شعار الموقع

34- شرح كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين

00:00
00:00
تحميل
44

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

يقول الأمام ابن القيم رحمه الله في كتابه "طريق الهجرتين وباب السعادتين":

متن: وأما نفاة الحكمة والأسباب، وكان قال قبلها واتباع الرسُل يجعلون ذلك كله داخل تحت ملكه وقدرته.

شرح: نفاة الحكمة والأسباب الجبرية وفيها القدرية يقابلهم القدرية، أعداء السنة الطوائف الثلاث: المعتزلة والقدرية ينفون القدر والجبرية يغلون في مغلاة القدر، وينفون الحِكَمْ والأسباب، وأهل السنة وسط يثبتون قدرة الله وقدره ويثبتون أحكامه، وأما نفاة الحكمة والأسباب وهم الجبرية من الجهمية والصوفية والأشاعرة، جبرية لكن متوسطون ليسوا هناك وسط، من وسطتيهم أنهم يثبتون الأسباب بدون سبب، يرون السكين لا تقطع ولكنها الله يوجد القطع عند السكين لا بالسكين هذه الأشاعرة، يبقي السكين ما تقطع، والأكل ما يشبع، والماء ما يروي، فرأوا أن يكون هناك شيء من الله، يوجد مؤثر مع الله، السكين لا تقطع لكن إذا جرت السكين الله يوجد القطع، والماء لا يروي ولكن إذا شربت الله يوجد الريء، والأكل لا يشبع لكن إذا أكلت الله يجري الشبع، فرارًا من إثبات الأسباب.

متن: وأما نفاة الحكمة والأسباب من مثبتي القدر فهم في الحقيقة لا يثبتون له حمدًا كما لا يثبتون له الحكمة.

شرح: الجبرية ما يثبتون لله حمدًا ولا يثبتون له حكمة، ما يحمدون الله لأنهم يقولون الإنسان مجبور على أفعاله.

متن: فهم في الحقيقة لا يثبتون له حمدًا كما لا يثبتون له الحكمة فإن الحمد من لوازم الحكمة، والحكمة إنما تكون في حق من يفعل شيئًا لشيء فيريد بما يفعله الحكمة الناشئة من فعله، فأما من لا يفعل شيئًا لشيء البتة فلا يُتصور في حقه الحكمة.

وهؤلاء يقولون: ليس في أفعاله وأحكامه لام تعليل، وما اقترن بالمفعولات من قوى وطبائع ومصالح.

شرح: لام التعليل ما توجد، والقرآن ملآن، {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ملآن من لام التعليل، كيف يفعلون؟ يقولون هذه لام العاقبة يقولونها لام العاقبة مثل {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}، هذه تسمي لام العاقبة، آل فرعون التقطوا موسي ليكون لهم أيش؟ ليكون ولد، ما يكون عدو، لكن العاقبة صارت كان لهم عدوًا وحزنًا، هذه تسمي لام العاقبة، فالجبرية كل اللام عندهم لام العاقبة، ما عندهم لام التعليل ولا عندهم الحِكم ولا الأسباب ولا الغرائز ولا الطرائق كلها ينفونها.

 متن: وهؤلاء يقولون: ليس في أفعاله وأحكامه لام تعليل، وما اقترن بالمفعولات من قوى وطبائع ومصالح، فإنما اقترنت بها اقترانًا عاديًا، لا أن هذا كان لأجل هذا، ولا شاء السبب لأجل المسبب، بل لا سبب عندهم ولا مسبب البتة، إن هو إلا محض المشيئة وصرف الإرادة التي ترجح مثلًا على مثل، بل لا مرجح أصلًا، وليس عندهم في الأجسام طبائع وقوى تكون أسبابًا لحركاتها، ولا في العين قوة امتازت بها على الرِّجْل يُبصر بها.

شرح: يعني العين ما تبصر كما أن الرجل ما تبصر فالعين لا تبصر، ما في فرق بين العين والرجل.

متن: ولا في القلب قوة يُعقل بها امتاز بها على الظهر، بل خصَّ سبحانه أحد الجسمين بالرؤية والعقل والذوق تخصيصًا لمثل على مثل بلا سبب أصلًا.

شرح: ما فرق بين القلب وبين الظهر، القلب يعقل والظهر كذلك، كلاهما سواء، هذا من جهلهم وضلالهم.

متن: بل خصَّ سبحانه أحد الجسمين بالرؤية والعقل والذوق تخصيصًا لمثل على مثل بلا سبب أصلًا ولا حكمة.

شرح: خصَّ الإنسان بالذوق وكذا، هذا كذلك ليس بزهو وإنما فقر، جعلية.

متن: فهؤلاء لم يثبتوا له كمال الحمد، بل لم يثبت له أولئك كمال الملك، وكلا القولين منكر عند السلف وجمهور الأمة، ولهذا كان منكرو الأسباب والقوى والطبائع يقولون: العقل نوع من العلوم الضرورية كما قاله القاضيان أبو بكر بن الطيب وأبو يعلى بن الفراء وأتباعهما.

وقد نص أحمد على أنه غريزة، وكذلك الحارث المحاسبي وغيرهما، فأولئك لا يثبتون غريزة ولا قوة ولا طبيعة ولا سببًا.

شرح: الجبرية.

متن: وأبطلوا مسميات هذه الأسماء جملة وقالوا: إن ما في الشريعة من المصالح والحكم لم يشرِّع الرب سبحانه ما شرع من الأحكام لأجلها بل اتفق اقترانها بها أمرًا اتفاقيًا، كما قالوا نظير ذلك في المخلوقات سواء، والعلل عندهم أمارات محضة لمجرد الاقتران الاتفاقي.

وهما فريقان: أحدهما لا يعرِّجون على المناسبات ولا يثبتون العلل بها البتة، وإنما يعتمدون على تأثير العلة بنص أو إجماع، فإن فقد فزعوا إلى الأقيسة الشبهية.

والفريق الثاني: أصلحوا المذهب بعض الإصلاح وقوَّموه بعض الشيء وأزالوا تلك النُفرة عنه، فأثبتوا الأحكام بالعلل والعلل بالمناسبات والمصالح، ولم يمكنهم الكلام في الفقه إلا بذلك.

سؤال غير واضح من أحد الحضور: (9:35).

الشيخ: الغزالي دخل في الصوفية، في بعض كتبه قال شيخنا الغزالي دخل في الفلسفة ولم يستطع الخروج منها.

سؤال: وذكر الصنف الثاني أنه محتاج إلى ذكر العلم والمناسبات من أجل استخدامه في الفقه، واضطروا أنهم يثبتون علة وسبب على نقيض الأولين الذين مضوا.

الشيخ: في غير أفعال الله يمكن.

متن: ولكن جعلوا اقتران أحكام تلك العلل والمناسبات بها اقترانًا عاديًا غير مقصود في نفسه.

شرح: هذا قول الأشاعرة اقترانًا عاديًا، فإذا قيل السكين ما تقطع، قالوا لماذا تقطع السكين، قالوا جرت العادة أن السكين تقطع وإلا ما هو بسبب، هذا قول الأشاعرة  الآن يسمونه اقترنًا عاديًا، هذه الأشاعرة الآن متوسطون، والجبرية متوسطون، والجهمية غُلاة مع الصوفية.

متن: ولكن جعلوا اقتران أحكام تلك العلل والمناسبات بها اقترانًا عاديًا غير مقصود في نفسه، والعلل والمناسبات أمارات ذلك الاقتران.

شرح: أمارات يسمونها أمارة، العلل يسمونها كذلك في قياس أصول الفقه، تجدون، يُدرس على مذهب الأشاعرة، يسمونها أمارات في باب العلة والقياس، تُدرَّس هكذا البعض يُدرسها ويمشي على مذهب الأشاعرة، فننبه على هذا، تسمية الأمارات غلط، الأمارات مثل دخول الشمس أمارة على دخول وقت المغرب، زوال الشمس هذه الأمارة، لكن العلة لا، تختلف.

متن: وهؤلاء يستدلون على إثبات علم الرب تعالى بما في مخلوقاته من الإحكام والإتقان والمصالح، وهذا تناقض بيِّن منهم، فإن ذلك إنما يدل إذا كان الفاعل يقصد أن يفعل الفعل على وجه مخصوص لأجل الحكمة المطلوبة منه، وأما من لم يفعل لأجل ذلك الإحكام والإتقان وإنما اتفق اقترانه بمفعولاته عادة فإن ذلك الفعل لا يدل على العلم، ففي أفعال الحيوانات من الإحكام والإتقان والحكم ما هو معروف لمن تأمله، ولكن لمّا لم تكن تلك الحكم والمصالح مقصودة بها لم تدل على علمها.

والمقصود أن هؤلاء إذا قالوا: إنه تعالى لا يفعل لحكمة امتنع عندهم أن يكون الإحكام دليلًا على العلم، وأيضًا فعلى قولهم يمتنع أن يحمد على ما فعله لأن ما حصل للعباد من نفع، فهو سبحانه لم يقصد بما خلقه نفعهم، ولا خلقه لنفعهم ومصالحهم، بل إنما أراد مجرد وجوده لا لأجل كذا ولا لنفع أحد ولا لضره، فكيف يتصور في حق من يكون فعله ذلك  حمد؟ فلا يُحمد على فعل عدل، ولا على ترك ظلم، لأن الظلم –عندهم- هو الممتنع الذي لا يدخل في المقدور.

شرح: هذا تعريف الظلم عند الجهمية، الممتنع الذي مستحيل على الله كالجمع بين النقيضين، مستحيل يعني الظلم هو تصرف المالك في مملوكه، أو مخالفة الأعمال، والله تعالى مالك كل شيء، وليس فوقه أحد، إذا ما يوجد الظلم؟ مستحيل عند الجبرية، وقابلهم القدري فقالوا: الظلم، كل ظلم صدر من المخلوق فإنه يكون ظلمًا من الله، شبهوا الله بخلقه، ما كان ظلمًا وقبيحًا من المخلوق إذا فعله يكون ظلمًا من الله، (15:00) أو يحمله أوزار غيره، إذًا الجبرية  الظلم ما يوجد عند الجبرية، مستحيل، ما في، ما يوجد، والله تعالى لو كان مستحيل ما نفاه الله قال: {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}.

{فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا}.

كيف يؤمن الإنسان من شيء مستحيل؟!

الله تعالى أمنه، قال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا}. يكون مستحيل يخاف، يخاف من المستحيل.

متن: لأن الظلم –عندهم- هو الممتنع الذي لا يدخل في المقدور، وذلك لا يُمدح أحد على تركه.

شرح: هم القدرية، معتزلة الصفات، قدرية في الأفعال.

متن: وكل ما أمكن وجوده فهو عندهم عدل، فالظلم مستحيل عندهم إذ هو عبارة عن الممتنع المستحيل لذاته الذي لا يدخل تحت المقدور.

شرح: لا يدخل تحت قدرة الله، مستحيل، كل شيء تحت قدرة الله لا يكون ظلمًا.

متن: ولا يُتصور فيه ترك اختياري فلا يتعلق به حمد، وإخباره تعالى عن نفسه بقيامه بالقسط حقيقته عندهم مجرد كونه فاعلًا لا أن هناك شيئًا هو قسط في نفسه يمكن وجود ضده، وكذلك قوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيد}، نفي عندهم لما هو مستحيل في نفسه لا حقيقة له، كجعل الجسم في مكانين في آن واحد.

شرح: كما أن هذا مستحيل فهذا مستحيل، ما يمكن أن يكون الجسم في مكانين، فكذلك الظلم مستحيل، إذًا ما الفائدة من نفيه إذا صار مستحيل؟! ينفي الشيء المستحيل؟! هذا من جهلهم وضلالهم.

متن: وجعله موجودًا معدومًا في آن واحد.

شرح: هذا مستحيل الجمع بين النقيضين، ما يوجد الشيء موجود معدوم، هذا النقيضين لا يرتفعان ولا يجتمعان، ما تقول الشيء المعدوم موجود في واحد، وإذا وجد إذ أثبت الوجود انتفى انعدامه وإذا أثبت انعدامه انتفى الوجود، وكذلك ما ترفع النقيضين، ما تقول لا وجود ولا معدوم، مع النقيضان ما يرتفعان ولا يجتمعان، يقول لا موجود ثبت العدم وإذا قلت لا معدوم ثبت الوجود.

متن: فهذا ونحوه عندهم هو الظلم الذي تنـزه عنه، وكذلك قوله: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلتهُ بينكم مُحرَّمًا، فلا تظالموا» فالذي حرمه على نفسه هو المستحيل الممتنع لذاته كالجمع بين النقيضين وليس هناك ممكن يكون ظلمًا في نفسه وقد حرَّمه على نفسه، ومعلوم أنه لا يمدح الممدوح بترك ما لو أراده لم يقدر عليه.

شرح: هذا الإنسان يُمدح على ترك المستحيل.

متن: وأيضًا فإنه قال: «وجعلتهُ مُحرمًا بينكم» فالذي حرَّمه على نفسه هو الذي جعله محرَّمًا بين عباده وهو الظلم المقدور الذي يستحق تاركه الحمد والثناء.

والذي أوجب لهم هذا مناقضة القدرية المجوسية ورد أصولهم وهدم قواعدهم، ولكن ردوا باطلًا بباطل وقابلوا بدعة ببدعة وسلطوا عليهم خصومهم بما التزموه من الباطل فصارت الغلبة بينهم وبين خصومهم سجالًا مرة يغلبون ومرة يُغلبون لم يستقر لهم نصرة، وإنما النصرة التامة لأهل السنة المحضة.

شرح: يعني المصادمات بين القدرية وبين الجبرية، المصادرات والمغالبات هؤلاء يغلبون هؤلاء وهؤلاء يغلبون هؤلاء، وأهل السنة معهم الحق، أخذوا أدلة هؤلاء القدرية وصفعوا بها وجوه الجبرية فأبطلوا بها مذهبهم، وأخذت الجبرية وصفعوا بها وجوه القدرية فأبطلوا مذهبهم، ويستدل بالأدلة من الجانبين.

 متن: وإنما النصرة التامة لأهل السنة المحضة الذين لم يتحيزوا إلى فئة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يلتزموا شيئًا غير ما جاء به، ولم يؤصِّلوا أصلًا ببدعة يسلطون عليهم به خصومهم، بل أصلهم ما دل عليه كتاب الله وكلام رسوله وشهدت به الفطر والعقول.

[فصل]

 والمقصود بيان شمول حمده سبحانه وحكمته لكل ما يحدثه من إحسان ونعمة.

سائل: العبارة التي قال فيها: الفريقان أحدهما لا يُعرِّجون على المناسبات ولا يثبتون العلل بها البتة، وإنما يعتمدون على تأثير العلة بنص أو إجماع، فإن فقد فزعوا إلى الأقيسة الشبهية.

هم ذكروا الفريق الثاني الذي ذكرت -عفا الله عنك- هم الأشاعرة، هؤلاء من هم؟

الشيخ: الجبرية هم الغلاة من الجهمية والصوفية.

السائل: لكن الجهمية والغلاة يظنون الاعتماد على علة الموصول.

الشيخ: لا، الجبرية وغلاتهم ينفون العلل.

السائل: وإنما يعتمدون على تأثير العلة بنص أو إجماع، فإن فقد فزعوا إلي الأقيسة.

الشيخ: هذه القدرية والقدرية يعتمدون على العلل ويغلون فيها، هذا الفريق الثاني القدرية المعتزلة، هم يعتمدون على الحكم والعلل والأسباب، يعتمدون عليها والجبرية ينفونها، هذا يغلون في إثباتها وهؤلاء يغلون في نفيها، والأشاعرة وسط يعني أقل من الجبرية وأقل من الصوفية والجهمية لأنهم يثبتون الأسباب على أنها من باب الاقتران العادي، وأولئك لا يثبتون من الأساس لا في اقتران ولا في غير اقتران، والفريقان المتقابلان هم القدرية والجبرية.

السائل: بعض المصنفين من الأشاعرة يقول ومن تأمل وجد أن مذهبنا مآله إلى قول الجبرية.

الشيخ: من هم؟

السائل: نسيتهم.

الشيخ: يمكن الأشاعرة، هم جبرية لكن من تأمله عرف أنه يوافق قول الغلاة وأن إثبات الأسباب العادية لا قيمة له.

logo
2025 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد