع المسلمين وشرك أكبر بالله العظيم النوع الثاني ادعاء علم الغيب بالاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كالاستدلال بمسير الكواكب واجتماعها وافتراقها على شيء من أمور الغيب.
ومن نواقض التوحيد والإيمان الظلم المخرج من الملة وهو ظلم الكفر أو الشرك ومثال الأول قول الله تعالى {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] فسمى الكافر ظالما ومثال الثاني قال الله تعالى {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] فسمى الشرك ظلما ومنه قول الله تعالى {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106] أي المشركين فسمى الشرك ظلما لأن دعاء غير الله شرك.
التاسع والسبعون ومن نواقض التوحيد والإيمان الفسق المخرج من الملة وهو فسق الكفر كقول الله تعالى {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة: 26، 27] وكقوله تعالى {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99] وكقوله تعالى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] أي فسوق كفر.
الثمانون ومن نواقض التوحيد والإيمان الجهل المخرج من الملة وهو جهل الكفر كالمذكور في قوله تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] أي الكافرين وهذا كقوله تعالى {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] وقوله تعالى {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ} [الزخرف: 89] فسمى الكافر جاهلا.
الحادي والثمانون ومن نواقض التوحيد والإيمان إنكار كلام الله وكذا إنكار رؤية الله في الآخرة وجاء عن الإمام أحمد رحمه الله عندما قال من أنكر كلام الله فهو كافر وكذا روي عنه أنه قال من أنكر رؤية الله في الآخرة فهو كافر وهذا تكفير مطلق أي عام أما المعيَّن فلا يُحكَم بكفره حتى تقوم عليه الحجة الرسالية.
ومن نواقض التوحيد والإيمان الحكم بغير ما أنزل الله في جميع شؤون أمور المسلمين في الحدود وفي العقود وفي الأمور المالية وفي الأحوال الشخصية من النكاح والطلاق والرضاع والخلع والفسخ والنفقات وغيرها لأن هذا تبديل للدين ذهب إلى هذا جمع من المحققين من أهل العلم وقرر هذا الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] وقرر هذا سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى في رسالته تحكيم القوانين وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه لا يكفر كفرا أكبر مخرجا من الملة حتى يستحل تحكيم غير ما أنزل الله ويعتقد عدم وجوب ذلك أما إذا حكم بغير ما أنزل الله في بعض القضايا لهوى في نفسه لرشوة أو مال أو جاه أو وظيفة وهو يعلم أنه عاصي ومستحق للعقوبة فهذا مرتكب لكبيرة وكفره كفر أصغر لا يخرجه من الملة.
ومن نواقض التوحيد والإيمان ترك الصلاة كسلا وتهاونا مع اعتقاد عدم وجوب الصلاة ذهب إلى هذا جمع من المحققين من أهل العلم وهو الذي أجمع عليه الصحابة كما نقل ذلك التابعي الجليل عبد الله بن شقيق العقيلي فقال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة ونقل الإجماع أيضا إسحاق بن راهويه وأيوب السختياني نقله عنه محمد بن نصر المروزي وكذا نقل الإجماع أيضا أبو محمد ابن حزم وذهب جمهور المتأخرين من العلماء والفقهاء إلى أن تارك الصلاة كسلا لا جحودا لا يكفر كفرا أكبر مخرجا من الملة لأن معه شعبة من الإيمان وهي شعبة التصديق وإنما يكون مرتكبا لكبيرة عظيمة من كبائر الذنوب وكفره كفر أصغر لا يخرجه من الملة.
ومن نواقض التوحيد والإيمان تفسير كلمة التوحيد لا إله إلا الله بقوله لا خالق إلا الله أو لا قادر على الاختراع إلا الله أو لا مستغنيا عن كل ما سواه أو مفتقرا إليه كل من عداه إلا الله فيكون حينئذ مدلول شهادة التوحيد توحيد الربوبية لا توحيد الإلهية مع التزام ما يلزم من تفسير كلمة التوحيد بذلك من أن توجه إلى القبور بالدعاء أو الذبح أو النذر أو غير ذلك من أنواع العبادة دون أن يعتقد من أصحابها ثبوت وصف القدرة على الاختراع فإنه لا يكون مشركا لأنه لم يتخذ إلهًا مع الله فإن هذا مخالف للمعلوم من الاضطرار بدين الإسلام إذا فسر كلمة التوحيد بتوحيد الربوبية والتزم بأن من توجه إلى القبول بالدعاء أو الذبح أو غير ذلك فإنه لا يكون مشركًا فإنه يكون مشركا بهذا الالتزام.