شعار الموقع

12- شرح كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين

00:00
00:00
تحميل
25

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين":

متن: [فصلٌ]

وأما الغنى العالي فقال شيخ الإسلام (يعني الهروي) هو على ثلاث درجات:

الدرجة الأولى غنى القلب، وهو سلامته من السبب، ومسالمته للحكم، وخلاصه من الخصومة.

شرح: سنفسر ذلك، نعم.

متن: والدرجة الثانية غنى النفس، وهو استقامتها على المرغوب، وسلامتها من المسخوط ، وبراءتها من المراءاة.

والدرجة الثالثة الغنى بالحق وهو ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى شهود ذكره إياك،

والثانية دوام مطالعة أوَّليته،

والثالثة الفوز بوجوده.

قلت: ثبت عن النبي r أنه قال: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» ومتى استغنت النفس استغنى القلب ولكن الشيخ قسم الغنى إلى هذه الدرجات بحسب متعلقه فقال: "غنى القلب سلامته من السبب، ومسالمته للحكم، وسلامته من الخصومة ومعلوم أن هذا شرطٌ في الغنى، لا أنه نفس الغنى، بل وجود المنازعة والمخاصمة وعدم المسالمة مانعٌ من الغنى. فهذه السلامة والمسالمة دليل على غنى القلب، لا أن غناه بها نفسها، وإنما غنى القلب بالدرجة الثالثة فقط كما سيأتي بيانه.

فإن الغني إنما يصير غنيًا بحصول ما يسد فاقته ويدفع حاجته. وفي القلب فاقة عظيمة وضرورة تامة وحاجة شديدة لا يسدها إلا فوزه بحصول الغني الحميد الذي إن حصل للعبد حصل له كل شيء، وإن فاته كل شيء، فكما أنه سبحانه الغني على الحقيقة ولا غني سواه فالغني به هو الغني في الحقيقة.

شرح: الغنى بالله هو الغني على الحقيقة، كما أنه سبحانه وتعالى هو الغني على الحقيقة وله الغنى الكامل، فالغنى به سبحانه وتعالى هو الغنى، «مَنِ اسْتَغْنَى بالله أَغْنَاهُ اللَّهُ».      

متن: ولا غنى بغيره البتة، فمن لم يستغن به عما سواه تقطعت نفسه على السِوى حسرات، ومن استغنى به زالت عنه كل حسرة وحضره كل سرور وفرح، والله المستعان.

شرح: من استغنى بسواه تقطعت نفسه على السوى، والسواء جميع المخلوقات، جميع المخلوقات تسمى سوى، ولذلك الصوفية يُقسِّمون الخلائق يقولون: فناء عن مراد السوى وفناء عن شهود السوى، وفناء عن وجود السوى، يعني ما سوى الله.

متن: وإنما قدَّم شيخ الإسلام الكلام على غنى القلب على الكلام على غنى النفس لأن كمال صلاح النفس وغناها بالاستقامة من جميع الوجوه، وبلوغها إلى درجة الطمأنينة لا يكون إلا بعد صلاح القلب، وإصلاح النفس متقدم على إصلاح القلب هكذا قيل، وفيه ما فيه، لأن صلاح كل واحد منهما مقارن لصلاح الآخر.

شرح: إصلاح النفس مقارن لإصلاح القلب، إذا صلح القلب صلحت النفس، وإذا لم تصلح النفس لم يصلح القلب، نعم.  

متن: ولكن لما كان القلب هو الملك وكان صلاحه صلاح جميع رعيته كان أولى بالتقديم، وقد قال النبي r: «إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لها سائر الْجَسَدُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لها سائر الْجَسَدُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».

والقلب إذا استغنى بما فاض عليه من مواهب ربه وعطاياه السنية.

شرح: السنية يعني الشريفة.

متن: والقلب إذا استغنى بما فاض عليه من مواهب ربه وعطاياه السنية خلع على الأمراء والرعية خِلعًا تناسبها.

شرح: مثل الدرر السنية يعني الشريفة.

متن: خلع على الأمراء والرعية خِلعًا تناسبها.

لأن القلب هو الملك، والأعضاء هي الأمراء.

متن: فخلع على النفس خلع الطمأنينة والسكينة والرضا والإخبات، فأدت الحقوق سماحة لا كظماً بل بانشراح ورضا ومبادرة، وذلك لأنها جانست القلب حينئذ ووافقته في أكثر أموره، واتحد مرادهما غالبًا فصارت له وزير صدق، بعد أن كانت عدوًا مبارزًا بالعداوة.

شرح: يعني النفس تكون وزير صدق للقلب.

متن: فلا تسأل عما أحدثت هذه المؤازرة والموافقة من طمأنينة ولذة عيش ونعيم هو دقيقة من نعيم أهل الجنة، هذا ولم تضع الحرب أوزارها فيما بينهما.

شرح: لأن يعني الطمأنينة نعيم القلب ونعيم النفس والروح هذا لذة عظيمة تحصل للمتقين، والعُبَّاد، ولهذا قال بعض العارفين: إنه ليأتي على النفس وقتٌ تحصل لها اللذة والنعيم حتى إنه يقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيشٍ طيب، إن كان عندهم طمأنينة أو لذة مثل ما عندنا، لذة وسرور ونعيم، يشعر بها المؤمنون، حتى ولو كان أجسامهم تُقطَّع أو تُحرَّق يجدون اللذة، اللذة موجودة، لذة الإيمان، ونعيم القلب، بمحبة الله -تعالى- والأنس به والشوق إليه، نعم. 

متن: هذا ولم تضع الحرب أوزارها فيما بينهما.

شرح: بين القلب وبين النفس، النفس أمَّارة بالسوء أصلًا، نعم.

متن: بل عدتها وسلاحها كامن متوارٍ، لولا قوة سلطان القلب وقهره لحاربت بكل سلاح، فالمرابطة على ثغري الظاهر والباطن فرض متعين مدة أنفاس الحياة.

وتنقضي الحرب محمودٌ عواقبها

 

للصابرين، وحظ الهارب الندم

 

وخلع على الجوارح خلع الخشوع والوقار، وعلى الوجه خُلعة المهابة والنور والبهاء، وعلى اللسان خُلعة الصدق والقول السديد الثابت والحكمة النافعة، وعلى العين خُلعة الاعتبار في النظر والغض عن المحارم، وعلى الأذن خُلعة استماع النصيحة واستماع القول النافع استماعه للعبد في معاشه ومعاده. وعلى اليدين والرجلين خُلعة البطش في الطاعات أين كانت بقوة وأيد.

شرح: كما قال سبحانه وتعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} يعني بقوة.

متن: وعلى اليدين والرجلين خلعة البطش في الطاعات أين كانت بقوة وأيد، وعلى الفرج خُلعة العفة والحفظ، فغدا العبد وراح يرفل في هذه الخُلع ويجر لها في الناس أذيالًا وأردانا. فغنى النفس مشتق من غنى القلب وفرع عليه، فإذا استغنى سرى الغنى منه إلى النفس. وغنى القلب بما يناسبه من تحققه بالعبودية المحضة التي هي أعظم خُلعة تُخلع عليه، فيستغني حينئذ بما توجبه هذه العبودية له من المعرفة الخاصة والمحبة الناصحة الخالصة، وبما يحصل له من آثار الصفات المقدسة وتقتضيه من الأحكام والعبوديات المتعلقة بكل صفة على الانفراد ومجموعها قائمة بالذات، وهذا أمرٌ تضيق عن شرحه عدة أسفار.

شرح: عدة أسفار يعني لو كتب فيه كتب أسفار يعني كتب، لو كتب فيه مجلدات لضاقت عنه.

متن: بل حظ العبد منه عِلمًا وإرادة كما يُدخل إصبعه في اليم.

شرح: في البحر يعني ، فلينظر بما يرجع.

متن: بل الأمر أعظم من ذلك. والله عز وجل {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}.

فإذا استغنى القلب بهذا الغنى الذي هو غاية فقره استغنت النفس غنى يناسبها، وذهبت عنها البرودة التي توجب ثقلها وكسلها وإخلادها إلى الأرض، وصارت لها حرارة توجِب حركتها وخفتها في الأوامر وطلبها الرفيق الأعلى، وصارت برودتها في شهواتها وحظوظها ورعوناتها وذهبت أيضًا عنها اليبوسة المضادة للينها وسرعة انفعالها وقبولها فإنها إذا كانت يابسة قاسية كانت بطيئة الانفعال بعيدة القبول لا تكاد تنقاد، فإذا صارت برودتها حرارة ويبوستها رطوبة وسُقيت بماء الحياة الذي أنزله الله عز وجل على قلوب  أنبيائه وجعلها قرارًا ومعينًا له فاض منها على قلوب أتباعهم فأنبتت من كل زوج كريم، فحينئذ انقادت بزمام المحبة إلى مولاها الحق مؤدية لحقوقه قائمة بأوامره راضية عنه مرضية له بكمال طمأنينتها {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}  فلنرجع إلى كلامه.

فقوله في الدرجة الأولى.

شرح: نقف عند كلامه هنا رحمه الله غفر الله له ووفق الله الجميع.

 

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد