بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
أما بعد
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين":
متن: وعبوديته باسمه الآخر تقتضي أيضًا عدم ركونه ووثوقه بالأسباب والوقوف معها، فإنها تُعدم لا محالة وتنقضي بالآخِرية، ويبقى الدائم الباقي بعدها.
سبحانه وتعالى، الله -تعالى- من أسمائه الأول والآخِر وهذا ثابت والظاهر والباطن، أربعة أسماء لأبديته وأزليته وآخِريته سبحانه، فاسمه الأول والآخر للأبدية، واسمه الظاهر والباطن للفوقية وعدم الحجب شيء من المخلوقات له، هذه أربعة أسماء ذكرت في القرآن وفي السنة، {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
وقد فسرت الأحاديث هذه الأسماء الأربعة، حديث صحيح، حديث الاستفتاح: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخِر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين واغننا عن الفقر».
فسَّر الأول بأنه ليس قبله شيء، وفيَّر الآخِر بأنه ليس بعده شيء، فسَّر الظاهر بأنه ليس فوقه شيء، فوق المخلوقات، فسَّر الباطن بأنه ليس دونه شيء، لأنه لا يعليه أحدٌ من خلقه سبحانه وتعالى.
متن: فعبوديته باسمه الأول تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب والوقوف عندها والالتفات إليها، وتجريد النظر إلى مجرد سبق فضله ورحمته.
شرح: هذه الأسماء كلها حادثة والله تعالى هو الأول ليس قبله شيء وهو الذي بيده كل شيء سبحانه وتعالى.
متن: وأنه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد، إذ لا وسيلة له في العدم قبل وجوده، وأي وسيلة كانت، وإنما هو عدمٌ محض، وقد أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا، فمنه الإعداد ومنه الإمداد وفضله سابق على الوسائل، والوسائل من مجرد فضله وجوده لم تكن بوسائل أخرى.
شرح: لا، هو الذي خلق الإنسان وأوجده، وأوجد الأسباب، والله –سبحانه وتعالى- هو المبتدئ بالنعم وهو الخالق، وهو الذي أوجد الإنسان من عدم وهو الذي أعطاه الأسباب والإمداد والأعداد فالفضل يرجع إليه –سبحانه وتعالى-.
متن: فمن نزل اسمه الأول على هذا المعنى أوجب له فقرًا خاصًا وعبودية خاصة، وعبوديته باسمه الآخر تقتضي أيضًا عدم ركونه ووثوقه بالأسباب والوقوف معها، فإنها تُعدم لا محالة وتنقضي بالآخِرية، ويبقى الدائم الباقي بعدها، فالتعلق بها تعلقٌ بما يُعدم وينقضي.
شرح: هذا بالأسباب يعني، لا يتعلق الإنسان بالأسباب وإنما يتعلق بالخالق-سبحانه وتعالى- هو الأول والآخِر والأسباب تنتهي.
متن: والتعلق بالآخِر –عز وجل- بالحي الذي لا يموت ولا يزول فالمتعلق به حقيق أن لا يزول ولا ينقطع، بخلاف التعلق بغيره مما له آخِر يفنى به، كذا نظر العارف إليه بسبق الأوَّلية حيث كان قبل الأسباب كلها، فكذلك نظره إليه ببقاء الآخِرية حيث يبقى بعد الأسباب كلها، فكان الله ولم يكن شيء غيره، وكل شيءٍ هالك إلا وجهه.
شرح: هذا حديث « كان الله ولم يكن شيءٌ قبله»، ويُروى: «كان الله ولم يكن شيءٌ معه»، الثابت: «كان الله ولم يكن شيءٌ قبله». ولم يكن قبله، ولم يكن شيء غيره ولا معه، هذه الرواية التي معنا، اللهم أنت الأول وليس قبلك شيء، الحديث.
متن: فتأمل عبودية هذين الاسمين وما يوجبانه من صحة الاضطرار إلى الله وحده.
