بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
الخامس والستون:
فمن نواقض التوحيد والإيمان الظن الكفري بالله تعالى وهو ظن المنافقين والكافرين وهو ظن السوء وهو أن يظن بالله أن الله لا ينصر رسوله ودينه وحزبه المؤمنين وأنه يقضى على الإسلام وأن الله يدير الكفر على الإسلام إدارة مستقرة يضمحل معها الإسلام ولا تقم له قائمة فهذا هو ظن المنافقين وهو ظن السوء قال الله تعالى {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: 6] ثم بيَّن الله ظنهم السوء فقال الله تعالى {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12] والظنون أنواع لا تحصى منها ما ذكره الله تعالى في كتابه كقوله تعالى في سورة الصافات {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 87] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قال قتادة يعني ما ظنكم أنه فاعل بكم إذا لاقيتموه وقد عبدتم معه غيره وقال تعالى {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [ص: 27] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي الذين لا يرون بأسًا ولا معادًا وإنما يعتقدون هذه الدار فقط وقال تعالى في سورة فصلت {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت: 23] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون هو الذي أسلفكم وأرداكم عند ربكم فأصبحتم من الخاسرين في موقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم ثم قال، قال الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا مع عبدي عند ظنه بي وأنا معه إذا دعاني» ثم افتر الحسن ينظر في هذا فقال ألا إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم فأما المؤمن فأحسن الظن بربه فأحسن العمل وأما الكافر والمنافق فأساء الظن بالله فأساء العمل وفي حديث جابر عند مسلم «لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن الظن بالله فإن قوما قد أرداهم سوء ظنهم بالله تعالى فقال تعالى {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت: 23]» وقد بوَّب الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بابًا في كتاب التوحيد فقال باب قول الله تعالى {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154] الآية وقوله {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح: 6] ومقصود المؤلف رحمه الله بهذه الترجمة وجوب حسن الظن بالله والحذر من الظنون بالسيئة التي تكون من المنافقين والكافرين وضعفاء الإيمان ثم نقل الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كلامًا لابن القيم رحمه الله من زاد المعاد فقال قال ابن القيم في الآية الأولى يعني آية آل عمران {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران: 154] والآية الثانية {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح: 6] قال ابن القيم في الآية الأولى فسر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل وفسر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته وفسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يتم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يظهره على الدين كله وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح وإنما كان هذا ظن السوء لأنه ظن غير ما يليق به سبحانه وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق أو أنكر أن ما جرى بقضائه وقدره أو أنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد بل زعم أن ذلك بمشيئة مجردة فذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا وليتب إلى الله وليستغفره من ظنه بربه ظن السوء ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعنتا على القدر وملامة له وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا فمستقل ومستكثر وفتش نفسك هل أنت سالم؟
فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمة ج |
|
وإلا فإني لا إخالك ناجيا . |
انتهى كلام ابن القيم رحمه الله الذي نقله الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وقد دلت النصوص على من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن دين الله منصور وأن الغلبة والعزة لحزب الله من أنبيائه ورسله وعباده المؤمنين وأن دين الله منصور وظاهر وإن جرى على أوليائه ما يجري فالعاقبة الحميدة لهم كما قال ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية:
والدين ممتحن ومنصور فلا ج |
|
تعجل فهذه سنة الرحمن . |
قال الله تعالى {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128] من الأدلة على نصر الله لدينه وحزبه وعباده المؤمنين قال الله تعالى {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128] وقال تعالى {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128] وقال تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] وقال تعالى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51] قال تعالى {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 - 173] وقال تعالى {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56] وقال تعالى {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139] وقال تعالى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] وقال تعالى {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32] وقال تعالى في الآية الأخرى {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8] وقال تعالى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33] وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لاتزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى» وقد جاء في الحديث «ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار ولا يترك بيت مدر ولا حجر إلا دخله بعز عزيز أو بذل ذليل» أو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مسألة مهمة:
وهي أن كل من فعل ناقضا من نواقض التوحيد والإيمان أو مبطلا من مبطلاته أو مفسدا من مفسداته فوقع في الكفر أو الشرك أو النفاق أو الظلم أو الفسق أو الجهل المخرج من ملة الإسلام فإنه لا بد أن يكون عالما بذلك فإن لم يكن عالما فلا بد من تعليمه وقيام الحجة عليه فإن مات ولم تقم عليه الحجة الرسالية فأمره في الآخرة إلى الله لقول الله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] ولقول الله تعالى {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] ويكون حكمه حكم أهل الفترات وأهل الفترات وردت فيهم أحاديث بأنهم ممتحنون يوم القيامة فمن أطاع منهم دخل الجنة ومن عصى دخل النار ذهب إلى هذا جمع من المحققين منهم أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وشيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله واللجنة الدائمة للإفتاء والعلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله ويستثنى من أهل الفترة من أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه أنه في النار وأما في الدنيا فلا يغسلون ولا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين ولا يدعى لهم ولا يستغفر لهم.
