المتن:
قال الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد:
عن أبي سعيد مرفوعاً: إن من ضعف اليقين: أن ترضى الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ قال: من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناسرواه ابن حبان في "صحيحه".
الشيخ:
قال المؤلف الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد: باب: قول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 175] . مقصود المؤلف رحمه الله بهذه الترجمة أن الخوف عبادة عظيمة يجب إخلاصها لله وأن خوف العبادة وخوف السر وخوف العقيدة يجب أن يكون خالصا لله وأن صرفه لغير الله شرك والخوف من أعظم مقامات الدين والخوف يستلزم ويقتضي فعل الواجبات وترك المحرمات والمسارعة لرضا الله ومحابه والانتهاء عن نواهي الله والوقوف عند حدود الله ولهذا بين الله تعالى جزاء الخائفين وثوابهم قال سبحانه وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ لو لا أن الخوف يثمر ويقتضي فعل الواجبات وترك المحرمات والخوف من غضب الله لما كان هذا ثواب الخائفين وقال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ يعني لمن خاف ربه.
والخوف ثلاثة أنواع ثلاثة أقسام:
الخوف الأول خوف السر خوف العقيدة وهو أن يخاف من غير الله أن يصيبه مكروه بسببه أن يخاف من غير الله أن يصيبه بمكروه بمشيئته وقدرته كأن يخاف من الميت أو من الغائب أن يجلب له ضرا أو يسلط عليه عدوا أو يقطع رزقه أو يخاف من أن يدخله النار أو يحرمه دخول الجنة أو يخاف أن يقطع الرزق بسره يعني لا بشيء ظاهر هو الخوف الذي يكون وراء الأسباب هذا خوف السر خوف العقيدة هذا الخوف لغير الله هذا من خاف غير الله فقد أشرك.
أما الخوف الذي يكون وراء الأسباب فهذا خوف الطبيعي وهو الخوف الثاني الخوف من العدو أو من سلطان ظالم هذا خوفا ظاهرا تخاف من سلطان تخاف من عدو معه سلاح تأخذ حذرك تخاف هذا أسبابه ظاهرة لكن الميت ما معه أسباب يخاف منه بسره يخاف من الميت باعتقاده أو بأنواع الاعتقاد ما يخاف من الميت إلا أنه يعتقد أنه ينفع ويضر وإلا كيف يخاف من الميت ما معه أسباب ظاهرة.
والثالث الخوف من المخلوق في أن يقصر في بعض الواجبات ويفعل بعض المحرمات خوفا من المخلوق بدون سببا ظاهر كأن يترك بعض الواجبات ويفعل بعض المحرمات خوفا منه ليس هناك شيء ظاهر بل توهمات أما إذا كان يحصل عليه ضرر محقق في نفسه أو ماله أو أهله هذا عذر له في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن يخاف من المخلوق فيفعل بعض المحرمات فيترك بعض الواجبات بدون سبب ظاهر فهذا نقص في التوحيد نقص في الإيمان.
وهذا هو الذي بوب المؤلف لأجله قال إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 175] . يعني يخوفكم بأوليائه وحزبه فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بعض الناس يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر توهمات ما في أسباب أخشى من كذا مثل أنهم يعملون كذا أخشى من الفسقة أنهم يعملون بسيارتي كذا يفعلون كذا توهمات ما في شيء محقق هذا من الشيطان إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 175] . جعل خوف الله شرطا لصحة الإيمان قال سبحانه إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ فجعل عمار المساجد من أوصافهم أنهم يخشون الله وحكم عليهم بالهداية وأنهم هم المهتدون فهذه الصفات من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ المعنى فهم من المهتدين عسى من الله واجب المعنى أن هؤلاء هم المهتدون الذين يعمرون مساجد الله المؤمنون بالله واليوم الآخر والمقيمون الصلاة والمؤتون للزكاة والذين يخشون الله هم المهتدون وقال سبحانه وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ هذا في ضعيف الإيمان الذي لا يحرص على إيمانه من المنافقين وأشباههم وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ حصل له غرض أو نكبة جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ثم قال سبحانه وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ إذا حصل نصر وغنيمة جاؤوا إلى المؤمنين وقالوا نحن معكم وإذا حصل هزيمة ونكبة ارتد عن دينه كما قال الله تعالى في الآيات الأخرى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ وفي هذه الآية يقول وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ انتكس فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ إذا حصل للمسلمين غنيمة ونصر لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أشركونا في الغنيمة أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ فالله أعلم بما في صدورهم من الإيمان أو النفاق ثم قال سبحانه وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ تدل أن هذه الآية في المنافقين.
وعن أبي سعيد مرفوعاً: إن من ضعف اليقين: أن ترضى الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله إن من ضعف اليقين وضعف الإيمان أن ترضي الناس بسخط الله يعني خوفا منهم وهذا هو شاهد الترجمة ترضي الناس بسخط الله مداهنة ومجاملة وخوفا منهم فيرضيهم بسخط الله وهذا واقع كثير من الناس في هذا الزمن يرضون الناس بسخط الله يجامل ويداهن في دين الله ويراعي الناس ويخشى الناس ولا يخشى الله وهذا يدل على ضعف الإيمان ونقص الإيمان وهذا هو شاهد الترجمة لأن الترجمة في الخوف الذي يمنع بعض الناس من فعل بعض الواجبات أو يحمله على فعل بعض المحرمات فهذا يكون من الشيطان ومن ذلك كما في حديث أبي سعيد : إن من ضعف اليقين والإيمان الذي هو من تسويل الشيطان ومن تزيينه أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله كيف تحمدهم على رزق الله ؟؟ الله تعالى هو الذي يعطي الرزق والناس سبب فليس أن تحمدهم وتنسب النعمة إليهم وإن كان شكر الناس لا بد منه من لا يشكر الناس لا يشكر الله فالمراد يقول لا يحمده على رزق الله وينسى أن الله تعالى هو الذي أجرى الرزق على أيديهم وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله هذا من ضعف اليقين يذم الإنسان الناس على ما لم يؤتك الله فإذا طلب من إنسان أو تقدم في عمل أو في وظيفة ثم منع ذم الناس هذا من ضعف الإيمان لأن الله ما قدر ذلك إلا لحكمة وأسباب فالأمور بيد الله فكيف تذمهم على شيء لم يؤتك الله والله له الحكمة البالغة ثم قال النبي ﷺ إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره رزق الله الذي قدره لا بد أن يحصل ولو حرص حرصا عظيما أو ترك الحرص فهذا الرزق لا بد أن يجيء الذي قدره الله كما أن هذا الرزق الذي قدره الله له لا يمكن أن يرده شيء لا يرده كراهية كاره من كره فإن رزق الله لا بد أن يأتيك الذي قدره حرصك لا يجلب الرزق وكارهة الكاره لا يرده كما قال الله تعالى مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِفإذا فتح الله الرحمة فلا أحد يستطيع أن يمسكها وما أمسك فلا يستطيع أحد أن يرسله كما في حديث ابن عباس أن النبي ﷺ قال له في وصية له: واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف قدر الله آت والله تعالى ربط الأسباب بالمسببات فالرزق الذي قدره الله لا بد أن يأتي ولا يمكن أن يرده كراهية كاره كما أنه لا يجلبه حرص الحريص.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي ﷺ قال من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس رواه ابن حبان في صحيحه جاء أن معاوية كتب إلى عائشة رضي الله عنها تكتب له فكتبت له هذا الحديث من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس لأن الأمور بيد الله إذا التمس رضا الله واستقام على الإيمان والتوحيد والطاعة استقام على طاعة الله ولو كره من كره الله تعالى يرضى عنه ويرضي عنه الناس لأن القلوب بيد الله بعض الناس تجده يراعي يقول أنا في البيت منعني أبي أو كذا من العمل عن طاعة الله أمرني بالمعصية فيراعيه نقول لا أفعل الطاعة واترك المعصية ولو سخط عليك أبوك أو أمك فالله تعالى يرضى عنك ويرضي عنك الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس من التمس رضا الناس يرضي الناس بالمعاصي فالله تعالى يسخط عليه والقلوب بيده يسخط عليه الناس يعامل بالمثل؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
وفي لفظ لهذا الحديث عاد حامله من الناس ذاماً ومن التمس رضا الناس بسخط الله عاد حامله من الناس ذاماً له يعني في أول الأمر إذا أرضى الناس بسخط الله قد يوافقه بعض الناس لكن في تالي الحال والمآل فالله يسخط عليه الناس فيعاقب ويكون الجزاء من جنس العمل ولا حول ولا قوة إلا بالله تجده في أول الأمر يرضي الناس بسخط الله ويوافقهم في أول الأمر بعض الناس ويرى أنهم موافقون له و ثم بعد ذلك يسلطهم الله عليه فيسخطهم عليه ويتنكرون له ويذمونه ويسخطون عليه جَزَاءً وِفَاقًا الجزاء من جنس العمل فالسعادة في طاعة الله تعالى ففي ملازمة الطاعة وفي إخلاص العبادة لله وفي إفراد الله تعالى بالخوف والتوكل والرجاء والمحبة ولو كره بعض الناس ولو سخط بعض الناس فإن الواجب على المسلم أن يرضي الله لأنه مخلوق لعبادة الله والناس رضوا أو سخطوا لا ينبغي للإنسان أن ينظر إليهم ولكن الله من رحمته بعبده المؤمن ومن ثوابه المعجل أن من أرضى الله بسخط الناس فإن الله تعالى يرضيهم عنه يجعلهم يرضون عنه ومن أرضى الناس بسخط الله وإن وافقوه في أول الأمر فإن الله يسخطهم عليه عقوبة وجزاء والجزاء من جنس العمل فنسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعمل بما يرضيه ويوفقنا جميعا للإخلاص في الصدق مع الله في الخوف والرجاء والمحبة والتوكل ولزوم الطاعة والاستقامة على دين الله وشرعه وهو القادر عليه.
المتن:
قال شيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] . قالها إبراهيم ﷺ حين ألقي في النار، وقالها محمد ﷺ حين قالوا له: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] رواه البخاري والنسائي.
الشيخ:
قال المؤلف الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة: 26] هذه الترجمة قصد بها المؤلف رحمه الله بيان منزلة التوكل من الإيمان وأن التوكل فريضة من فرائض الإيمان وأن من لم يتوكل على الله فليس له إيمان لأن الله تعالى اشترط التوكل في الإيمان فقال وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة: 26] يعني إن كنتم مؤمنين فتوكلوا على الله فمن لا يتوكل على الله فليس بمؤمن.
والتوكل هو الاعتماد على الله مع بذل الأسباب التوكل هو أن يعتمد الإنسان على ربه ويفوض أمره إليه بعد ان يفعل الأسباب المشروعة التي شرعها ولهذا قال الله تعالى وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة: 26].
فالتوكل يجمع أمرين فعل الأسباب ثم تفويض الأمر إلى الله في حصول نتيجة خلافا للصوفية الذين يتركون الأسباب ولا يفعلون الأسباب.
وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة: 26] جعل التوكل سببا في صحة الإيمان فدل على أن التوكل فريضة عظيمة من فرائض الإيمان لا يصح الإيمان إلا بها فمن لا يتوكل على الله ولم يعتمد عليه ولم يفوض أمره في حصول النتائج واعتمد على الأسباب فقط فهو من المشركين لأن بعض الطوائف يعتمدون على الأسباب ويركنون إليها فمن ركن إلى الأسباب كالمعتزلة الذين يعتمدون على الأسباب ويركنون إليها ويقولون إن العبد هو خالق لأفعاله وأن العبد يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجره فهذا باطل وكذلك فئة الطبائعيين الذين يقولون بالتفاعل بين المائيين وأن الولد يحصل بالتفاعل بين المائيين مبطلين خلق الله وإيجاده فمن اعتمد على الأسباب وحدها فهو مشرك كما يعتمد الطبائعيون والمعتزلة الذين يقولون إن العبد خلق فعل نفسه والأعمال هي التي يستحق بها الإنسان دخول الجنة، الإنسان يستحق دخول الجنة برحمة الله وفضله وأما الأعمال فهي سبب كما قال النبي ﷺ لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قال ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ومن أنكر الأسباب ومن عطل الأسباب معتمدا على الله بزعمه فهو عاص.
وترك الأسباب فيه تفصيل لأن الأعمال كلها أسباب فإذا ترك التوحيد والإيمان فهذا ردته عن الإسلام وإذا كان مؤمنا موحدا ثم ترك الأسباب العمل بأن فعل بعض الكبائر وترك بعض الواجبات فإنه يكون عاصيا مرتكبا لكبيرة من كبائر الذنوب وإن ترك بعض المستحبات فإنه فوت على نفسه فضيلة من الفضائل.
فتبين بهذا أن التوكل يجمع أمرين أن يفعل الإنسان الأسباب التي شرعها الله وأعظم الأسباب لدخول الجنة هو التوحيد والإيمان يكون مؤمنا بالله موحدا ثم يؤدي الواجبات ويترك المحرمات كما أنه يفعل الأسباب التي شرعها الله من البيع والشراء والأكل والشرب وإعداد العدة للأعداء وتجنب أسباب الخطر والهلاك فلا بد من فعل الأسباب ثم بعد ذلك يعتمد على الله ويفوض الأمر إليه في حصول النتيجة ولهذا بوب المؤلف رحمه الله على هذه وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة: 26] وبين أن التوكل فريضة من فرائض الإسلام من ترك التوكل ولم يعتمد على الله ولم يفعل الأسباب فهو من المشركين.
قال إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا بين أن المؤمنين الكمل هم الذين يفعلون هذه الصفات ومنها التوكل على الله وهي وجل القلب عند ذكر الله ووجد الإيمان عند تلاوة القرآن والتوكل على الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإنفاق مما رزقهم الله قال أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا فدل على أن التوكل من صفات المؤمنين الكمل.
وقال الله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 64] حسبك الله يعني كافيك الله وكافي أتباعك من المؤمنين حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني ومن اتبعك من المؤمنين فالله حسبهم أيضا حسبك الله وحسب أتباعك من المؤمنين فقوله وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ على قول حسبك ومن اتبعك من المؤمنين الله وليس معطوفا على لفظ الجلالة فيكون المعنى الله والمؤمنين حسبك لا فالحسب والكفاية خاص بالله والمعنى حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الله كافيك وكافي أتباعك من المؤمنين.
قال وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 3] . والمعنى ومن يتوكل على الله فهو كافيه ومن كان الله كافيه فهو هاديه وواقيه ولا مطمع لأحد فيه ومن توكل على غيره وكله الله إلى ذلك الغير هذا فيه بيان كفاية الله لمن توكل عليه واعتمد عليه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما ابن عباس رضي الله عنهما قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] . قالها إبراهيم ﷺ حين ألقي في النار، وقالها محمد ﷺ حين قالوا له: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] هذا فيه بيان أن الاعتماد على الله والتوكل عليه هو فعل الخليلين محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام فإبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقاه الكفرة (..) في النار اعتمد على الله وتوكل عليه قال حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فكفاه الله وجاء الفرج أسرع في طرفة عين أسرع من وصوله إلى النار (...)إلى النار فجاءت الكفاية قبل أن تصل النار قال الله تعالى يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ فلما وصل إلى النار صارت بردا لأن الله تعالى كفاه في الحال كفاه ووقاه في الحال من كان الله كافيه فلا (..) لأحد فيه قال العلماء إنه قال يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا لو لم يكفه الله ولم يتوكل عليه لأحرقته النار ولو قال الله كوني بردا لمات من شدة البرد فلما قال الله كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا صار الجو معتدلا جو النار لا حار ولا بارد بَرْدًا وَسَلَامًا لو قال كوني بردا لمات من شدة البرد ولو لم يعتمد على الله لأحرقته النار ولما توكل على الله جاءه الفرج فقال كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا جو النار معتدل لا حار ولا بارد ، ولما جاء جبريل عرض له في الهواء وقال ( هل لك حاجة قال أما إليك فلا وأما إلى الله فبلى ) هذا ليس له سند ثابت لأن حسبي الله ونعم الوكيل كافية ما في حاجة حسبي الله ونعم الوكيل اعتماد على الله وتفويض الأمر إليه واللجوء إليه وقالها نبينا محمد ﷺ حينما قال له إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ بعد غزوة أحد لما حصل جراحات من المسلمين قيل له جاءه من جاء وقال له من الناس إن قريشا قد جمعت جموعها وتريد أن تغزو المسلمين وتستأصل البقية الباقية من المسلمين فقال النبي ﷺ حسبنا الله ونعم الوكيل وذهب إلى حوراء الأسد وتجمعوا وعلمت قريش بذلك وقالوا ما تجمعوا إلا أنهم قوة فقذف الله الرعب في قلوبهم وكفى الله المؤمنين شرهم وجاء الفرج وقال حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ جاءت الكفاية من الله .
المتن:
قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ سئل عن الكبائر، فقال: الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله.
وعن ابن مسعود قال: "أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله" رواه عبد الرزاق.