شرح: الاضطرار: الأول والآخِر يعني الإنسان مضطر إلى ربه في جميع الأحوال والأسباب تنتهي وتنقضي.
متن: ودوام الفقر إليه دون كل شيءٍ سواه، وأن الأمر ابتدأ منه وإليه يرجع، فهو المبتدئ بالفضل حيث لا سبب ولا وسيلة، وإليه ينتهي الأمر حيث تنتهي الأسباب والوسائل فهو أول كل شيء وآخِره، وكما أنه رب كل شيء وفاعله وخالقه وبارئه، فهو إلهه وغايته التي لا صلاح له ولا فلاح ولا كمال إلا بأن يكون هو غايته وحده.
شرح: في الأول إثبات الربوبية والثاني إثبات الألوهية، وكما أن الله الخالق البارئ فهو المعبود بحق -سبحانه وتعالى- وهذه تُثبت توحيد الربوبية وهذه تُثبت توحيد الألوهية.
متن: كما أنه لا وجود له إلا بكونه وحده هو ربه وخالقه، فكذلك لا كمال له ولا صلاح إلا بكونه تعالى وحده هو غايته ونهاية مقصوده.
شرح: فالأول توحيد الألوهية والثاني توحيد الألوهية، أعد: وكما أنه.
متن: وكما أنه رب كل شيء وفاعله وخالقه وبارئه، فهو إلهه وغايته التي لا صلاح له ولا فلاح ولا كمال إلا بأن يكون هو غايته وحده، كما أنه لا وجود له إلا بكونه وحده هو ربه وخالقه، فكذلك لا كمال له ولا صلاح إلا بكونه تعالى وحده هو غايته ونهاية مقصوده، فهو الأول الذي ابتدأت منه المخلوقات، والآخر الذي انتهت إليه عبودياتها وإراداتها ومحبتها، فليس وراء الله شيء يُقصد ويُعبد ويُتأله كما أنه ليس قبله شيء يخلق ويبرأ، فكما كان واحدًا في إيجادك فاجعله واحدًا في تألُهك وعبوديتك، وكما ابتدأ وجودك وخلقك منه فاجعله نهاية حبك وإرادتك وتألهك إليه ليصح لك عبوديته باسمه الأول والآخِر، وأكثر الخلق تعبَّدوا له باسمه الأول، وإنما الشأن في التعبد له باسمه الآخِر فهذه عبودية.
شرح: أكثر الخلق تعبَّدوا باسمه الأول فأثبتوا توحيد الربوبية، ولو يتعبَّدوا باسم الآخِر فلم يُثبتوا توحيد الألوهية والعبادة.
متن: وأكثر الخلق تعبَّدوا له باسمه الأول، وإنما الشأن في التعبد له باسمه الآخِر فهذه عبودية الرسل وأتباعهم، فهو رب العالمين وإله المرسلين -سبحانه وبحمده-.
وأما عبوديته باسمه الظاهر فكما فسره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «وأنت الظاهر فليس فوقك شيءٌ، وأنت الباطن فليس دونك شيءٌ».
فإذا تحقق العبد علوه المطلق على كل شيء بذاته، وأنه ليس فوقه شيء البتة، وأنه قاهر فوق عباده {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ}، {إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} صار لقلبه أًمَمًا يقصده.
شرح: أمَمًا: يعني هي أمه ويقصده، يقصد إلهه وربه -سبحانه وتعالى- بالعبادة والتوحيد واللجوء والتوكل والرهبة والرغبة.
متن: وربًا يعبده، وإلهًا يتوجه إليه، بخلاف من لا يدري أين ربه فإنه ضائع مشتت القلب ليس لقلبه قِبلة يتوجه نحوها ولا معبود يتوجه إليه قصده.
شرح: هذا شأن أهل البدع، أهل البدع الذين يقولون أنه في كل مكان، ومختلط بالأمكنة، وهو لا يدري أين ربه ولا يدري أين معبوده، فإنه يقول في كل مكان -وأعوذ بالله- داخل العالم ولا خارجه، وبعضهم في الأسماء والصفات يقول عجب، ما له معبود، ولهذا قال: الـمُعطِّل يعبد العدم، والـمُشبِّه يعدم الصنم، والـمُوحد يعبد إلهًا واحدًا فردًا صمدًا.
الـمُعطِّل يعبد العدم، رب ليس له صفات، لا يسمع ولا يبصر ولا يقدر وليس فوق العالم وليس تحت العالم، عدم، نسأل الله العافية، أعد العبارة.
متن: بخلاف من لا يدري أين ربه فإنه ضائع مشتت القلب.
شرح: فالـمُعطِّل هو أشباه المرجئة والجهمية والاتحادية وغيرها، ليس لهم ربٌ يعبدونه بخلاف.
متن: بخلاف من لا يدري أين ربه فإنه ضائع مشتت القلب، ليس لقلبه قِبلة يتوجه نحوها ولا معبود يتوجه إليه قصده.
وصاحب هذه الحال إذا سلك وتألَّه وتعبَّد طلب قلبه إلهًا يسكن إليه ويتوجه إليه، وقد اعتقد أنه ليس فوق العرش شيءٌ إلا العدم، وأنه ليس فوق العالم إله يُعبد ويُصلى له ويُسجد، وأنه ليس على العرش من يصعد إليه الكلم الطيب.
شرح: يعني المعطل إذا أراد يطلب إله ما يجد إله، لأنه ما أثبت إله، إنه ليس فوق العرش ولا داخل العالم ولا خارج العالم وليس له صفات ولا أسماء، هذا إذا طلب قلبه إله يسكن إليه ما يجد.
متن: وأنه ليس على العرش من يصعد إليه الكلم الطيب ولا يُرفع إليه العمل الصالح، جال قلبه في الوجود جميعه فوقع في الاتحاد ولابُد، وتعلق قلبه بالوجود المطلق الساري في المعينات، فاتخذه إلهه من دون الإله.
شرح: هذه قول الاتحادية يقولون هو الوجود المطلق الساري في جميع المحدثات.
متن: وتعلق قلبه بالوجود المطلق الساري في المعينات، فاتخذه إلهه من دون الإله الحق.
شرح: هذا مذهب الاتحادية يقولون: الرب هو الوجود المطلق، والوجود المطلق هو الذي ليس له اسمٌ ولا صفة.
ومعلوم أن من لا له اسم ولا صفة لا وجدان له في الذهن، ما يمكن شيء موجود إلا وله صفات وأسماء حتى الجماد، الجدار هذا له طول وله عرض وله عمق، الكرسي له طول، إذا قلت عندك كرسي ليس له طول ولا عرض ولا عمق وسلبت منه الصفات، وليس من زجاج ولا من خشب ولا من حديد وليس فوق الأرض ولا تحت الأرض وليس متصلًا بالعالم، ايش يصير؟ عدم، ويصير مستحيل، هكذا المعطل يصفون معبوده، عدم، يقول: ليس له أسماء ولا صفات ولا قدرة ولا علم وليس فوق العالم ولا متصلًا بالعالم، ولا منفصلًا عن العالم ولا موسوم بأي صفة، هذا عدم.
إذًا فقالوا: إنه الوجود الساري في جميع المعيَّنات، يعني يقولون: هو الوجود المطلق الذي ليس له اسمٌ ولا صفة، ساري في جميع المخلوقات، هذه عنوة، تخلعه المحدثات وتلبسه، يعني اللي يحيى يلبس هذا المطلق والذي يموت يخلعه ويلبس آخر، وهكذا هو الوجود المطلق، هذا معبوده، الوجود المطلق الساري في جميع المعيَّنات، الوجود المطلق الذي ليس له اسمًا ولا صفة، كل محدث يلبس هذا الوجود المطلق لا يتصف بصفات، فإذا مات خلعه ولبسه آخر وهكذا، يعني الاتحادية أنكروا وجود الخالق، أعظم الناس كفرًا، يقول الخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق، الرب هو العبد والعبد هو الرب، وأنكر الرب (14:25) والعياذ بالله، ابن العربي قال: الرب عبده والعبد رب (14:30) ما يدري، يبقي الرب هو العبد والعبد هو الرب، أيهما المكلف؟ إن قلت عبد فذاك بيتٌ وإن قلت رب أنى يُكلف، ما يدري يقول ربٌ مالك وعبدٌ هالك وأنتم ذلك، والفقد والعودة، فقد وكذا سواه، يقول: سِر حيث شئت فإن الله سمَّى، سِر حيث شئت فإن الله هو الواسع، وقل ما شئت فالواسع هو الله، كل شيء تراه هو الله فهو الواسع –نعوذ بالله- كل هذه الموجودات يقولك هي الله، لكن أسماء وصفات كلها أسماء وصفات له، مثل البحر له زبد وهو شيء واحد، وله أطراف هكذا يقولون، هم أغلب الناس كفرًا الاتحادية، وما مع ذلك لهم وجود ولهم مؤلفات لهم كتب تُطبع بأوراق الثقيل موجودين الاتحادية في مصر وفي كل مكان.
الصوفية في كل بلد تخرج من هذه المملكة تجد الصوفية في الشام وفي مصر وفي ليبيا وفي باكستان وفي كل مكان، لهم طُرق وكل طريقة عن طرق الصوفية لهم شيخ يقودهم إلى النار: طريقة الشاذلية، التيجانية، النقشبندية والسراجية والرفاعية، كل هذه الطرق توصل إلى النار -والعياذ بالله-، كل هؤلاء لهم أوراد حتى إن أورادهم يُفضلونها على القرآن، يقولون: أفضل من القرآن بستة آلاف مرة، أورادهم.
وهكذا يستحوذ عليهم الشيطان، ولما قيل لبعضهم، لما قيل لبعض الصوفية إن القرآن لخالق ما أنتم عليه، قالوا: القرآن أول لآخره شرك والحق ما نقوله.
وهكذا والعياذ بالله نسأل الله السلامة والعافية، كبار الصوفية إذا سمع المؤذن يؤذن شتمه، وإذا سمع الكلب ينبح استأنس به، وقال لهذا المؤذن يُذكِّر نفسه بربه وهذا وجود واحد وأما الكلب فإنه يؤنس.
وهكذا استحوذ عليهم الشيطان وابن العربي صاحب الوجود له كلام له فصوص الحكم ويقص عدد القرآن ومُفسَّر فيه قصة موسى ويقول أن فرعون مصيب حينما قال: أنا ربكم الأعلى، لأن الناس كلهم، لأن الرب يتجلى في صورة معبود كما تجلى في صورة فرعون وتجلى في صورة هذه كما تجلى في هذه الصور.
ويقول إن فرعون لما أُغرِق، أُغرِق تطهيرًا له ليزول الحسبان والوهن، يقول هو تراحم أنه ما في ذلك الرب، الناس كلهم أرباب فأُغرِق حتى يزيل عنه الحسبان، كله مصيب: من عبد الصنم من عبد النار من عبد الشجر كله مصيب؛ لأن الوجود واحد، نعوذ بالله مما يقولون.
ويقول إن موسى لما عبد قومه العجل، أخبره الله -تعالى- فغضب، ولكن لما جاء وشاهدهم في الحال يعبدون، غضب بشدة وألقى الألواح حتى تكسرت وفيها كلام الله، لكنه معذور فيها، وأخذ برأس أخيه يجرُّه هارون، كما أخبر الله: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} وفي الآية الأخرى: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} لأن هارون أنكر عليهم، ما تراجع، لكن {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ} يعني الذهب لما صنعه لفرعون جعل السامري يشاهدونه، صنعوا من ذلك الذهب عجل، وأمرهم بعبادته فعبدوه وهم يشاهدون بعينهم، ولهذا أنكر عليهم هارون، ما قَبِلوا وكادوا يقتلونه، موسى غضب وجر أخاه من لحيته ورأسه من شدة الغضب وألقى الألواح حتى تكسرت والله -تعالى- عذره في هذا.
فماذا يقول هذه الاتحادية؟ يقولون في فصل الحكم: إن موسى أنكر على هارون إنكاره عليهم بعبادة العجل، قال: لم تنكر عليهم؟! هم على حق، لماذا تُنكر عليهم؟ هكذا والعياذ بالله الاتحادية أغلظ الناس كفرًا، أكثر من اليهود والنصارى، موجود الآن مؤلفاتهم كلها، حتى في رسالة عندهم اسمها: إيمان فرعون وأقرُّوا فيها بأن فرعون مؤمن واستدلوا بقوله تعالى: {قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قال هذا أسلم، لكن ما نظر إلى الآية التي بعدها:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} مثل من يقرأ: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} ويسكت {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} ويقول: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} يقولون هم يدخلون وهو ما يدخل، لأنه أسلم، وهكذا تحريف والعياذ بالله ، وعلَّق عليه واحد شرحه وخالفه وجاء واحد ثاني وعلَّق فإن شئت خذ بهذا القول وإن شئت خذ بهذا القول وهكذا التلبيس نسأل الله السلامة والعافية.
سؤال وجواب: الفرق بين الاتحادية والحُلُوليَّة، الاتحادية أغلظ كفر من الحُلُوليَّة، الحُلُوليَّة يقول: اثنان إحداهما حلَّ في الآخر كالكوز حلَّ في الماء، والاتحادية يقولون: لا اثنانية ولا تعدد، الوجود واحد.
ولهذا من قال الاتحادية هي الحُلُوليَّة نقول: لا، أنت محجوب عن سر المذهب، الحُلُوليَّة يقولون بالتثنية، والاتحادية لا تثنية ولا تعدد، يقول اثنين أحدهم حلَّ في الآخر، والاتحادية يقولون الوجود واحد، أغلظ كفر من الحُلُوليَّة.
المعطلة عطَّلوا الرب وأنكروه، وحدة الوجود أشد، المعطلة أشد من المعتزلة والجهمية.
متن: وتعلق قلبه بالوجود المطلق الساري في المعيِّنات، فاتخذه إلهه من دون الإله الحق وظن أنه قد وصل إلى عين الحقيقة! وإنما تألَّه وتعبَّد لمخلوق مثله، أو لخيال نحته بفكره واتخذه إلهًا من دون الله سبحانه وإله الرسل وراء ذلك كله.
وإله الرسل وراء ذلك، اعتقد الاتحادية، إله الرسل الرب الخالق سبحانه وتعالى فوق المخلوقات، خلق السماوات والأرض.
{إنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الِّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إلاَّ مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أفَلاَ تَذَكَّرُونَ إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقاً إنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ ألِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}.
وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَٰلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}.
فقد تعرَّف سبحانه إلى عباده بكلامه معرفة لا يجحدها إلا من أنكره سبحانه، وإن زعم أنه مُقرُّ به.
والمقصود أن التعبد باسمه الظاهر يجمع القلب على المعبود، ويجعل له ربًا يقصده وصمدًا يصمد إليه في حوائجه وملجًأ يلجأ إليه فإذا استقر ذلك في قلبه وعرف ربه باسمه الظاهر استقامت له عبوديته وصار له معقل وموئِل يلجأ إليه ويهرب إليه ويفر كل وقت إليه.
شرح: هذا باب فقه الأسماء والصفات، هذا الكلام العظيم.
متن: والمقصود أن التعبد باسمه الظاهر يجمع القلب على المعبود، ويجعل له ربًا يقصده وصمدًا يصمد إليه في حوائجه وملجًأ يلجأ إليه فإذا استقر ذلك في قلبه وعرف ربه باسمه الظاهر استقامت له عبوديته وصار له معقل وموئِل يلجأ إليه ويهرب إليه ويفر كل وقت إليه.
وأما تعبده باسمه الباطن فأمر يضيق نطاق التعبير عن حقيقته، ويَكِلُّ اللسان عن وصفه، وتصطلم الإشارة إليه وتجفو العبارة عنه، فإنه يستلزم معرفة بريئة من شوائب التعطيل مخلِّصة من فرث التشبيه، منـزهة عن رجس الحلول والاتحاد.
شرح: باطن: يعني بعيد عن التعطيل وبعيد عن مذهب الحُلُوليَّة والاتحادية، الباطن الذي لا يحجبه أحد من خلقه.
متن: وأما تعبده باسمه الباطن فأمر يضيق نطاق التعبير عن حقيقته، ويَكِلُّ اللسان عن وصفه، وتصطلم الإشارة إليه وتجفو العبارة عنه، فإنه يستلزم معرفة بريئة من شوائب التعطيل مخلِّصة من فرث التشبيه، منـزهة عن رجل الحلول والاتحاد.
وعبارة مؤدية للمعنى كاشفة عنه، وذوقًا صحيحًا سليمًا من أذواق أهل الانحراف. فمن رُزق هذا فهم معنى اسمه الباطن وصح له التعبد به، وسبحان الله كم زلت في هذا المقام أقدام وضلت فيه أفهام، وتكلم فيه الزنديق بلسان الصدِّيق، واشتبه فيه إخوان النصارى بالحنفاء المخلِصين، لنبوء الأفهام عنه وعزة تخلص الحق من الباطل فيه.
شرح: هذا التباس، أهل الشبهات، ألا يستطيع تخليص الحق من الباطل، ضلَّ القوم وضلَّت الأفهام وذلَّت أقدامهم فسبحان الله.
متن: وسبحان الله كم زلت في هذا المقام أقدام وضلت فيه أفهام، وتكلم فيه الزنديق بلسان الصدِّيق، واشتبه فيه إخوان النصارى بالحنفاء المخلِصين، لنبوء الأفهام عنه وعزة تخلص الحق من الباطل فيه، والتباس ما في الذهن بما في الخارج إلا على من رزقه الله بصيرة في الحق، ونورًا يميز به بين الهدى والضلال، وفرقانًا يفرِّق به بين الحق والباطل، ورُزق مع ذلك اطلاعًا على أسباب الخطأ وتفرُق الطرق ومثار الغلط، فكان له بصيرة في الحق والباطل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وباب هذه المعرفة والتعبد هو معرفة إحاطة الرب -تبارك وتعالى- بالعالم وعظمته، وأن العوالم كلها في قبضته، وأن السموات السبع والأراضين السبع في يده كخردلة في يد العبد، قال تعالى: {وَإذْ قُلْنَا لَكَ إنَّ رَبَّكَ أحَاطَ بِالنَّاسِ}.
شرح: هذا يشير إلى الحديث: «ما السموات السبع والأراضين السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم».
وثبت في الحديث الصحيح: «إن الله يضع السماوات على إصبع، والأراضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهنَّ بيده ويقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟!» سبحانه وتعالى، هذا خلق عظمة الرب، هذه السماوات (29:00) {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} خردلة الحبة الصغيرة، يقدر الإنسان يسيطر عليها، إن شاء قضى عليها وإن شاء سيطر عليها، السماوات كلها تُوضع على إصبع عظمة الرب، والأراضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع وسائر الخلق على إصبع سبحان الله العظيم.
متن: {وَإذْ قُلْنَا لَكَ إنَّ رَبَّكَ أحَاطَ بِالنَّاسِ} وقال: {وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} ولهذا يقرن سبحانه بين هذين الاسمين الدالين على هذين المعنيين: اسم العلو الدال على أنه الظاهر وأنه لا شيء فوقه، واسم العظمة الدال على الإحاطة وأنه لا شيء دونه.
شرح: الله تعالى من فوقهم محيط، الفوقية والإحاطة.
متن: كما قال تعالى: {وَهُوَ الْعَليُّ الْعَظِيمُ} وقال: {وَهُوَ الْعَليُّ الْكَبِيرُ}. وقال: {وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله إنَّ اللهَ وَاسعٌ عَلِيمٌ}.
فهو تبارك وتعالى كما أنه العالي على خلقه بذاته فليس فوقه شيء، فهو الباطن بذاته فليس دونه شيء، بل ظهر على كل شيء فكان فوقه، وبطن فكان أقرب إلى كل شيء من نفسه، وهو محيط به حيث لا يحيط الشيء بنفسه وكل شيء في قبضته وليس في قبضة نفسه، فهذا قرب الإحاطة العامة.
وأما القرب المذكور في القرآن والسنة فقربٌ خاصٌ من عابديه وسائليه وداعيه، وهو من ثمرة التعبد باسمه الباطن، قال تعالى: {وَإذَا سَألَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ}.
شرح: والقرب ذكره نوعان: قربٌ من عابديه، قربٌ من سائله بالإجابة وقربٌ من داعيه بالإجابة، قربٌ من داعيه بالإجابة يقول تعالى: {وَإذَا سَألَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ} وقربٌ من داعيه يقول: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب} فالساجد قريبٌ من الله.
متن: فهذا قربه من داعيه وقال تعالى: {إنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} فوحَّد الخبر وهو قريب عن لفظ الرحمة وهي مؤنثة إيذانًا بقربه تعالى من المحسنين، فكأنه قال: إن الله برحمته قريب من المحسنين.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ» و «أقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل»، فهذا قرب خاص غير قرب الإحاطة وقرب البطون.
شرح: هذا قرب العابدين بالإثابة مثل: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب}.
«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد».
متن: وفي الصحيح من حديث أبي موسى أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فارتفعت أصواتهم بالتكبير فقال: «أيها الناس اِرْبَعُوا على أنفسكم».
شرح: اِرْبَعُوا يعني أرفقوا على أنفسكم، لما كانوا في سفر، حديث صحيح، في الصحيحين، قال أبي موسى: كنا في سفر وارتفعت أصواتنا بالتكبير الله أكبر الله أكبر الله أكبر، فقال النبي: «أيها الناس اِرْبَعُوا على أنفسكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إن الذي تدعونه سميعٌ قريبٌ، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته».
متن: فقال: «أيها الناس اِرْبَعُوا على أنفسكم».
شرح: اِرْبَعُوا يعني ارفقوا بأنفسكم.
متن: «أيها الناس اِرْبَعُوا على أنفسكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إن الذي تدعونه سميعٌ قريبٌ، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته»، فهذا قربه من داعيه وذاكره، يعني فأي حاجة بكم إلى رفع الأصوات وهو لقربه يسمعها وإن خُفضت، كما يسمعها إذا رُفعت، فإنه سميع قريب.
وهذا القرب من لوازم المحبة فكلما كان الحب أعظم كان القرب أكثر، وقد تستولي محبة المحبوب على قلب محبه بحيث يفنى بها عن غيرها، ويغلب محبوبه على قلبه حتى كأنه يراه ويشاهده، فإن لم يكن عنده معرفة صحيحة بالله وما يجب له ويستحيل عليه وإلا طرق باب الحلول إن لم يلجه.
شرح: طرق باب الحلول الحُلُوليَّة الذين يقولون: إن الله حلَّ، هذه الصوفية يذلون بهذا، أن الفناء يفنى من محبوبه، فيتناسب المخلوقات حتى يظن أنه اتحد بالله وامتزج به نعوذ بالله.
متن: وسببه ضعف تمييزه وقوة سلطان المحبة، واستيلاء المحبوب على قلبه بحيث يغيب عن ملاحظة سواه، وفي مثل هذه الحال.
شرح: هذه تسمَّى الغيبوبة عند الصوفية، وسبب ذلك غيبة واحد من عباده، أنا أفنى من مشهود، ربي المشهود عن غيره، الصوفي أول ما يبدأ في الصوفية يقول: أن أشاهد الرب سبحانه وتعالى، وأشهد أنه الخالق والرازق والمدبِّر وأن كل شيء تحت قدرته ومشيئته وتناسى المخلوقات، تناسى المخلوقات، يقول: ما أنكرها لكن يتناساها، يشوِّش عليها، يقول: ما أستطيع أن أرى مخلوق وبر وبحر وحيوانات وآدميين هذا تشوش عليَّ، فأنا أنكرها، أنا أبعدها من الشهود فلا أشاهد إلا الرب، ثم بعد ذلك يغلب على نفسه حتى ينسى نفسه، ثم يصل إلى القول بوحدة الوجود فينكر وجود المخلوقات، هذه الصوفية درجة واحدة.
متن: وفي مثل هذه الحال يقول: سبحاني أو ما في الجبة إلا الله.
شرح: هذا هو الصوفي مثل أبي يزيد البسطامي إذا شوهِد وهو ينفذ جبة ويقول: ما في الجبة إلا الله يعني نفسه، هذا القول بالاتحاد.
متن: وسببه ضعف تمييزه وقوة سلطان المحبة، واستيلاء المحبوب على قلبه بحيث يغيب عن ملاحظة سواه، وفي مثل هذه الحال يقول: سبحاني أو ما في الجبة إلا الله ونحو هذا من الشطَحات التي نهايتها أن يُغفر له ويُعذر لِسُكِره وعدم تمييزه في تلك الحال.
شرح: يعني يقولك، بعضهم يُدخل العقل، هذا فاقد العقل معروف عندنا أنه يُرفع عنه القلم، إما إذا كان له عقل فهذا أمرٌ خطير.
متن: فالتعبد بهذا الاسم هو التعبد بخالص المحبة وصفو الوِداد.
شرح: التعبد باسمه الباطن.
متن: فالتعبد بهذا الاسم هو التعبد بخالص المحبة وصفو الوِداد، وأن يكون الإله أقرب إليه من كل شيء وأقرب إليه من نفسه، مع كونه ظاهرًا ليس فوقه شيء، ومن كَثُف ذهنه وغلظ طبعه عن فهم هذا فليضرب عنه صفحًا إلى ما هو أولى به، فقد قيل:
إذا لَمْ تَسْتَطِعْ شيئًا فَدَعْه |
|
وجاوزه إلى ما تستطيع |
شرح: هذا معناه إنه ذهنه غليظ ولا يفهم، ما يفهم هذا، ولا تصل معرفته إلى هذا لترك هذا.
متن: ومن كَثُف ذهنه وغلظ طبعه عن فهم هذا.
شرح: صار هذا حجاب وكثافة بحيث أنه ما يفهم.
متن: وغلظ طبعه عن فهم هذا فليضرب عنه صفحًا إلى ما هو أولى به، فقد قيل:
إذا لَمْ تَسْتَطِعْ شيئًا فَدَعْه |
|
وجاوزه إلى ما تستطيع |
فمن لم يكن له ذوق من قرب المحبة، ومعرفة بقرب المحبوب من محبه غاية القرب وإن كان بينهما غاية المسافة -ولاسيما إذا كانت المحبة من الطرفين، وهي محبة بريئة من العلل والشوائب والأعراض القادحة فيها- فإن المحب كثيرًا ما يستولي محبوبه على قلبه وذكره ويفنى عن غيره ويرق قلبه وتتجرد نفسه.
شرح: قف على بعد الباب، وفق الله الجميع.