مسألة أخرى مهمة:
في ثلاثة أخطاء مشهورة في تفسير كلمة التوحيد لا إله إلا الله والخطأ فيها في تفسير الإله الخطأ الأول أن معنى لا إله إلا الله لا قادر على الاختراع إلا الله وهذا تفسير كثير من المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم من الصوفية ومن وافقهم قال عبد القاهر البغدادي: واختلف أصحابنا في معنى الإله فمنهم من قال إنه مشتق من الإلهية وهي قدرته على اختراع الأعيان وهو اختيار أبي الحسن الأشعري ونقل الشهرستاني عن الأشعري أيضا أن أخص وصف الإله هو القدرة على الاختراع فلا يشركه فيه غيره ومن أثبت فيه شركة فقد أثبت إلهين انتهى وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد الله معناه من له الإلهية وهي القدرة على اختراع الأعيان وهذه صفة يستحقها بذاته.
الخطأ الثاني أن معنى لا إله إلا الله لا مستغنيًا عن كل ما سواه ومفتقرا إليه من عداه إلا الله جاء في متن أم إبراهيم السنوسية معنى الألوهية استغناء الإله عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه إليه واستظهر السنوسي في شرحه على متنه أن هذا هو المعنى الأقرب للإله.
الخطأ الثالث أن معنى لا إله إلا الله إخراج اليقين الفاسد من القلب على الأشياء وإدخال اليقين الصحيح على ذات الله أنه لا خالق إلا الله ولا رازق إلا الله ولا مدبر إلا الله وهذا هو التفسير المشهور لدى جماعة الدعوة والتبليغ وهذه التفاسير الثلاثة لمعنى الإله في كلمة التوحيد تتفق على جعل مدلول شهادة التوحيد توحيد الربوبية لا توحيد الألوهية وهذا ما ذهب إليه كثير من المتكلمين من الأشعرية والصوفية ومن وافقهم وهذا التفسير لمعنى الإله باطل من وجوه:
أحدها أن هذا قول مبتدَع لا يعرف أحد قاله من العلماء ولا من أئمة اللغة. الثاني أن هذا تفسير باللازم للإله الحق فإن اللازم له أن يكون خالقًا قادرا على الاختراع ومتى لم يكن كذلك فليس بإله حق وإن سمي إلهًا. الثالث مخالفة القرآن الكريم وذلك أن الإله إنما ورد فيه بمعنى المعبود لا بمعنى الخالق أو القادر أو الرازق أو المدبر. الرابع لو كان معنى لا إله إلا الله لا خالق أو لا قادر أو لا رازق أو لا مدبر إلا الله لم يكن بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين نزاع لأنهم يؤمنون بذلك. الخامس أن هذا التفسير لا يتحقق به إلا توحيد الربوبية فقط ومعلوم أن توحيد الربوبية وحده لا يدخل الإنسان في الإسلام ولو كان يدخله في الإسلام ويعصم ماله ودمه لكان المشركون الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين لا تحل دماؤهم ولا أموالهم ولا نساؤهم ولا ذراريهم ولا تورث أرضهم فالواجب على من فسر كلمة التوحيد بهذا التفسير أن يتوب إلى الله تعالى من هذا التفسير الفاسد وأن يرجع إلى التفسير الصحيح الذي اتفق عليه المسلمون وفهمه الناس من هذه الكلمة العظيمة حتى المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم وأن يقر ويعترف بأن توحيد الربوبية شيء وتوحيد الألوهية شيء آخر ولا يتم أحدهما بدون الآخر.
المعنى الصحيح في كلمة التوحيد العظيمة لا إله إلا الله:
الحق الذي لا ريب فيه أن معنى هذه الكلمة العظيمة لا إله إلا الله لا معبود حق إلا الله هذا هو المعنى المتعين والمراد البراءة مما يعبد من دون الله وإفراد الله بالعبادة وهذا النفي والإثبات هو حقيقة الكفر بالطاغوت والإيمان بالله الذي جاء في قول الله تعالى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256] فشطر كلمة التوحيد الأول هو الكفر بالطاغوت وشطرها الثاني هو الإيمان بالله وهذا الفهم الصواب لـ(لا إله إلا الله مبني على حسن الفهم لأمرين:
الأول معنى الإله والثاني خبر لا المقدَّر وقد تجلى وظهر أن معنى الإله المعبود وأن خبر لا المقدر حق ولا هي النافية للجنس العاملة عمل إنَّ ومعنى كونها نافية للجنس أنها تنفي الحكم عن كل فرد من أفراد جنس الشيء الذي دخلت عليه على سبيل التنصيص لا على سبيل الاحتمال قاله ابن هشام وتسمى أيضًا لا التبرئة لأنها تدل على تبرئة جنس اسمها كله من معنى غيرها وأما كونها تعمل عمل إنَّ أي تنصب الاسم وترفع الخبر فشرطه أن يكون اسمها وخبره نكرتين لأن تنفي نفيًا عامًّا مستغرقًا فلا يكون بعدها معيَّن وإله اسم لا مبني على الفتح في محل نصب والصواب الذي عليه أكثر العلماء أن الخبر محذوف على القاعدة في خبر لا إذا علم عند الحجازيين والتميميين والطائيين قال ابن هشام وقد كثر حذف خبر لا هذه حتى قيل إنه لا يذكر ولا يكون خبر لا الاسم المعظَّم الله كما قاله بعضهم فهذا غير صحيح قال ابن هشام ويرده أنها أي لا لا تعمل إلا في نكرة منفية واسم الله تعالى أعرف المعارف ومعرفة موجبة فالصحيح أن خبر لا مقدَّر تقديره حق أن الخبر حق أو بحق فيكون معنى لا إله إلا الله لا معبود حق أو بحق إلا الله هذا هو التفسير الصواب الذي لا يصح غيره وهو الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأما تقدير الخبر موجود أو في الوجود لا إله موجود أو في الوجود إلا الله فهذا باطل من وجهين أحدهما أنه يوهم معنى باطل وهو الاتحاد فإن الإله هو المعبود فإذا قيل لا معبود موجود إلا الله لزم منه أن كل معبود عُبِد بحق أو باطل هو الله وهذا أعظم الكفر وأقبحه على الإطلاق إذ فيه إبطال لرسالات جميع الرسل وكفر بجميع الكتب وجحود لجميع الشرائع وتزكية لكل كافر فلم يكن عندهم مشركًا بل موحدا تعالى الله عما يقولوا الظالمون والجاحدون علوا كبيرا وهذا يلتزمه أهل الحلول والاتحاد الثاني أن هذا التقدير فيه مخالفة للواقع وإنكار حقيقة لا تجحد وهي وجود آلهة تعبد مع الله وإلا أداة استثناء وهي حرف باتفاق وأما اسم الجلالة الله بعد إلا فهو مرفوع ولم يأت في القرآن غير الرفع بل لم تأت كلمة التوحيد في كتاب الله بنصب الاسم بعد لا حتى ولا في قراءة شاذة فالصواب أنه مرفوع لا منصوب والصحيح أنه بدل لا خبر وهو المشهور الجاري على ألسنة المعربين فهو بدل من الضمير المستكنِّ أي المستتر في الخبر المحذوف اختاره أبو حيان في تفسيره والشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في القول المفيد على كتاب التوحيد وغيرهم ومعنى أشهد أن لا إله إلا الله إخبار عما تعلمه النفس وتتيقنه قال أبو العباس القرطبي-رحمه الله- معنى أشهد أن لا إلا إله إلا الله أي أنطق بما أعلمه وأتحققه وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله معناها أنطق بلساني معبرا عما يكنه قلبي من اليقين وهو أنه لا إله إلا الله قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في كتاب فتح المجيد قول الموحد لا إله إلا الله يعني أخبر بأني قاطع بالوحدانية.
فضل كلمة التوحيد لا إله إلا الله:
قد علم بالاضطرار أن شهادة التوحيد مفتاح الإسلام وأصل الدين وعمدة الملة فلا إسلام لمن لم يأت بها اعتقادا وقولا وعملا ولا شك أن هذا لا يتحقق إلا بعد العلم بمعناها فإن ترتب هذا على هذا ترتب البناء على الأساس والفرع على الأصل إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره وعليه فمن لم يعلم معناها ويتصوره فهو كالهاذي أو النائم الذي لا يعقل ما يقول وأما مجرد اللفظ فهذا لا يفيد العبد شيئًا ولا يخلصه من شوائب الشرك وفروعه إن فضل لا إله إلا الله شيء لا يحيط به فكر ولا يحصيه قلم ومهما قيل عنها فهو غيظ من فيض بل نقطة من بحر فهي أصل الملة وأول الواجبات وأوجب المأمورات وكيف لا تكون كذلك وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات وفطر الله عليها جميع المخلوقات فعليها أسست الملة ورسمت القبلة وجردت سيوف الجهاد وهي محض حق الله على جميع العباد وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار وهي المنشور الذي لا يدخل أحد الجنة إلا به والحبل الذي لا يصل إلا الله من لم يتعلق بسببه وهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام وبها انقسم الناس إلى شقي وسعيد ومقبول وطريد وبها انفصلت دار الكفر من دار الإسلام وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان وهي العمود الكامل للفرض والسنة ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة انتهى كلام ابن القيم رحمه الله من الداء والدواء لا إله إلا الله هي الكلمة التي أرسل الله بها رسله وأنزل بها كتبه ومن أجلها خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار وبها تحمل الكتب باليمين أو الشمائل ويثقل الميزان أو يخف وعليها أخذ الله الميثاق وعليها الجزاء والمحاسبة وعنها السؤال يوم التلاق وهي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة وهي أصل الدين وأساسه ورأس أمره وساق شجرته وعمود فسطاطه وبقية أركان الدين وفرائضه متفرعة عنها متشعبة منها مكملة لها مقيدة بالتزام معناها والعمل بمقتضاها ذكر هذا الشيخ حافظ الحكمي في معارج القبول ويكفي أنها الشهادة العظمى وأي شهادة أعظم من الشهادة التي شهد الله بها لنفسه قال الله تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] وقد جاءت آيات في الكتاب العزيز وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مبينة عن عظيم فضلها وشريف مكانتها فمن الآيات:
أنها كلمة الله العليا الواردة في قوله تعالى {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: 40] كقول ابن عباس وكثير من المفسرين.
ثانيًا أنها دعوة الحق في قوله تعالى {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} [الرعد: 14] قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم.
ثالثًا أنها الكلمة الطيبة لقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24] قاله ابن عباس وكثير من المفسرين.
رابعًا أنها القول الثابت لقول الله تعالى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27] قاله كثير من المفسرين.
خامسًا أنها كلمة التقوى لقول الله تعالى {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] قاله جمهور المفسرين.
سادسًا أنها الحسنة لقول الله تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل: 89] قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وطائفة من السلف.
سابعًا أنها النعم الظاهرة والباطنة لقول الله تعالى {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20] قاله ابن عباس ومجاهد وبعض السلف والمعنى أنها تدخل دخولا أوليا في النعم الظاهرة والباطنة.
ثامنًا أنها العروة الوثقى لقول الله تعالى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] قاله سعيد بن جبير والضحاك.
تاسعًا أنها القول الأحسن لقول الله تعالى {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53] قاله بعض المفسرين أي أنها تدخل دخولا أوليا في القول الأحسن.
عاشرًا أنها الحسنى لقول الله تعالى وصدق بالحسنى قاله بعض السلف.
الحادي عشر أنها من الباقيات الصالحات لقول الله تعالى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46] قاله بعض السلف.
الثاني عشر أنها الكلمة الباقية التي جعلها إبراهيم عليه الصلاة والسلام في عقبه لقول الله تعالى {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 28] قاله بعض السلف وبعض المفسرين.
الثالث عشر أنها الحق لقول الله تعالى {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] قاله بعض المفسرين.
الرابع عشر أنها المثل الأعلى لقوله تعالى {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم: 27] قاله مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير وقيل المثل الأعلى الوصف الكامل.
الخامس عشر أنها الكلمة التي هي أقوم لقول الله تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] قاله بعض المفسرين.
السادس عشر أنها العدل لقول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90] قاله ابن عباس.
السابع عشر أنها العهد لقول الله تعالى {إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 87] قاله ابن عباس وغيره.
الثامن عشر أنها الدين الخالص لقول الله تعالى {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3] قاله قتادة وبعض المفسرين.
التاسع عشر أنها القول الصواب لقول الله تعالى {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38] قاله ابن عباس وعكرمة وبعض المفسرين.
العشرون أنها الكلم الطيب لقوله تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] قاله ابن عباس وبعض المفسرين.
الحادي والعشرون أنها الطيب من القول لقوله تعالى {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج: 24] قاله ابن عباس وبعض السلف واختاره ابن جرير.
الثاني والعشرون أنها الكتاب الذي أورثه الله الذين اصطفى من عباده لقول الله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] قاله بعض السلف.
الثالث والعشرون أنها الصدق لقول الله تعالى {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33] قاله ابن عباس.
الرابع والعشرون أنها الدين الواصب لقول الله تعالى {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} [النحل: 52] قاله عكرمة.
الخامس والعشرون أنها الكلمة السواء أي العدل لقول الله تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] قاله بعض المفسرين.
السادس والعشرون أنها القول السديد لقول الله تعالى {وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] قاله ابن عباس وعكرمة وبعض المفسرين.
فضل كلمة التوحيد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كلمة التوحيد أول أركان الإسلام وأرفع مقامات الدين وأصل أصوله قال عليه الصلاة والسلام «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام» رواه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
ثانيًا أنها أعلى شعب الإيمان وأفضلها قال عليه الصلاة والسلام «الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة فأعلاها أو أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» أخرجه الشيخان.
ثالثًا أن صاحبها أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام «أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه» أخرجه البخاري.
رابعًا أنها أول ما يؤمر به من الدين قال عليه الصلاة والسلام «إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» أو «فليكن أول ما تدعوهم به شهادة أن لا إله إلا الله» أخرجه البخاري وفي رواية في الصحيحين «ليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل».
خامسًا أنها سبب الفلاح قال عليه الصلاة والسلام «قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» أخرجه أحمد في المسند.
سادسًا أنها سبب عصمة الدم والمال قال عليه الصلاة والسلام «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها فحسابهم على الله» وفي رواية «ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة» أخرجه الشيخان في كتاب الإيمان من صحيحيهما.
سابعًا أنها أفضل الذكر وخير الدعاء والقول قال صلى الله عليه وسلم «خير الدعاء دعاء عرفة وخير ما قلت أو أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات.
ثامنًا أنها سبب مغفرة الذنوب قال عليه الصلاة والسلام «ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله يرجع ذلك إلى قلب موقنٍ إلا غفر الله لها» أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه.
تاسعًا أنها سبب تثقيل الميزان كما في حديث البطاقة «في الرجل الذي ينشر عليه تسعة وستون سجلا سيئات كل سجل مد البصر فتوضع السجلات في كفة وبطاقة الشهادة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة» أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد في مسنده قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وإن قالها أي كلمة التوحيد على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر ولم يأتِ بعدها بما يناقض ذلك فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات فيرجح بها ميزان الحسنات كما في حديث البطاقة.
عاشرًا أنها سبب دخول الجنة قال عليه الصلاة والسلام «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاكٍّ فيهما إلا دخل الجنة» أخرجه مسلم في كتاب الإيمان وقال عليه الصلاة والسلام «فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبُه فبشره بالجنة» أخرجه مسلم في كتاب الإيمان وقال عليه الصلاة والسلام «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة» أخرجه مسلم في كتاب الإيمان.
الحادي عشر أنها سبب النجاة من النار قال عليه الصلاة والسلام «لن يوافي عبد يوم القيامة لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله إلا حرم الله عليه النار» أخرجه البخاري من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه وفي رواية «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» أخرجه مسلم من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه وقال عليه الصلاة والسلام «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار» أخرجه البخاري في كتاب العلم.
مسألة مهمة في الجمع بين الأحاديث في أهل التوحيد والإخلاص:
جاءت النصوص والأحاديث التي تدل على دخول أهل التوحيد أهل لا إله إلا الله الجنة ونجاتهم من النار وجاءت نصوص أخرى تدل على أن من أهل التوحيد من عصاة المسلمين من يدخل النار والجمع بينهما هو أن من أتى بكلمة الإخلاص لا إله إلا الله مع القيام بحقوقها ولوازمها ولم يصر على كبيرة فهو من أهل الجنة الناجين من دخول النار برحمة الله ومن قصَّر في أداء حقوقها بترك بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات أو أصر على كبيرة من غير توبة فهو تحت مشيئة الله كما قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] فهو بين عفو الله وعقوبته فإن شاء الله العفو عنه فهو من أهل الجنة ابتداء وإن شاء تعذيبه بالنار على سيئاته فمآله إلى الجنة والخلاصة أن أهل التوحيد أهل لا إله إلا الله في الجنة قطعًا إما ابتداء وإما مآلا وهم ناجون إما من دخول النار وإما من الخلود فيها قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فهذه الأحاديث أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وحرمه الله على النار إنما هي فيمن قالها ومات عليها كما جاءت مقيدة فإنه قد تواترت الأخبار بأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن شعيرة وما يزن خردلة وما يزن ذرة بل كثير منهم يقول لا إله إلا الله يدخل النار أو أكثرهم ثم يخرج منها وتواترت الأحاديث بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ولكنها جاءت مقيدة بالإخلاص واليقين وبموت عليها وكلها مقيدة بهذه القيود الثقال وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين ومن لا يعرف ذلك يخشى عليه من أن يفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها فالذي قالها بيقين وصدق تام إما ألا يكون مصرًّا على سيئة أصلا أو يكون توحيده متضمن لصدقه ويقينه ترجح حسناته والذين دخلوا النار قد فات فيهم أحد الشرطين إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التام المنافي للسيئات أو لرجحانها على الحسنات أو قالوها واكتشفوا سيئاتهم رجحت على حسناتهم فضعف لذلك صدقهم ويقينهم فلم يقولوا بعد ذلك بصدق ويقين يمحوا سيئاتهم أو يرجح حسناتهم.
وإلى هنا ينتهي هذا البحث فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتوفانا على التوحيد والإسلام والسنة غير مغيِّرين ولا مبدِّلين وأن يجعلنا ممن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله بالصدق واليقين التام المنافي للسيئات والإصرار على الكبائر والموبقات إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه الفقير إلى عفو الله ومغفرته ورحمته
عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي
ظهر يوم الجمعة غرة رمضان عام ألف وأربعمائة وإحدى وأربعين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وأنوِّه في ختام هذه الكلمة برسالة اسمها شهادة أن لا إله إلا الله إعداد الدكتور: صالح بن عبد العزيز بن عثمان سندي الأستاذ المشارك في قسم العقيدة في الجامعة الإسلامية بالمدينة فهي رسالة قيِّمة مفيدة قد أجاد فيها المؤلف وأجاد النقول والبحوث فيها وقد استفدت من هذا البحث ونقلت منه كثيرًا.
فأسأل الله لي وله ولجميع إخواننا المسلمين التوفيق والسداد والثبات على دينه والاستقامة عليه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.