شعار الموقع
شعار الموقع

كتاب التوحيد 14 من باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله إلى باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه

00:00

00:00

تحميل
62

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين قال الشيخ والإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد:

المتن:
 

باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

عن ابن عمر  قال : قال رسول ﷺ لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله" رواه ابن ماجة بسند حسن.

وقال رحمه الله:

باب: قول: ما شاء الله وشئت
عن قتيلة، أن يهوديًّا أتى النبي ﷺ فقال: إنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي ﷺ إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: "ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء ثم شئت" رواه النسائي وصححه.
وله أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً قال للنبي ﷺ: ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندًّا؟ ما شاء الله وحده.
ولابن ماجه عن الطفيل أخي عائشة لأمها قال: رأيت كأني أتيتُ على نفر من اليهود، فقلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله. قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. ثم مررت بنفر من النصارى فقلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي ﷺ فأخبرته. قال: "هل أخبرت بها أحداً؟ " قلت: نعم. قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد؛ فإن طفيلاً رأى رؤيا، أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها. فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده.

الشرح :

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

أما بعد :

قال الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: باب فيما جاء في من لم يقنع بالحلف باب ما جاء من الوعيد فيما لم يقنع بالحلف بالله

عن ابن عمر  قال : قال رسول ﷺ لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله" رواه ابن ماجة بسند حسن. 

قال: لا تحلفوا بآبائكم ينهيه عن الحلف بالآباء لأن الحلف بالآباء من الشرك فكانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام يحلفون بآبائهم فثبت عن الرسول ﷺ نادى عمر وكان يحلف بأبيه فقال لا تحلفوا بآبائكم ولا بالأنداد فمن كان حالفاً فليحلف بالله. وفي حديث آخر من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك وما يُغنيه عن الحلف بغير الله هو تحريم الحلف بغير الله مثل تحريم الحلف بالآباء ، وذلك لأنه من المحرمات الشركية الحلف بالآباء فمن يحلف بأبيه أو بالأمانة أو بالكعبة أو بحياة فلان أو بالعرش أو بالكرسي أو بلحية فلان أو شرف فلان كل هذا من المحرمات الشركية أو بالنبي وينبغي للإنسان أن يعود لسانه ألا يحلف بالأمانة وألا يحلف بالنبي أن يعودوا ألسنتهم فكانوا في الجاهلية يحلفون باللات فقال الرسول ﷺ من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله فهذه تكفر هذه.

فقال لا تحلفوا بآبائكم تحريم الحلف بغير الله بالأب وأنه من المحرمات الشركية شرك أصغر من كان حالفا فليحلف بالله ومن حلف بالله فليصدق وهذا واجب الصدق واجب  في الحديث وغيره قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ يجب على الإنسان أن يصدق في أقواله وأفعاله وقال  وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ ثم قال  بعد ذلك أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا قال ذلك خيراً له.

ومن خصال أهل البر : أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا عندما ذكر آية البر خصال أهل البر الصابرين في البأساء والضراء وقال تعالى أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ أهل البر من خصالهم الصدق أهل البر هم الصادقون صادقون في أقوالهم وأفعالهم.

فالواجب على الإنسان أن يصدق في أقواله وأفعاله واعتقاده فالمنافقون ليس عندهم صدق في اعتقادهم يخبرون عن أنفسهم بأنهم مؤمنون وقلوبهم مكذبة كما قال الله وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ وقال: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ فالمنافقون كاذبون في اعتقادهم كما أنهم كاذبون في أقوالهم وأفعالهم والواجب الصدق في الاعتقاد والقول والفعل، ينبغي أن يكون اعتقاد الإنسان مطابقا قوله وأن ينطق بالشهادتين ويثق بمعناها يؤمن ظاهرا وباطنا هذا هو الصادق المؤمن الصادق أما المنافقون يقولون لا اله إلا الله لا يقولونها عن صدق إنما عن نفاق بل يقولونها وقلوبهم مكذبة -نعوذ بالله-وكذلك الصدق في الأفعال والأقوال لأنه من الواجبات .

ومن حلف له بالله فليرض يعني تعظيماً لله وليرض بحكم الشرع الذي جعل له اليمين على صاحبه إذا لم يكن عنده بينة لأنه هو الذي فرط في عدم إتيانه ببينة أو في عدم طلب البينة ،فلما فرط في عدم إتيان بينة ليس له إلا أن يرضى. يرضى بحكم الشرع وإن لم يرض بخصمه الذي جحد حقه لكن يرضى بحكم الشرع ومن لم يرض فليس من الله هذا الوعيد الشديد والحديث فيه تحريم الحلف بالآباء والحلف بغير الله وفيه وجوب الصدق وجوب الرضا لحكم الله وفيه الوعيد الشديد لمن لم يرض بحكم الله.

ثم قال باب قول ما شاء الله وشئت

عن قتيلة، أن يهوديًّا أتى النبي ﷺ فقال: إنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي ﷺ إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: "ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء ثم شئت" رواه النسائي وصححه.

هذا الحديث فيه إن الرسول ﷺ نهاهم عن الحلف بالكعبة وكانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام يحلفون بغير الله يقولون والكعبة فأمرهم أن يقولوا ورب الكعبة.فإذا كانت الكعبة هي بيت الله ومشرفة لا يجوز الحلف بها فغيرها من باب أولى،الصحيح هو ورب الكعبة وكذلك أمرهم النبي ﷺ أن يقولوا ما شاء الله ثم شئت لأنه إذا جاء بكلمة ثم فإن المعطوف يأتي بعد المعطوف عليه بمهلة وتراخي وترتيب والفاء تفيد التعقيب والواو تفيد الجمع لا ترتيباً ولا تقديماً ولا تأخيراً وطبعاً هذا القول -ماشاء الله وشئت- لا يجوز لأنه عطف مشيئة المخلوق على مشيئة الخالق شرك بين الخالق وبين المخلوق ولا يجوز أن تعطف مشيئة المخلوق على مشيئة الخالق أو تكون مساوية له لأن مشيئة المخلق لا تأتي إلا بعد مشيئة الله كما قال تعالى وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا لهذا أرشدهم النبي ﷺ لقول ماشاء الله ثم شئت فمشيئة الله أولاً ثم تأتي مشيئة المخلوق متراخية متأخرة عن مشيئة الخالق رواه النسائي وصححه.

وله أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً قال للنبي ﷺ: ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندًّا؟ قل: ما شاء الله وحده. في مسمى يسمى هذا التنديد :التنديد الأصغر والتنديد الأكبر، التنديد الأكبر: هو أن يجعل مع الله ندا يدعوه ويحبه كما يحب الله يذبح له ينذر له يركع له والتنديد الأصغر كالحلف بغير الله .

فالأحوال ثلاثة :

الحالة الأولى قول ما شاء الله وحده وهذا أكمل.

الحالة الثانية ما شاء الله ثم شئت وهذه حالة جواز.

الحالة الثالثة ماشاء الله وشئت هذه حالة منع.

ولابن ماجة عن الطفيل أخي عائشة لأمها أنه قال " رأيت (يعني في المنام) كأني أتيت (يعني مررت) على نفر من اليهود فقلت أنكم لأنتم القوم –أي القوم الممدوحون الذي عندكم عقل و عندكم أعمال طيبة -لَولا أنَّكم تقولون  أنَّ عُزَيرًا ابنُ اللَّهِ (فقالَوا له في الرؤيا) وأنتُم القَومُ لَولا أنَّكم تقولونَ ما شاءَ اللَّهُ وشاءَ محمَّدٌ ثمَّ مرَّرت على نفر منَ النَّصارَى إنَّكم أنتُم القَومُ لَولا أنَّكم تقولونَ المسيحُ ابنُ اللَّهِ قالوا وإنَّكم أنتُم القَومُ لَولا أنَّكم تقولونَ ما شاءَ اللَّهُ وشاءَ محمَّدٌ فلمَّا أصبحَ أخبرَ بِها مَن أخبرَ ثمَّ أتَى النَّبيَّ ﷺ فأخبرَهُ فقالَ هل أخبَرتَ بِها أحدًا؟ قالَ نعَم فحمِدَ اللَّهَ وأثنَى علَيهِ ثم قال: أما بعد وهنا مشروعية حمد الله والثناء عليه قبل الخطبة وقبل الموعظة وأما بعد هي كلمة للانتقال من بداية الخطبة إلى صلب الموضوع كان الرسول ﷺ يقولها في خطبه ورسائله في كتابه إلى هرقل قال من محمد ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، أما بعد: أسلم تسلم وأحسن من قول وبعد أما بعد أحسن من قول وبعد وأول من قالها داود .

ثمَّ قالَ إنَّ طُفَيْلًا رأى رؤيا فأخبرَ بِها مَن أخبرَ بها منكُم وإنَّكم كنتُم تقولونَ كلمةً كانَ يمنَعُني كذا وكذا كأن يمنعني كذا وكذا-وقيل الحياء- كان الرسول ﷺ يستحي أن ينهى عنها والله تعالى لم ينهه عنها أو يذكرها" كان رسول الله ﷺ أشد حياءً من العذراء في خِدْرها. فكان الرسول ﷺ يستحي فهو لا يريد أن يشرك مشيئته بمشيئة الخالق لكن يستحي أن ينهاهم ولم يأمره الله بنهيها فلذلك كان الحياء فلما أمره الله نهاهم عنها و قال فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده.

و هذا الحديث فيه النهي عن قول ما شاء الله و شئت لأنها من الشرك الأصغر والدليل أن النبي ﷺ أقر على اليهود والنصارى (إنكم تشركون) و هو شرك أصغر و تنديد أصغر ، و فيه معنى الشرك الأصغر  وفيه فهم اليهود للشرك الأصغر والنصارى فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد و فيه فهم الإنسان إذا كان له هوى وهم هنا انتقدوا على الطفيل قول ما شاء الله وشاء محمد ولم ينتبهوا للعيب الذي هم فيه قول عزير ابن الله فهم فطنوا عن الشرك الأصغر ونسوا الشرك الأكبر الذين هم وقعوا فيه عندما قالوا عزير ابن الله. و لكنهم لم يتخلصوا من الشرك الأكبر الذي هم واقعين فيه.

الرؤى الصالحة من أقسام الوحي كما جاء في الحديث الرؤية الصالحة جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة  وقد تكون الرؤية سبباً في تشريع بعض الأحكام فمثلاً رؤية طفيل كانت سبباً في شرعية هذا الحكم و النهي عن قول ما شاء الله وشاء محمد و كان الناس في الأول في أول الهجرة يقولون ذلك ويحلفون بآبائهم وبالكعبة ومن ثم بعد ذلك استقرت الشريعة وكملت الشريعة فنهى الله على لسان نبيه ﷺ للمؤمنين عن قول ما شاء الله و شاء محمد و أن يحلفوا بغير الله و استقرت الشريعة على تحريم الحلف بغير الله و المنع عن قول ما شاء الله و شئت .

المتن:

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد :

باب: من سب الدهر فقد آذى الله
وقول الله تعالى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] .
في "الصحيح" عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار وفي رواية: لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر.

ثم قال رحمه الله تعالى:

باب: التسمي بقاضي القضاة ونحوه
في "الصحيح" عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله.
قال سفيان: مثل "شاهان شاه".
وفي رواية: أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه.
قوله أخنع يعني أوضع.

الشرح :

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد :

قال الإمام الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: باب من سب الدهر فقد آذى الله.

وهذا الباب مناسبة ذكره في كتاب التوحيد أن سب الدهر يتضمن الشرك بالله لأن الدهر هو الزمان وهو الليل والنهار والله تعالى هو مصرفه ومقلبه والسب إذا وقع على من دبَّره ولهذا ذكر المؤلف رحمه الله هذا الباب في كتاب التوحيد ، وسب الدهر مثل ( سب الزمان ، سب الساعة ) وكثير من الناس يلعن الساعة، يلعن الوقت ، وليس ذلك من  وصف الجو الحار والبارد ( يوم حار يوم بارد ) فهذا ليس من سب الدهر لأنه وصف لليوم .السبّْ فيه ذم الدهر و هذا وصف (19:27).كما قال (لا تأمن الدهر الخؤون ) أو قبحاً لهذه الساعة قبحاً لهذا الدهر.

قال الله تعالى وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ هذه الآية في بيان فلاسفة الدهرية  ومن تبعهم من مشركي العرب الذين أنكروا البعث والميعاد (20:18) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا الواو لا تفيد العطف هنا و لا تفيد الترتيب قدم الموت على الحياة لأن الواو لا تفيد الترتيب وهم يقولون نحيا في الدنيا ثم نموت وليس بعدها حياة وما يهلكهم إلا مر الليالي والأيام وليس هناك حساب أو جزاء ولا بعث و لا نشور وأنكروا البعث فرد عليهم الله وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ.  يعني ليس لهم دليل على هذا القول وقولهم -إن الدهر يهلكهم-ليس لهم دليل لا من الحس ولا من العقل ولا من الفطرة و لا من الشرع ومن كان هذا شأنه فلا يكون في ميزان العلم " لهذا قال تعالى: وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ العلم هو اليقين إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ تخرصوا تخرصات و أوهام لأن القول لا بد له من دليل  والدليل يكون من العقل أو الشرع أو الحس أو الفطرة وما لا يوجد عليه دليل فلا يعد في ميزان العلم  -العلم اليقين- إلا أنهم يترخصوا -يتوهموا - وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ

في "الصحيح" عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار وفي رواية: لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر. -أي خالق الدهر ومصرفه-،والروايات تفسر بعضها بعضاً فإن الله هو الدهر ويرد على من يسب الدهر أقلب الليل والنهار ففسر الدهر بأنه مدة. و فيه أن سب الدهر هو أذية لله لكن لا (23:24)، الأذية هي :ما خفَّ أمره وضعف أثره من الشر و المكروه يقال له أذى ولكن الله تعالى لا يضر أحد من خلقه كما قال تعالى وَلا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً وقيل في اللغة وكما قال الخطابي هو ما  ضعف أمره وخف أثره من الشر والمكروه و في النهاية أنَّ هذا يُغضب الله كما قال تعالى إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا الكفار يؤذون المؤمنين بكلامهم لكن الله لا يضرونه ، لا يضرون إلا أنفسهم لا يلزم من الأذى الضرر فهم لا يضرون إلا أنفسهم.

و هذا الحديث القدسي من كلام الله لفظاً و معنى مثل القرآن إلا أنَّ القرآن له أحكام مختلفة فالقرآن متعبد بتلاوته لا يجوز مسه إلا بوضوء ،والقرآن مليء بالمعجزات والأحكام .قال تعالى في الحديث القدسي :" يؤذيني ابن آدم يسب الدهر لأنَّ السب يقع على المدبِّر و سب الدهر فيه محاذير  متعددة منها أن السب يقع على المدبر ،ومنها أن سب الدهر من كبائر الذنوب وقد يكون كفراً إذا اعتقد أن الدهر هو المتصرف.

ليس الدهر من أسماء الله فقد غلط الأئمة ابن حزم حين عد الدهر من أسماء الله وعده بأنه متصرف وهذا خطأ فاحش قال ابن حزم أن " الدهر من أسماء الله " و استدل بهذا الحديث و هذا خطأ معنى الحديث إن الله خالق هذا الدهر ومتصرف في هذا الدهر ومدبره، و الروايات يُفسر بعضها بعضاً ،و أن الله تعالى هو الذي بيده الأمر يقلب الليل والنهار.

في هذا الحديث النهي عن سب الدهر و النهي عن أذية لله و لكن لا يضره أحداً من خلقه. وفيه أن سب الدهر ولو لم يقصد معناها مثل سب الساعة واليوم (قبح لهذا اليوم،قبح لهذا الساعة مثل بعض الشعراء الذين يسبون الدهر( قُبحٌ لوجهك يا زمان )و كما قال الحريري (لا تأمن الدهر الخؤون ) أما الوصف مثل الحرارة و البرودة فهو مباح فهو وصف لهذا اليوم .قال الله تعالى قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا وقال ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ وهذا هنا وصف له وليس سب . وكذلك فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ التي أهلك الله فيها قوم هود فهي وصف للأيام وليست سبّا كما وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ وهو وصف لليوم.

ثم قال المؤلف رحمه الله باب: التسمي بقاضي القضاة ونحوه
في "الصحيح" عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله. قال سفيان: مثل "شاهان شاه". وفي رواية: أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه. قوله أخنع يعني أوضع.

ترجمة الأحاديث: النهي عن التسمي بما هو من خصائص الله باسم خاص بالله تعالى  مثل (قاضي القضاة) ونحوه و هذا لا يجوز لأن فيه مشاركة لله بأسمائه ومن شارك الله بأسمائه فيهلكه لأن الإنسان ليس له خصائص من خصائص الله تعالى.

وعندما سمى مسيلمة نفسه ب(الرحمن) لزمه اسم الكذب فأصبح (مسيلمة الكذاب) فلا يجوز التسمي (الرحمن ،الخالق ،الرازق،حاكم الحكام ،ملك الأملاك، سلطان السلاطين) لأن كلها من أسماء الله .و المؤلف رحمه الله تفقه في هذه الترجمة على طريقة البخاري رحمه الله و كأنه لما قرأ حديث إن أخنع اسم عند الله رجل يتسمَّى ملك الأملاك قال هذا منهي عنه فهل يُقاس عليه غيره قيل نعم يُقاس مثل قاضي القضاة فالله تعالى هو قاضي القضاة ،وقد يكون قاضي بمعنى رئيس قاضي القضاة رئيس القضاة و إذا أُضيف إلى البلد يكون أخف ( قاض قضاة الشام ، قاض قضاة مصر ، قاض قضاة نجد ، قاض قضاة السعودية ) لا بأس إذا أُضيف لأنه أصبح مُقيدا بمنطقة معينة. لأن الله هو قاضي القضاة وحاكم الحكام وسلطان السلاطين.

قال سفيان (عند العجم شاهان شاه) معناها ملك الأملاك شاه : ملك شاهان: الأملاك العجم يقدمون الموصوف على الصفة .

وفي رواية إن أخنع اسم يعني أوضع اسم ، و في رواية أنَّ أبغض رجل يعني أخبثهم و أنه بغيض من الله ،مغضوب عليه.ولهذا عندما تسمى رئيس إيران شاهان شاه أذله الله و أخزاه و زال عنه ملكه و أُخرج من بلده مذلولاً حقيراً بسبب تسميته بهذا الاسم تحقيقاً لهذا الحديث إن أوضع رجل عند لله وأخبثه و أخزاه الله وأذله وأخرج من بلده حقيرا  لأنه تسمى بشيء  من خصائص الله (قاض القضاة ،سلطان السلاطين، حاكم الحكام)و أغيض : من الصفات الخاصة بالله أي مغضوب عليه و مبغوض .ومن آثار الغضب والبغض : العقوبة ولهذا عاقب رئيس إيران لما تسمى شاهان شاه لما أزال الله ملكه نسأل الله السلامة والعافية.وإذا أضيف (قاضي قضاة كذا ) فهو مستحسن مثل قاضي قضاة البلد الفلاني .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد