شعار الموقع

7- شرح كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين

00:00
00:00
تحميل
27

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

يقول الإمام ابن القيم في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين" قيل:

متن:     

إذا لَمْ تَسْتَطِعْ شيئًا فَدَعْه

 

وجاوزه إلى ما تستطيع

 

فمن لم يكن له ذوق من قرب المحبة، ومعرفة بقرب المحبوب.

شرح: يعني محبة الله المحبة في الله، وله قرب يعني التقرب إلى الله -تعالى- بالطاعة.

متن: فمن لم يكن له ذوق من قرب المحبة، ومعرفة بقرب المحبوب من محبه غاية القرب وإن كان بينهما غاية المسافة -ولاسيما إذا كانت المحبة من الطرفين، وهي محبة بريئة من العلل والشوائب والأغراض القادحة فيها- فإن المحبَ كثيرًا ما يستولي محبوبه على قلبه وذكره ويفنى عن غيره ويرق قلبه وتتجرد نفسه.

شرح: يفنى عن غيره يعني يتناسى غيره هذا ثناء واصطلاح عند الصوفية وهي غيبة المحب عن سوى محبوبه يسمونها فناء.

متن: فإن المحبَ كثيرًا ما يستولي محبوبه على قلبه وذكره ويفنى عن غيره ويرق قلبه وتتجرد نفسه، فيشاهد محبوبه كالحاضر معه القريب إليه وبينهما من البعد ما بينهما، وفي هذه الحال يكون في قلبه وجوده العِلمي، وفي لسانه وجوده اللفظي، فيستولي هذا الشهود عليه ويغيب به، فيظن أن في عينه وجوده الخارجي.

شرح: هذا الصوفية يحصل لهم هذا، شدة غلبة الحب زعمه حتى يظن أنه اتحد محبوبه وامتزج به، هذا عند الصوفية، عندهم غلو في هذا فيسمون هذا الفناء وهو غيبة المحبوب عن سوى محبوبه وقد يقوى شهود قلب محبوبه حتى يظن أنه اتحد به وامتزج به حتى يظن أنه هو هو ولهذا قال أن المحبوب تعلق بمحبوبه وغلب عليها وصار يتصور أنه هو فصار يتحرك بحركة كالمغناطيس إن قال قال وإن قعد قعد وإن ذهب ذهب، حتي سقط المحبوب في الماء فسقط خلفه في الماء، قال: طيب أنا سقطت ايش جعلك تسقط أنت؟ قال: غبت بك عني فظننت أنك أني، هذا عند الصوفية غالبًا، غلبة الشهود.

إجابة سؤال: هذا يسمونها، التوحيد عند الصوفية ثلاثة أنواع، هذا هو النوع الثاني المتوسط:

  • الغيبة عن مراد السوى.
  • الغيبة عن شهود السوى.
  • الغيبة عن وجود السوى.

الغيبة عن مراد السوى هذا عند أهل الحق يعني بمعنى أنه يُلغي مراد غير الله بمراد الله، إذا أمر الله بشيء وأمر المخلوق بشيء يلغي مراده هذا معناه غيبة عن مراد السوى، تترك مراد ما سوى الله.

وهذا الغيبة عن شهود السوى هذا عند الصوفية يغيب عن شهود ما سواه يتناسب مع سواه من الحيوانات والأدميين وهذا يقول هذا تشوش عليها هذا تناساها، ما أنظر إلا إلى الله، شهد ربنا، أما حيوانات وأدميين وكذا هذا يقول هذا تشوش عليه فأنا أتناساها ولا أنكرها.

ثم تأتي القسم الثاني الغيبة مع وجود سواه هذا الملاحدة والزنادقة الذين ينكرون وجود الله، فيقول يعتقد أنه هو الله ويقول أنه ليس هناك إله إلا هو،  وهذا ما حصل لبعضهم أنهم في الجب كما قلنا، وفي الجب ما سوى الله أعوذ بالله هذا كفر وإلحاد.

متن: فيظن أن في عينه وجوده الخارجي لغلبة حكم القلب والروح، كما قيل:

خيالُك في عيني وذكرك في فمي

 

ومثواك في قلبي فأين تغيب

 

شرح: الخيال هو المعنى وهو في فمه موجودٌ في قلبه، ما يغيب عنه.

متن: هذا ويكون ذلك المحبوب بعينه بينه وبين عدوه من البعد ما بينهما وإن قربت الأبدان

وتلاصقت الديار.

والمقصود أن المثال العلمي غير الحقيقة الخارجية وإن كان مطابقًا لها لكن المثال العلمي محله القلب والحقيقة الخارجية محلها الخارج فمعرفة هذه الأسماء الأربعة وهي: الأول، والآخر، والظاهر، والباطن هي أركان العلم والمعرفة، فحقيقٌ بالعبد أن يبلغ في معرفتها إلى حيث ينتهي به قواه وفهمه.

واعلم أن لك أنت أولًا وآخرًا وباطنًا وظاهرًا ، بل كل شيء فله أول وآخر وظاهر وباطن، حتى الخطوة واللحظة والنفس وأدنى من ذلك وأكبر.

فأوَّلية الله عز وجل سابقة على أوَّلية كل ما سواه، وآخِريته ثابتة بعد آخِرية كل ما سواه فأوَّليته سبقه لكل شيء، وآخِريته بقاؤه بعد كل شيء، وظاهريته سبحانه فوقيته وعلوه على كل شيء، ومعنى الظهور يقتضي العلو، وظاهر الشيء هو ما علا منه وأحاط بباطنه. وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه وهذا قربٌ غير قربِ المحب من حبيبه.

شرح: هذا شرط من أسماء اسم الله، الأول والآخر والظاهر والباطن، الأول الله فسَّرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، قال: هو الأول والآخر والظاهر والباطن هذا أسماء متقابلة اسمان لأوَّليَّته وآخِريته وأزليته واسمان لظهوره وإحاطته، قد فسَّرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح يقول: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر».

هذا معنى اسم الأول الذي ليس قبله شيء والآخِر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء، لا يحتاج أحدٌ من خلقه.

متن: وبطونه سبحانه إحاطته بكُل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه وهذا قربٌ غير قربِ المحب من حبيبه، هذا لون وهذا لون.

فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، وهي إحاطتان: زمانية ومكانية.

شرح: الزمانية الأول والآخِر والمكانية الظاهر والباطن.

متن: فأحاطت أوَّليته وآخِريته بالقبل والبعد فكل سابق انتهى إلى أوَّليَّته وكل آخر انتهى إلى آخِريته فأحاطت أوَّليَّته وآخِريته بالأوائل والأواخر، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن، فما من ظاهر إلا والله فوقه، وما من باطن إلا والله دونه، وما من أول إلا والله قبله، وما من آخر إلا والله بعده: فالأول قدمه، والآخر دوامه وبقاؤه والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه. فسبق كل شيء بأوَّليَّته، وبقي بعد كل شيء بآخِريته، وعلا على كل شيء بظهوره، ودنا من كل شيء ببطونه، فلا تواري منه سماءٌ سماءً ولا أرض أرضًا، ولا يحجب عنه ظاهر باطنًا بل الباطن له ظاهر، والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسر عنده علانية. فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد، فهو الأول في آخِريته والآخر في أوَّليته والظاهر في بطونه، والباطن في ظهوره، لم يزل أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا.

والتعبد بهذه الأسماء لها رتبتان: الرتبة الأولى أن يَشهد الأولية منه تعالى في كل شيء.

أحد الحاضرين: عندنا تشهد.

الشيخ: أن تشهد أو أن يشهد سهل، المعنى واحد، يشهد أو تشهد أنت أيها المخاطب.

القارئ: وفي نسخ أخرى يقول تشهد.

الشيخ: يجوز هذا وهذا.

 متن: الرتبة الأولى أن يشهد الأولية منه تعالى في كل شيء والآخِرية بعد كل شيء والعلو والفوقية فوق كل شيء والقرب والدنو دون كل شيء فالمخلوق يحجبه مثله عما هو دونه فيصير الحاجب بينه وبين المحجوب.

شرح: مثل الشمس، تحجبك عن السماء السقف، المخلوق يحجب شيء أما الخالق لا يحجب شيء عن شيء.

متن: والرب -جل جلاله- ليس دونه شيء أقرب إلى الخلق منه والمرتبة الثانية من التعبد أن يعامل كل اسم بمقتضاه، فيعامل سبقه –تعالى- بأوَّليته لكل شيء وسبقه بفضله وإحسانه الأسباب كلها بما يقتضيه ذلك من إفراده وعدم الالتفات إلى غيره والوثوق بسواه والتوكل على غيره، فمن الذي شفع لك في الأزل حيث لم تكن شيئًا مذكورًا حين سماك باسم الإسلام، ووسمك بسمة الإيمان، وجعلك من أهل قبضة اليمين، وأقطعك في ذلك الغيبِ عمالات المؤمنين، فعصمك عن العبادة للعبيد، وأعتقك من التزام الرق لمن له شكل ونديد، ثم وجه وِجهة قلبك إليه تبارك وتعالى دون ما سواه.

فاضرع إلى الذي عصمك من السجود للصنم، وقضى لك بقدم الصدق في القدم، أن يتم عليك نعمة هو ابتدأها وكانت أوَّليتها منه بلا سبب منك، واسمُ بهمتك عن ملاحظة الأغيار.

الشرح: الأغيار يعني ما سوى الله.

واسمُ بهمتك عن ملاحظة الأغيار ولا تركن إلى الرسوم والآثار، ولا تقنع بالخسيس الدون، وعليك بالمطالب العالية والمراتب السامية التي لا تنال إلا بطاعة الله، فإن الله -عز وجل- قضى أن لا يُنال ما عنده إلا بطاعته، ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد، فمن أقبل إليه تلقاه من بعيد ومن تصرف بحوله وقوته ألان له الحديد، ومن ترك لأجله أعطاه فوق المزيد، ومن أراد مراده الديني أراد ما يريد، ثم اسمُ بسرك إلى المطلب الأعلى، واقصر حبك وتقربك على من سبق فضله وإحسانه إليك كل سبب منك، بل هو الذي جاد عليك بالأسباب، وهيأها لك وصرف عنك موانعها وأوصلك بها إلى غايتك المحمودة.

فتوكل عليه وحده وعامله وحده، وآثر مرضاته وحده، واجعل حبه ومرضاته هو كعبة قلبك التي لا تزال طائفًا بها، مستلمًا لأركانها، واقفًا بملتزمها.

فيا فوزك ويا سعادتك إن اطلع سبحانه على ذلك من قلبك، ما لا يُفيض عليك من ملابس نعمه وخِلع أفضاله.

"اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجَد.

شرح: الجَد يعني الحظ، لا ينفع صاحب الحظ حظه من الغنى والمال والجاه والسلطان، ما ينفع الإنسان ولا يُقرِّبه إلى الله إلا إذا استعمل في طاعة الله.

متن: "ولا ينفع ذا الجِد منك الجَد سبحانك وبحمدك".

ثم تعبد له باسمه الآخر بأن تجعله وحده غايتك التي لا غاية لك سواه.

شرح: قف على: ثم تعبد له باسمه الآخر، كلام عظيم كلام ابن قيم-رحمه الله- استرسل وتستحضر حلاوته، وفق الله الجميع.

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد