شعار الموقع

13- شرح كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين

00:00
00:00
تحميل
13

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين":

متن: فقوله في الدرجة الأولى وهي غنى القلب.

القارئ: هذا تقسيم الغنى العالي.

شرح: لما قسم الغناء قسمه إلى أيش؟

القارئ: إلى ثلاثة أقسام وهي:

  • غنى القلب.
  • غنى النفس.
  • الغني بالحق.

متن: فقوله في الدرجة الأولى وهي غنى القلب: "إنه سلامته من السبب" أي من الفقر إلى السبب وشهوده والاعتماد عليه والركون إليه والثقة به، فمن كان معتمدًا على سبب غنيًا به واثقًا به لم يطلق عليه اسم الغنى، لأنه فقير إلى الوسائط، بل لا يسمى صاحبه غنيًا إلا إذا سلم من علة السبب استغناءً بالمسبب، بعد الوقوف على رحمته وحكمته وتصرفه وحسن تدبيره، فلذلك يصير صاحبه غنيًا بتدبير الله -عز وجل-.
فمن كملت له السلامة من علة الأسباب، ومن علة المنازعة للحكم بالاستسلام له والمسالمة –أي بالانقياد لحكمه –.

شرح: الحكم الحق المبين، الله تعالى هو الحكم، نعم.

متن: فمن كملت له السلامة من علة الأسباب، ومن علة المنازعة للحكم بالاستسلام له والمسالمة – أي بالانقياد لحكمه – الذي حصل الغنى للقلب بوقوفه على حسن تدبيره ورحمته وحكمته، فإذا وقف العبد على حسن تدبيره واستغنى القلب به لم يتم له الاستغناءُ بمجرد هذا الوقوف، إن لم ينضم إليه المسالمة للحكم وهو الانقياد له.

شرح: سلم من علة الأسباب، الأسباب لابد من فعلها، لأن الله تعالى أمر بفعل الأسباب، ولو نسينا فعل الأسباب هذا فيه نظر، لكن إذا ركن إلى الأسباب واعتمد عليها هذا هو الغلو كما يفعل المعتزلة وكما يفعل الطبيعيون، الذين يقولون الولد يحصل بالتفاعل بين الماء، من ركن إلى الأسباب واعتمد عليها هذا هو الغلو، أما من فعلها على أنها أسباب هذا مأمورٌ به. 

متن: لم يتم له الاستغناءُ بمجرد هذا الوقوف، إن لم ينضم إليه المسالمة للحكم وهو الانقياد له، فإن المنازعة للحكم إلى حكم آخر دليل على وجود رعونة الاختيار، وذلك دال على فقر صاحب الاختيار إلى ذلك الشيء  المختار، ومن كان فقيرًا إلى شيءٍ لم يرده الله عز وجل لم يطلق عليه اسم الغنى بتدبير الله عز وجل، فلا يتم الغنى بتدبير الرب عز وجل لعبده إلا بالمسالمة لحكمه بعد الوقوف على حسن تدبيره.

شرح: يعني المسالمة هذه هي الاستسلام، الاستسلام والانقياد لله سبحانه وتعالى ولحكمه ولشرعه ولدينه، نعم.

متن: ثم يبقى عليه الخلاص من معنى آخر وهو مخاصمة الخلق بعد الخلاص من منازعة الرب، فإن مخاصمة الخلق دليل على فقره إلى الأمر الذي وقعت فيه الخصومة من الحظوظ العاجلة، ومن كان فقيرًا إلى حظ من الحظوظ –يسخط لفوته ويخاصم الخلق عليه- لا يطلق عليه اسم الغنى حتى يسلم الخلق من خصومته بكمال تفويضه إلى وليِّه وقيومه ومتولي تدبيره. فمتى سَلِم العبد من علة فقره إلى السبب، ومن علة منازعته لأحكام الله عز وجل ومن علة مخاصمته للخلق على حظوظه، استحق أن يكون غنيًا بتدبير مولاه.

شرح: كما سيأتي

متن: فمتى سلم العبد من علة فقره إلى السبب.

شرح: يعني لا يكون أيش؟ لا يكون محتاج إلى السبب، فيركن اليها، يُحمَل عليه فيركن إليه، وإلا ففعل الأسباب مطلوب، الأسباب المشروعة التي أمر الله، كذلك الأسباب المباحة من أمور الدنيا، من الأسباب أن الإنسان يحرث الأرض ويبذرها ويزرعها، ويزيل المعوقات، هذا من الأسباب في حصول الحبوب والثمار، هذه الأسباب للحرث لابد من حرث الأرض وبذرها وسقيها، هذه من الأسباب، الأسباب لابد من فعلها، نعم

وكذلك الآخرة لابد لها من أسباب، الدنيا لابد لها سبب دخول الجنة التوحيد والإيمان والعمل الصالح، والنار سبب دخولها الكفر والمعاصي، الأسباب لابد منها، وترابط الأسباب والمسببات في الدنيا والآخرة، نعم.

متن: فمتى سلم العبد من علة فقره إلى السبب، ومن علة منازعته لأحكام الله عز وجل ومن علة مخاصمته للخلق على حظوظه، استحق أن يكون غنيًا بتدبير مولاه مفوضًا إليه لا يفتقر قلبه إلى غيره ولا يسخط شيئًا من أحكامه ولا يخاصم عباده إلا في حقوق ربه فتكون مخاصمته لله وبالله، ومحاكمته إلى الله، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في استفتاح صلاة الليل: {اللهم لك أسلمتُ وبك آمنتُ، وعليك توكلتُ، وإليك أنبت، وبك خاصمتُ وإليك حاكمتُ} فتكون مخاصمة هذا العبد لله لا لهواه وحظه ومحاكمته خصمه إلى أمر الله وشرعه لا إلى شيء سواه، فمن خاصم لنفسه فهو ممن اتبع هواه وانتصر لنفسه، وقد قالت عائشة: ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط، وهذا لتكميل عبوديته. ومن حاكم خصمه إلى غير الله ورسوله فقد حاكم إلى الطاغوت، وقد أُمِر أن يكفُر به، ولا يكفُر العبد بالطاغوت حتى يجعل الحكم لله وحده كما هو كذلك في نفس الأمر.

والحكم حكمان:

  • حكم كوني قدري.
  • وحكم أمري ديني.

شرح: وهناك نوعٌ ثالث وهو حكمٌ جزائي يوم القيامة، فهم ثلاثة: حكمٌ قدري وهو ما يُقدِّره الله على العبد من مرضٍ وصحةٍ وموتٍ وغنى وفقر، هذا حكمٌ قدري، هذا حكم الله على العباد لابد أن (09:11)

وحكمٌ ديني أمري شرعي، وهو ما أحكم الله به بين عباده، بما أنزله من الكتب المنزلة، الكتاب والسنة يجب تنفيذ أحكامهما والحكم بهما، هذا حكمٌ شرعي.

وهنا حكمٌ جزائي وهو أن الله تعالى يفصل بين العباد يوم القيامة يحكم بينهم ويحاسبهم سبحانه وتعالى ويحاضر كل واحد محاضرة، ويحاسب الله تعالى الخلائق قال:

{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ  فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ  فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا}

ثلاثة أنواع من الحكم:

  • حكمٌ ديني شرعي.
  • وحكمٌ قدري.
  • وحكمٌ جزائي، نعم.

 

متن: والحكم حكمان:

  • حكم كوني قدري.
  • وحكم أمري ديني.

الشرح: أي هذا في الدنيا، في الآخرة الحكم الجزائي، نعم.

متن: فهذا الذي ذكره الشيخ في منازل السائرين وشرحه عليه الشارحون إنما مراده به الحكم الكوني القدري، وحينئذ فلابد من تفصيل ما أجملوه من مسالمة الحكم والاستسلام له.

شرح: مسالمة الحكم يعني الله تعال.

متن: وحينئذ فلابد من تفصيل ما أجملوه من مسالمة الحكم.

القارئ: يقول عنده مسألة، مسألة الحكم.

الشرح: مسألة الحكم هي مسألة هي مسالمة، نعم.

متن: وحينئذ فلابد من تفصيل ما أجملوه من مسالمة الحكم والاستسلام له وترك المنازعة له، فإن هذا الإطلاق غير مأمورٍ به ولا ممكن للعبد في نفسه، بل الأحكام ثلاثة: حكم شرعي ديني، فهذا حقه أن يُتلقى بالمسالمة والتسليم.

شرح: الحكم بشريعة الله، بالكتاب والسنة، نعم.

متن: فهذا حقه أن يتلقى بالمسالمة والتسليم وترك المنازعة، بل بالانقياد المحض، وهذا تسليم العبودية المحضة فلا يُعارض بذوق ولا وجد ولا سياسة ولا قياس ولا تقليد.

شرح: يعني لا يُعَارَض حكم الله بذوق أو وجد وما أكثر الصوفية دوافعهم ومواجيدهم، ولا يُعَارَض فيه الهوى ولا يُعَارَض بسياسة كما يفعل السياسيون والملوك الظلمة يعارضون

الشريعة بسياستهم الجائرة، ولا يُعَارَض بالعقل كأهل الكلام الذين يعارضون بعقولهم حكم الله ويقولون العقل دلَّ على كذا، بل يجب التسليم والانقياض لله، فلا يعارض بذوق ومواجيد الصوفية ولا يعارض بعقول أهل الكلام ولا يعارض بسياسات الظلمة الجائرون من الحكام الذين يعارضون الإسلام بسياستهم الجائرة، نعم.

متن: وهذا تسليم العبودية المحضة فلا يُعارض بذوق ولا وجد ولا سياسة ولا قياس ولا تقليد.

شرح: هكذا القباس على القياس ولا تقليد فلان وعلان، نعم.

متن: ولا يرى إلى خلافه سبيلاً البتة، وإنما هو الانقياد المحض والتسليم والإذعان والقبول، فإذا تلقى بهذا التسليم والمسالمة إقرارًا وتصديقًا بقي هناك انقياد آخر وتسليم آخر له إرادة وتنفيذًا وعملًا.

شرح:  يعني يقول إذا سلَّم الإنسان لله إقرارًا وتصديقًا، أقر بقلبه وصدق فلا بد أن ينقاد أيضًا للحكم يعني يحكم بالشريعة بالعمل، هذا اقرارٌ بالقلب إقرار وتصديق بالقلب، ثم إقرار وانقيادٌ بالجوارح، يستسلم لحكم الله ويحكم بحكم الله بما حكم الله به، وبما حكم به رسوله صلى الله عليه وسلم، نعم.

فهما استسلامان :

  • استسلامٌ بالقلب.
  • واستسلامٌ بالجوارح.

 نعم قال تعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أقسم الله تعالى بنفسه وهو الصادق لتأكيد المقام، أنهم لا يؤمنون حتى يُحكِّموا الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع، في خلافهم، ثم لا يكن في أنفسهم حرج من حكم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمرٌ ثالث وهو أن يسلموا، يكون عندهم طمأنينة ثم والرابع وهو نص "تسليمًا" أي تسليمًا كامل، اربع شروط لا يحصل الإيمان إلا بأربع شروط:

  1. تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في النزاع.
  2. ثانيا عدم وجود الحرج من حكمه.
  3. التسليم .
  4. التسليم الكامل.

متن: فلا يكون له شهوة تنازع مراد الله من تنفيذ حكمه، كما لم يكن له شبهة تُعارض إيمانه به وإقراره.

شرح: الشبهة تعرض في الاعتقاد والشهوة تعرض في العمل، لا يكون له شبهة في الاعتقاد، ولا شهوة، إذا كان له شبهة اعتقد، هذا ما دلَّ عليه الحكم، شهوة أن يعمل معاصي، ويترك الطاعات.  

متن: كما لم يكن له شبهة تُعارض إيمانه به وإقراره، وهذا حقيقة القلب السليم الذي سَلِم من شبهة تعارض الحق وشهوة تعارض الأمر.

شرح: وهذا هو القلب السليم.

متن: وهذا حقيقة القلب السليم الذي سَلِم من شبهة تعارض الحق وشهوة تعارض الأمر، فلا استمتع بخلاقه كما استمتع  به الذين يتبعون الشهوات، ولا خاض في الباطل خوض الذين يتبعون الشبهات، بل اندرج خلاقه تحت الأمر، واضمحل خوضه في معرفته بالحق.

شرح: اندرج خلاقه يعني ميله وشهوته تحت الحق، وكذلك أيضًا اعتقاده اندرج تحت الحق، خلاقه تحت الحق، نعم فلا يكون له شبهة ولا شهوة تعارض الحق، نعم.

متن: فاطمأن إلى الله معرفة به ومحبة له وعلمًا بأمره وإرادة لمرضاته، فهذا حق الحكم الديني.

الحكم الثاني: الحكم الكوني القدري الذي للعبد فيه كسب واختيار وإرادة، والذي حُكِم به يسخطه ويبغضه ويُذَمُ عليه.

شرح: يعني مثل المعصية الآن، المعصية هي مُقدَّرة على الإنسان، لا يرضى بالمعصية، وإذا وقعت فهو يسخطها، كما أن الله يبغضها ويسخطها، لكن يرضى بحكم الله، حكم الله وتقديره يرضى به، لكن هذا مخلوقٌ منفصلٌ مقدَّرٌ لا يرضى به، المعصية، كما أن الله لا يرضى به.

فرقٌ بين الرضا بالحكم، وفرقٌ بين الرضا بالمقضي، المقضي المنفصل، المخلوق المنفصل لا يرضى بالمعصية، أما حكم الله فقضاؤه وقدره فهذا يرضى به المسلم، نعم.

متن: فهذا حقه أن يُنازع ويُدافع بكل ممكن ولا يسالم البتة، بل يُنازع بالحكم الكوني أيضًا، فينازع حكم الحق بالحق للحق ويُدافع به وله.

شرح: هذا كما قال الحنبلي الصالح: نازعت أقدار الحق بالحق للحق، نازعت أقدار الحق وهو الله سبحانه وتعالى، بالحق لا بالباطل لأهل الحق، وإذا قُدِّر على الإنسان معصية لا يستسلم للمعصية، ولذلك هذا قدر ينازعه اعتقاد آخر وهو التوبة، يتوب إلى الله عز وجل، نازعت أقدار الحق وهي المعصية للحق لأجل الوصول للحق، فلا يستسلم للمعاصي لذلك عليه أن ينازع، يدفع قدر بقدر، المعصية مُقدَّرة والتوبة مُقدَّرة، نعم. 

متن: الحكم الثاني: الحكم الكوني القدري الذي للعبد فيه كسب واختيار وإرادة، والذي حُكِم به يسخطه ويبغضه ويُذَمُ عليه.

شرح: كالمعصية مثلًا.

متن: فهذا حقه أن ينازع ويدافع بكل ممكن.

شرح: كالمعصية المقدرة على الإنسان، نعم.

متن: ولا يسالم البتة.

شرح: ما يسالم ويقول وقعت في المعصية خلاص ويسكت، لا، تُبْ إلى الله من المعصية، نازع، ادفع قدر بقدر، هذا مُقدَّر وهذا مُقدَّر، كما قال عمر رضي الله عنه لما قيل له يعني رجع بالجيش من الطاعون، أتفر من قدر الله؟ قال: أفر من قدر الله إلى قدر الله، نعم.

متن: فهذا حقه أن ينازع ويدافع بكل ممكن ولا يسالم البتة، بل ينازع بالحكم الكوني أيضًا، فينازع حكم الحق بالحق للحق ويدافع به وله كما قال شيخ العارفين في وقته عبدالقادر الجيلي.

شرح: الجيلي وقد يقال الجيلاني، يقول هذه الكلمة، نازعت أقدار الحق بالحق للحق، وهو من علماء الحنابلة، وله كتاب الغُنية معروف، نعم.

متن: كما قال شيخ العارفين في وقته عبدالقادر الجيلاني: "الناس إذا وصلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا، وأنا انفتحت لي فيه رَوْزَنة فنازعت أقدار الحق بالحق للحق.

شرح: يقول الناس إذا وصلوا إلى قدر مثلًا مثل المعصية أمسكوا وقفوا، أنا فتحت لي رَوْزَنة، فتحة، فنازعت أقدار الحق بالحق للحق، نازعت أقدار الحق من المعصية التي قُدِّرت عليه ينازعها وهي بقدر، نازعت أقدار الحق بالحق لا بالباطل بل بالتوبة، للحق من أجل الوصول للحق والعمل بالشرع، نعم.

متن: فنازعت أقدار الحق بالحق للحق، والعارف من يكون منازعًا للقدر لا واقفًا مع القدر".

شرح: العارف الذي يكون منازعًا للقدر، المعاصي التي قُدِّرَت عليه، لا يقف معها ويستسلم لمعاصيه، نعم.

متن: فإن ضاق ذرعك عن هذا الكلام وفهمه فتأمل قول عمر بن الخطاب – وقد عوتب على فراره من الطاعون فقيل له-: أتفر من قدر الله؟ فقال: نفر من قدر الله إلى قدر الله.

شرح: إذا ما فهمت هذا ارجع إلى الكلمة، لما أقدم على الطاعون عمواس وكان عمر استشار الناس استشار المهاجرين واستشار الأنصار واحدًا واحدًا، فقالوا له بعضهم قال اختلفوا اختلف المهاجرين، قالوا يا أمير المؤمنين: أنت أقدمت على أمر ولا نرى أن ترجع، قال بعضهم أنت أقدمت بالجيش ورؤوس الناس على هذا الوباء نرى أن ترجع، اختلفوا فقال: ارتفعوا عني، ثم نازع الأنصار، ثم اختلفوا، ثم قال: هاتوا لي مشيخة قريش، فاتفقوا كلهم على أنه يرجع، ثم عزم على الرجوع، وكان عبد الرحمن بن عوف متغيبًا، فجاء فقال: يا أمير المؤمنين إنَّ عندي في هذا علمًا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها».

أو كما قال، فحمد الله عمر على أن وُفِّقَ لموافقة الحق، لما جاء الحق خلاص انتهى النزاع، إذا جاء نهر الله بطل نهر المعقل، وجاء عبد الرحمن بن عوف عنده علم الحال خلاص انتهى النزاع، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «وَإِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدٍ وَلَسْت فِيهِ : فَلَا تَقْدَمْ عَلَيْهِ» وعمر رجع، وافق الحق، نعم.

متن: ثم كيف ينكر هذا الكلام من لا بقاء له في هذا العالم إلا به، ولا تتم له مصلحة إلا بموجبه، فإنه إذا جاءه قدر من الجوع والعطش أو البرد نازعه وترك الانقياد له ومسالمته، ودفعه بقدر آخر من الأكل والشرب واللباس، فقد دفع قدر الله بقدره  وهكذا إذا وقع الحريق في داره فهو بقدر الله، فما باله لا يستسلم له ويسالمه ويتلقاه بالإذعان؟ بل ينازعه ويدافعه بالماء والتراب وغيره حتى يطفئ قدر الله بقدر الله وما خرج في ذلك عن قدر الله. وهكذا إذا أصابه مرض بقدر الله دافع هذا القدر ونازعه بقدر آخر يستعمل فيه الأدوية الدافعة للمرض فحق هذا الحكم الكوني أن يحرص العبد على مدافعته ومنازعته بكل ما يمكنه، فإن غلبه وقهره، حرص على دفع آثاره وموجباته بالأسباب التي نصبها الله لذلك، فيكون قد دفع القدر بالقدر ونازع الحكم بالحكم، وبهذا أُمر، بل هذا حقيقة الشرع والقدر.

شرح: نعم يعني يقول الإنسان إذا أصابه جوع وعطش هذا بقدر، لكن هل يستسلم ولا يطلب الطعام والشراب؟! يطلب الطعام والشراب وهذا بقدر أيضًا، كونه يطلب الطعام والشراب هو نازع قدر بقدر، نازع حكم كوني بحكم كوني، حكم الله عليه بأن يجوع ويعطش ثم يدافع بقدرٍ آخر، يأكل ويشرب وهذا حكم كوني آخر، وكذلك الإنسان إذا وقع الحريق -لا قدَّر الله- فإنه لا يستسلم للحريق ولهذا يطلب اسم الله، وقع بقدر حكم كوني، ولكن يدافعه، يدافعه بإطفاء الحريق بالماء يقول والتراب عند ذلك والآن عندنا الإطفاء الآن.

وكذلك الإنسان إذا مَرِضَ، هذا بقدر حكم كوني، يدافع هذا القدر بالعلاج والأدوية، فكذلك إذا وقع في معصية، لا يستسلم هذا حكم كوني ادفع المعصية بالتوبة، «واتبع السيئة الحسنة تمحها»، اتبعها بحسنة أخرى، نعم.

متن: ومن لم يستبصر في هذه المسألة ويعطها حقها لزمه التعطيل للقدر أو الشرع.

شرح: نعم إذا لم نستبصر في هذه المسألة ونعطها حقها، إما نُعطِّل القدر أو الشرع أو نُعطِّل الأمرين، لابد من الإيمان بالقدر والشرع والعمل بالشرع وكذلك أيضا الإيمان بالقدر ومدافعة القدر بقدر، نعم.

متن: ومن لم يستبصر في هذه المسألة ويعطها حقها لزمه التعطيل للقدر أو الشرع شاء أم أبى، فما للعبد ينازع أقدار الرب تعالى بأقداره في حظوظه وأسباب معاشه ومصالحه الدنيوية ولا ينازع أقداره بأقداره في حق مولاه وأوامره ودينه؟

شرح: يعني لماذا الإنسان يفرِّق في حظوظ نفسه وشهواته وأمور الدنيا ينازع، ينازع قدر الله بقدر الله، وفي أمور الدين وفي ما أمر الله به، وفي دينه وفيما يتعلَّق بما أمره الله به من الشرع لا ينازع، إذا وقع في المعصية كما أنك تنازع القدر بقدر في أمور الدنيا وفي حظوظك وشهواتك فنازع أيضًا القدر الذي قُدِّرَ عليك بالمعاصي بالتوبة والحسنات، نعم.

متن: وهل هذا إلا خروج عن العبودية ونقص في العلم بالله وصفاته وأحكامه؟

شرح: يعني هذا خروج عن العبودية فإذا كنت تنازع القدر في امورك الدنيوية وحظوظك وشهواتك ولا تنازع القدر في أمور دينك إذا وقعت في المعاصي.  

متن: وهل هذا إلا خروج عن العبودية ونقص في العلم بالله وصفاته وأحكامه؟ ولو أن عدوًا للإسلام قصده لكان هذا بقدر الله، ويجب على كل مسلم دفع هذا القدر بقدر يحبه الله وهو الجهاد باليد أو المال أو القلب دفعًا لقدر الله بقدره.

شرح: نعم إذا صال عدو على المسلمين فصار يقتلهم، يريق دماءهم، مثل العدو في سوريا الآن، هل يستسلم الناس له أم يقاتلونه؟ يُقَاتَل هذا العدو، ادفع قدر بقدر، قدَّر الله هذا العدو، صال على المسلمين، هذا قدر، ادفع هذا القدر بقدر آخر وهو الجهاد في سبيل الله، جاهد، جاهد هذا العدو بالمال، بالسلاح، حتى يندفع هذا العدو، هذا قدر وهذا قدر.  

متن:  فما للاستسلام والمسالمة هنا مدخل في العبودية.

شرح: نعم ليس الاستسلام للمعاصي والمسالمة مدخل للعبودية، بل يجب على الإنسان أن يتوب من المعاصي ولا يستسلم، نعم، وهذا قدر وهذا قدر، وهذا حكم كوني وهذا حكم كوني، ادفع حكم كوني بحكم كوني، ادفع قدر بقدر ولا تستسلم، نعم.

متن: اللهم إلا إذا بذل العبد جهده في المدافعة والمنازعة وخرج الأمر عن يده، فحينئذٍ يبقى من أهل الحكم الثالث  وهو الحكم القدري الكوني الذي يجري على العبد بغير اختياره ولا طاقة له بدفعه.

شرح: يقول إذا بذل الأسباب وفعل ما في وسعه وعجز يبقى الحكم الثالث وهو أنه حكم الله عليه بأمر لا طاقة له به ولا قدرة عليه فيكون معذور في هذه الحال.

متن: ولا حيلة له في منازعته، فهذا حقه أن يُتلقى بالاستسلام والمسالمة وترك المخاصمة.

شرح: لأنه لم يستطع، لا قدرة له، فعل ما يملك، ما يقدر عليه من أسباب ولم يستطع.

متن: وأن يكون فيه كالميت بين يدي الغاسل، وكمن انكسر به المركب في لجة البحر وعجز عن السباحة وعن سبب يدنيه من النجاة فها هنا يحسن الاستسلام والمسالمة.

شرح: إذًا كما استطاع، إذا ركب السفينة وسقط في البحر ولم يستطع السباحة، ما له حيلة، يستسلم هنا، ما يستطيع.

متن: مع أن عليه في هذا الحكم عبوديات أُخر سوى التسليم والمسالمة، وهي أن يشهد عزة الحاكم في حكمه، وعدله في قضائه، وحكمته في جريانه عليه، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

شرح: هذه عبوديات أخرى، يستسلم عزة الله وقوته وقدرته ويستحضر أن الله تعالى قدَّر هذا لحكم وأسرار وأنه حكيم عليم ومع هذا عبودية أخرى أيش؟

متن: مع أن عليه في هذا الحكم عبوديات أُخر سوى التسليم والمسالمة، وهي أن يشهد عزة الحاكم في حكمه، وعدله في قضائه، وحكمته في جريانه عليه، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وإن الكتاب الأول سبق بذلك قبل برء الخليقة.

شرح: قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء»، هذا الكتاب الأول.

متن:  فقد جف القلم بما يلقاه كل عبد فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط، ويشهد أن القدر ما أصابه إلا لحكمة اقتضاها اسم الحكم جل جلاله.

شرح: يعني لابد أن أشهد هذا: أن الله قدَّر هذا لحكم، ما قدَّرها عبث.

 

متن: ويشهد أن القدر ما أصابه إلا لحكمة اقتضاها اسم الحكم جل جلاله، وصفته الحكمة.

شرح: الحكم من أسماء الله.

متن: وأن القدر قد أصاب مواقعه وحلَّ في المحل الذي ينبغي أن يحلَّ فيه، إذ هو (موجَب) الحكمة البالغة.

شرح: موجَب، موجَب هو الثمرة، والموجِب بالكسرة: المتقضي.

متن:  إذ هو موجَب الحكمة البالغة والعلم المحيط والعزة التامة.

شرح: يعني علم الله وعزته التامة وحكمه هو نتيجة هذا القدر الذي وقع، يعني عزة الله وحكمته وعلمه المحيط سبحانه وتعالى.

متن: إذ هو موجَب الحكمة البالغة والعلم المحيط والعزة التامة، لم يخطو مواقع الحكمة ولم يتعدى منازله التي ينبغي له أن ينزل بها وأن ذلك أوجبه عدل الله وحكمته وعزته وعلمه وملكه العادل، فهو (موجَب) أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فله عليه أكمل حمد وأتمه، كما له الحمد على جميع أفعاله وأوامره، وإن كان حظ العبد من هذا القدر الذم فحق الرب –جل جلاله- منه الحمد والمدح، لأنه موجَب كماله وأسمائه الحسنى وصفاته العلى.

شرح: هذا القدر الذي وقع على الإنسان ذم فحق الله المدح والحمد، إن الله ما قدَّره إلا لحكم وأسرار وموجب أسراره وعلمه.

متن: لأنه موجَب كماله وأسمائه الحسنى وصفاته العلى وموجب نقص العبد وجهله وظلمه وتفريطه فاقتسم الرب والعبد الحظين في هذا القدر، وكان للرب –تعالى- فيه الحمد والنعمة والفضل والثناء الحسن، والعبد حظه الذم واللوم والإساءة واستحقاق العقوبة.

استأثر الله بالمحامد والفــــ

 

ضل وولى الملامة الرجلا

 

ويشفيه في هذا المقام أربع آيات:

أحدُها قوله تعالى: {مَا أصَابكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أصَابكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}.

والثانية قوله: {أوَ لَمَّا أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ إنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}.

والثالثة قوله تعالى: {وَمَا أصَابكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثيرٍ}. والرابعة قوله تعالى: {وَإنَّا إذَا أذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ فَإنَّ الإنْسَانَ كَفُورٌ}.

فمن نزَّل هذه الآيات على هذا الحكم علمًا ومعرفة وقام (بمُوجَبِها) إرادة وعزمًا وتوبةً واستغفارًا فقد أدى (عبوديةً لله) في هذا الحكم، وهذا قدْرٌ زائدٌ على مجرد التسليم والمسالمة، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

[فصل]

قوله في غنى النفس إنه: استقامتها على المرغوب.

شرح: رحمه الله، كلام عظيم، يعني تأمل هذا الكلام في الزاد الإيماني.

وفق الله الجميع وأحسن الله إليك.

 

 

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد