بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين":
متن: قوله (أي قول أبي اسماعيل الهروي): والدرجة الثالثة صحة الاضطرار والوقوع في يد التقطع الوحداني والاحتباس في قيد التجريد وهذا فقر الصوفية.
الشيخ: وهذا كلام ابن القيم؟ انتهى المتن؟ وبدأ الشرح الآن
القارئ: نعم.
الشيخ: عندك إيش؟
القارئ: الوحدانية.
الشيخ: محتمل أن يأتيك الكلام عليها الوحدانية، التوحد أو الوجداني ما يجده في نفسه.
متن: هذه الدرجة فوق الدرجتين السابقتين عند أرباب السلوك، وهي الغاية التي شمروا إليها وحاموا حولها فإن الفقر الأول فقر عن الأغراض الدنيوية، والفقر الثاني فقر عن رؤية المقامات والأحوال، وهذا الفقر الثالث فقر عن ملاحظة الموجود الساتر للعبد.
شرح: يوجد ثلاثة أنواع من الفقر عند الصوفية: الفقر الأول أيش؟ فقر عن الأغراض الدنيوية يعني يعني عن أمور الدنيا يعني يتجرد منها، ويكون فقيرًا عن أمور الدنيا، هذا الفقر الأول.
متن: والفقر الثاني فقر عن رؤية المقامات والأحوال.
شرح: عن رؤية المقامات والأحوال الدنيوية فلا يراه إلا الله.
متن: وهذا الفقر الثالث فقر عن ملاحظة الموجود الساتر للعبد عن مشاهدة الوجود، فيبقى الوجود الحادث في قبضة الحق -عز وجل- كالهباء المنثور في الهواء، يتقلب بتقليبه إياه، ويصير في شاهد العبد كما هو في الخارج، فيمحو رؤية التوحيد عن العبد شواهد استبداده واستقلاله بأمر من الأمور، ولو في النفس واللمحة والطرفة والهمة والخاطر والوسوسة، إلا بإرادة المريد الحق سبحانه وتدبيره وتقديره ومشيئته، فيبقى العبد كالكرة الملقاة بين صولجانات القضاء والقدر، تقلبها كيف شاءت بصحة شهادة قيومية من له الخلق والأمر وتفرده بذلك دون ما سواه، وهذا أمر لا يُدرك بمجرد العلم، ولا يعرفه إلا من تحقق به أو لاح له منه بارق، وربما ذهل صاحب هذا المشهد عن الشعور بوجوده لغلبة شهود وجود القيوم عليه، فهناك يصح من مثل هذا العبد الاضطرار إلى الحي القيوم، ويشهد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فقرًا تامًا إليه من جهة كونه ربًا ومن جهة كونه إلهًا معبودًا لا غنى له عنه كما لا وجود له بغيره.
فهذا هو الفقر الأعلى الذي دارت عليه رحى القوم، بل هو قطب تلك الرحى، وإنما يصح له هذا بمعرفتين لابد منهما: معرفة حقيقة الربوبية والإلهية، ومعرفة حقيقة النفس والعبودية، فهناك تتم له معرفة هذا الفقر، فإن أعطى هاتين المعرفتين حقهما من العبودية اتصف بهذا الفقر حالًا، فما أغناه حينئذٍ من فقير، وما أعزه من ذليل، وما أقواه من ضعيف، وما آنسه من وحيد.
وهو الغني بلا مال القوي بلا سلطان، العزيز بلا عشيرة، الكفي بلا عتاد.
قد قرت عينه بالله فقرت به كل عين، واستغنى بالله فافتقر إليه الأغنياء والملوك.
ولا يتم له ذلك إلا بالبراءة من فرث الجبر ودمه فإنه إن طرق باب الجبر انحل عنه نظام العبودية، وخلع ربقة الإسلام من عنقه وشهد أفعاله كلها طاعات للحكم القدري الكوني وأنشد:
أصبحت منفعلًا لما يختاره |
|
مني، ففعلي كله طاعات |
وإذا قيل له: اتق الله ولا تعصهِ، يقول: إن كنت عاصيًا لأمره فأنا مطيع لحكمه وإرادته! فهذا منسلخ من الشرائع، بريء من دعوة الرسل، شقيق لعدو الله إبليس بل وظيفة الفقر في هذا الموضع وفي هذه الضرورة ولا يتم له ذلك إلا بالبراءة من فرث الجبر ودمه.
شرح: يرد على أنه مجبور، وأنه لا حركة له، وأنه لا اختيار له، هذا باطل، الإنسان له اختيار، يصلي ويصوم ويجلس ويذهب ويقعد (7.07) يقول: لا، هو مجبور، يقول لا يتم لهذا حتي يتبرأ من مذهب الجبرية.
متن: ولا يتم له ذلك إلا بالبراءة من فرث الجبر ودمه فإنه إن طرق باب الجبر انحل عن نظام العبودية، وخلع ربقة الإسلام من عنقه وشهد أفعاله كُلها طاعات للحكم القدري الكوني وأنشد:
أصبحت منفعلًا لما يختاره |
|
مني، ففعلي كله طاعات |
شرح: هذا هو الجبرية، الجبرية يقول أنا عصيت أمره الشرعي الديني فقد وافقت أمره الكوني وأصبحت منفعلا لما يختاره مني ففعلي كله طاعات، ينكرون القدر وينكرون الشر حتى الزنا والسرقة يسرقون ويقولون هذا طاعة، أنا موافقًا للقدر، وهذا معناه إبطال للرسول والشرائع هذا متنفعش في الجبرية، هذا مذهب للنفاق أقرب من الحق والصواب من مذهب الجبرية، مذهب الجبرية إفساد وإبطال للشرائع، فكله عبث، يمشي على القدر بزعمه.
متن: وإذا قيل له: اتق الله ولا تعصهِ، يقول: إن كنت عاصيًا لأمره فأنا مطيع لحكمه وإرادته!
فهذا منسلخ من الشرائع، بريء من دعوة الرسل، شقيق لعدو الله إبليس بل وظيفة الفقر في هذا الموضع وفي هذه الضرورة مشاهدة الأمر والشرع، ورؤية قيامه بالأفعال.
شرح: هذا الذي ينبغي، الرأي الرأي الأول والشرع والإيمان بالقدر، القدر من شئون الله، أما يكون هذا قدر يمشي مع قدر ويسبق في الشرع هذا من أبطل الباطل، لأنه مخلوق لعبادة الله، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، والعبادة فعل الأوامر وترك النواهي.
متن: ورؤية قيامه بالأفعال وصدورها منه كسبًا واختيارًا، وتعلق الأمر والنهي بها طلبًا وتركًا، وترتب الذم والمدح عليها شرعًا وعقلًا، وتعلق الثواب والعقاب بها آجلًا وعاجلًا.
فمتى اجتمع له هذا الشهود الصحيح إلى شهود الاضطرار في حركاته وسكناته، والفاقة التامة إلى مقلب القلوب ومن بيده أزمة الاختيار ومن إذا شاء شيئًا وجب وجوده وإذا لم يشأ امتنع وجوده، وأنه لا هادي لمن أضله ولا مضل لمن هداه وأنه هو الذي يحرك القلوب بالإرادات والجوارح بالأعمال وأنها مدبرة تحت تسخيره مذللة تحت قهره، وأنها أعجز وأضعف من أن تتحرك بدون مشيئته، وأن مشيئته نافذة فيها كما هي نافذة في حركات الأفلاك والمياه والأشجار وأنه حرك كلا منها بسبب اقتضى تحريكه، وهو خالق (الـمُسبَب) المقتضى، وخالق السبب خالقٌ للمُسبَب.
شرح: مثل الآن المطر سببٌ في النبات، فالمطر سبب والنبات مُسبَب والمطر مُقتضي والنبات مقتضى وهو خالق للسبب والمسبب، {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ}، (به) الباء للسببية (12.28) للسبب، فالله تعالى يخلق النبات بالمطر اللي هو السبب فالسبب مقتضي، والـمُسبَب مقتضى، وهو خالق المقتضي والمقتضى، خالق السبب والمسبب سبحان الله.
متن: وأنه حرَّك كلا منها بسبب اقتضى تحريكه، وهو خالق المسبَب المقتضى، وخالق السبب خالق للمسبب فخالق الإرادة الحادثة التي هي سبب الحركة والفعل الاختياري خالق لهما، وحدوث الإرادة بلا خالق محدث محال، وحدوثها بالعبد بلا إرادة منه محال، وإن كان بإرادة فإرادته للإرادة كذلك ويستحيل بها التسلسل، فلابد من فاعل أوجد تلك الإرادة التي هي سبب الفعل، وهنا يتحقق الفقر والفاقة والضرورة التامة إلى مالك الإرادات ورب القلوب ومصرفها كيف شاء، فما شاء أن يزيغه منها أزاغه وما شاء أن يقيمه منها أقامه {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أنْتَ الْوَهَّابُ}.
شرح: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الدعاء، فكان يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك» فقالت عائشة: يا رسول الله إنك تكثر من هذا، من قول يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك، فهل تخاف؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «وما يؤمنني يا عائشة وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء». إن شاء يقلب القلب عنها انقلب.
متن: فهذا هو الفقر الصحيح المطابق للعقل والفطرة والشرع، ومن خرج عنه وانحرف إلى أحد الطرفين زاغ قلبه عن الهدى، وعطَّل ملك المليك الحق وانفراده بالتصرف والربوبية عن أوامره وشرعه وثوابه وعقابه.
شرح: إن الله قال إن الإنسان هو الذي يخلق إرادته من دون الله هذا عطَّل التوحيد، وكذلك من قال أن العبد ليس له اختيار وأنه مجبور عطَّل إرادة المخلوق التي خلقها الله به، ومن قال أن العبد يخلق فعل نفسه كالقدرية كذلك هو يخلق إرادته كذلك أيضا عطَّل إرادته الله عز وجل.
متن: فهذا هو الفقر الصحيح المطابق للعقل والفطرة والشرع، ومن خرج عنه وانحرف إلى أحد الطرفين زاغ قلبه عن الهدى، وعطَّل ملك المليك الحق وانفراده بالتصرف والربوبية عن أوامره وشرعه وثوابه وعقابه.
وحكم هذا الفقير المضطر إلى خالقه في كل طرفة عين وكل نَفَس أنه إن حُرك بطاعة أو نعمة شكرها وقال: هذا من فضل الله ومنِّة وجوده فله الحمد. وإن حُرك بمبادئ معصيته صرخ ولجأ واستغاث وقال: أعوذ بك منك، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرِّف قلبي على طاعتك.
فإن تم تحريكه بالمعصية التجأ التجاء أسيِر قد أسره عدوه وهو يعلم أنه لا خلاص له من أسره إلا بأن يفتكه سيده من الأسر، ففكاكه في يد سيده ليس في يده منه شيء البتة، ولا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، فهو في أسر العدو ناظر إلى سيده وهو قادر على تخليصه، قد اشتدت ضرورته إليه، وصار اعتماده كله عليه.
قال سهل: إنما يكون الالتجاء، على معرفة قدر الابتلاء.
يعني وعلى قدر معرفة الابتلاء تكون المعرفة بالمبتلي، ومن عرف قوله صلى الله عليه وسلم: «وأعوذ بك منك».
وقام بهذه المعرفة شهودًا وذوقًا، وأعطاها حقها من العبودية، فهو الفقير حقًا.
ومدار الفقر الصحيح على هذه الكلمة، فمن فهم سر الفقر المحمدي، فهو سبحانه الذي ينجي من قضائه بقضائه، وهو الذي يعيذ من نفسه بنفسه، وهو الذي يدفع ما منه بما منه، فالأمر كله له، والحكم كله له، والخلق كله له، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وما شاء لم يستطع أن يصرفه إلا مشيئته، وما لم يشأ لم يمكن أن يجلبه إلا مشيئته، فلا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو، ولا يهدي لأحسن الأعمال والأخلاق إلا هو، ولا يصرف سيئها إلا هو {وَإنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ وَإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ}.
والتحقق بمعرفة هذا يوجب صحة الاضطرار وكمال الفقر والفاقة، ويحول بين العبد وبين رؤية أعماله وأحواله والاستغناء بها والخروج عن رفقة العبودية إلى دعوى ما ليس له.
وكيف يدَّعي مع الله حولًا أو ملكةً أو مقامًا من قلبه وإرادتهُ وحركاته الظاهرة والباطنة بيد ربه ومليكه لا يملك هو منها شيئًا وإنما هي بيد مقلب القلوب ومصرفها كيف يشاء فالإيمان بهذا والتحقق به نظام التوحيد، فمتى انحل من القلب انحل نظام التوحيد، فسبحان من لا يوصل إليه إلا به، ولا يطاع إلا بمشيئته، ولا يُنال ما عنده من كرامته إلا بطاعته ولا سبيل إلى طاعته إلا بتوفيقه ومعونته فعاد الأمر كله إليه كما ابتدأ الأمر كله منه، فهو الأول والآخر {وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ}.
ومن وصل إلى هذا الحال وقع في يد التقطع والتجريد، وأشرف على مقام التوحيد الخاصِّي فإن التوحيد نوعان: عامي وخاصي، كما أن الصلاة نوعان، والذكر نوعان، وسائر القرب كذلك خاصية وعامية، فالخاصية ما بذل فيها العامل نصحه وقصده بحيث يوقعها على أحسن الوجوه وأكملها، والعامية ما لم يكن كذلك.
فالمسلمون كلهم مشتركون في إتيانهم بشهادة أن لا إله إلا الله وتفاوتهم في معرفتهم بمضمون هذه الشهادة وقيامها بحقها باطنًا وظاهرًا أمر لا يُحصيه إلا الله عز وجل.
وقد ظن كثير من الصوفية أن التوحيد الخاص أن يشهد العبد المحرِك له ويغيب عن المتحرِك وعن الحركة.
شرح: يعني يغيب بالمعبود عن العبادة، فيكتفي بالنظر إلى ربه ويترك العبادة نسأل الله العافية، مثل: يغيب بالله عن عبادته، يغيب بذكره عن مذكوره، وبمعبوده عن عبادته، هذا خطأ، من الواجب على المسلم أن يأتي بحق الله وعبادته، لا يلهيه الغيبوبة بالله ويترك العبادة كما عند الصوفية.
متن: فيغيب بشاهده عن حركته، فيشهد نفسه شبحًا فانيًا تجري على تصاريف المشيئة، كمن غرق في البحر فأمواجه ترفعه طورًا وتخفضه طورًا، فهو غائب بها عن ملاحظة حركته في نفسه، بل قد اندرجت حركته في ضمن حركة الموج فكأنه لا حركة له بالحقيقة.
شرح: هذا أكيد يمثل الصوفية ومثل هذه يقال الأمواج ترفعه أو تخفضه، ما يدري عن نفسه، وكذلك الإنسان يترك العبادة، يعني الله هو الذي يحركه وأما العبادة ما لها حركة، وأنه اختيار.
متن: وهذا وإن ظنَّه كثير من القوم غاية.
شرح: من القوم الصوفية يعني.
متن: وظنه بعضهم لازمًا من لوازم التوحيد فالصواب أن ورائه ما هو أجل منه، وغاية هذا الفناء في توحيد الربوبية، وهو أن لا يشهد ربًا وخالقًا ومدبرًا إلا الله، وهذا حق، ولكن توحيد الربوبية وحده لا يكفي في النجاة فضلًا عن أن يكون شهوده والفناء فيه هو غاية الموحدين ونهاية مطلبهم، بل الغاية التي لا غاية وراءها ولا نهاية بعدها الفناء في توحيد الإلهية وهو أن يفنى بمحبة ربه عن محبة كل ما سواه، وبتألهه عن تأله ما سواه، وبالشوق إليه وإلى لقائه عن الشوق إلى ما سواه، وبالذل له والفقر إليه من جهة كونه معبوده وإلهه ومحبوبه عن الذل والفقر إلى كل ما سواه، وكذلك يفنى بخوفه ورجائه عن خوف ما سواه ورجائه، فيرى أنه ليس في الوجود ما يصلح له ذلك إلا الله، ثم يتصف بذلك حالًا وينصبغ به قلبه صبغة ثم يفنى بذلك عما سواه، فهذا هو التوحيد الخاص الذي شمَّر إليه العارفون، والورد الصافي الذي حام حوله المحبون.
ومتى وصل إليه العبد صار في يد التقطع والتجريد، واشتمل بلباس الفقر الحقيقي، ومزق حب الله من قلبه كل محبة، وخوفه كل مخافٍة، ورجاؤه كل رجاء، فصار حبه وخوفه ورجاؤه وذله وإيثاره وإرادته ومعاملته كل ذلك واحد لواحد، فلم ينقسم طلبه ولا مطلوبه.
فتعدد المطلوب وانقسامه قادح في التوحيد والإخلاص، وانقسام الطلب قادح في الصدق والإرادة، فلابد من توحيد الطلب والإرادة وتوحيد المطلوب المراد.
شرح: المعنى أن الإنسان يلغي مراد الغير لمراد الله، فإذا جاء أمر الله ورسوله وجاء أمر ينافيه ألغيه، يُلغي مراده وهذا هو التوحيد المراد، وهذا هو التوحيد هذا هو الفناء الصحيح إن كان هناك فناء، هذا الفناء يفنى عن مراد الله، يفنى عن مراد غير الله بمراد الله، بمعني أنه إذا أمره الله ورسوله بأمر وعارضه أمر يترك هذا الأمر، ويُقدِّم أمر الله عز وجل، وهذا هو معني: اللهم إني اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، يعني يستعيذ بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة فعل العقوبة، ثم يستعيذ بالله من الله، فلا يستعيذ من أحد غيره، ولا يستعيذ من أحد غيره، فهو المستعاذ به وهو المستعاذ منه، له كل شيء بيده سبحانه وتعالى ولهذا قال النبي: «اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».