الشيخ:
قال الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 98] قال سبحانه وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56] المقصود من هذه الترجمة بيان أن الأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله كبيرتان من كبائر الذنوب وأن كلا منهما ينقص كمال التوحيد و يجب على العبد أن يجمع بين الخوف والرجاء وأن يسير إلى الله في الدار الآخرة يجمع بين الرجاء والخوف فلا يأمن مكر الله ولا يقنط من رحمة الله بل يسير بين الخوف والرجاء يخاف ويرجو ولهذا قال سبحانه أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ومن أمن مكر الله فهو الخاسر وقال سبحانه وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ فمن قنط من رحمة الله فهو ضال.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ سئل عن الكبائر، فقال: الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله. وعن ابن مسعود قال: "أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله" رواه عبد الرزاق. فالأمن من مكر الله كونه يأمن ولا يخاف فيسترسل ما يخاف من عاقبة الذنوب والمعاصي فيسترسل في المعاصي ولا يبالي وأما القانط من رحمة الله واليائس من رحمة الله هذا متشائم مسيء للظن بالله يعتقد أنه هالك وأنه لا يغفر له وقد يكون الأمن من مكر الله قد يوصل صاحبه إلى الكفر وكذلك القنوط من رحمة الله فإن الذي يقنط من رحمة الله وييأس إذا اعتقد أنه لا يغفر له وأنه هالك وأنه لا توبة له فقد كذب الله أن يكون مكذب لله يكون هذا كفر والعياذ بالله ومكذب لله في قوله إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وقوله سبحانه قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وكذلك الآمن من مكر الله إذا اعتقد أنه استرسل في المعاصي والذنوب واعتقد أنه لا يعاقب على الذنوب والمعاصي وأنه لا خوف عليه فقد كذب الله فالنصوص دلت على أن الإنسان يعاقب على المعاصي والذنوب في الدنيا والآخرة ولهذا قال (..) رحمه الله والأمن واليأس ينقضان العبد عن الإيمان ولهذا قال سبحانه إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ وقال سبحانه وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ يعني ضلال وكفر قال أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ خسران وكفر إذا وصل به الحال الآمن إلى أنه يعتقد أنه لا يعاقب على الذنوب والمعاصي قد يصل إلى الكفر كما قال الطحاوي رحمه الله وكذلك القانط إذا اعتقد أنه لا يغفر له ولا توبة له فقد كذب الله والقنوط أشد اليأس.
فالواجب على العبد أن يعبد الله بالخوف والرجاء والمحبة أن يسير إلى الله بالخوف والرجاء لا ييأس ولا يأمن بل يخاف ويرجو فهو يخاف من ذنوبه ومعاصيه لكنه لا يسترسل بهذا الخوف لأنه يرجو عنده رجاء يمنعه من اليأس كما أن الإنسان يرجو رحمة الله ورضاه وبره لكن لا يستمر في هذا الرجاء حتى يأمن مكر الله بل يخاف أنه خاف فعنده خوف يمنعه من أمن مكر الله كما أن الخائف عنده رجاء يمنعه من اليأس والقنوط فلا بد من الخوف والرجاء إذا فقد الخوف والرجاء فقد الإيمان هذه أركان الإيمان المحبة والخوف والرجاء إذا كان الإنسان ليس عنده رجاء معناه صار متشائما مسيئا للظن بالله يعتقد أنه هالك وأنه لا توبة له وكذلك الآمن من مكر الله إذا كان يسترسل في المعاصي ولا يأمن مكر الله معناه لا يبالي بالمعاصي ويعتقد أنه لا خوف عليه من الذنوب وأن الذنوب ليس لها عاقبة وليس عليه خوف منها ولا من شرها فيكون مكذبا لله .
سؤال:
جواب الشيخ:
اليأس من روح الله قال أكبر الكبائر سئل عن الكبائر فقال الأمن من مكر الله أكبر الكبائر الإشراك بالله عد الإشراك بالله لأن الشرك هو أعظم الذنوب ثم ذكر منا اليأس من روح الله، والأمن من مكر الله فهم من الكبائر وإذا وصل الحال إلا أن الإنسان ييأس ويعتقد أنه لا توبة له فقد وصل إلى الشرك بالله وكذلك القنوط والأمن من مكر الله إذا وصل إلى حيث أنه اعتقد لا خوف عليه من الذنوب وأنه لا يعاقب عليها فقد وصل إلى الكفر .
سؤال: ...
جواب الشيخ:
اليأس , منهم من قال أن اليأس هو الأشد ومنهم من قال أن القنوط أشد من اليأس والضلالة كفر .
المتن:
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد:
قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ، أن رسول الله ﷺ قال: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت.
ولهما عن ابن مسعود مرفوعاً: ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية.
وعن أنس ، أن رسول الله ﷺ قال: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة وقال النبي ﷺ: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط. حسنه الترمذي.
الشيخ:
قال المؤلف رحمه الله تعالى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد باب من الإيمان بالله الصبر على أقدر الله.
الله ابتلى الإنسان بالأوامر والنواهي والأقدار والمصائب التي تنزل به فيجب عليه الصبر يجب عليه أن يصبر على الأوامر والنواهي والأقدار أما في الشرائع كلها في الأوامر والنواهي كلها جاءت في الأوامر والنواهي تأمر بطاعة الله وتنهى عن معصية الله فيجب عليه أن يصبر.
وخصص المؤلف رحمه الله هذا الباب للصبر على أقدار الله لأن الصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله وصبر على محارم الله وصبر على أقدار الله أما النوعان الأولان الطاعة والمعصية وجوب الصبر جاءت الشرائع كلها في هذا أمرت بأداء الواجبات وترك المحرمات.
والصبر معناه الحبس في اللغة الصبر هو الحبس وشرعا حبس النفس عن الجزع وحبس اللسان عن التشكي وحبس الجوارح عما يغضب الله فالصابر على أقدار الله هو الذي يحبس نفسه عن الجزع والهلع ويحبس اللسان عن التشكي ويحبس الجوارح عن ما يغضب الله فلا يلطم خدا ولا يشق ثوبا ولا ينتف شعرا.
وهذه الترجمة تدل على أن المؤلف رحمه الله يعتقد معتقد أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان وأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان أهل السنة والجماعة يرون أن مسمى الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالقلب وعمل بالجوارح فالصبر من الإيمان والصبر يشمل هذه الأمور الثلاثة يحبس نفسه عن الجزع هذا عمل يحبس لسانه عن التشكي ويحبس جوارحه عما حرم الله قول الله تعالى وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هذه آية التغابن وأولها مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ إذن الله المراد به هنا إذن الله الكوني القدري فإن الإذن نوعان إذن كوني قدري وإذن شرعي مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني الكوني القدري ومثل قول الله تعالى عن السحرة وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ إلا بإذن الله الكون القدري ويأتي الإذن عندما يكون شرعيا كقوله تعالى مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ الشرعي فهذا في حصار اليهود لما حوصروا بني النضير صار بعض الصحابة يقطع النخيل نخيلهم في وقت الحصار إغاظة لهم وبعض الصحابة قال نبقيها لأن مالهم سيؤول إلينا إن شاء الله فالله تعالى أقر الطائفتين لكل وجهة فمن قطع النخيل إغاظة للعدو فله وجه ومن تركها لأنها مال يؤول للمسلمين فله وجه أذن الله للطائفتين فقال سبحانه مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ يعني من نخلة أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ الشرعي.
كما أن الأمر يكون شرعيا ويكون قدريا كذلك الإرادة ، فالإرادة الكونية مثل قول الله تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا والإرداة الشرعية كقوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وقوله تعالى إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا إرادة شرعية والأمر الكوني قوله إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ والأمر الديني مثل قوله سبحانه إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى.
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ الكوني القدري وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ قال علقمة هو الرجل تصيبه مصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم يعني الرجل تصيبه مصيبة فيصبر ويحتسب ويسلم لقضاء الله وقدره يستسلم لقضاء الله وقدره فيعوضه الله ويجازيه على ذلك هداية في قلبه وإذا هدى الله قلبه حصل على سعادة الدنيا والآخرة وهذه الآية تدل على أن الصابر موعود بهداية القلب فيكون من السعداء.
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ كلام علقمة جيد في معنى الآية وهو الذي اختاره المؤلف رحمه الله قال علقمة هو رجل تصيبه مصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم فمن صبر واحتسب وسلم لقضاء الله وقدره عوضه الله هداية في قلبه يحصل بها على سعادة الدنيا والآخرة.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت هذا الحديث رواه الإمام مسلم كما قال المؤلف رحمه الله فيه التحذير من النياحة على الميت هذا الشاهد من هذا الباب وأنها من كبائر الذنوب وأنها من الأعمال الكفرية اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب يعني عيب في الأنساب وذمها يطعن في عيوب الناس وأنسابهم والأنساب إنما جعلها الله للتعارف لا للتفاخر ولا للذم والعيب كما قال سبحانه يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ما قال ليتفاخروا ولا ليفخر بعضكم على بعض ولا ليعيب بعضكم بعضا فالطعن في النسب من الأعمال الكفرية ومن كبائر الذنوب.
وكذلك النياحة على الميت النياحة على الميت رفع الصوت بالبكاء والعويل والندب تعداد محاسن الميت كان كذا وكان كذا وكان يطعم كذا وكان يأتي لنا بكذا أما البكاء بدمع العين من دون نياحة فلا يلام عليه الإنسان قد دمعت عينا النبي ﷺ عندما مات ابنه إبراهيم وقال إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا يقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون
وهذا الكفر كفر أصغر لا يخرج من الملة يدل على أنه من كبائر الذنوب والكفر كفران كفر أكبر كالكفر المعرف كقوله ﷺ بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة هذا الكفر المعرف وفي لفظ آخر ليس بين الرجل وبين الكفر إلا ترك الصلاة واللفظ الآخر العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر فهذا يكون معرف دل على أنه كفر أكبر وهو الأصح في قولي العلماء بخلاف الكفر المنكر الذي يأتي للإثبات كهذا الحديث اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت هذا كفر أصغر كفر دون كفر.
الكفر يتنوع إلى قسمين أصغر وأكبر والشرك كذلك والنفاق كما ذهب إلى ذلك جمهور العلماء خلافا للأحناف وغيرهم من الذين قالوا أن الكفر شيء واحد وأن هذه التسمية تسمية مجازية يقولون ما فيه إلا كفر أكبر أما تسمية الطعن في النسب والنياحة على الميت كفر فهذا مجاز عند الأحناف والصواب أن ليس هناك مجاز ليس في كلام النبي ﷺ وإنما هو حقيقة بل هو كفر أصغر.
ولهما عن ابن مسعود مرفوعا ، مرفوعا يعني النبي ﷺ ليس من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية وهذا الحديث فيه الوعيد الشديد على من فعل هذه الأمور الثلاثة أو واحدة منها وأنه من الكبائر قوله ليس منا هذه من الكبائر كقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر من حمل عليه السلاح فليس منا والقاعدة عند بعض من أهل العلم إن الكبيرة هي من توعد عليه بالنار أو باللعنة أو بالغضب أو نفي عن صاحبه الإيمان أو قال فيه النبي ﷺ ليس منا أو برئ منه النبي ﷺ هذا يدل على أنها كبيرة من الكبائر ليس من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية لأن هذه الأمور تنافي الصبر على أقدار الله وهذا مناسبة الترجمة أن هذه الأفعال الثلاثة تنافي الصبر على أقدار الله ليس منا من ضرب الخدود يعني تسخطا على قضاء الله وقدره عند المصيبة يلطم خده وشق الجيوب يشق الجيبة الفتحة التي بالصدر هذا يحصل عند البادية وغيرهم عند المصيبة شقت ثوبها وخرجت تسخطا على قضاء الله وقدره ودعا بدعوى الجاهلية يدعو بالويل والثبور والعويل والصراخ ومن ذلك الندب تعدد محاسن الميت كل هذا من النياحة وهي من كبائر الذنوب وهذا فيه تحذير من هذه الأعمال وأنه لا يكون مسلما يفعلها وأنها من الكبائر التي تنقص الإيمان وتضعف الإيمانليس من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية
وعن أنس ، أن رسول الله ﷺ قال: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة الحديث رواه الترمذي وحسنه ورواه الحاكم وفي سنده تكلموا فيه حسنه السيوطي أيضا وهو حسن وفيه دليل على أن المصائب التي تنزل بالإنسان علامة على إرادة الله الخير للعبد وذلك أن المصائب تكفر السيئات يغفر الله بها عن العبد بالسيئات أما إذا لم يصب بشيء فهي تبقى عليه سيئاته فيوافى بها يوم القيامة فيكون متعرضا لعذاب الله ولا شك أن المصائب التي تحصل للإنسان في الدنيا يتحمله الإنسان وتكون أسهل عليه من أن تبقى عليه فيوافى بها ربه يوم القيامة إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة والعقوبة تكون مصائب والمصائب كثيرة المصائب تكون في الأمراض والأسقام وتسليط الظالم عليه والهموم والغموم وتحصل المصائب في ماله أو في ولده يعني قد يصاب الإنسان بمصائب وهو يمشي مع الناس قد يظن بعض الناس أن الذي يصاب بالمصائب يكون منقطع عن الناس فالمصائب متعددة وليس هناك أحد يسلم من المصائب ولهذا لما نزلت هذه الآية من سورة النساء لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ استشكل هذا على أبو بكر قال يا رسول الله مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ؟ فقال النبي ﷺ يا أبا بكر، ألست تنصب؟ ألست تحزنن؟ ألست تصيبك اللأوى؟ فذلك مما تجزون به ومن تصفو له الدنيا ؟؟ ما يكون عنده هموم ولا أكدار ولا أحزان لا تجد قد لا تجد من تصفو له أيام معدودة ما في أحد معدوم من المشاكل والمصائب والهموم إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة ولهذا جاء في الحديث أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ فإذا كان رجل في دينه الصلابة شدد عليه؛ وإن كان في دينه رقة خفف عنه والنبي ﷺ في مرضه كان يوعك كما يوعك الرجلان من أمته عليه الصلاة والسلام وهو أشرف الخلق في مرض موته صب عليه من قرب ثم يغمى عليه فقال هل صلى الناس؟ قال ينتظرونك يا رسول الله ثم يغمى عليه ثم يصب عليه وهكذا وهو أشرف الخلق فجاء في الحديث أن الرجل قد يبلغ الدرجة العالية في الجنة من المصائب لأن المصائب تكفر بها السيئات فترفع بها الدرجات أيضاً.
وقال النبي ﷺ: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي أيضا وحسنه وهما حديثان ليس حديثا واحدا لكن لما رواهما الترمذي بسند واحد جعلهما المصنف متجاورين.
قال النبي ﷺ إن عظم الجزاء مع عظم البلاء يعني كلما عظم البلاء وزاد عظم الثواب والأجر إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم ، ابتلاهم بالمصائب والنكبات فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط فيه إثبات المحبة لله والسخط كما يليق بجلال الله وعظمته هذه من صفات الأفعال خلافا للأشاعرة الذين أنكروا المحبة والرضا والسخط إن الله تعالى إذا أحب قوما ستأتي المحبة قال الله تعالى يحبهم ويحبونه فمن رضي فله الرضا إثبات صفة الرضا ومن سخط فله السخط قال الله تعالى غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هذه الصفات كلها ثابتة لله في القرآن والسنة المحبة والرضا والسخط والصبر واجب على المصائب يجب على الإنسان أن يصبر يجب عليه أن يصبر بمعنى أنه يحبس نفسه عن الجزع ويحبس لسانه عن التشكي ويحبس جوارحه عما يغضب الله فهذا واجب ليس له أن يتسخط على قضاء الله وقدره وأما الرضا كونه يرضى بالمصيبة فهذا ليس بواجب بل هو بمستحب في أصحي قولي العلماء قال بعض العلماء إنه واجب كما ذهب أهل العقيدة والجماعة وذهب آخرون إلى أنه مستحب ذهب إلى هذا شيخ الإسلام ان تيمية رحمه الله فهو مستحب وفيه الأجر والثواب من الله لكن ليس بواجب أن يرضى بالمصيبة الواجب الصبر يجب على الإنسان أن يصبر وليس عليه أن يجزع ولا أن يتسخط وهناك درجة أعلى من الرضا وهي الشكر شكر الله على المصيبة يعتبرها نعمة فتكون المحنة في حقه منحة المحن في حق أولياء الله تكون منحا يعني تكون نعم تنقلب المصائب والمحن في حق الأولياء الخلص من عباد الله تكون منحا يشكرون الله عليها حيث قدرها عليهم فكفر بها سيئاتهم ورفع بها درجاتهم وهذا لا يقوى عليه إلا عباد الله الخلص.
فيكون الناس على طبقات أربع تجاه المصائب:
الطبقة الأولى طبقة الجازعين الساخطين الذين يسخطون يجزعون فلا يصبرون عدم الصابرين الذين لا يصبرون على المصائب فهؤلاء آثمون لا يجوز للإنسان أن يسخط من سخط الله وغضبه إذا كان نفسه يعني يكون في نفسه الجزع والهلع ولا يحبس نفسه عن الجزع يتشكى بلسانه ويعمل بجوارحه ما يغضب الله هذا آثم مرتكب الكبيرة يلطم الخد ويشق الجيب يتكلم يقول أنا لماذا أصبت الناس كلهم ما أصيبوا إلا أنا ،أنا وش حصلي مثل ما يفعل بعض الناس نسأل الله العافية هذا جزع هذا لا يجوز على الإنسان بل يجب عليه أن يصبر ويسلم لقضاء الله وقدره ويعلم أن ربه حكيم وأنه ما قدرها إلا لحكمة قد يكون خيرا لك والخيرة فيما اختاره الله.
الطبقة الثانية الصابرون الذين يصبرون على المصائب ولكنهم لا يرضون.
الطبقة الثالثة الذين يصبرون ويرضون.
الطبقة الرابعة الشاكرون يصبرون على المصائب ثم يرضون ثم يشكرون الله عليها يعتبرونها نعمة هذه المصائب حيث كفرت بها سيئاتهم ورفعت بها درجاتهم وهذا لا يقدر عليه إلا الموفقون كما قال الله تعالى وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فالموفق من وفقه الله نسأل الله لنا وإياكم من الموفقين الصابرين المحتسبين الراضين الشاكرين.